• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

اليهود نقضة العهود

:k08:

اليهود نقضة العهود



الوفاء بالعهود والمواثيق مطلب دعت إليه الرسل؛ فرغبت أقوامها فيه، وحذرتهم من نقضها، والفطرة السليمة تدعو إلى الوفاء بالعهد والالتزام بما عاهد به الإنسان غيره سواء كان فرداً أم جماعة أم أمة.
ولأهمية الوفاء بالعهود ومنزلتها أمر الله تعالى بها في كتابه العزيز فقال: >> وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون << (النحل-9).
ورتب تعالى على ذلك جزاءاً عظيماً؛ فمن وفى بالعهود والمواثيق مع إيمانه بالله فجزاؤه السعادة الأبدية؛ فبعد أن بين تعالى جملة من صفات عباده الصالحين ومنها الوفاء بعهد الله وعدم نقض الميثاق قال بعد ذلك >> جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب << (الرعد-23).
وأما من نقض العهد فجزاؤه الطرد من رحمة الله تعالى، وسوء العاقبة كما قال تعالى: >> والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار << (الرعد-25).
فالوفاء بالعهد دليل على صلاح صاحبه وأمانته، ولتنظر ـ أخي القارئ ـ معي إلى حال اليهود مع العهود والمواثيق وهل كانت يهود أهل وفاء وصدق أم على العكس من ذلك.
ولاشك أن من عرف اليهود وقرأ تاريخهم علم التصاقهم بالغدر والخيانة، وشغفهم بنقض العهود والمواثيق في أي زمان ومكان؛ فقد نقضوا عهودهم مع الله تعالى، كما نقضوها مع رسله عليهم الصلاة والسلام. ومن نقض العهود مع الله تعالى ورسله هان عليه أن ينقض العهود مع سائر الناس.
ومعرفة ذلك عنهم لايحتاج إلى بعد نظر وطول عناء؛ فقد فضحهم الله تعالى في كتابه؛ فكشف عوراتهم، وبين سوءاتهم. وكما أن القرآن مليء بالآيات التي تبين حالهم من الغدر والخيانة؛ فالسنة مليئة بذلك أيضاً.
وكتب السير والتاريخ قد اتخمت بفضائح اليهود ومكرهم وخديعتهم، والناظر في أحوالهم هذه الأيام يعلم مدى حبهم لنقض العهود وما هذه المقالة إلا تذكيراً ببعض العهود التي نقضها اليهود، والمؤمن الحق لا يحتاج إلى كثرة أدلة؛ فتكفيه آية واحدة؛ ولكن ذكرت ذلك زيادة في اليقين، ورداً على أولئك الذين لازالوا يعيشون في الأوهام ويظنون أن اليهود يمكن أن يتعايش معهم سلمياً ويكونوا أصدقاء وإخواناً، وأنهم تغيروا عن سابق عهدهم، وأنهم تابوا عما مضى من غدرهم.
وهذه بعض الأمثلة من الكتاب والسنة والسيرة تبين غدرهم فيما مضى والواقع المشاهد باتفاقات السلام المزعوم يثبت أن اليهود هم اليهود، وأنهم لن يتركوا طباعهم ودنسهم ولن يتحولوا عنها حتى يتحول السراب إلى ماء زلال.
أمثلة من القرآن على غدرهم:
أخذ الله تعالى الميثاق على اليهود بعد أن رفع عليهم الجبل بأن يعملوا بالتوراة، ويأخذوها بقوة وصبر، وأن يدرسوا ما فيها ويحفظوها؛ حتى ينجو من الهلاك في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
قال تعالى: >> وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما ءاتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون << (البقرة-63).
قال ابن عباس: أمر الله جبلاً من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم؛ وذلك لأن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام؛ فأمر موسى قومه أن يقبلوها ويعملوا بأحكامها فأبوا أن يقبلوها للآصار والأثقال التي فيها، وكانت شريعة ثقيلة؛ فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام فقلع جبلاً على قدر عسكرهم، وكان فرسخاً في فرسخ فرفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل كالظلة، وقال لهم: إن لم تقبلوا التوراة أرسلت هذا الجبل عليكم".
وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "رفع الله فوق رؤوسهم الطور، وبعث ناراً من قبل وجوههم، وأتاهم البحر المالح من خلفهم >> خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا مافيه لعلكم تتقون << لكي تنجو من الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة؛ فإن قبلتم وإلا رضختكم بهذا الجبل، وأغرقتكم في هذا البحر، وأحرقتكم بهذه النار، فلما رأوا أن لا مهرب لهم عنها قبلوا وسجدوا، وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود فصار سنة لليهود، ولا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم".(1)
فهل ياترى وفوا بالعهد واستجابوا وأذعنوا لله تعالى؟!
كلا؛ بل أعرضوا وتولوا ونقضوا الميثاق كما قال تعالى: >> ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين << (البقرة-64).
غــدر آخــر:
أخذ الله الميثاق على اليهود في أعظم الحقوق وأجلها بأن يعبدوا الله وحده، وأن لا يشركوا به شيئاً. وهذا حق الله تعالى على عباده، ثم أخذ الميثاق عليهم في حقوق المخلوقين بعضهم لبعض؛ فبدأ بحق الوالدين ثم حقوق ذوي القربى الأقرب فالأقرب ثم حق اليتامى والمساكين وأن يقولوا للناس حسناً بأن يكلموهم كلاماً طيباً ويلينوا لهم الجانب ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وأن يصدقوا الناس في شأن محمد ؛ فيبينوا صفته ولا يكتموا أمره كما قال ابن عباس رضي الله عنه (2).
فهل وفوا بالميثاق ولم ينقضوا ؟
كلا؛ بل أعرضوا عنه إلا قليلاً منهم قال تعالى: >> وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لاتعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وءآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون << (البقرة-83).
غـدر ثالث:
من العهود والمواثيق التي أخذها الله تعالى على اليهود أن يترك بعضهم قتال بعض، وأن يُخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، وأن لا يظاهر بعضهم على بعض، وأن يفدوا أسراهم؛ فأقروا بمعرفة هذا الميثاق وصحته، وشهدوا عليه، ثم ماذا ؟!
لقد تركوه خلفهم ظهرياً فنقضوا العهد والميثاق إلا فداء الأسرى قال تعالى: >> وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون@ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون << (البقرة-84ـ 85).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أنبأهم الله بذلك من فعلهم، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم فكانوا فريقين: طائفة منهم بنو قينقاع وهم حلفاء الخزرج والنضير. وقريظة وهم حلفاء الأوس؛ فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه؛ حتى يسفكوا دماءهم بينهم. وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان؛ فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم تصديقاً لما في التوراة، يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس، ويفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم، ويطلبون ما أصابوا من دمائهم وقتلوا من قتلوا منهم فيما بينهم مظاهرة لأهل الشرك عليهم يقول الله تعالى: >> أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض << أي: تفادونهم بحكم التوراة وتقتلونهم وفي حكم التوراة: "أن لا يُقتل ولا يُخرج من داره، ولايُظاهر عليه من يشرك بالله، ويعبد الأوثان"(3).
غدر رابع:
أخذ الله تعالى العهد على أهل الكتاب على ألسنة الأنبياء عليه السلام أن يؤمنوا بمحمد ، وأن يذكروه للناس، ويبينوا صفته؛ فإذا ارسله الله تعالى ءامنوا به وصدقوه واتبعوه. فكان من اليهود أن نقضوا العهد وكتموا ما أُمروا ببيانه من صدق النبي ، وثبوت نبوءته كما بشرت به كتبهم؛ فكتموا ذلك، ونقضوا ما عاهدوا الله عليه ونبذوه وراء ظهورهم.
قال تعالى: >> وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون << (آل عمران-187).
غدر خامس:
أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل ـ وبعث منهم النقباء الإثنى عشر عرفاء عن قبائلهم ـ بالمبايعة والسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه، وذلك حينما بعثهم موسى عليه السلام ليتعرفوا على أحوال الكنعانيين قبل قتالهم.
ومقتضى الميثاق المأخوذ عليهم: هو أنهم إن أقاموا الصلاة، وءاتوا الزكاة، وآمنوا برسلهم، ونصروهم على الحق، وانفقوا في سبيل الله وابتغاء مرضاته؛ جعل مكافأتهم على ذلك إن طبقوه محي ذنوبهم وسترها ودخول الجنة.
فما كان منهم إلا أن نقضوا ذلك العهد؛ فكذبوا الرسل الذين جاؤوا بعد موسى عليه السلام، وقتلوا أنبياء الله تعالى بدلاً من نصرتهم، ونبذوا كتابه، وضيعوا فرائضه؛ فاستحقوا بذلك الطرد من رحمة الله ، وجعل قلوبهم قاسية لا تتعظ بموعظة(4).
قال تعالى: >> ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وءاتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل@فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعة ونسوا حظاً مما ذكروا به ولاتزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين << (المائدة-12 ـ 13).
موادعة يهود المدينة:
أول ماقدم النبي المدينة وقبل معركة بدر الكبرى كتب وثيقة موادعة لليهود تستهدف تنظيم العلاقة بين الأمة الإسلامية وبين يهود المدينة، وهي تتألف من أربعة وعشرين بنداً، ويدل أولها على التزام اليهود بالمساهمة في نفقات الحرب الدفاعية عن المدينة وقد ضمنت الوثيقة تنظيم علاقة المتهودين من قبيلتي الأوس والخزرج، ومنعت يهود المدينة من الخروج منها إلا بإذن النبي وأكدت على أن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والبر دون الإثم، واعتبرت الوثيقة منطقة المدينة حرماً آمناً، وتعرضت الوثيقة لحقوق الجار وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وأكدت أن لاتُجَار حرمة إلا بإذن أهلها وقد منعت الوثيقة اليهود من إجارة قريش أونصرها.
واعترف اليهود بموجب هذه الإتفاقية بوجود سلطة قضائية عليا ممثلة في النبي يرجع إليها سائر الناس في المدينة بمن فيهم اليهود في حالات الأحداث، أو حصول شجار واختلاف بينهم وبين المسلمين. غير أن قضايا اليهود الخاصة وأحوالهم الشخصية يحتكمون فيها إلى توراتهم ويتولى أحبارهم ذلك مع أن الله تعالى خيرهم بين ذلك وبين الاحتكام إلى الرسول (5).
قال تعالى: >> سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين << (المائدة-42).
نقض بني قينقاع للعهد:
بنو قينقاع قبيلة من قبائل اليهود كانت تسكن المدينة، وتحترف الصياغة وصنع السلاح، وكانوا أشجع يهود المدينة وهم حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول المنافق.
وقد أبرم النبي معاهدة معهم كسائر قبائل يهود المدينة كما مر ذكره فلتنظر ـ أخي القارئ ـ لهذه الطائفة من اليهود هل وفت بعهودها؟ والتزمت ما وافقت عليه النبي ؟ ورضيت العيش بسلام مع المؤمنين أم أنها نقضت العهود، وأبت إلا محاربة الأنبياء، والخروج عليهم. فاليهود أمة الغدر ونقض العهود، وليس أمة أعرف بسبل وفن نقض العهود من اليهود.
فبعد انتصار النبي ومن معه من المؤمنين في بدر على قريش غاض ذلك يهود قينقاع؛ فأظهروا حقدهم وغضبهم وحسدهم وعداوتهم للنبي وسائر المؤمنين؛ لذلك جمعهم النبي في سوقهم فقال: "يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً قالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا؛ فأنزل الله تعالى فيهم >> قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد، قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار << (6) (آل عمران-12ـ13).
فعُرِف من جوابهم الإعلان السافر بالحرب، واقتراب نقضهم للعهد، ومازادهم هذا الإنذار والتحذير إلا عداوة وبغضاء.
أورد ابن هشام عن أبي عون قال: كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ بها؛ فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت؛ فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده على ظهرها؛ فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها؛ فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ـ وكان يهودياً ـ وشدت اليهود على المسلم فقتلوه؛ فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع(7).
فكان ماحصل دليلاً على قرب خيانتهم للعهد؛ فخشي ذلك رسول الله ونبذ إليهم على سواء كما أمره الله، وحاصرهم خمس عشرة ليلة، وعندما اشتد عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله على أن لهم أموالهم، وأن لهم النساء والذرية؛ فأمر بهم فكتفوا، ثم كلمه فيهم حليفهم ابن سلول وألح في ذلك، فقال رسول الله : "هم لك"، وأمر بهم أن يجلوا عن المدينة وتولى أمر ذلك عبادة بن الصامت؛ فلحقوا بالشام.
نقض بني النضير للعهد:
لم يكن بنو النضير أقل غدراً وخيانة من إخوانهم بني قينقاع؛ فسجل سيرتهم حافل بالغدر والخيانة، ونقض العهود، وتدبير المكائد ضد المسلمين؛ فقد كان بنو النضير ممن دخلوا في المعاهدة مع النبي حين قدم المدينة؛ فكان من ضمن المعاهدة أن بينهم النصر على من حارب أهل هذه المعاهدة وأن بينهم النصح، فماذا كان من حالهم؟
لقد كان الغدر والخيانة في أبشع صورها؛ إذ كتب كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا، أو لنفعلن كذا وكذا لا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء ـ وهي الخلاخيل ـ فلما بلغ كتابهم النبي ، وأجمعت بنو النضير بالغدر؛ أرسلوا إلى رسول الله : أخرج إلينا في ثلاثين رجلاً من أصحابك، وليخرج ثلاثون حبراً حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك؛ فإن صدقوك وءامنوا بك آمنا بك فقص خبرهم فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله بالكتائب، فحصرهم فقال لهم : "إنكم والله لاتأمنون عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه" فأبوا أن يعطوه عهداً فقاتلهم يومهم ذلك، ثم غدا الغد على بني قريضة بالكتائب وترك بني النضير ودعاهم إلى أن يعاهدوه فعاهدوه، فانصرف عنهم وغدا على بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء؛ فجلت بنو النضير واحتملوا ما أقلت الأبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها...(8).
وتذكر كتب السيرة قصة غدر أخرى كانت سبباً في جالائهم عن المدينة، وهي : أن النبي ذهب إليهم ليستعين بهم على دية قتيلين معاهدين؛ فلما كلمهم قالوا: نعم، فقعد رسول الله مع أبي بكر وعمر وعلي ونفر من أصحابه إلى جدار من جدرهم؛ فاجتمع بنو النضير وقالوا: من رجل يصعد على ظهر البيت فيلقي على محمد صخرة فيقتله فيريحنا منه؛ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب؛ فأوحى الله تعالى بذلك إلى رسول الله فقام ولم يشعر بذلك أحد من أصحابه ممن معه، فلما استلبثه أصحابه رضي الله عنهم قاموا فرجعوا إلى المدينة وأتوا رسول الله فأخبرهم بما أوحى الله إليه مما أرادته اليهود...(9).
نقض بني قريضة للعهد:
لم تكن قريضة بعيدة عن أخواتها من قبائل اليهود في الغدر والخيانة؛ فقد نقضت وثيقة العهد التي أبرموها مع الرسول عند حصار قوات الأحزاب للمدينة في غزوت الخندق؛ فقد كان لهم حصن شرقي المدينة، ولهم عهد من النبي وذمة، وهم قريب من ثمانمائة مقاتل، وكان المتولي لكبر نقض العهد حيي بن أخطب النضري؛ حيث دخل عليهم في حصنهم ولم يزل بسيدهم كعب بن أسد وقال له: ويحك، قد جئتك بعز الدهر، أتيتك بقريش وأحابيشها، وغطفان وأتباعها، ولا يزالون ههنا حتى يستأصلوا محمداً وأصحابه. فقال له كعب: بل والله أتيتني بذل الدهر، ويحك يا حيي، إنك مشؤوم فدعنا منك، فلم يزل يفتل في الذروة والغارب حتى أجابه واشترط على حيي إن ذهب الأحزاب ولم يكن من أمرهم شيء أن يدخل معهم في الحصن، فيكون من أسوتهم؛ فلما نقضت قريضة وبلغ ذلك رسول الله ساءه وشق عليه وعلى المسلمين جداً(10) فقام بإرسال الزبير ليستطلع الأمر، ثم أرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فوجداهما قد نقضوا العهد ومزقوا الصحيفة إلا بني سعفة منهم؛ فإنهم خرجوا إلى المسلمين من حصونهم معلنين التزامهم ووفاءهم بالعهد(11).
وبعد انسحاب الأحزاب وانتهاء الحصار والخطر، وعودة المسلمين من الخندق، ووضعهم السلاح؛ أمر النبي أصحابه بالتوجه إلى ديار بني قريضة ومحاصرتهم، وقد أرسل الله جبريل عليه السلام ليزلزل حصونهم، ويلقي الرعب في قلوبهم، وخرج النبي بنفسه، واستخلف على المدينة عبدالله بن أم مكتوم وبعد أن اشتد الحصار عليهم نزلوا على حكم رسول الله فحكم فيهم سعد بن معاذ رضي الله عنه؛ فقضى فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم، فقال النبي : "قضيت بحكم الله"(12).
اليهود في هذا العصر:
بان بما سبق من نصوص الكتاب والسنة، وأحداث التاريخ والسيرة أن اليهود نقضةٌ للعهود، وأهل للغدر والخيانة، وتلك صفتهم التي لازمتهم مع أنبياء الله عليهم السلام قبل محمد ، وظلوا على غدرهم حتى بعد بعثته. وهم كذلك على حالهم إلى يومنا هذا؛ فإن جميع اتفاقات العرب مع اليهود في العصر الحاضر منذ (كامب ديفد) الأولى إلى اتفاقات مدريد ثم أوسلو، لم تبرم إلا على وفق ما يريده اليهود، وما يحقق مصالحهم. ولم ينفذ اليهود أي بند منها كان يتعارض مع استراتيجيتهم وسياساتهم المبنية على الرؤى الدينية المستقاة من التوراة المحرفة والتلمود المخترع.
وخيانتهم للعهود، وغدرهم بالمواثيق سمة عرفوا بها لا تنفك عنهم منذ أن بعث الله فيهم الرسل؛ فكذبوهم وقتلوا منهم من قتلوا، وإلى يومناهذا؛ بل وإلى آخر الزمان. تلك الحقيقة التي قررها القرآن، وبينها أحسن بيان في قول الله تعالى: >> أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون << (البقرة-100) قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "ليس في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه، يعاهدون اليوم وينقضون غداً"(13).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: "فالقوم ذمهم الله بنبذهم العهود التي تقدم الله إليهم في التمسك بها والقيام بحقها"(14).
ولذا فإن الذين يرومون السلام معهم يعيشون في عالم الخيال وليس في عالم الحقيقة؛ لأن سيرة اليهود وتاريخهم وطباعهم وواقعهم الآن يثبت حقيقة مهمة مفادها: أن اليهود لايوقفهم عن مطامعهم صلح، ولا يردهم عن غيهم عهد ولا ذمة، فمتى ماكانت القوة لهم علو واستكبروا وأحرقوا من سواهم من البشر، ومتى ما ضعفوا استكانوا ودسوا الدسائس، ودبروا المكائد، فهم في كل أحوالهم شر وبلاء على الأمم، فهل يعي ذلك دعاة الاستسلام لهم، والمطبعين معهم، والمهرولين إليهم، والمنبطحين لهم؟! عسى أن يكون ذلك، ويا ليت قومنا يعلمون ثم يعملون.

ـــــــــــــــــ
الهوامش:
1ـ انظر: تفسير البغوي (1-103 ـ 104).
2ـ انظر: تفسير البغوي (1-117).
3ـ انظر: تفسير ابن كثير (1-115ـ116).
4ـ انظر: تفسير ابن كثير (2-31ـ32).
5ـ انظر: الوثائق السياسية لمحمد الحيدر آبادي عن نضرة النعيم (1-269).
6ـ أخرجه أبو داوود في باب كيف إخراج اليهود من المدينة (3001) وابن اسحاق في سيرته (294) ونقله عنه ابن هشام بنفس سنده (3-5) وحسنه الحافظ في الفتح (7-332).
7ـ انظر: سيرة ابن هشام (3-48).
8ـ أخرجه عبدالرزاق في المصنف (9732) وأبو داوود في الخراج والإمارة والفيء باب في خبر النضير واللفظ له (3004) والبيهقي في الدلائل (3-178) وعزاه الحافظ في الفتح لابن مردويه وصحح إسناده (7-385) وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها عند الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي (2-525) برقم (3797).
9ـ انظر: سيرة ابن هشام (3-190).
10ـ انظر: تفسير ابن كثير (3-460).
11ـ فتح الباري لابن حجر (7-80).
12ـ انظر: نظرة النعيم (1-328 ـ 329).
13ـ تفسير ابن كثير (2-201).
14ـ المصدر السابق.
 
رد: اليهود نقضة العهود

قال تعالي: "ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين. فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون. فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلي يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب" سورة التوبة الآية "75 - 78".

الوفاء بالعهد محمدة إسلامية وصفة أصيلة في المسلم الصادق لا ينفك عنها ولا تنفك عنه لأنه لا يعرف طريق الغدر ولا يسلكه. ولأهمية صفة الوفاء وأمر الله بها المؤمنين فقال سبحانه: "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا".
والمعني: يامن آمنتم بالله إيماناً حقاً كونوا أوفياء بعهودكم مع الله ؟؟؟ ومع أنفسكم ومع غيركم من الناس.

ومن عظمة الإسلام أنه يأمر أبناءه بالوفاء مع المسلمين وغير المسلمين قال تعالي: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه" وإذا كان الوفاء بالعهد خلقاً إسلامياً رفيعاً - فإن الغدر علي النقيض من هذا تماماً - لأن الغدر منقصة ومفسدة ودليل علي ضعف إيمان صاحبه وخسة معدنه.

وللغدر صوره الخبيثة وطرقه الملتوية التي تتنافي تماماً مع المروءة فمن ذلك أن يتنكر الإنسان لماضيه وينسي تاريخه ويحاول إقناع نفسه وإيهام الآخرين بأنه ولد عظيماً ونشأ كبيراً وملك الدنيا يوم مولده.

وكان من الأفضل بل ومن الواجب أن يستحضر ماضيه فيتذكر الفقر والمرض حتي يعرف نعمة الله فلا يكفرها إن الحكيم من لا يفصل بين أمسه ويومه بسور غليظ حتي يعيش الواقع ولا يقع بين مطارق الغرور.

ولقد صور لنا القرآن الكريم مشهد الغدر تصويراً دقيقاً في هذه الآيات مبيناً نهاية الغدر الأليمة والتي انتهت بصاحبها إلي الطرد من رحمة الله لتكون نذيراً للأسوياء.

قال تعالي: "ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون".
ومن صور الغدر أيضاً أن يتنكر الزوج لزوجته أو يغتال درهماً من حقها. أو يستخف بالرباط الذي جمعه بها.

وفي الحديث "أيما رجل تزوج امرأة علي ما قل من المهر أو كثر ؟؟؟ نفسه أن يؤدي إليها حقها. فخدعها فمات ولم يؤد إليها حقها لقي الله يوم القيامة وهو زان ورجل أخذ ديناً لا يريد أن يؤدي إلي صاحبه حقه. فخدعه حتي أخذ ماله. فمات ولم يؤد إليه دينه لله وهذا سرق" رواه الطبراني. معني الحديث

وقد بين الله عز وجل بأن الغدر ينزع الثقة. ويثير الفتن ويمحو الأواصر. ويرد الأقوياء ضعافاً واهنين.

فقال تعالي: "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربي من أمة إنما يبلوكم الله به وليبين لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون" سورة النحل/الآية: .92
ومن صور الغدر التي نهي الإسلام عنها أيضاً أن يحل الرجل عقداً أبرمه في سبيل مغنم مادي أكبر أو تتحلل أمة من معاهدة بينها وبين أمة أخري جرياً وراء مصلحة أكبر.

قال تعالي: "ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتهم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم. ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون" سورة النحل/ الآية: 94 - 95
"وقانا الله شر الغدر وأهله وجعلنا من أهل الوفاء والله من وراء القصد"

بارك الله فيك أخى فى الله
جعله الله فى ميزان حسناتكم
جزاكم الله خيرا
ً
 
أعلى