• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

بدع الجنائز

بدع الجنائز ومحدثاتها

تمهيد
أولاً: النعي
ثانياً: لطم الخدود، وشق الجيوب، ورفع الصوت بالبكاء والعويل
نماذج للصبر والاحتساب
1. ما فعلته أم سليم وأبو طلحة رضي الله عنهما
2. كل مصيبة بعدك جلل!
3. صبر وثبات أبي بكر عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
4. ما فعلته الخنساء مع بنيها الأربعة
5. عمر بن عبد العزيز رحمه الله
6. عروة بن الزبير رحمه الله
الميت الذي يُعذب ببكاء أهله عليه
ثالثاً: ما ابتدع في التعزية
حكم التعزية
صيغ التعزية
وقت التعزية
الصيغ والكيفيات البدعية للتعزية
رابعاً: اتباع النساء للجنازة
خامساً: اتباع الجنائز بالتهليل، والتكبير، وضرب الطبول
سادساً: تأخير الجنازة إذا جهزت إلا لعذر شرعي
سابعاً: نقل الميت من مكان إلى مكان من غير سبب شرعي
ثامناً: التحدث بأمور الدنيا والضحك في أثناء التشييع
تاسعاً: التأذين والإقامة عند إدخال الميت في حفرته
عاشراً: التلقين بعد الدفن
الحادية عشر: التأبين بعد الدفن بإلقاء الخطب والمبالغة في الثناء على الميت، وشكر المشيعين
الثانية عشر: الانتظار بعد الدفن وقراءة شيء من القرآن
الثالثة عشر: الدعاء الجماعي بعد الدفن
الرابعة عشر: الجلوس للعزاء ونصب الصيوانات لذلك
الخامسة عشر: تكلف أهل الميت صنع الطعام للمعزين
السادسة عشر: استئجار مقرئين، أووعاظ، أوتشغيل شرائط لمقرئين
السابعة عشر: عمل صدقة من الطعام يدعون إليها بعض القراء والفقراء في أوقات محددة
الثامنة عشر: دعوى أن القبر مظلم حتى يطعم عن الميت
التاسعة عشر: تقديم الدخان للمعزين
العشرون: إنشاء الخطب، والمواعظ، والشكر، إذاناً بختم مدة العزاء رفع الفراش
الحادية والعشرون: تكلف المجيء للتعزية من أماكن بعيدة والمجاملة فيها
الثانية والعشرون: نشر صورة المتوفي في الصحف، وشكر العائدين والمعزين
الثالثة والعشرون: حفل التأبين!
الرابعة والعشرون: حوليات المشايخ
الخامسة والعشرون: تكبير صورة المتوفى وتعليقها في بيته وبيت أفراد أسرته
السادسة والعشرون: تجمع الأهل والأصدقاء في دور حديثي الوفاة في الأعياد والمناسبات
السابعة والعشرون: زيارة الأضرحة والقبور البدعية
الثامنة والعشرون: إحداد المرأة على غير زوج أكثر من ثلاثة أيام
التاسعة والعشرون: الوقوف لأرواح الشهداء والرؤساء، وتنكيس الأعلام، وإعلان الحداد عليهم
الثلاثون: بناء نصب وأصنام للجنود المجهولين، وزيارتها، وضع أكاليل الزهور عليها
الحادية والثلاثون: بناء الأضرحة والعتبات، وإيقاد السرج عليها، واتخاذها عيداً

تمهيد
من سمات عقيدتنا الغراء، وشريعتنا السمحة، أنها بجانب أنها ربانية لا دخل للبشر فيها، وأنها محفوظة الأصول، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، وأنها سهلة ويسرى، فهي كاملة وتامة، لا تقبل زيادة ولا نقصاناً، فالزيادة فيها مردودة، والنقصان منها ممنوع، وقد جاء إعلان ذلك بنزول قوله تعالى: "اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"1، فما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً، كما قال مالك رحمه الله.
ولهذا حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الابتداع في الدين قائلاً: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"2، وفي رواية: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"3، "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
على الرغم من ذلك فما فتئ كثير من الناس يبتدعون في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً، ويستحسنون بعقولهم وآرائهم ما يزينه لهم شياطين الإنس والجن، فكم من سنن قد أميتت، وكم من بدع قد فشت وظهرت، وعمت وطمت، لا يستثنى من ذلك مجال من مجالات الحياة، وإن كان بعضها أسوأ حالاً من بعض، من المجالات التي كان لها نصيب وافر، وحظ خاسر من ذلك جانب الجنائز، حيث كثرت فيه البدع وتنوعت، وتعددت فيه المحدثات وتوافرت، حتى طغت على السنن وغطت.
وبعد..
فهذا تذكير وتنبيه بأهم البدع التي استحدثت في الجنائز وعمت بها البلوى في البوادي والحواضر، وأضحى السكوت عنها جريمة لا تغتفر، ونذير شؤم بخطر، عسى أن تجد آذاناً صاغية، وقلوباً واعية، ونفوساً زاكية.
هذه البدع قد لا تجتمع في بلد واحد، ولا تتحقق كلها في مأتم واحد، وقد يكون لبعض المجتمعات حظ منها أكثر من غيرها، وبعضها قد يكون معلوماً لفريق من الناس وبعضها قد يكون مجهولاً، وهذا كله لا يمنع من التنبيه عليها والتحذير منها مجتمعة، فما أيسر انتشار البدع وذيوعها، وما أسرع نقلها وقبولها.
في البداية لابد من الإشارة إلى تعريف البدعة وبيان أن كلها ضلال وشر.
فالبدعة هي كل أمر حادث ليس له أصل في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجمعت عليه الأمة.
والبدع دركات بعضها أخطر من بعض، فهناك بدع كفرية، وبدع محرمة، وبدع مكروهة، وكلها ضلال بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة".
وهذا يرد تقسيم من قسم البدع إلى حسنة وقبيحة، وإن قال به بعض أهل العلم، لأنه لا يقوم على دليل، هذا فيما يتعلق بالبدع الشرعية، سواء إن كانت حقيقية أم إضافية، أما البدع اللغوية وما يتعلق بالعادات فهذا غير معني.
فأقول وبالله التوفيق:
بداية الصفحة
أولاً: النعي
النعي هو الإعلام بموت الميت، منه ما هو جائز كإعلام الأهل والإخوان وأهل الفضل ليتمكنوا من الحضور لتجهيز الميت، وتشييعه، والصلاة عليه، والاستغفار له، ودليل ذلك ما صح عن أبي هريرة أنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى فصفَّ بهم وكبَّر أربعاً".5
ومنه ما هو ممنوع، وهو نعي الجاهليين الذي يهدف من ورائه إلى المفاخرة والمباهاة، وهو أن ينادى في الناس إن فلاناً مات، وهذا الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منه حذيفة وغيره من السلف؛ ودليل كراهة نعي الجاهلية وهو الإعلام الزائد عن إعلام الأهل والأقربين والأصدقاء للقيام بالواجب:
· قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "إذا متُّ فلا تؤذنوا بي أحداً، فإني أخاف أن يكون نعياً، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي".6
· وقال سعيد بن منصور في سننه: "أخبرنا ابن علية عن ابن عون قال: قلتُ لإبراهيم7 أكانوا يكرهون النعي؟ قال: نعم، قال ابن عون: كانوا إذا توفي الرجل ركب رجلٌ دابة، ثم صاح في الناس: أنعي فلاناً؛ وبه إلى ابن عون قال: قال ابن سيرين: لا أعلم بأساً أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه).8
قال الترمذي: وقد كره بعض أهل العلم النعي، والنعي عندهم أن ينادى في الناس بأن فلاناً مات ليشهدوا جنازته، وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يعلم الرجل قرابته وإخوانه).9
وقال الحافظ ابن حجر: (قال ابن رشيد: وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعاً كله، وإنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق، وقال ابن المرابط: مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح.
إلى أن قال: وحاصله أن محض الإعلام بذلك لا يكره، فإن زاد على ذلك فلا، وقد كان بعض السلف يشدد في ذلك.
ثم قال: قال ابن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات: الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة، الثانية دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكره، الثالثة الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم).10
الذي يظهر والله أعلم أن الفارق بين النعي الجائز والممنوع دقيق جداً، ولذلك أخذ حذيفة بالأحوط ونهى أن يعلم به أحداً، وأن هذا الأمر تحكمه النية، فمن كانت نيته إعلام الأهل والأصدقاء وأهل الفضل والصلاح ليستغفروا ويصلوا ويشيعوا فهذا جائز، ومن كانت نيته المباهاة والمفاخرة فهذا هو النعي الممنوع، وفي الجملة يكره النعي بالوسائل التالية:
1. الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمشاهدة.
2. عند أبواب المساجد.
3. عند الأسواق وفي الطرقات.
بداية الصفحة
ثانياً: لطم الخدود، وشق الجيوب، ورفع الصوت بالبكاء والعويل
من البدع المنكرة والأعمال القبيحة الجزع والتسخط عند وقوع المقدور بالقول والفعل، كالبكاء والعويل، أولطم الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية.
لقد نهى الإسلام أتباعه عن سلوك هذا المسلك المشين، وأمرهم عند نزول المصائب أن يحمدوا الله ويسترجعوه: "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون"11، فعظم الثواب من عظم المصاب، وليتذكروا مصابهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كل مصيبة بعده جلل.
لقد رخص الإسلام في البكاء بالدمع من غير نواح ولا صياح ولا تسخط، فقد دمعت عينا سيد الخلق عندما مات ابنه إبراهيم عليه السلام، وعندما عوتب في ذلك قال: "إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون".12
وقد بيَّن الرسول الكريم أن الصبر إنما يكون عند الصدمة الأولى.13
الأدلة على النهي عن هذه الفعال الجاهلية
1. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية".14
2. وعن أبي أمامة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور".15
3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعهن الناس: النياحة، والطعن في الأحساب، والعدوى.. والأنواء مطرنا بنوء كذا وكذا".16
4. وروي عنه أنه قال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب".17
5. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري؛ قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي؛ ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك؛ قال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى".18
6. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله، فقال: قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول الله؛ فبكى النبي، فلما رأى القوم بكاء النبي بكوا، فقال: ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا – وأشار إلى لسانه – أويرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه"، وكان عمر رضي الله عنه يضرب فيه بالعصا، ويرمي بالحجارة، ويحثي بالتراب".19
7. عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قتلُ ابن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس يُعرَف فيه الحزن، وأنا أنظر من صائر الباب – شق الباب – فأتاه رجل فقال: إن نساء جعفر – وذكر بكاءهن- فأمره أن ينهاهن، فذهب ثم أتاه الثانية لم يطعنه، فقال: انْهَهُنَّ؛ فأتاه الثالثة قال: والله غلبننا يا رسول الله؛ فزعمت أنه قال: فاحث في أفواههن التراب؛ فقلت: أرغم الله أنفك، لم تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تترك رسول الله من العناء".20
نماذج للصبر والاحتساب
لقد ضرب السلف الصالح نماذج رائعة في صبرهم واحتسابهم عند المصائب، وإليك طرفاً من ذلك، لتعرف الفرق الشاسع والبون الواسع بيننا وبين سلفنا الصالح:
1. ما فعلته أم سليم وأبو طلحة رضي الله عنهما
عن أنس رضي الله عنه قال: "اشتكى ابن لأبي طلحة، قال: فمات وأبو طلحة خارج، فلما رأته امرأته أنه قد مات هيأت شيئاً ونحته في جانب البيت، فلما جاء أبوطلحة قال: كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت نفسُه، وأرجو أن يكون قد استراح؛ وظن أبوطلحة أنها صادقة، قال: فبات، فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعل الله يبارك لكما في ليلتكما"، قال سفيان: فقال رجل من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن".21
وفي رواية لابن حبان: "تزوجت أم سليم بأبي طلحة بشرط أن يسلم، فحملت فولدت غلاماً صبيحاً، فكان أبو طلحة يحبه حباً شديداً، فعاش حتى تحرك فمرض، فحزن أبو طلحة عليه حزناً شديداً حتى تضعضع".
وفي رواية قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا أهل بيت عارية، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا؛ قالت: فاحتسب ابنك؛ فغضب، وقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني"، وفي رواية قال لها: "والله لن تغلبيني على الصبر".
2. كل مصيبة بعدك جلل!
روى ابن إسحاق بسنده إلى سعد بن أبي وقاص قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راجع إلى المدينة بعد غزوة أحد بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين؛ قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؛ قال: فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: "كل مصيبة بعدك جلل".
قال ابن هشام: الجلل يكون من القليل والكثير، وهو ههنا القليل، قال امرؤ القيس:
ولقتل بني أسد ربهم ألا كل شيء خلاه جلل
أي صغير قليل).22
فهو من الأضداد.
3. صبر وثبات أبي بكر عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان أحب الرجال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبوبكر، وكان حب أبي بكر لا يدانيه حب، فعندما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه وكان غائباً، فكشف عن وجهه وقبَّله، وقال: طبتَ حياً وميتاً؛ ثم خرج يتلو قوله تعالى: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أوقتل انقلبتم على أعقابكم" الآية، فثبت الله به قلوب المؤمنين.
4. ما فعلته الخنساء مع بنيها الأربعة
كان للخنساء أربعة أولاد، فحثتهم وحضتهم على القتال في حرب القادسية، وخرجت معهم لخدمتهم، فاستشهد أربعتهم، فصبرت واحتسبت، ولم ترثهم ببيت واحد، وهي التي بكت أخويها صخراً ومعاوية بكاءً حزيناً سارت به الركبان في الجاهلية، ولكن عندما أسلمت سمت نفسها وتهذبت عاطفتها.
5. عمر بن عبد العزيز رحمه الله
كان لعمر بن عبد العزيز رحمه الله وزيرا صدق من أهل عشيرته، وهما ابنه عبد الملك وغلامه مزاحم، فماتا في عام واحد، فوجد عليهما وصبر، فقال وهو يواري ابنه عبد الملك - ومات وعمره سبع عشرة سنة: لأن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك؛ يعني تموتُ قبلي وأحتسبك.
وقال: الأمر الذي نزل بعبد الملك كنا نتوقعه، فلما وقع لم ننكره؛ وقام على قبره فقال: رحمك الله يا بني، فقد كنت باراً مولوداً، وباراً ناشئاً، وما أحب أني دعوتك فأجبتني.
6. عروة بن الزبير رحمه الله
بُترت رجل عروة بن الزبير ومات ابنه فجأة في نفس اليوم، فحمد الله واسترجع، وقال: اللهم أخذتَ ابناً وتركتَ أبناء، وأخذتَ عضواً وتركتَ أعضاء، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما أبقيت.
7. نُعي لرجل من السلف أخاه وكان يتغدى، فقال للمخبر: تفضل تغدى، فقد نُعي إليَّ أخي من قبل؛ يريد قول الله تعالى: "إنك ميت وإنهم ميتون"، فقد نعت الآية رسول الله إلى الأمة ونعتهم إلى أنفسهم.
8. استشهد لامرأة ثلاثة أولاد يوم تُسْتر، فخرجت أمهم إلى السوق لبعض شأنها، فأعلمها رجل باستشهادهم، فقالت: مقبلين أومدبرين؟ قال: مقبلين؛ قالت: الحمد لله، نالوا الفوز، وحاطوا الذمار23 ، بنفسي هم وأبي وأمي.
الميت الذي يُعذب ببكاء أهله عليه
يتعجل البعض بالطعن والتشكيك في قوله صلى الله عليه وسلم: "الميت يُعذب ببكاء أهله عليه"، ويرده بدعوى أنه مخالف لظاهر قوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى".
أما الموقنون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأن ما صحَّ عنه لم يمكن أن يعارض كتاب الله، لأن الكل من الوحي، فإنهم لا يتعجلون في رد السنن وإنكارها، وإنما يبحثون عن توفيق أهل العلم المختصين لها.
فالميت الذي يعذب ببكاء أهله عليه هو الذي يوصي بذلك، كما كان بعض الجاهليين يقول لبنته مثلاً: إذا أنا مت فقولي في كذا وكذا؛ أوذلك الشخص الذي هو متيقن من جزعهم وتسخطهم ثم لا يحذرهم وينهاهم عن ذلك في حياته؛ أما إذا حذرهم ونهاهم وتبرأ من صنيعهم هذا فلا يناله شيء من بكائهم ولو ناحوا عليه الدهر كله، والله أعلم.
بداية الصفحة
ثالثاً: ما ابتدع في التعزية
حكم التعزية
التعزية سنة مستحبة، وقد ورد في فضلها أحاديث ليست بالقوية، نحو: "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة"24، وروى الترمذي25 عن أبي برزة يرفعه: "من عزى ثكلى كسي برداً في الجنة"26 .
صيغ التعزية
أحسن ما ورد في التعزية ما عزى به رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى بناته في صبي لها: "إن لله تعالى ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل"27، وأمرها بالصبر والاحتساب.
وروى البيهقي في مناقب الشافعي أن الشافعي بلغه أن عبد الرحمن بن مهدي مات له ابن فجزع عليه عبد الرحمن جزعاً شديداً، فبعث إليه الشافعي رحمه الله: يا أخي عزِّ نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أمضى المصائب فقد سرور وحرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر؟! فتناول حظك يا أخي إذا قرب منك قبل أن تطلبه وقد نأى عنك، ألهمك الله عند المصائب صبراً، وأحرز لنا ولك بالصبر أجراً؛ وكتب إليه:
إني معزيك لا أني على ثقة من الخلـود ولكن سنة الدين
فما المعزَّي بباقٍ بعـد ميته ولا المعزِّ ولا عاشا إلى حين
وكتب رجل إلى بعض إخوانه يعزيه بابنه: أما بعد، فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة، فإذا قدمه فصلاة ورحمة، فلا تجزع على ما فاتك من حزنه وفتنته، ولا تضيع ما عوضك الله عز وجل من صلاته ورحمته.
فالتعزية تحدث بأي لفظ ليس فيه مخالفة شرعية، نحو:
أحسن الله العزاء، وجبر الله الكسر، ورحم الله المتوفى.
أحسن الله عزاءكم وغفر لميتكم.
أجاركم الله في مصيبتكم وأخلف عليكم خيراً منها.
وهي تختلف باختلاف الميت والمعزَّى، وتختلف في حال الإسلام وحال الكفر، واستحب قوم28 أن يقول في:
تعزية المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك.
تعزية المسلم بالكافر: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك؛ ولا يترحَّم ولا يدعو للكافر.
تعزية الكافر بالمسلم: أحسن الله عزاءك، وغفر لميتك.
تعزية الكافر بالكافر: أخلف الله عليك.
السنة تعزية جميع أهل الميت نساءاً ورجالاً، كباراً وصغاراً، إلا الشابات من غير المحارم.
قال النووي: (ويستحب أن يعم بالتعزية جميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار، والرجال والنساء، إلا محارمها. وقال أصحابنا: وتعزية الصلحاء والضعفاء على احتمال المصيبة والصبيان آكد).29
وقال ابن حجر في التحفة: (الشابة لا يعزيها إلا نحو محرم).
وقت التعزية
تجوز التعزية قبل وبعد الدفن، واستحب بعض أهل العلم أن تستمر لمدة ثلاثة أيام للحاضرين، أما الغائبين فمتى حضروا عزوا، وليس في تحديد ذلك نص.
قال النووي: (والثلاثة على التقريب لا على التحديد.. وقال أصحابنا: وتكره العزية بعد ثلاثة أيام، لأن التعزية لتسكين قلب المصاب، والغالب سكون قلبه بعد الثلاثة، فلا يجدد له الحزن، هكذا قاله الجماهير من أصحابنا. وقال أبو العباس بن القاص من أصحابنا: لا بأس بالتعزية بعد الثلاثة، بل تبقى أبداً وإن طال الزمان.. وقال أصحابنا: التعزية بعد الدفن أفضل منها قبله، لأن أهل الميت مشغولون بتجهيزه، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر).30
الصيغ والكيفيات البدعية للتعزية
هناك صيغ وكيفيات محدثة للتعزية، تختلف من بلد إلى بلد، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1. قول المعزي: "الفاتحة، الفاتحة"، سواء قرأ الفاتحة أم لم يقرأها، وهذه الكيفية هي المنتشرة في السودان، بل جل الناس لا يقبلون سواها، مهما يعزي المعزي بغيرها، ولو أتى بالدعاء النبوي لم يعتد بما قال، واتخذ الناس منه موقفاً، سواء كان هو المعزِّي أوالمعزَّى على حد سواء، وفي هذا تجنٍ وظلم، وإماتة للسنة، وإحياء للبدعة.
2. تحديد ساعات معينة للعزاء بين المغرب والعشاء، لمدة يوم أوأكثر، فيحضر المعزون فيجلسون، ثم بعد تناول القهوة أوالماء قاموا إلى أهل الميت وهم مصطفون وقوفاً، فوضع كل منهم يده على كتف أحدهم ثم انصرف، قد يقول شيئاً وقد لا يقول، وهذا هو السائد في الحجاز، أوبالأحرى في مكة، والمدينة، وجدة.
وهذه الكيفية بهذه الطقوس والرسوم ليس لها مستند في السنة.
3. أن يقول المعزِّي للمعزَّى: "البقية في حياتك!" أي ما بقي من عمر هذا المتوفى يضاف إلى عمرك، وفي هذا القول مخالفة عقدية، إذ ما من إنسان يموت إلا بعد أن استوفى أجله: "إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون"، بجانب أنها تعزية بدعية مصرية.
لقد استنكر العلماء وطلاب العلم هذه الكيفيات ولا يزالون يستنكرونها، وقد أفتى جمع منهم ببدعيتها، ولكن لا حياة لمن تنادي، وذلك لأسباب منها:
1. تقليد الآباء والأجداد والاستكانة للأعراف والتقاليد.
2. سكوت كثير من أهل العلم، إن رهباً أورغباً، عن بيان مخالفة ذلك للسنة.
3. ظن البعض أن إنكار ذلك من نسج خيال السنيين والسلفيين.
4. عدم الرجوع إلى كتب الفقه، إذ لو رجعوا لأي كتاب من كتب الفقه لعلموا الصيغ المشروعة من الممنوعة، ولما وجدوا لما يقومون به مستنداً ودليلاً.
جاء في فتاوى31 اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية في ردهم على سؤال: (جرت العادة عندنا إذا مات شخص، وذهب شخص لتعزية أهل الميت يدخل الشخص المعزي رافعاً يديه إلى منكبيه، ويقول: الفاتحة؛ فيقوم أولياء الميت، ويقرأون32 معه الفاتحة، ثم يسلم عليهم بعد ذلك، هل هذا من السنة؟).
الجواب: (ما ذكرته من رفع المعزي يديه عندما يدخل على أهل الميت ليعزيهم وقوله الفاتحة، وقراءتهم معه الفاتحة ثم يسلم، لا يجوز، بل هو بدعة محدثة، والمشروع أن يبدأ بالسلام، ولا يقول الفاتحة ولا غيرها، ولا يرفع يديه) وإنما يعزي.
بداية الصفحة
رابعاً: اتباع النساء للجنازة
من البدع المنكرة والمحدثات القبيحة إصرار بعض النساء على اتباع الجنائز مع النهي الأكيد والتحذير الشديد عن ذلك.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "قبرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني ميتاً – فلما فرغنا انصرف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وانصرفنا معه، فلما حاذى به وقف، فإذا نحن بامرأة مقبلة، قال: أظنه عرفها، فلما ذهبت فإذا هي فاطمة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟ فقالت: أتيت يا رسول الله أهل هذا الميت فَرَحَّمْتُ إليهم ميتهم، أوعزيتهم به؛ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعلك بلغت معهم الكُدى33؟ قالت: معاذ الله!! وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر؛ قال: لو بلغت معهم الكدى"، فذكر تشديداً في ذلك.34
وفي رواية عند أحمد والحاكم: "أما أنك لو بلغتِ معهم الكدى ما رأيتِ الجنة حتى يراها جد أبيك"، أوكما قال.
وعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: نهينا أن نتبع الجنائز، ولم يعزم علينا"35، وفي رواية للطبراني36 عنها: "ونهانا أن نخرج في جنازة".
إن لم يعزم عليهن في حديث أم عطية فقد عزم عليهن وحذرهن ونهاهن أشد النهي في حديث فاطمة رضي الله عنها، بل لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور37، فكيف بمن يشيعن الجنازة ويختلطن مع الرجال؟!
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقاً على ترجمة البخـاري: "اتبـاع النساء الجنـائز": (قـال الزين بن المنير: فصل المصنف بين هذه الترجمة وبين فضل اتباع الجنائز بتراجم كثيرة تشعر بالتفرقة بين النساء والرجال، وأن الفضل الثابت في ذلك مختص بالرجال دون النساء، لأن النهي يقتضي التحريم أوالكراهة، والفضل يدل على الاستحباب، ولا يجتمعان.
إلى أن قال:
وقال القرطبي: ظاهر سياق حديث أم عطية أن النهي نهي تنزيه، وبه قال جمهور أهل العلم، ومال مالك للجواز38، وهو قول أهل المدينة).39
لم تكتف بعض الشقيات باتباع الجنازة إلى المقبرة، بل تجرأن وحملنها إلى المقبرة، كما فعل بعض أتباع الفرق الضالة.40
خرَّج أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأى نسوة، فقال: أتحملنه؟ قلن: لا؛ قال: أتدفنه؟ قلن: لا؛ قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات".
قال الحافظ ابن حجر41 معلقاً على تبويب البخاري "حمل الرجال الجنازة دون النساء": (نقل النووي في "شرح المهذب" أنه لا خلاف في هذه المسألة بين العلماء، والسبب فيه ما تقدم42، ولأن الجنازة لابد أن يشيعها الرجال، ولو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال، فيفضي إلى الفتنة).
حدث كل هذا بسبب عدم الإنكار والتسامح في الابتداع في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً، فينبغي لولاة الأمر من الحكام وغيرهم أن يحموا حمى الدين، وأن يغاروا لمحارم الله، وأن يعملوا على تغيير المنكرات صغيرها وكبيرها، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
بداية الصفحة
خامساً: اتباع الجنائز بالتهليل، والتكبير، وضرب الطبول
من البدع القبيحة والمحدثات السيئة التي درج عليها البعض تشييع الجنائز بالتهليل والتكبير، وقول البعض وهم مشيعون: "وحدوه"، وضرب الطبول، وإنشاد بعض الأشعار كالبردة، و"البَرَّاق"، ونحوهما، وهذا كله مخالف لسنة الحبيب المصطفى والرسول المجتبى، ولم يؤثر عن أحد من أهل العلم، لا في الحديث ولا في الورى، وأكثر من يمارس ذلك أتباع الطرق الصوفية في تشييع من مات من المشايخ.
فالواجب على المسلمين التقيد بسنة نبيهم، وترك ما سواها من البدع وإن استحسن ذلك من استحسن، فالخير كله في الاتباع، والشر كل الشر في الابتداع، ورحم الله مالكاً حيث كان كثيراً ما ينشد ويردد:
وخير الأمور ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع
روى أبوداود في سننه43 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار".
سمع عبد الله بن عمر رجلاً يقول في جنازة استغفروا لأخيكم؛ فقال ابن عمر: لا غفر له بعد.
وعن قيس بن عباد وهو من أكابر التابعين ممن صحب علياً رضي الله عنه قال: "كانوا يستحبون خفض الصوت عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال".
قال الإمام النووي في باب ما يقوله الماشي مع الجنازة44: (يستحب له أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى، والفكر فيما يلقاه الميت، وما يكون مصيره، وحاصل ما كان فيه، وأن هذا آخر الدنيا ومصير أهلها، وليحذر كل الحذر من الحديث بما لا فائدة منه، فإن هذا وقت فكر وذكر، يقبح فيه الغفلة واللهو والاشتغال بالحديث الفارغ، فإن الكلام بما لا فائدة فيه منهي عنه في جميع الأحوال، فكيف في هذا الحال.
واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضي الله عنهم السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوت بقراءة، ولا ذكر، ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنه أسكن لخاطره، وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذه الحال، فهذا هو الحق، ولا تغترن بكثرة من يخالفه، فقد قال أبوعلي الفضيل بن عياض رحمه الله ما معناه: الزم طريق الهدى، ولا يضرنك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين.
وقد روينا في سنن البيهقي ما يقتضي ما قلته45، وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بدمشق وغيرها من القراءة والتمطيط، وإخراج الكلام عن موضوعه، فحرام بإجماع العلماء، وقد أوضحتُ قبحه وغلظ تحريمه، وفسق من تمكن من إنكاره فلم ينكره، في آداب القراء، والله المستعان).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة لا بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، هذا مذهب الأئمة الأربعة، وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين، ولا أعلم فيه مخالفاً.
وقال أيضاً: وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أن هذا لم يكن على عهد القرون الفاضلة).46
وقال ابن الحاج في المدخل47: (وليحذر هذه البدعة الأخرى، وهي تكبير المؤذنين مع الجنازة، وقد تقدم، فيجتمع بسببهم من القراء والفقراء الذاكرين والمريدين ومن يتابعهم في فعلهم جمع كثير، فيبقى في الجنازة غوغاء وتخليط وتخبيط).
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية عن حكم رفع الصوت بالتهليل الجماعي في أثناء الخروج بالجنازة والمشي إلى المقبرة.
فأجابت: (هدي الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تبع الجنازة أنه لا يسمع له صوت بالتهليل أوالقراءة أونحو ذلك، ولم يأمر بالتهليل الجماعي فيما نعلم.. وبذلك يتضح أن رفع الصوت بالتهليل مع الجنازة بدعة منكرة، وهكذا ما شابه ذلك من قولهم "وحدوه"، أو"اذكروا الله"، أوقراءة بعض القصائد كالبُرْدَة).48
وأحرم وأنكر من هذا وذاك التشييع بالموسيقى التي يشيع بها بعض الملوك والرؤساء.
بداية الصفحة
سادساً: تأخير الجنازة إذا جهزت إلا لعذر شرعي
السنة الإسراع بدفن الميت إذا اطمئن على موته وتم غسله وتكفينه وتجهيزه، ولا يسن أن ينتظر به أحد من الناس مهما كانت صلته بالميت، ما لم يكن قريباً ويتوقع مجيئه في وقت معتاد.
أما إذا مات الإنسان في ظروف غامضة، أوكان موته نتيجة جناية، أوأريد التثبت من أسباب الوفاة فيجوز الانتظار، شريطة أن تستعجل الإجراءات، أما أن ينتظر بالجثة الشهور ذوات العدد فهذا ليس من السنة، وفيه إهانة للمسلم وعدم احترام، فإكرام الميت في دفنه، ولهذا امتن الله عز وجل على العباد بقوله: "ثم أماته فأقبره".49
والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: "أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم".50
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره".51
وأخرج أبوداود52 من حديث حصين بن وَحْوَح يرفعه: "لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله".
قال الحافظ ابن حجر: (قال القرطبي: مقصود الحديث – أسرعوا بالجنازة – أن لا يُتباطأ بالميت عن الدفن، ولأن التباطؤ ربما أدى إلى التباهي والاختيال.
إلى أن قال:
وفيه استحباب المبادرة إلى دفن الميت، لكن بعد أن يتحقق أنه مات، أما مثل المطعون53، والمفلوج54، والمسبوت55، فينبغي أن لا يسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة لتحقيق موتهم).56
قلت: الآن يمكن التأكد من تحقق الموت عن طريق السماعات لقياس نبض القلب، وبتسليط ضوء على بؤبؤ العين، فإذا انكمش فدليل على الحياة، وإن لم ينكمش دل على موت الدماغ على الأقل، وبأمور أخرى.
كذلك من البدع المنكرة حبس جثث الملوك والرؤساء وغيرهم حتى يجتمع رؤساء معظم دول العالم أومن ينوب عنهم، وفي بعض الأحيان يكون المنتظرون كفاراً أومنافقين لا ينتفع الميت بصلاتهم ولا دعائهم، وإنما هي أعراف دولية من ثمرات الجاهلية الحديثة.
بداية الصفحة
سابعاً: نقل الميت من مكان إلى مكان من غير سبب شرعي
إذا مات المسلم في بلد فيه مقبرة للمسلمين - حيث لا يجوز دفن مسلم مع الكفار، ولا كافر مع المسلمين – ووجد من يقوم بتجهيزه بأجرة أم بغيرها، ووجد من يصلي عليه من المسلمين، لا يحل نقله إلى بلد آخر، ولو كان النقل إلى المدن المقدسة مكة والمدينة وبيت المقدس، لنهيه صلى الله عليه وسلم أن ينقل أحد من شهداء أحُد إلى المدينة، على الرغم من قرب أحُد من المدينة، وإن استحب ذلك بعض أهل العلم رحمهم الله، لأن نقل الميت يستلزم الآتي:
1. تشريحه ووضعه في صندوق، وفي ذلك إهانة من غير ضرورة، قال النووي: (ويكره دفن الميت في تابوت، إلا إذا كانت رخوة أوندية، ولا تنفذ وصيته).57
2. نقله مع العفش، وفي ذلك إهانة للمسلم كذلك.
3. ارتفاع تكاليف النقل بالطائرة، وهو من لزوم ما لا يلزم.
4. ليس هناك أدنى فائدة لنقله إلى بلده، حيث لا يتمكن أحد من رؤيته والنظر إليه بعد إدخاله في الصندوق.
5. ما يعانيه الأهل والمشيعون ويقاسونه من الانتظار والمتاعب.
6. يؤخر دفن الميت، وقد أمر الشارع بالإسراع بذلك.
وأسوأ وأنكر من أن ينقل المسلم من بلد إلى بلد من غير ضرورة نقل البعض موتاهم ليدفنوا مع من يعتقدون صلاحهم وشفاعتهم لمن قبر معهم، وهناك مقبرة تسمى "المنسي"، أوأن يصر الشخص أن يدفن مع أهله وأجداده مع وجود ظروف لا تمكن من ذلك، كظرف الخريف، والطريق غير المعبد، ونحو ذلك.
عن جابر رضي الله عنه قال: "كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم – أي في المدينة- فجاء منادي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم، فرددناهم".58
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أرْسِل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت؛ فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع فقل له: يضع يده على متن ثور – أي ظهره – فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سَنَة؛ قال: أي ربِّ، ثم ماذا؟ قال: الموت؛ قال: فالآن؛ فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنتُ ثمَّ لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر".59
علينا أن نمر مثل هذا الحديث كما جاء ولا نعترض عليه بكيف؟ ولماذا؟ لأن هذه من المسائل الغيبية التي أخبرنا بها الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.
كذلك لابد من التنبيه أن شرع من قبلنا من الأنبياء والمرسلين شرع لنا ما لم ينسخ، فقد سأل الله موسى عليه السلام أن يدنيه من الأرض المقدسة، وقد نقل معه جثمان يوسف عليه السلام في تابوت من مصر ودفنه في بيت المقدس، لكن هذا الشرع قد نسخ بشرع محمد صلى الله عليه وسلم، المهيمن على الرسل والخاتم؛ فلا حجة في هذا الحديث لأحد في استحباب النقل إلى الأراضي المقدسة مع نهيه صلى الله عليه وسلم أن ينقل شهداء أحد وهم بطرفها، وأمر أن يدفنوا حيث ماتوا، فالسنة أن يدفن المسلم حيث مات ما لم يكن هناك مانع شرعي.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلقاً على هذا الحديث وعلى تبويب البخاري "باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة ونحوها": (قال الزين بن المنير: المراد بقوله: "أونحوها" بقية ما تشد إليه الرحال من الحرمين، وكذلك ما يمكن من مدافن الأنبياء وقبور الشهداء والأولياء، تيمناً بالجوار، وتعرضاً للرحمة النازلة عليهم، اقتداء بموسى عليه السلام، وهذا بناء على أن المطلوب القرب من الأنبياء الذين دفنوا ببيت المقدس، وهو الذي رجحه عياض، وقال المهلب: إنما طلب ذلك ليقرب عليه المشي إلى المحشر، وتسقط عنه المشقة60 الحاصلة لمن بعد عنه.
إلى أن قال: واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد، فقيل: يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته، وقيل: يستحب.
والأولى تنزيل ذلك على حالتين: فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة، وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم، والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل، كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة كمكة وغيرها، والله أعلم).61
استدل من استحب الموت في الديار المقدسة بدعاء عمر رضي الله عنه: "اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلدك؛ فقالت له حفصة ابنته: أنى يكون هذا؟ قال: يأتيني به الله إن شاء"62، وقد استجاب الله دعاءه، فرزق الشهادة ومات بالمدينة، وجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه.
قال النووي: (قال صاحب الحاوي: قال الشافعي: لا أحبه إلا أن يكون بقرب مكة والمدينة أوبيت المقدس، فيختار أن ينقل إليها لفضل الدفن فيها؛ وقال البغوي والشيخ أبونصر البندنيجي من العراقيين: يكره نقله؛ وقال القاضي حسين، والدارمي، والمتولي: يحرم نقله؛ وقال القاضي حسين والمتولي: ولو أوصى بنقله لم تنفذ وصيته، وهذا هو الأصح، لأن الشرع أمر بتعجيل دفنه، وفي نقله تأخيره، وفيه أيضاً انتهاكه من وجوه، وتعرضه للتغيير، وغير ذلك).63
ثم ذكر حديث جابر السابق في النهي عن نقل شهداء أحد إلى المدينة.
بداية الصفحة
ثامناً: التحدث بأمور الدنيا والضحك في أثناء التشييع
رحم الله سعد بن معاذ رضي الله عنهما عندما قال: "ما صليتُ على جنازة إلا وحدثت نفسي بما تقول ويُقال لها"، من لم يتعظ بالموت فبم يتعظ؟ ولهذا رأى عبد الله بن مسعود رجلاً يضحك وهو مشيع جنازة، فقال له: أتضحك في هذا الموقف؟! والله لا أكلمك أبداً.
ينبغي لمشيع الجنازة أن يتذكر أن هذا مصيره، فعليه أن يعد له العدة.
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فإن لم يراع حاله فعليه أن يراعي شعور أهل الميت المحزونين.
بعض الناس يغتاب في المقبرة، ويضحك، ويدخن، ويجري صفقات تجارية عن طريق الجوال أومع أشخاص، وكأنه في متجره أومنتزه.
كان سفيان الثوري رحمه الله إذا شهد جنازة لم ينتفع لمدة ثلاثة أيام.
وقال ابن الحاج المالكي في المدخل64: (وهذا وما شاكله ضد ما كانت عليه جنائز السلف الماضين رضي الله عنهم أجمعين، لأن جنائزهم كانت على التزام الأدب، والسكون والخشوع، والتضرع، حتى إن صاحب المصيبة كان لا يعرف من بينهم، لكثرة حزن الجميع، وما أخذهم من القلق والانزعاج بسبب الفكرة فيما هم إليه صائرون، وعليه قادمون، حتى لقد كان بعضهم يريد أن يلقى صاحبه لضرورات تقع له عنده، فيلقاه في الجنازة فلا يزيد على السلام الشرعي شيئاً، لشغل كل منهما بما تقدم ذكره، حتى إن بعضهم لا يقدر أن يأخذ الغداء تلك الليلة لشدة ما أصابه من الجزع، كما قال الحسن البصري رضي الله عنه: ميتُ غدٍ يشيع ميتَ اليوم).
بداية الصفحة
تاسعاً: التأذين والإقامة عند إدخال الميت في حفرته
من المحدثات المنكرة التي ابتدعها بعض الناس التأذين والإقامة في الحفرة عند إدخال الميت فيها، وهذا العمل ليس له أصل ولا أساس، إذ لم يشرع الأذان والإقامة إلا في الصلوات المكتوبة، وإنما يدعى إلى غيرها من فروض الكفاية بقول: "الصلاة جامعة".
ورد سؤال على اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية عن حكم الأذان بعد الدفن عند القبر.
فأجابت: (لا يجوز الأذان ولا الإقامة عند القبر بعد الدفن، ولا في القبر قبل دفنه، لأن ذلك بدعة محدثة، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"65).66
بداية الصفحة
عاشراً: التلقين بعد الدفن
المشروع التلقين عند الاحتضار، حيث يلقن المحتضر كلمتي الشهادة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، أما التلقين بعد الدفن فلم تثبت فيه سنة صحيحة، وإن استحسنه بعض السلف.
خرَّج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة يرفعه: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله".
وخرج أبوداود67 والحاكم كما قال الحافظ ابن حجر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة".
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن التلقين بعد الدفن، فقال68: (هذا التلقين المذكور قد نقل عن طائفة من الصحابة، أنهم أمروا به، كأبي أمامة الباهلي وغيره، وروي فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه مما لا يحكم بصحته، ولم يكن كثير من الصحابة يفعل ذلك، ولهذا قال الإمام أحمد وغيره من العلماء: إن هذا التلقين لا بأس به؛ فرخصوا فيه ولم يأمروا به، واستحبه طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد، وكرهه طائفة من العلماء من أصحاب مالك وغيرهم.
والذي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم على قبر الرجل من أصحابه إذا دفن ويقول: "سلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل".
وقال في إجابة على سؤال آخر عن هذا التلقين: تلقينه بعد موته ليس واجباً بالإجماع، ولا كان من عمل المسلمين المشهور بينهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء69 في إجابة على نفس السؤال: (الصحيح من قولي العلماء في التلقين بعد الموت أنه غير مشروع، بل بدعة، وكل بدعة ضلالة، وما رواه الطبراني في الكبير70 عن سعد بن عبد الله الأودي عن أبي أمامة رضي الله عنه في تلقين الميت بعد دفنه، ذكره الهيثمي في الجزء الثاني والثالث من مجمع الزوائد، وقال: في إسناده جماعة لم أعرفهم أﻫ.
وعلى هذا لا يحتج به على جواز تلقين الميت، فهو بدعة مردودة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد").
قلت: قول الصحابي إذا خالفه فيه غيره فليس بحجة.
بداية الصفحة
الحادية عشر: التأبين بعد الدفن بإلقاء الخطب الرنانة بالتذكير والثناء على الميت، والمبالغة والكذب فيه، وشكر المشيعين
وهذه كلها من البدع المنكرة التي لم يعرفها سلف هذه الأمة، ولا يرد على ذلك بعض المواعظ التي كان يعظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياناً من يكتنفه من المشيعين، إذ ليس هناك علاقة بين هذا وذاك.
خرَّج البخاري في صحيحه71 بسنده إلى علي رضي الله عنه قال: "كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقعد، وقعدنا حوله، ومعه مخصرة72، فنكَّس، فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة أوالنار، وإلا قد كتبت شقية أوسعيدة؛ فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: أما أهل السعادة، فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل الشقاوة، ثم قرأ: "فأما من أعطى واتقى" الآية.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله مبيناً الفرق بين الموعظة التلقائية التي تقال للجالسين حول المرء عند المقبرة وهي مسنونة، وبين خطب التأبين وإن تخللها وعظ وذكرى وهي ممنوعة، مستدلاً بالحديث السابق: (وعلى هذا فإذا جاء الإنسان إلى المقبرة وجلس الناس حوله فهنا يحسن أن يعظهم بما يناسب بمثل هذا الحديث أوحديث عبد الرحمن بن مرة، حين جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وانتهى إلى جنازة رجل من الأنصار، ووجدهم يحفرون القبر ولم يتموا حفره، فجلس وجلسوا حوله، كأن على رؤوسهم الطير احتراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجلالاً لهذا المجلس وهيبة، فجعل يحدثهم أن الإنسان إذا جاءه الموت نزلت إليه ملائكة الرحمة أوملائكة العذاب، وجعل يحدثهم بحديث طويل يعظهم به، هذه هي الموعظة عند القبر.
أما أن يقوم القائم عند القبر يتكلم كأنه يخطب، فهذا لم يكن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يقف بين يدي الناس يتكلم كأنه يخطب، هذا ليس من السنة، السنة أن تفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، إذا كان الناس جلوساً ولم يدفن الميت فاجلس في انتظار دفنه، وتحدث حديث المجالس، حديثاً عادياً، بعض الناس أخذ من هذه الترجمة "باب الموعظة عند القبر" أن يكون خطيباً في الناس يخطب في الناس برفع الصوت "يا عباد الله" وما أشبه ذلك من الكلمات التي تقال في الخطب، وهذا فهم خاطئ غير صحيح).73
قال ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل74 وهو يعدد بدع الجنائز في وقته: (فإذا أخذوا في إخراجه إلى النعش، فليحذر من هذه البدعة الأخرى التي يفعلها أكثرهم، وهي حضور شخص يسمونه المدير، فيزكي الميت على الله تعالى بمثل قوله: السعيد الشهيد، القاضي الصدر، الرئيس الصالح، العبد الخاشع الورع، كهف الفقراء والمساكين، وللمرأة السعيدة الشهيدة، إلى غير ذلك من ألفاظهم المعهودة عندهم، المنهي عنها في الشرع الشريف، التي جمعت بين التزكية والكذب الصراح، والمحل محل صدق وإخلاص، ورجوع إلى المولى سبحانه وتعالى، فقابلوه بضد المراد منهم، والميت في هذا الوقت مضطر إلى الدعاء له، وإظهار فقره ومسكنته، واضطراره واحتياجه إلى رحمة ربه سبحانه وتعالى، وهم يأخذون في نقيض ذلك، فإنا لله وإنا إليه راجعون).
بداية الصفحة
الثانية عشر: الانتظار بعد الدفن وقراءة شيء من القرآن
السنة إذا دفن المسلم أن يستغفر الله له ويسأل له التثبيت، لقوله صلى الله عليه وسلم: "سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل" الحديث؛ أما أن يقرأ شيء من القرآن على الميت بعد دفنه فلم يثبت بذلك سنة صحيحة، وإن استحب ذلك بعض أهل الفضل.
صحَّ75 عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: "إذا دفنتموني فأقموا حول قبري قدْر ما تنحر جزور، ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي".
وقال النووي في رياض الصالحين: (قال الشافعي رحمه الله: ويستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن، وإن ختموا القرآن عنده كان حسناً).
وروى أبو داود في سننه76 بسنده إلى معقل بن يسار، قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرأوا يس على موتاكم".
قال عنه النووي77: (إسناده ضعيف، فيه مجهولان، لكن لم يضعفه أبوداود، وروى ابن أبي داود عن مجالد عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا حضروا قرأوا عند الميت سورة البقرة. مجالد ضعيف).
قال الشيخ الألباني رحمه معلقاً على ما نقله النووي عن الشافعي: "ويستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن": (قلت: لا أدري أين قال ذلك الشافعي رحمه الله تعالى، وفي ثبوته عنه شك كبير عندي، كيف؟ ومذهبه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى.
كما نقله عنه الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: "وأن ليس للإنسان إلى ما سعى"78، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى عدم ثبوت ذلك عن الإمام الشافعي بقوله في "الاقتضاء"79: (لا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام، وذلك لأن ذلك كان عنده بدعة، وقال مالك: ما علمنا أحداً فعل ذلك، فعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلون ذلك).
قلت: وذلك هو مذهب أحمد أيضاً، أن لا قراءة على القبر؛ كما أثبت في كتابي "أحكام الجنائز"80، وهو ما انتهى إليه رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، كما حققته في الكتاب المذكور81).82
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله معلقاً على قول عمرو بن العاص رضي الله عنه السابق: (أما ما ذكر عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن أمر أهله أن يقيموا عنده إذا دفنوه قدر ما تنحر جزور قال: لعلي أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي؛ يعني الملائكة، فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه، لكنه اجتهاد لا نوافقه عليه، لأن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هدي غيره، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقف أويجلس عند القبر بعد الدفن قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، ولم يأمر أصحابه بذلك.
إلى أن قال: وأما القراءة على القبر فالأصح أنها مكروهة، وأنه يكره للإنسان أن يذهب إلى القبر، ثم يقف عنده أويجلس عنده يقرأ، لأن هذا من البدع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة"، وأقل أحوالها أن تكون مكروهة).83
بداية الصفحة
الثالثة عشر: الدعاء الجماعي بعد الدفن
هذا هو الآخر ليس من السنة، أن يدعو شخص للميت ويؤمن الحاضرون، وإنما السنة أن يدعو كل إنسان ويستغفر للميت ويسأل له الثبات، هذه هي السنة وما سواها بدعة.
الرابعة عشر: الجلوس للعزاء ونصب الصيوانات لذلك
من البدع التي أحدثها البعض الجلوس للعزاء ونصب الصيوانات لذلك، وكان هديه صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك حيث كان يوجه أهل الميت بالصبر والاحتساب وعدم إحداث أمر زائد، فلم يصح أنه جلس لتقبل العزاء لا هو ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان، مما يدل على بدعية ذلك بهذه الكيفية التي نشاهدها، سيما عندنا في السودان، وإن اختصرت إلى يومين أويوم عما كانت عليه في الماضي، حيث كان الجلوس يتراوح بين السبعة أيام والشهر، وهذا النهي يشمل الرجال والنساء، لكن يمكن أن يجلس بعض الأهل والأقارب ليصبروا ذويهم في مصابهم إن دعت الحال، من غير نصب صيوانات، فهذا لا بأس به، والله أعلم.
عندما نعى النبي صلى الله عليه وسلم شهداء مؤتة جلس في المسجد يعرف على وجهه الحزن، ولم يكن جلوسه هذا لتلقي العزاء، ولكن لعظم الفاجعة.
خرَّج البخاري في صحيحه84 بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما جاء النبي قتل ابن حارثة، وجعفر، وابن رواحة، جلس يعرف في وجهه الحزن.." الحديث.
قال الحافظ ابن حجر معللاً لجلوسه هذا: (قال الزين بن المنير ما ملخصه: موقع هذه الترجمة85 من الفقه أن الاعتدال في الأحوال هو المسلك الأقوم، فمن أصيب بمصيبة عظيمة لا يفرط في الحزن حتى يقع في المحذور من اللطم والشق والنوح وغيرها، ولا يفرط في التجلد حتى يفضي إلى القسوة والاستخفاف بقدر المصاب، فيقتدي به صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة بأن يجلس المصاب جلسة خفيفة بوقار وسكينة تظهر عليه مخايل الحزن، ويؤذن بأن المصيبة عظيمة).86
أما ما استخلصه من الحديث بقوله: "وفي هذا الحديث من الفوائد أيضاً جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار"87، ففيه نظر، إذ مجرد الجلوس عند المصيبة لا يعني الجلوس للعزاء، وإنما سبب هذا الجلوس العناء النفسي والجسدي في بعض الأحيان، وإلا لو كان جلوسه للعزاء لفعله هو وأصحابه فيما بعد.
ويدل على ذلك كراهة أهل العلم قديماً وحديثاً للجلوس للتعزية.
قال النووي رحمه الله: (قال الشافعي وأصحابنا رحمهم الله: يكره الجلوس للتعزية، قالوا: يعني بالجلوس أن يجتمع أهل الميت في بيت ليقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها، صرح به المحاملي، ونقله عن نص الشافعي رضي الله عنه، وهذه كراهة تنزيه إذا لم يكن معها محدث آخر88، فإن ضم إليها أمراً آخر من البدع المحرمة كما هو الغالب منها في العادة كان ذلك حراماً من قبائح المحرمات فإنه محدث، وثبت في الحديث الصحيح: "إن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".89
وقال ابن عَلان في شرحه كتاب الأذكار للنووي: (يكره الجلوس للتعزية، قالوا: لأنه محدث هو بدعة، ولأنه يجدد الحزن، ويكلف المعزَّى، وما ثبت عن عائشة: "من أنه صلى الله عليه وسلم لما جاء خبر قتل زيد بن حارثة، وجعفر، وابن رواحة، جلس في المسجد يعرف في وجهه الحزن"، فلا نسلم أن جلوسه كان لأجل أن يأتيه الناس فيعزوه، فلم يثبت ما يدل عليه).90
وقال ابن الحاج المالكي محذراً من هذه البدعة: (وكذلك يحذر مما أحدثه بعضهم من ترك الفرش التي تجعل في بيت الميت لجلوس من يأتي إلى التعزية، فيتركونها كذلك حتى تمضي سبعة أيام، ثم بعد ذلك يزيلونها).91
في بعض البلاد يستقبل أهل الميت المعزين في ساعات معينة، مثلاً بين المغرب والعشاء، لمدة يوم أويومين أوثلاثة، لا شك أن هذا أخف وأيسر من الجلوس المتواصل طيلة اليوم والليلة.
قلت: لا يعني النهي عن الجلوس للعزاء عدم مجيء المعزين، فيمكن للإنسان أن يأتي يعزي ويتحرك، أويجلس مع أهل الميت في بيتهم الذي يسكنون فيه.
بداية الصفحة
الخامسة عشر: تكلف أهل الميت صنع الطعام للمعزين
هذه البدعة السيئة قامت على أنقاض سنة حسنة وهي أن يعمل الأهل والجيران طعاماً لأهل الميت اقتداء بقوله صلى الله عليه وسلم عند استشهاد جعفر رضي الله عنه: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم أمر شغلهم".92
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العملية والإفتاء93 في رد على مشروعية ما يفعله أهل الميت من صنع الطعام: (أما إقامة المأتم وبناء الصواوين لتقبل العزاء وإطعام الحاضرين الطعام فليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والخير كل الخير في اتباع هديه والاقتداء بسنته، قال تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً".94
وخرج الإمام أحمد بإسناد جيد عن جرير بن عبد الله البجلي قال: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة).
وروي عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: "فما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها".
إي وربي كانت هذه السنة موجودة، وكان ما يحضره الأهل والجيران يكفي أهل الميت وضيوفهم ويفيض.
ليت الأمر وقف عند صنع أهل الميت الطعام للمعزين وهو أمر منكر وسنة سيئة، ولكنه تعدى ذلك للتفاخر والتكلف حتى أضحت تكاليف العزاء تفوق في بعض الأحيان تكاليف الزواج، وفي أحيان كثيرة تكون الولائم المعدة والأصناف المحضرة في ولائم العزاء أحسن بكثير من ولائم العرس.
يصل الأمر في حالات إلى عدم التمييز بين صوانات العزاء والفرح، ومن الطرائف أن صغيراً رأى الصيوانات قد نصبت، والكراسي رصت، وحافظات الماء وزعت، فما كان منه إلا أن سأل: متى يحضر الفنان؟ لأنه لم ير فرقاً يذكر بين مراسم العزاء ومراسم العرس، وفي بعض الاحيان ما يعود الناس مع تشييع الميت إلا ويجدوا الذبائح قد علقت!!
يفعل كل هذا وزيادة تقليداً ومجاراة للأعراف والتقاليد مع ضيقهم من ذلك وشكواهم مما يعانون منه ويكابدونه، يزداد الأمر حرمة وسوءاً إذا كان هذا الطعام يصنع من مال الورثة، وفي أحيان كثيرة لا تغطي مساهمات الأهل والأصدقاء تكاليف "الفراش" مما يضطر معه لتكليف الأقربين لتغطية العجز، ولو قدمت هذه الأموال لأهل الميت وقد يكونون في أمس الحاجة إليها لكان في ذلك خيراً كثيراً ومواساة مشكورة.
بداية الصفحة
السادسة عشر: استئجار مقرئين، أووعاظ، أوتشغيل شرائط لمقرئين
من بدع الجنائز السيئة، ومحدثاتها المنكرة، استئجار مقرئين أوتشغيل شرائط لمقرئين في المأتم، قبل وبعد الدفن، حيث لم يرد بهذا الصنيع دليل من السنة، ولم يفعله أحد من الأمة المقتدى بها.
ومن المحزن أن تختزل وظيفة هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عند كثير من المسلمين في التبرك به عند افتتاح الاحتفالات والمهرجانات، أوأن يقرأ في المآتم، أويوضع عند رأس المرأة حديثة الولادة، أوأن يعلق كله أوبعض آياته وسوره في البيوت والسيارات، وهذا كله مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الواجب على المسلمين تلاوة هذا الكتاب وتدبره وحفظ ما تيسر منه لمن لم يتمكن من حفظه كله، وقراءته في الصلوات، في النوافل والمكتوبات، وفي قيام الليل، وفي العمل بمقتضاه وتحكيمه في جميع شؤون الحياة.
أين هذا من حال الصحابة الذين ما كان أحدهم يتجاوز العشر آيات إلا بعد أن يحفظها، ويتدبرها، ويعمل بما فيها؟
إذا تنازع العلماء في استفادة الميت من القراءة إذا أهديت إليه من غير استئجار فمنهم من أجازها وهو الراجح ومنهم من منعها، فكيف بقراءة المستأجرين؟! وإذا اختلفوا في أخذ أجرة في تعليم القرآن للصبيان وغيرهم فمن باب أولى عدم جواز استئجار المقرئين في المآتم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حكم الأجرة على قراءة القرآن لروح الميت: (أما الاستئجار لنفس القراءة والإهداء فلا يصح ذلك، فإن العلماء إنما تنازعوا في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، والأذان، والإمامة، والحج عن الغير، لأن المستأجر يستوفي المنفعة، فقيل: يصح ذلك كما هو المشهور من مذهب مالك والشافعي، وقيل: لا يجوز، لأن هذه الأعمال يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة، فإنما تصح من المسلم دون الكافر، فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى، فإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق، لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه، لا ما فعل لأجل عروض الدنيا.
أما إذا كان لا يقرأ القرآن إلا لأجل العروض، فلا ثواب لهم على ذلك، وإن لم يكن في ذلك ثواب فلا يصل إلى الميت شيء، لإنه إنما يصل إلى الميت ثواب العمل، لا نفس العمل).95
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة في ردهم على سؤال: (ما حكم استئجار من يقرأ القرآن على قبر الميت، أوعلى روحه؟: (لا يجوز استئجار من يقرأ القرآن على قبر الميت، أوعلى روحه، ويهب ثوابه للميت، لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف، ولا أمر به أحد من أئمة الدين، ولا رخص فيه واحد منهم فيما نعلم، والاستئجار على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف).96
وقال ابن الحاج المالكي رحمه الله معدداً بدع المآتم: (ومنهم من يأتي بالواعظ إلى الرجال، ومنهم من يأتي بالواعظة للنساء).97
بداية الصفحة
السابعة عشر: عمل صدقة من الطعام يدعون إليها بعض القراء والفقراء في أوقات محددة، في اليوم الثالث، أوبعد أسبوع، أوبعد أربعين يوماً، ونحو ذلك
هذه أيضاً من بدع المآتم السيئة التي درج عليها كثير من المسلمين، ويحسبون ذلك هيناً وهو عند الله عظيم، لمخالفة ذلك لهدي سيد المرسلين، ويحسبون أنهم يحسنون إلى أنفسهم وإلى موتاهم على الرغم من إنكار أهل العلم قديماً وحديثاً لهذه البدعة ولغيرها، فلا يزال الناس متمسكين بها ومتوسعين فيها.
قال ابن الحاج المالكي: (وكذلك يحذر مما أحدثه بعضهم، من فعل الثالث للميت، وعملهم الأطعمة فيه، حتى صار عندهم أمر معمول به، ويشيعونه كأنه وليمة عرس، ويجمعون لأجله الجمع الكثير من الأهل والأصحاب والمعارف، فإن بقي أحد منهم وجدوا عليه.
ثم إنهم لم يقتصروا على ذلك حتى يقرأوا هناك القرآن العظيم على عوائدهم المعهودة منهم بالألحان والتطريب الخارج عن حد القراءة المشروعة).98
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما صنعة أهل الميت طعاماً يدعون الناس إليه فهذا غير مشروع وإنما هو بدعة، بل قال جرير بن عبد الله: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعتهم الطعام للناس من النياحة).99
وجاء في فتاوى100 اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء وقد سئلت: "ما حكم ذبح ذبيحة أوأكثر في البيت على روح الميت عند مضي أربعين يوماً على وفاته، وإطعامها الناس بقصد التقرب إلى الله ليغفر لميتهم، ويرحمه، ويسمونها الرحمة، أوعشاء الميت؟"، فقالت: (ما ذكرت من الذبح على روح الميت عند مضي أربعين يوماً عليه من تاريخ وفاته وإطعامها للناس تقرباً إلى الله رجاء المغفرة والرحمة بدعة منكرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، ولم يفعله الخلفاء الراشدون ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم، ولا أئمة أهل العلم، فكان إجماعاً على عدم مشروعيته).
هذا مع العلم أن لا مانع أن يتصدق المرء عن ميته بنقود أوطعام ويهدي أجر ذلك للميت، شريطة أن لا تكون في أيام معينة، ولا بكيفية معينة، وإنما هي من جملة الصدقات التي تعمل في جميع الأوقات.
بداية الصفحة
الثامنة عشر: دعوى أن القبر مظلم حتى يطعم عن الميت
كما قلت في المقدمة فإن هذه البدع والمحدثات لا توجد مجتمعة في بلد واحد، حيث يوجد بعضها في بعض البلاد دون بعض، بجانب أن هناك بدع مشتركة عمت بها البلوى في جميع ديار الإسلام.
من تلك البدع التي توجد في بعض الديار دعوى أن القبر مظلم حتى يطعم عن الميت، ولهذا لا يدفنون ميتهم إلا بعد إخراج هذا الطعام، فهذه من البدع المنكرة، وفيها رد لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن: "القبر إما روضة من رياض الجنة، أوحفرة من حفر النار"، أوما معناه.
وفيها كذلك تسوية بين الأموات وسوء ظن بهم جميعاً.
جاء في رد على إنكار هذا العمل في فتاوى اللجنة101 الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما يأتي: (أما دعوى أن القبر مظلم، وأن تقديم الطعام من قبل أهل الميت والصدقة عنه قبل دفنه يضيء في ظلام القبر، وقبل أن يدخل في قبره يصير القبر نوراً، فهذا لا أصل له، والقول به رجم بالغيب، لأن ذلك من الأمور الغيبية التي لا يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى).
بداية الصفحة
التاسعة عشر: تقديم الدخان للمعزين
من شؤم البدعة أنها تجر إلى غيرها، فالجلوس للعزاء بدعة، وكل ما يتبع ذلك فهو بدعة، وبعضها أشد نكارة من بعض، نحو تقديم الدخان للمعزين، فإذا كان تقديم الطعام، والماء،و الشاي، والقهوة، وهي من المباحات لا يجوز، فكيف بتقديم الدخان الذي هو من الخبائث إجماعاً، وإن اختلف أهل العلم في تحريمه وكراهته؟ لا شك أنه من باب أولى الامتناع عنه، وبالأحرى عدم تقديمه للغير، سيما في مناسبة العزاء.
وهذا يدخل في باب التعاون على الإثم والعدوان الذي نهانا ربنا عنه حيث قال: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".102
فتقديم الدخان عدوان لا شك فيه، وفي تقديمه للمعزين مقابلة للإحسان بالعدوان.
بداية الصفحة
العشرون: إنشاء الخطب، والمواعظ، والشكر، إذاناً بختم مدة العزاء "رفع الفراش"
من المحدثات التي درج عليها الناس في السنوات الأخيرة - في السودان خاصة – حيث لم تكن موجودة من قبل، تحول بيت العزاء عند ختم العزاء إلى منبر للخطب الرنانة، والمواعظ، والشكر، حيث يتبارى الناس في ذلك ويتنافسون، ويأتي الخطباء والوعاظ من كل ناحية.
هذه البدعة تشتمل على قبائح كثيرة، منها:
1. تزكية الميت وإطرائه والمبالغة في ذلك، وقد نهانا ربنا عن ذلك قائلاً: "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"103.
وإذا كان سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام نهى عن أن يُطرى، وهو أهل للإطراء والمدح والثناء اللائق به، قائلاً: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله"104، فكيف بغيره؟
2. اتهام من لم يفعل ذلك من أهل الميت وأصدقائه بالتقصير في حق ميتهم.
3. بيت الميت ليس منبراً للخطابة والمواعظ العامة.
4. دعوى أن الغرض من ذلك شكر المعزين، فشكر الناس لا يحتاج إلى خطب، وإنما يمكنك شكر المعزي والدعاء له في الحال، بل الدعاء له بظهر الغيب أفضل، وهو قمِن أن يستجاب.
5. الخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع.
فالواجب الإقلاع عن ذلك وعدم التوسع فيه، إذا كان رسولنا صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي، وهو الإعلام بالوفاة، فكيف بالخطب، والكلمات، والثناء الذي يقال في جمع غفير من الناس عادة، فهو أشد نهياً وكراهة من النعي.
بداية الصفحة
الحادية والعشرون: تكلف المجيء للتعزية من أماكن بعيدة والمجاملة فيها
لقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة المرحومة في التكاليف الشرعية التي هي سبب من أسباب دخول الجنة ورضى الرحمن، فقال تعالى: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها"105، "واتقوا الله ما استطعتم"106، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: "ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم".
فما بال بعض المسلمين يتكلفون ما لا طاقة لهم به في أمور أعلى درجاتها الاستحباب، ما لا يتكلفون في أداء الواجبات والقيام بالأمور المهمات؟ ألا يعد ذلك من مظاهر النفاق الاجتماعي الذي ابتلي به كثير من الناس في هذا العصر؟
ومما يدل على ذلك أنه ما من أحد إلا وهو يتضجر من كثرة المجاملات لما فيها من ضياع:
1. الوقت.
2. والمال.
3. والتقصير في الواجبات الخاصة والعامة.
4. وإدخال الحرج على النفوس.
وهي من لزوم ما لا يلزم.
لا شك أن في ذلك تكافل اجتماعي، وتسلية لأهل الميت، وتخفيف عنهم في مصابهم، لكن إذا كان الفعل ضرره أكثر من نفعه، ومفسدته أعظم من مصلحته، فالواجب عدم الإقدام عليه.
لقد تغيرت الأحوال، وتبدلت الظروف، واستجدت أمور، واستحدثت أنماط من الأعمال والوظائف، كان الناس فيما مضى – عندنا في السودان وفي غيره من بلاد الإسلام – تعيش الأسرة في قرية واحدة، أوفي قرى وفرقان متجاورة، معتمدين بعد الله عز وجل على مواشيهم وقليل من الزراعة حول قراهم، ويندر أن يكون أحد من أفراد الاسرة خارج هذا النطاق.
أما الآن فأفراد الأسرة الواحدة موزعون، ليس في السودان فحسب، بل في دول الخليج، وفي أوروبا، وأمريكا، وغيرها من أرض الله الواسعة، كما هو معلوم مشاهد.
فما كان يطالب به الفرد في الماضي لا يمكن الوفاء به اليوم مع هذه الظروف، والمتغيرات، والمستجدات.
مرد تخلف المسلمين عسكرياً، وصناعياً، واقتصادياً، في اعتقادي يرجع إلى سلوكنا الاجتماعي، سيما عندنا في السودان:
1. سلوكنا في معاشنا.
2. سلوكنا في أفراحنا وأتراحنا.
3. سلوكنا في مجاملاتنا لبعضنا البعض.
4. سلوكنا في التسيب عن الأعمال الخاصة والعامة إذا تصادمت بأمر من الأمور السابقة.
5. سلوكنا في عدم التناصح.
6. سلوكنا في عدم المحاسبة والأخذ بيد الجاني والمقصر.
وكل هذا يرجع إلى السلوك الاجتماعي المعوج.
قل لي بربك هل هناك حاجة أن تتحرك حافلة أوحافلتان أوأكثر من القولد أوالقرير لتعزي في ميت في "الحاج يوسف" أو"الكلاكلة" مثلاً ثم ترجع في مساء اليوم أوفي اليوم الثاني؟ علماً أن الغالب من هؤلاء مجامل لشخص أوشخصين مثلاً؟
هذا بجانب ما يمكن أن يتعرض له هؤلاء من حوادث في الطريق ونحو ذلك، فكم من أموال صرفت؟ وكم من وقت أهدر؟ وكم من محل تجاري أغلق؟ وكم من زرع أهمل؟ وكم من أسر وأطفال لم توفر لهم حاجياتهم الضرورية؟ وكم، وكم؟
هذا مع علمنا أن الناس قد قللوا وتخففوا كثيراً من تلك المجاملات عن ذي قبل.
من أصعب الأمور تغيير السلوك الاجتماعي المعوج، فهو يحتاج إلى صدق، وتجرد، وتعاون بين الجميع، سيما مع سيطرة العادات والتقاليد والأعراف في مجتمعات المسلمين، حيث لا يستطيع أحد أن يخالفها إلا من رحم ربك، لما يواجه به المخالف لها من الهجر والنبذ والتعرض لكلام الناس وانتقاداتهم.
بداية الصفحة
الثانية والعشرون: نشر صورة المتوفي في الصحف، وشكر العائدين والمعزين
من البدع القبيحة التي قلد فيها بعض المسلمين الكفار، نشر صور موتاهم في صحيفة من الصحف السيارة، وشكر الذين عادوا المتوفي وسعوا في علاجه، والمعزين فيه، وفي بعض الأحيان تستأجر صفحة كاملة أونصف صفحة أوأقل من ذلك.
وفي هذه البدعة من المخالفات الشرعية الكثير، منها:
1. التشبه بالكفار، وهو أخطرها مع إعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا: "ومن تشبه بقوم فهو منهم".
2. نشر صورة المتوفى، ومعلوم في الدين ضرورة تحريم التصوير وتعليق الصور.
3. بذل المال في أمر محرم، ولن تزول قدما ابن آدم حتى يسأل عن أربع، منها: "عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه".
4. التقليد في سنة سيئة، حيث يكون على أول من فعلها وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، كما أخبر الصادق المصدوق.
فينبغي للمسلمين أن يراجعوا أنفسهم، وأن يحاسبوها، وأن لا تحكمهم العادات والتقاليد، وعليهم التفقه في دين الله، فكثير من هذه البدع مردها إلى الجهل والتقليد.
بداية الصفحة
الثالثة والعشرون: حفل التأبين!
ما من بدعة من بدع الجنائز إلا وهي أقبح من أختها، من ذلك ما ابتدعه البعض من إقامة حفل تأبين في منزل المتوفى أوفي أحد الأندية أوغيرها في اليوم الأربعين من وفاته، أوبعد سنة، تقدم فيه الخطب والمرثيات ويثنى فيه على الميت بما فيه وما ليس فيه غالباً.
وهذا كله يدل على صدق رسولنا صلى الله عليه وسلم في تحذيره ونهيه عن التشبه بالكفار: "ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" الحديث.
مرجع هذه البدعة التشبه بالكفار الأقدمين - فراعنة – ومحدثين – يهود ونصارى – فهو شبيه بما يصنعه النصارى "الجناز الأربعيني".
ورد سؤال على اللجنة الدائمة للفتوى بالسعودية: "ما أصل الذكرى الأربعينية؟ وهل هناك دليل على مشروعية التأبين؟".
فردت110: (أولاً: الأصل فيها أنها عادة فرعونية، كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام، ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم، وهي بدعة منكرة، لا أصل لها في الإسلام، يردها ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
ثانياً: تأبين الميت ورثاؤه على الطريقة الموجودة اليوم، من الاجتماع لذلك، والغلو في الثناء عليه لا يجوز، لما رواه أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي"، ولما في ذكر أوصاف الميت من الفخر غالباً، وتجديد اللوعة وتهييج الحزن، وأما مجرد الثناء عليه عند ذكره، أومرور جنازته، أوللتعريف به، بذكر أعماله الجليلة ونحو ذلك، مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم، فجائز، لما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: "وجبت"، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: "وجبت"، فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: "هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض".111
بل البعض ينوي ويعزم على أن يقام حفل التأبين هذا سنوياً، تمشياً مع ما ابتدعه المتصوفة من إقامة حوليات مشايخهم في كل عام.
بداية الصفحة
الرابعة والعشرون: حوليات المشايخ
من البدع القبيحة التي درج عليها أتباع المشايخ الطرقية إقامة الحوليات لمشايخهم، حيث يتجمع المريدون من كل صوب وحدب في منزل الشيخ عند خليفته، أوعند قبره أوقبته، ويحيون تلك الليلة أوالليالي بضرب الطبول، وبالرقص، والتواجد، حيث تنفق في هذه الحوليات الأموال الطائلة، وتقدم فيها الأطعمة، وتعتبر سوقاً يستعد له قبل حين، كما يحدث في حوليات "البدوي" و"المرسي" وغيرهما بمصر.
والحوليات خطورتها بجانب أنها بدعة منكرة مخالفة للهدي النبوي كذلك، فهي:
1. وسيلة وذريعة من وسائل الشرك، حيث تمارس فيها جل صور الشرك الأكبر من الدعاء، والاستغاثة، والصلاة، والنذر، والذبح وغيرها.
2. اعتبارها قربة من القرب التي يتقربون بها إلى الله عز وجل، وزلفى من الزلف، وهي في الحقيقة تباعد بين المرء وربه، وتوجب على محييها غضبه.
3. الأموال الكثيرة التي تنفق فيها.
4. مشاركة بعض طلاب العلم فيها، بدعوات من شيوخ السجادات، وإلقاء الخطب والتباري فيها، وهذا له خطره العظيم في تضليل العوام والتلبيس عليهم، فينبغي لأهل العلم والفضل أن لا يشاركوا فيها، وأن لا يجاملوا على حساب دينهم، الهم إن كانوا معتقدين لما يعتقده أتباع الطرق فهاهنا تكون مصيبتهم أعظم.
بداية الصفحة
الخامسة والعشرون: تكبير صورة المتوفى وتعليقها في بيته وبيت أفراد أسرته
لو يعلم المبتدع الأول ما عليه من الوزر والإثم ما أقدم على بدعته أبداً، وما خلف بدعة بعده، ولهذا جاء في الأثر: "ويل لمن مات وبقيت بدعته بعده".
من البدع المنكرة كذلك الاحتفاظ بصور الأموات، بل البحث والتفتيش عنها عند أهله وأصدقائه، ثم تكبيرها ووضعها في إطار "مبروز"، ثم توشيح بيوت الأهل والأصدقاء بها.
وفي هذا العمل ما فيه، من ذلك:
1. أن تعليق الصورة في المنزل يمنع من دخول ملائكة الرحمة بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2. أن تعليق الصور يجدد الحزن على أهله.
3. التصوير نفسه، وتكبير الصور من أحرم الحرام.
4. يشجع الآخرين على الاقتداء بمن فعل هذا العمل، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
ينبغي للمسلمين أن لا ينساقوا وراء العواطف والعادات، وعليهم التقيد بسنة من أنزلت عليه الآيات المباركات، ومن ختمت به الشرائع المحكمات، وأن يتفقهوا في دينهم، وأن لا يقدموا على أي عمل مهما كان صغيراً أوكبيراً إلا بعد التأكد أنه موافق لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعلموا أنهم محاسبون على أعمالهم كلها، جليلها وحقيرها، دقها وعظيمها.
بداية الصفحة
السادسة والعشرون: تجمع الأهل والأقارب والأصدقاء في دور حديثي الوفاة في الأعياد والمناسبات
من البدع المنكرات تجمع الأهل والأقارب والأصدقاء في بيت حديثي الوفاة من ذويهم في الأعياد والمناسبات، مما يجدد الحزن ويهيج على البكاء والعويل، ولهذا ينبغي الامتناع عن ذلك، ومن ذهب للعيدية فعليه تصبير أهل الميت وتثبيتهم لا أن يشاركهم في ذلك، أعني ما تفعله كثير من النساء مجاملة لذوي الميت.
بداية الصفحة
السابعة والعشرون: زيارة الأضرحة والقبور البدعية
لا شك أن زيارة القبور منها ما هو مشروع مسنون، وهي التي تذكر بالآخرة، ولهذا شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بالقول والفعل.
خرَّج مسلم في صحيحه عن أنس يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها"، زاد أهل السنن: "فإنها تذكركم الآخـرة".
وفي رواية للحـاكم كما قـال الحـافظ ابن حجر112: "وترق القلوب، وتدمع العيون، فلا تقولوا هجراً"، ولزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبر أمه ولشهداء أحد وأهل البقيع.
فالزيارة الشرعية هي:
1. أن تكون خاصة بالرجال دون النساء.
2. أن يسلم فيها على الأموات: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين" الحديث.
3. أن يتذكر الإنسان مصيره فيعمل لما بعد الموت.
أما الزيارة البدعية فهي التي:
1. يأتي فيها الزائر بأعمال شركية، نحو دعاء الأموات، والاستغاثة فبهم، والذبح لهم، والتمسح بقبورهم، وطلب الحاجات منهم.
2. زيارة النساء.
3. أن تكون في أيام معلومة، يوم الجمعة مثلاً، وبعد الأربعين، وفي الأعياد.
قال الشيرازي رحمه الله: (يستحب للرجال زيارة القبور لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: "زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: إني استأذنت ربي عز وجل أن أستغفر لها فلم يأذن لي، فاستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت".113
والمستحب أن يقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون"، ويدعو لهم، لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يخرج إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد"114، ولا يجوز للنساء زيارة القبور لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله زوارات القبور"115).
وقال النووي في شرح ما قال الشيرازي: (اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب للرجال زيارة القبور، وهو قول العلماء كافة، نقل العبدري فيه إجماع المسلمين، ودليله مع الإجماع الأحاديث الصحيحة المشهورة، وكانت زيارتها منهياً عنها أولاً ثم نسخ، ثبت في صحيح مسلم رحمه الله عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها".. وكان النهي أولاً لقرب عهدهم بالجاهلية، فربما كانوا يتكلمون بكلام الجاهلية الباطل، فلما استقرت قواعد الإسلام وتمهدت أحكامه، واستشهرت معالمه، أبيح لهم الزيارة، واحتاط صلى الله عليه وسلم بقوله: "ولا تقولوا هجراً"، قال أصحابنا رحمهم الله: ويستحب للزائر أن يدنو من قبر المزور ما كان يدنو من صاحبه لو كان حياً وزاره.
وأما النساء فقال المصنف وصاحب البيان لا تجوز لهن الزيارة، وهو ظاهر هذا الحديث، والذي قطع به الجمهور أنها مكروهة لهن كراهة تنزيه116).117
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (قال النووي تبعاً للعبدري والحازمي وغيرهما: اتفقوا على أن زيارة القبور للرجال جائزة، كذا أطلقوا، وفيه نظر، لأن ابن أبي شيبة وغيره روى عن ابن سيرين، وإبراهيم النخعي، والشعبي الكراهة مطلقاً، حتى قال الشعبي: لولا نهي النبي لزرت قبر ابنتي؛ ولعل من أطلق أراد الاتفاق ما استقر عليه الأمر بعد هؤلاء، وكأن هؤلاء لم يبلغهم118 الناسخ والله أعلم، ومقابل هذا قول ابن حزم: إن زيارة القبور واجبة ولو مرة واحدة في العمر لورود الأمر به؛ واختلف في النساء فقيل: دخلن119 في عموم الإذن، وهو قول الأكثر، ومحله ما إذا أمنت الفتنة.
إلى أن قال:
وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة، فروى الحاكم من طريق ابن أبي مليكة أنه رآها زارت قبر أخيها عبد الرحمن، فقيل لها: أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قالت: نعم، كان نهى ثم أمر بزيارتها؛ وقيل الإذن خاص بالرجال، ولا يجوز للنساء زيارة القبور، وبه جزم الشيخ أبو إسحاق في "المهذب"، واستدل له بحديث عبد الله بن عمرو الذي تقدمت الإشارة إليه في "باب اتباع النساء والجنائز"120، وبحديث: "لعن الله زوارات القبور"، أخرجه الترمذي وصححه من حديث أبي هريرة، وله شاهد من حديث ابن عباس ومن حديث حسان بن ثابت.
واختلف من قال بالكراهة في حقهن، هل هي كراهة تحريم أوتنزيه؟ قال القرطبي121: هذا اللعن إنما للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصفة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج، والتبرج، وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك؛ فقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء).122
قلت: القول الراجح الذي تسنده الأدلة الصحيحة أن النساء ممنوعات من زيارة القبور للنهي الصحيح الصريح المخصص للنساء عن الرجال، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما قول أبي العباس القرطبي رحمه الله: "إذا أمنت الفتنة"، فأنى تؤمن؟! والذي يظهر أن المنع هو الأولى أمنت الفتنة أم لم تؤمن، لأن الأحاديث التي نهت عن ذلك لم يرد فيها اشتراط أمن الفتنة، وإنما وردت مطلقة، والله أعلم.
أما تفريق مالك رحمه الله بين الكبيرة والشابة، حيث أجاز زيارة القبور للمتجالة ومنع منها الشابة فيعوزه الدليل كذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن المشروع في زيارة القبور123: (أما زيارة القبور، فهي على وجهين: شرعية، وبدعية).
ثم بعد أن وضح الشرعية قال:
(وأما الزيارة البدعية: وهي زيارة أهل الشرك، من جنس زيارة النصارى الذين يقصدون دعاء الميت، والاستعانة وطلب الحوائج عنده، فيصلون عند قبره، ويدعون به، فهذا ونحوه لم يفعله أحد من الصحابة، ولا أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا استحبه أحد من سلف الأمة وأئمتها، بل قد سد النبي صلى الله عليه وسلم باب الشرك، في الصحيح أنه قال في مرض موته: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يحذر ما صنعوا، قالت عائشة رضي الله عنها: "ولولا ذلك لأبرز قبره، لكن كره أن يتخذ مسجداً".
إلى أن قال: وقد أصاب المسلمين جدب وشدة، وكانوا يدعون الله، ويستسقون ويدعون على الأعداء، ويستنصرون ويتوسلون124 بدعاء الصالح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم، بدعائهم، وصلاتهم، وإخلاصهم".
ولم يكونوا يقصدون الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا صالح، ولا الصلاة عنده، ولا طلب الحوائج منه، ولا الإقسام على الله به، مثل أن يقول القائل: أسألك بحق فلان وفلان؛ بل كل هذا من البدع المحدثة.
وقال راداً على من أدخل النساء في الإذن:
فإن قيل: فالنهي عن ذلك منسوخ، كما قال ذلك أهل القول الآخر، قيل: هذا ليس بجيد، لأن قوله: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"، هذا خطاب للرجال دون النساء، فإن اللفظ لفظ مذكر، وهو مختص بالمذكور، أومتناول لغيرهم بطريق التبع، فإن كان مختصاً بهم فلا ذكر للنساء، وإن كان متناولاً لغيرهم كان هذا اللفظ عاماً، وقوله: "لعن الله زوارات القبور" خاصاً بالنساء دون الرجال، ألا تراه يقول: "لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج"، فالمتخذين عليها المساجد والسرج لعنهم الله سواء كانوا ذكوراً أوإناثاً، وأما الذين يزورون فإنما لعن النساء الزوارات دون الرجال، وإذا كان هذا خاصاً ولم يعلم أنه متقدم على الرخصة كان متقدماً على العام عند عامة أهل العلم، كذلك لو علم أنه كان بعدها.
هذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان"، فهذا للرجال والنساء لم يدخلن في ذلك، لأنه ثبت عنه في الصحيح أنه نهى النساء عن اتباع الجنائز).
بداية الصفحة
الثامنة والعشرون: إحداد المرأة على غير زوج أكثر من ثلاثة أيام
من البدع المحدثة كذلك ما تفعله بعض النساء من الإحداد على أمواتهن من غير الأزواج أكثر من ثلاثة أيام، حيث أباح الشارع أن تحد المرأة إن شاءت ثلاثة أيام، وخص الزوج بأربعة أشهر وعشراً لمن لم تكن ذات حمل، أما ذات الحمل فحتى تضع حملها، حيث قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً" الحديث.
وقد صح عن أم سلمة عندما توفي أبو سلمة أنها دعت بطيب ومست منه بعد الثالث، وكذلك فعلت أم حبيبة عند موت أبي سفيان، وقالتا جميعاً: "ليس لنا حاجة في الطيب، لولا أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.. "، الحديث السابق.
والمراد بالإحداد الامتناع عن الزينة والطيب في البدن والثوب، أما ما يفعله البعض من البدع فلا علاقة له بالإحداد الشرعي.
جاء في جواب عن سؤال ورد على اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية عن حكم النوم على الأرض مدة أربعين يوماً بعد دفن الميت: (وكذا النوم على الارض وترك الأقارب والجيران التطيب أربعين يوماً، أوأياماً من أجل وفاة أحد منهم، بدعة محدثة).125
بداية الصفحة
التاسعة والعشرون: الوقوف لمدة دقيقة لأرواح الشهداء، وتنكيس الأعلام، وإعلان الحداد عليهم وعلى غيرهم من الرؤساء
من البدع التي تشبه فيها بعض المسلمين بالكفار الوقوف لمدة دقيقة والصمت كما يزعمون لأرواح الشهداء، وكذلك تنكيس الأعلام، وإعلان الحداد على من يصفونهم بالشهداء، والشهادة لا يعلمها إلا الله، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إطلاق ذلك على أحد، ولكن يمكن أن يقال نحسبه أونظنه، وعلى بعض الرؤساء ونحوهم، وتشغيل تسجيلات القرآن الكريم في أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة.
فعلى المسلمين الإقلاع عن ذلك، والحذر من التشبه بالكفار، المفضي إلى عذاب النار وغضب الجبار.
بداية الصفحة
الثلاثون: بناء نصب وأصنام للجنود المجهولين، وزيارة هذه النصب والأصنام، ووضع أكاليل الزهور عليها
كذلك من البدع التي أحدثها بعض المسلمين مقلدين فيها للكفار والوثنيين بناء النصب التذكارية كما يزعمون للجنود المجهولين، وزيارة المسؤولين لهذه النصب مع كبار الضيوف، ووضع أكاليل الزهور عليها، سواء كانت هذه النصب لكفار أومسلمين، كما درج على ذلك البعض، فهو من الممارسات الشركية التي لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعلها، ولا يليق بأتباع محمد صلى الله عليه وسلم أن يكونوا بهذه الدرجة من الجهل وعدم التمييز بين الحق والباطل والبدعة والسنة.
ويتبع ذلك ما انتشر في الآونة الأخيرة عند المسلمين من إهداء باقات من الزهور للمرضى المنومين في المستشفيات تقليداً كذلك للكفار، وقد يكون بعض المرضى في حاجة إلى تلك المبالغ التي تشترى بها هذه الزهور الصناعية لشراء بعض الأدوية أوليتغذى بها، فالأولى أن تعطى قيمة هذه الزهور التي لا تعني شيئاً عند كثير من المسلمين إلا الممسوخين منهم الذين أشربوا حب الكفار والاقتداء بهم.
بداية الصفحة
الحادية والثلاثون: بناء الأضرحة والعتبات، وإيقاد السرج عليها، واتخاذها عيداً يعتاده الناس من حين لآخر
من وسائل الشرك المنتشرة بين كثير من المسلمين في هذه الأزمة البناء على القبور وإيقاد السرج عليها، وجعل سدنة عليها، واعتبار زيارتها من حين لآخر واتخاذها عيداً تختلط فيه النساء بالرجال، ويشرك فيه بالله عن طريق التمسح بتلك الأضرحة وطلب الحاجات من أصحابها والطواف بها، والنذر والذبح لأصحابها، إلى غير ذلك من البدع الشركية على الرغم من تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم وتخويفه من هذه الأعمال، سداً للذريعة وحماية للشريعة أن يدخل فيها ما ليس منها.
والبناء على القبور بأي كيفية وصورة من الصور لا يجوز ولا يحل، وكذلك الكتابة عليها.
وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يقومون على هذه الأعمال بأنهم شرار الخلق عند الله، وقد اشتد غضب الله عليهم.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها مارية، وكانت أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله".126
وسأل رجل ابن عمر أن يبني على ميته فسطاطاً، فنهاه ابن عمر عن ذلك قائلاً: "لا تفعل، إنما يظله عمله".
على الرغم من كل ذلك فإننا نجد أن عدد الأضرحة والقباب في بلاد الإسلام في ازدياد وتعظيم مستمر، وإليك هذه الإحصائية127 لأشهر الأضرحة والقباب التي اتخذت عيداً في بعض البلاد الإسلامية.
1. في دمشق وحدها حوالي 194 ضريحاً، المشهور منها حوالي 44 ضريحاً.
2. في تركيا حوالي 481 جامعاً لا يخلو واحد من ضريح.
3. في بغداد وحدها أكثر من 150 ضريحاً.
4. وفي الموصل أكثر من 76 ضريحاً، كلها داخل مساجد.
5. في الهند أكثر من 150 ضريحاً يؤمها مئات الآلاف من الناس.
6. وفي مصر العديد من الأضرحة الكبرى، كضريح الحسين الذي يطاف حوله كما يطاف حول الكعبة، والسيدة زينب، والإمام الشافعي، وغيرها، وجل هذه الأضرحة المشهورة مكذوب، كضريح الحسين مثلاً.
بل بلغت الجرأة أن جعلوا لزيارة هذه الأضرحة والقباب آداباً، نحو:
1. خلع النعلين.
2. الاستئذان من سدنتها.
مما تجدر الإشارة إليه أن المسجد الذي يُبنى على القبر لا تصح الصلاة فيه إجماعاً، لا جمعة ولا أوقات، وينبغي أن يهدم فهو شر من مسجد الضرار الذي هُدم.
أما إذا كان المسجد سابقاً للقبر ففي الصلاة في هذا المسجد تفصيل، وهو:
1. إن كان القبر لجهة القبلة فلا تصح الصلاة فيه.
2. إن كان القبر لغيرة جهة القبلة فإن كان محاطاً بجدران فقولان لأهل العلم في الصلاة فيه، منع منها بعضُهم وهو الراجح، وأجاز ذلك مالك؛ أما إن لم يكن محاطاً بجدران فلا تصح الصلاة فيه في أرجح قولي العلماء، والله أعلم.
ينبغي لولاة الأمر من الحكام أن يتولوا نبش هذه القبور الموجودة في المساجد، وينقلوها إلى مقابر المسلمين، حتى لا يفتنوا الناس في دينهم، ويحرموهم من صلاة الجماعة، ويحموا هذه الأمة من مخاطر الشرك الأكبر، ويمنعوا من الدفن في المساجد.
فمن وصى أن يدفن في مسجد لا تنفذ وصيته أبداً، وإن كان هو الباني للمسجد، لأن المسجد بعدأن يُبنى يصبح بيتاً من بيوت الله ووقفاً للمسلمين، ولا يحل لصاحبه ولا لغيره أن يتصرف فيه إلا لمصلحة الصلاة فيه، ولا يجوز أن يُهدم إلا إذا هجر أهل القرية القريةَ ولا يوجد فيها أحد من المسلمين، في هذه الحال يهدم لينقل في مكان يحتاج فيه الناس إلى مسجد.
اللهم طيبنا للموت وطيبه لنا، واختم لنا بخير، واجعل عاقبة أمورنا كلها إلى خير، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا، إنك رؤوف رحيم.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
منقووووووووووووووووول
 
موضوع رائع

يا محمد صدقى الابراشى

موضوعك نال أعجابنا وشكرا لك على الطرح

نأمل منك المزيد

جزاك الله خيرا

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك


====================
ملحوظة : هذا رد آلي على الموضوع
 
أعلى