• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

الاستبداد السياسي والرِّضا به أصل كل بلاء

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد؛

فيحدثنا القرآنُ أنَّ سقوطَ الأمم وهلاكَ المجتمعات يبدأ حين يتسلمُ المسؤوليةَ حفنةٌ من المترَفين الفَسَقة، أو الإداريِّين الظَّلَمة، أو المجرمين الطُّغاة، فيمارسون من مواقعِ السلطةِ كلَّ أسلوبٍ من شأنِه أن يؤولَ إلى إلحاقِ التفكُّكِ والدمارِ بالجماعةِ أو الأمةِ التي ارتضتْهم قادةً لها، فاستبدُّوا بالأمر، واعتبروا رُؤاهم وتشريعاتِهم الذاتيَّةَ القاصرةَ المفكَّكةَ هي الحدودَ النهائية لموقف الإنسان في العالم، واستخدموا أقصى وأقسى درجاتِ القَسْوة والطَّيْش لِصَدّ قومِهم عن الحقِّ أو الدعوةِ إليه، يُردِّدون مقالةَ فرعون: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر:29).

يحدثنا القرآنُ عن ذلك فيقول: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً. وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾ (الإسراء:16-17).

وأروعُ ما في هذا التعبيرِ القرآنيِّ أنه يُصوِّر هؤلاء الطغاةَ المستبدّين على أنهم أدواتٌ بيدِ الله، يُسَخِّرهم من حيثُ لا يَدْرون؛ لإنزالِ عقابِه العادلِ بطرفي الجريمة: السلطةِ الظالمةِ، والقاعدةِ الراضيةِ، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ (الأنعام:123)، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (الأنعام:129).

ما هو الاستبداد


في اللغة: استبدَّ فلانٌ برأيه، يعني: انفرد به.
والاستبدادُ: الانفرادُ والاستقلالُ بالرأي من غير مشورة. وهو يعني التسلُّطَ وفرضَ الرأي بالقوة، ويقتضي تكميمَ الأفواه، وقطعَ الألسن؛ فلا تتحدث إلا في مجال محدودٍ لا تتجاوزه، وبطريقةٍ معينةٍ لا تتغير، ولا يَدَعُ الاستبدادُ مجالاً لرأيٍ معارضٍ، أو فكرٍ محايدٍ، أو قولٍ صريحٍ، أو موقفٍ غير مؤيِّدٍ للمستبدّ، بل ينطلق الاستبدادُ أحياناً ليحجر على أفكار الإنسان وخواطره، بل يعد عليه أنفاسَه وزفراتِه!.

ومن أهم أسباب الاستبداد: اغترارُ المستبدِّ بقوتِه وأجهزتِه الأمنيَّةِ، وإعجابُه بعقلِه وكياستِه وتفطُّنِه لدقائق الأمور، مع استجهال الناسِ المخالفين له ولرأيه، وقد قيل: «مَنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ لَمْ يُشَاوِرْ، وَمَنْ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ كَانَ مِنْ الصَّوَابِ بَعِيدًا».

ومن أسباب الاستبداد كذلك: استصحابُ بطانةٍ من المنافقين الذين يستخفهم فيلوون الحقائق ويُزَيِّنون للمستبد الطغيانَ والإفساد، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه«نِعْمَ الْمُؤَازَرَةُ الْمُشَاوَرَةُ، وَبِئْسَ الِاسْتِعْدَادُ الِاسْتِبْدَادُ» .

وكان العربُ يقولون:
«آفةُ الرأي الاستبداد».
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: «الْخَطَأُ مَعَ الِاسْتِرْشَادِ أَحْمَدُ مِنْ الصَّوَابِ مَعَ الِاسْتِبْدَادِ». وكان يُقال: «إِذَا اسْتَبَدَّ الْمَلِكُ بِرَأْيِهِ عَمِيَتْ عَلَيْهِ الْمَرَاشِدُ، وانْبَهَمَتْ عَلَيْهِ المَقَاصِدُ».

وقد حذر النبيُّ صلي الله عليه وسلم من الاستبداد، وقال:
«إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ» والحُطَمة كالهُمَزة واللُمَزة: هو الذى يضرب الناس ولا يرحمهم، وهو مأخوذٌ من الحَطمْ، أو الحِطمْ، فيقال: راعٍ حُطَمة، إذا كان قليلَ الرحمة برعيَّتِه، والذي يسوقهم سَوْقاً شديداً عنيفاً لا رفقَ فيه، ويأخذهم بالشدة.
ويقال: الحُطَمة هو الأَكُولُ الحريصُ الذى يأكل ما يرى ويَقْضِمُه، فإنَّ دأبَ الحاكمِ المستبدِّ الجائرِ أن يكون سيءَ النفسِ ظالماً بطبعه، شديدَ الطمع فيما فى أيدي رعيته، لا يحرص على نفعهم بقدر ما يحرص على نفع نفسه ولو بظلم رعيته.

ودعا النبي صلي الله عليه وسلم على الأمير المستبد فقال:
«اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ».

وذكر النبي صلي الله عليه وسلم أنَّ المستبدين الظلمةَ من أهل النار، وربط بين الاستبداد السياسي وبين حصول الانحلال الخلقي في الأمة فقال: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا».

والاستبداد هو رأس أسباب الانهيار للمجتمعات، وكل أسباب الانهيار والسقوط التالية إنما تحصل أساساً -أو على الأقل تنمو وتزدهر- في أجواء الاستبداد والكبت.

الاستبداد أهم سبب لهزيمة الأمة

في ظل الاستبداد يتحول المجتمعُ إلى أكوامٍ بشرية لا علاقةَ بينها، إذ تشيع الأنانيات الفردية، وتتمزق شبكة العلاقات الاجتماعية، وتتعطل فعالياتُ العقيدة والرسالة في الحياة، وتموت معنويات الأمة، فلا تتحرك في مواجهة عدو، إذ ليس عدوَّها هي، بل عدوَّ حاكمِها المستبد، ومن هنا يتهدد الأمن القومي للأمة.

وإذا نظرنا إلى مراحل السقوط فى تاريخنا الإسلامى قاطبةً، وجدنا أنها كانت دائماً تمر بمراحل من الحكامِ الحُطَمةِ المستبدين، الذين يسوقون الأمةَ بأهوائهم وآرائهم، غير عابئين بالرفق بالرعية أو مشاورة أهل الرأي فيها، أو بأخذها إلى ما فيه صلاحُ حالها.

وقد سئل مروانُ بنُ محمد آخرُ ملوك بني أمية: ما الذي أضعف مُلْكَك بعد قوة السلطان وثبات الأركان؟ فقال: «الاستبدادُ برأيي».

حين يفرض الحاكم المستبدُّ على الأمةِ ألَّا تسمعَ إلا له، وألَّا تسيرَ إلا خلفه، وحينما يمنعُها أن تبديَ آراءَها، وحين يسلبُها حريَّتَها وكرامتَها، وحين يبيع قضاياها الكبرى رخيصةً لعدوها، وحين يفرض عليها ما يريد، ولا يسمح لها أن تعلنَ رأيَها؛ فلا بد أن تسقط الأمةُ وتنهار، ولا تصمدَ أمام عدو.

شتَّان في مجال الدفاعِ والأمن القومي بين شعبٍ يُحكَم بالشورى والعدل، وشعبٍ يُحكَم بالبطش والاستبداد والظلم والعتو.

شتَّان بين دولةٍ أساسُ الحكم فيها السجنُ والكرباجُ والتعذيب، ودولةٍ يقول حاكمُها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لوُلاته: «يَا أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللهَ عَظَّم حَقَّه فوقَ حقِّ خلقِه، فقَالَ فيما عَظَّمَ مِنْ حقِّه: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا المَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران:80) [أَلَا وَإِنِّي لَمْ أَبْعَثْكُمْ أُمَرَاءَ وَلَا جَبَّارِينَ، ولكِنْ بَعَثْتُكُمْ أَئِمَّةَ الهُدَي، يُهْتَدَي بِكُمْ، أدِرُّوا على المسلمين حقوقَهم، ولاَ تَضْرِبُوهم فَتُذِلُّوهُمْ، وَلاَ تُجَمِّرُوهُمْ (أي لا تحبسوهم بغير حق) فَتَفْتِنُوهُمْ، ولا تُغْلِقُوا الأَبْوَابَ دونَهم، فَيَأْكُلَ قَوِيُّهم ضَعِيفَهم، ولا تَسْتَأْثِرُوا عليهم فتَظْلِمُوهُم، ولا تَجْهَلُوا عليهم».

وفي رواية: «إِنِّي لَمْ أَبْعَثْكُمْ جَبَابِرَةً، وَلَكِنْ بَعَثْتُكُمْ أَئِمَّةً، فَلَا تَضْرِبُوا المُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلاَ تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلَا تَمْنَعُوهُمْ فَتَظْلِمُوهُمْ».

وما أروعَ قولَه رضي الله عنه : «أَيُّهَا الرُّعَاءُ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حِلْمٍ أَحَبَّ إِلَى اللهِ، وَلَا أَعَمَّ نَفْعاً مِنْ حِلْمِ إِمَامٍ وَرِفْقِهِ، وَلَيْسَ مِنْ جَهْلٍ أَبْغَضَ إِلَى اللهِ وَأَعَمَّ ضَرَراً مِنْ جَهْلِ إِمَامٍ وَفَرَقَهِ(يعني شدته)، وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذْ بِالْعَافِيَةِ فِيمَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ يُعْطَ العَافِيَةَ مِنْ فَوْقِه».

وصدق النبي صلي الله عليه وسلم حين قال: «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِم الحُلَمَاءَ، وَجَعَلَ أَمْوَالَهُمْ فِي أَيْدِي السُّمَحَاءِ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ بَلَاءً اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِم السُّفَهَاءَ، وَجَعَلَ أَمْوَالَهُمْ فِي أَيْدِي البُخَلَاءِ. أَلَا مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فِي حَوَائِجِهِمْ رَفَقَ اللهُ بِهِ يَوْمَ حَاجَتِهِ، وَمَن احْتَجَبَ عَنْهُمْ دُونَ حَوَائِجِهِمْ احْتَجَبَ اللهُ عَنْهُ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ».

وقال صلي الله عليه وسلم : «إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ؛ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا (أى الحياة خير لكم من الموت). وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلاَءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا» .(أى فالموت خير لكم من الحياة).

أفيمكن أن تخالفَ أمةٌ هذه المبادئَ الإنسانيةَ العاليةَ وهذه القيمَ الربانية الرفيعة ثم يكون لها شأنٌ أو كيانٌ محترمٌ، ويبقي اسمُها في سِجِلِّ الخلود؟!

أفيمكنُ لظالمٍ متجبِّرٍ مستبِدٍّ عنيدٍ ومظلومٍ محرومٍ أُشرب قلبُه الذُّلَّ وسكنَ إلى الأوضاعِ الفاسدةِ أن يقيما أمةً لها شأنٌ ودولةً لها كيان محترم!!

ذلك حُلْمُ المغرورين، وأمنيةُ البطَّالين، وما هو إلا كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يحسبُه الظمآنُ ماءً حتى إذا جاءه لم يجدْه شيئاً، ووجد الضياع والانهيار.

ومن ثم ينصح الإمامُ أبو يوسف القاضي أميرَ المؤمنين هارونَ الرشيدَ، فيقول له: «...وليس يلبث البنيانُ -إذا أُسِّس على غير التقوى- أنْ يأتِيَهُ اللهُ من القواعِدِ، فيهدمَه على مَنْ بَنَاهُ وأعانَ عليه، فلا تُضَيِّعنَّ ما قلَّدك الله من أمر هذه الأمة والرعية، فإنَّ القوةَ في العمل بإذن الله...».

فهل بقي لديك شكٌّ أيها القارئُ الكريم في أنَّ الاستبدادَ رأسُ المصائب التي تُعَجِّل بانهيار الأمم وسقوط المجتمعات؟!.

-----------------
أ.د / عبد الرحمن البر
أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر
وعضو مكتب الإرشاد
 
رد: الاستبداد السياسي والرِّضا به أصل كل بلاء

فعلاً هذه تحليل كافي ووافي وكما قال الشاعر .
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به .
رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها .
وهذا كان دستور الخليفة الفاروق رضي الله عنه ومن قبله رسولنا الكريم وخليفته الصديق ..
 
أعلى