محمد صدقى الابراشى
Moderator
كتب الدكتور الفجال فى مقال ماتع
إِنَّ الْوَعْيِ الْعَمِيقْ بِأَهَمِّيَّةِ هَذَا الْمَوْضُوْعِ هُوَ الْدَّافِعُ لِبَيَانِ فَضْلِ الْعَرَبِ،
وَكَمَالُ لُغَةً لِسَانَهُمْ.
وَالْعِنَايَةُ بِالْلِّسَانِ الْعَرَبِيّ هُوَ سِرُّ بَقَائِنَا وْرقَيْنا، وَسُرَّ انْتِشَارِ الْإِسْلامِ فِيْ رُبُوْعِ الْمَعْمُوْرَةِ.
وَالْلُّغَةُ الْعَرَبِيَّةِ بَاعِثَةُ الْحَضَارَةُ الْعَرَبِيَّةِ، وَجَامِعَةُ الْشُّعُوْبِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَسُرَّ وُجُوْدِ
الْمُسْلِمِيْنَ الْقُرْآَنُ الْكَرِيْمِ. وَقَدْ قَالَ الْلَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيْهِ:؟ {إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الْذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ} (الْحَجَرَ: 9).
وَهَذَا الْمَقَالِ يَشْتَمِلُ عَلَىَ ثَلَاثٍ مَسَائِلِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُوْلَىْ: فِيْ فَضْلِ
الْعَرَبِ وَلِسَانِهِمْ
قَالَ شَيْخُ الِإِسْلَامِ أَبُوْ الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ الْلَّهُ - فِيْ (اقْتِضَاءً الْصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيْمَ)
(1: 419): فَإِنَّ الَّذِيْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: اعْتِقَادِ أَنَّ جِنْسَ
الْعَرَبِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الْعَجَمِ، عِبْرَانِيِّهِمْ وسَرْيَانِيْهُمْ، رُّوْمِيْهُمْ وَفَرَسِيْهُمْ وَغَيْرِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ فِيْ (1: 420): وَأَنْ قُرَيْشا أَفْضَلُ الْعَرَبِ، وَأَنَّ بَنِيَّ هَاشِمٍ أَفْضَلُ
قُرَيْشٍ، وَأَنَّ رَسُوْلَ الْلَّهِ، أَفْضَلُ بَنِيَّ هَاشِمٍ فَهُوَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ نَفْسَا، وَأَفْضَلَهُمْ نَسَبَا.
وَلَيْسَ فَضْلُ الْعَرَبِ ثُمَّ قُرَيْشٍ ثُمَّ بَنِيَّ هَاشِمٍ لِمُجَرَّدِ كَوْنُ الْنَّبِيِّ، مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ
هَذَا مِنْ الْفَضْلِ. بَلْ هُمْ فِيْ أَنْفُسِهِمْ أَفْضَلَ، وَبِذَلِكَ يَثْبُتُ لِرَسُوْلِ الْلَّهِ، أَنَّهُ
أَفْضَلُ نَفْسَا وَنَسَبَا، وَإِّلا لَزِمَ الْدَّوْرُ.
وَلِهَذَا ذَكَرَ أَبُوْ مُحَمَّدٍ حَرْبٌ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ الْكَرْمَانِيُّ صَاحِبُ الْإِمَامِ أَحْمَدُ فِيْ وَصْفِهِ
لِلْسُّنَّةِ الَّتِيْ قَالَ فِيْهَا: هَذَا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ، وَأَصْحَابُ الْأَثَرِ، وَأَهْلُ
الْسُّنَّةِ الْمَعْرُوْفِيْنَ بِهَا، الْمُقْتَدَى بِهِمُ فِيْهَا، وَأَدْرَكْتُ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ عُلَمَاءِ
أَهْلَ الْعِرَاقِ وَالْحِجَازْ وَالْشَّامِ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهَا.
فَمَنْ خَالَفَ شَيْئا مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ، أَوْ طَعْنٍ فِيْهَا، أَوْ عَابَ قَائِلُهَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ
خَارِجٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ، زَائِلٌ عَنْ مَنْهَجِ الْسُّنَّةِ، وَسَبِيْلُ الْحَقِّ.
وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ بْنِ مَخْلَدٍ، وَعَبْدَالَلَّهِ بْنَ الْزُّبَيْرِ
الْحُمَيْدِيُّ، وَسَعِيْدُ بْنُ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ جَالَسْنَا، وَأَخَذْنَا عَنْهُمْ الْعِلْمَ،
وَكَانَ مِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْإِيْمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ. وَسَاقَ كَلَامَا طَوَيْلَا.. إِلَىَ أَنْ
قَالَ: وَنَعْرِفُ لِلْعَرَبِ حَقَّهَا وَفَضْلِهَا وَسَابَقْتِهَا، وِنَحُبِّهَمْ لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ الْلَّهِ،
(حُبُّ الْعَرَبِ إِيْمَانٍ، وَبُغْضُهُمْ نِفَاقِ).
وَلَا نَقُوُلُ بِقَوْلٍ الْشُعُوْبِيَّة، الَّذِيْنَ لَا يُحِبُّوْنَ الْعَرَبِ، وَلَا يُقَرُّوْنَ
بِفَضْلِهِمْ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ بِدْعَةٍ وَخِلَافُ، وَيُرْوَى هَذَا الْكَلَامُ عَنْ أَحْمَدَ نَفْسِهِ.
ثُمَّ قَالَ فِيْ (1: 421) وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ مِنَ الْنَّاسِ أَنْ لَا فَضْلَ لِجِنْسِ الْعَرَبِ
عَلَىَ جِنْسِ الْعَجَمِ, وَهَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ الْشُعُوْبِيَّة، لَانْتِصَارِهُمْ لِلْشُّعُوْبِ، الَّتِيْ
هِيَ مُغَايِرَةٌ عَلَىَ جِنْسِ الْعَجَمِ. وَهَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ الْشُعُوْبِيَّة، لَانْتِصَارِهُمْ لِلْشُّعُوْبِ
، الَّتِيْ هِيَ مُغَايِرَةٌ لِلْقَبَائِلِ كَمَا قِيَلَ: الْقَبَائِلِ: لِلْعَرَبِ، وَالْشُّعُوْبِ: لِلْعَجَمِ.
وَمِنَ الْنَّاسِ مَنْ قَدْ يُفَضِّلُ بَعْضٍ أَنْوَاعِ الْعَجَمِ عَلَىَ الْعَرَبِ. وَالْغَالِبُ أَنَّ مِثْلَ
هَذَا الْكَلَامَ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ نَوْعٍ نِفَاقٍ إِمَّا فِيْ الِاعْتِقَادِ، وَإِمَّا فِيْ الْعَمَلِ الْمُنْبَعِثَ
عَنْ هَوَىً الْنَّفْسِ، مَعَ شُبُهَاتٌ اقْتَضَتْ ذَلِكَ. وَلِهَذَا جَاءَ فِيْ الْحَدِيْثِ:
(حَبَّ الْعَرَبِ إِيْمَانٍ وَبُغْضُهُمْ نِفَاقِ).
ثُمَّ قَالَ فِيْ (1: 422): مَعَ أَنَّ الكَلَامَ فِيْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا يَكَادُ يَخْلُوَ عَنْ
هَوَىً لِلْنَّفْسِ، وَنَصِيْبُ لِلْشَّيْطَانِ مِنْ الْطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا مُحَرَّمٌ فِيْ جَمِيْعِ الْمَسَائِلِ،
فَإِنَّ الْلَّهَ قَدْ أَمَرَ الْمُؤْمِنِيْنَ بِالاعْتِصَامِ بِحَبْلِ الْلَّهِ جَمِيْعَا، وَنَهَاهُمْ عَنْ الْتَّفَرُّقِ
وَالِاخْتِلَافِ، وَأَمْرُهُمْ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ فِيْ (1: 431): فَإِنَّ الْلَّهَ تَعَالَىْ خَصَّ الْعَرَبِ وَلِسَانِهِمْ بِأَحْكَامِ تُمَيِّزُوا
بِهَا، ثُمَّ خَصَّ قُرَيْشا عَلَىَ سَائِرِ الْعَرَبِ بِمَا جَعَلَ فِيْهِمْ مِنْ خِلَافَةِ الْنُّبُوَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ
مِنْ الْخَصَائِصِ.
ثُمَّ قَالَ فِيْ (1: 447): وَسَبَبُ هَذَا الْفَضْلِ - وَالْلَّهُ أَعْلَمُ - مَا اخْتَصُّوا بِهِ فِيْ
عُقُوْلِهِمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَأَعْمَالَهُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ الْفَضْلَ إِمَّا بِالْعِلْمِ الْنَّافِعِ، وَإِمَّا
بِالْعَمَلِ الْصَّالِحِ، وَالْعِلْمُ لَهُ مَبْدَأٌ، وَهُوَ قُوَّةً الْعَقْلُ الَّذِيْ هُوَ الْفَهْمُ وَالْحِفْظِ وَتَمَامِ
وَهُوَ قُوَّةً الْمَنْطِقَ الَّذِيْ هُوَ الْبَيَانُ وَالْعِبَارَةُ، وَالْعَرَبِ هُمْ أَفْهَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَاحْفَظْ وَأُقَدِّرُ
عَلَىَ الْبَيَانِ وَالْعِبَارَةُ. وِلِسَانُهُمْ أَتُمْ الْأَلْسِنَةِ بَيَانَا وَتَمْيِيزا لِلْمَعَانِيْ، جَمْعَا وَفَرْقَا،
يَجْمَعُ الْمَعَانِيْ الْكَثِيْرَةُ فِيْ الْلَّفْظِ الْقَلِيلِ إِذَا شَاءَ الْمُتَكَلِّمٌ الْجَمْعِ...
وَقَالَ - رَحِمَهُ الْلَّهُ - فِيْ (مَجْمُوْعِ الْفَتَاوَىً) (19: 29): وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ:
إِنَّ الْلَّهَ اصْطَفَىَ كِنَانَةَ مِنْ بَنِيَّ إِسْمَاعِيْلَ، وَاصْطَفَىَ قُرَيْشا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَىَ
بَنِيَّ هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَاصْطَفَانِيُّ مِنْ بَنِيَّ هَاشِمٍ. فَأَنَا خَيْرُكُمْ نَفْسَا وَخَيْرُكُمْ نَسَبَا.
وَجُمْهُوْرُ الْعُلَمَاءُ عَلَىَ أَنَّ جِنْسِ الْعَرَبْ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَا أَنَّ جِنْسَ قُرَيْشٍ
خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَجِنْسٍ بَنِيَّ هَاشِمٍ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقَدْ ثَبَتَ فِيْ الْصَّحِيْحِ عَنْهُ،
أَنَّهُ قَالَ: (الْنَّاسِ مَعَادِنِ كَمَعَادِنِ الْذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، خِيَارُهُمْ فِيْ الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ
فِيْ الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا).
لَكِنْ تَفْضِيْلُ الْجُمْلَةِ عَلَىَ الْجُمْلَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُوْنَ كُلُّ فَرْدٍ أَفْضَلَ مِنْ
كُلِّ فَرْدٍ، فَإِنَّ فِيْ غَيْرِ الْعَرَبِ خُلُقَا كَثِيْرا خَيْرَا مِّنَ أَكْثَرُ الْعَرَبِ، وَفِيْ غَيْرِ
قُرَيْشٍ مَنْ الْمُهَاجِرِيْنَ وَالْأَنْصَارِ مِنَ هُوَ خَيْرٌ مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ. وَفِيْ غَيْرِ بَنِيَّ هَاشِمٍ
مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرَ قُرَيْشٍ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ أَكْثَرِ بَنِيَّ هَاشِمٍ.
وَقَالَ - رَحِمَهُ الْلَّهُ - فِيْ (مَجْمُوْعِ الْفَتَاوَىً) (27: 472): إِنَّ بَنِيَّ هَاشِمٍ أَفْضَلُ
قُرَيْشٍ، وَقُرِيْشا أَفْضَلُ الْعَرَبِ، وَالْعُرْبُ أَفْضَلُ بَنِيَّ آَدَمَ.
وَقَالَ فِيْ (مَجْمُوْعِ الْفَتَاوَىً) (15: 431): فَغَلَبَ عَلَىَ الْعَرَبِ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ
النُّطْقِيّةُ، وَاشْتُقَّ اسْمُهَا مِنْ وَصْفِهَا فَقِيْلَ: عَرَبِ مِنْ الْإِعْرَابِ، وَهُوَ الْبَيَانُ
وَالْإِظْهَارِ، وَذَلِكَ خُصُوْصَا الْقُوَّةِ النُّطْقِيّةُ.. وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَرَبِ أَفْضَلُ الْأُمَمِ...
الْمَسْأَلَةُ الْثَّانِيَةُ: الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ الْعَرَبِ
أُذَكِّرُ مَا يَرَاهُ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ الْعَرَبِ مِنْ أَنْ الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَفْضَلُ الْلُّغَاتِ
وَأَكْمَلَهَا بِالْحَيَاةِ وَالِانْتِشَارِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ:
1 - أَبُوْ حَاتِمٍ الْرَّازِيُّ (أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ) الْمُتَوَفَّىً سَنَةَ (322هِـ) صَاحِبِ
كِتَابٍ (الْزِّيْنَةِ فِيْ الْكَلِمَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ) عُقِدَ (1/ 60 - 66) فَصْلا بِعُنْوَانِ:
(فَضْلُ لُغَةِ الْعَرَبِ) ذِكْرِ فِيْهِ أَنَّ لُغَاتِ الْبَشَرِ كَثِيْرَةٍ لَّا يُمْكِنُ حَصْرُهَا، وَأَنْ أَفْضَلُهَا
أَرْبَعَ: الْعَرَبِيَّةِ، وَالْعِبْرَانِيَّةَ، وَالْسُّرْيَانِيَّةِ، وَالْفَارِسِيَّةِ، وَأَنْ أُفَضِّلُ هَذِهِ الْأَرْبَعَ
لُغَةِ الْعَرَبِ، فَهِيَ أَفْصَحُ الْلُّغَاتِ وَأَكْمَلَهَا وَأَتَمَّهَا وَأَعْذَبَهَا وَأَبْيَنِهَا...
2 - أَبُوْ الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنِ فَارِسَ الْمُتَوَفَّىً سَنَةَ (395 هِـ) قَالَ فِيْ (الِصَاحِبيّ)
(16): (بَابُ لُغَةِ الْعَرَبِ أَفْضَلُ الْلُّغَاتِ وَأَوْسَعُهَا)، مُشِيْرّا إِلَىَ قَوْلِهِ تَعَالَىْ:
{لِتَكُوْنَ مِنَ الْمُنْذِرِيْنَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِيْنٍ} (الْشُّعَرَاءُ: 195) وَقَالَ أَيْضا: فَلَمَّا
خَصَّ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - الْلِّسَانَ الْعَرَبِيَّ بِالْبَيَانِ عُلِّمَ أَنْ سَائِرِ الْلُّغَاتِ قَاصِرَةٌ عَنْهُ،
وَوَاقِعَةً دُوْنِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ يَقَعُ الْبَيَانُ بِغَيْرِ الْلِّسَانِ الْعَرَبِيّ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَفْهَمَ بِكَلَامِهِ
عَلَىَ شَرْطِ لُغَتِهِ فَقَدْ بَيَّنَ.
قِيَلَ لَهُ: إِنَّ كُنْتَ تُرِيْدُ أَنْ الْمُتَكَلِّمٌ بِغَيْرِ الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ قَدْ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّىَ
يُفْهِمَ الْسَّامِعَ مُرَادَهُ فَهَذَا أَخَسَّ مَرَاتِبِ الْبَيَانِ، لِأَنَّ الْأَبْكَمَ قَدْ يَدُلُّ بِإِشَارَاتٍ
وَحَرَكَاتِ لَهُ عَلَىَ أَكْثَرَ مُرَادُهُ ثُمَّ لَا يُسَمَّىْ مُتَكَلِّمَا، فُضُلا عَنْ أَنْ يُسَمَّىْ بَيِّنَا أَوْ بَلِيْغَا.
وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّ سَائِرَ الْلُّغَاتِ تُبَيِّنُ إِبِانَةَ الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَهَذَا غَلَطٌ.
3 - أَبُوْ مَنْصُوْرٍ الْثَّعَالِبِيُّ الْمُتَوَفَّىً سَنَةَ (430هِـ) قَالَ فِيْ كِتَابِهِ
(فَقِهِ الْلُّغَةِ وَسُرَّ الْعَرَبِيَّةِ) (21) قَالَ: وَمَنْ هَدَاهُ الْلَّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَشَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِيْمَانِ،
وَأَتَاهُ حُسْنُ سَرِيْرَةِ فِيْهِ اعْتَقَدَ أَنَّ مُحَمَّدا خَيَرُ الْرُّسُلِ، وَالْإِسْلَامِ خَيْرٌ الْمَلَلِ،
وَالْعَرَبِ خَيْرٌ الْأُمَمِ، وَالْعَرَبِيَّةِ خَيْرٌ الْلُّغَاتِ وَالْأَلْسِنَةِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَعَلَىَ
تَفْهَمُهَا مِنْ الْدِّيَانَةِ، إِذْ هِيَ أُدَاةُ الْعِلْمِ...
4 - أَبُوْ الْقَاسِمِ مَحْمُوْدْ الْزَّمَخْشَرِيُّ الْمُتَوَفَّىً سَنَةَ (538 هِـ) قَالَ فِيْ مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ
(الْمَفْصِلِ فِيْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ): الَلّهَ أَحْمَدُ عَلَىَ أَنَّ جَعَلَنِيَ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ،
وجَبَلْنِيّ عَلَىَ الْغَضَبِ لِلْعَرَبِ، وَالْعَصَبِيَّةِ، وَأَبَىَ لِيَ أَنْ أَنْفَرِدَ عَنْ صَمِيْمِ أَنْصَارِهِمْ
وأمْتَازَ، وأَنِضَويّ إِلَىَ لَفِيْفٌ الْشُعُوْبِيَّة وَانْحَازَ، وَعْصِمِنِيّ مِنْ مَذْهَبِهِمْ الَّذِيْ
لَمْ يُجْدِ عَلَيْهِمْ إِلَّا الْرَّشِقَ بِأَلْسِنَةِ الْلَّاعِنِينَ، وَالْمَشْقَ بِأَسِنَّةِ الْطَّاعِنِينَ...
الْمَسْأَلَةُ الْثَّالِثَةُ: الْلُّغَةِ
الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ الْغَرْبِيِّيْنَ
أُذَكِّرُ مَا يَرَاهُ كُتّابِ الْغَرْبُ عَنْ الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْفُصْحِى. وَمِنْ هَؤُلَاءِ:
1 - قَالَ كَارلُونَلِيَنّوَ : الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تَفُوْقُ سَائِرَ الْلُّغَاتِ رَوْنَقَا وَغِنَىً، وَيَعْجِزُ
الْلِّسَانِ عَنْ وَصْفِ مَحَاسِنَهَا.
2 - قَالَ فَانِ دِيَكْ (الْأَمْرِيْكِيُّ): الْعَرَبِيَّةِ أَكْثَرَ لُغَاتِ الْأَرْضِ امْتِيازا، وَهَذَا
الامْتِيَازِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلِ: مِنْ حَيْثُ ثَرْوَةٌ مُعْجَمِهَا. وَالْثَّانِيْ: مِنْ حَيْثُ اسْتِيْعَابُهَا آدَابِهَا.
3 - قَالَ الْدُّكْتُوْرُ فِرْنْبَاغٍ (الْأَلْمَانِيُّ): لَيْسَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ أَغْنَىَ لُغَاتِ الْعِلْمِ
فَحَسْبُ، بَلْ إِنْ الَّذِيْنَ نَبَغُوا فِيْ الْتَّأْلِيْفِ بِهَا لَا يَكَادُ يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ الْعَدِّ، وَإِنْ اخْتِلَافَنَا
عَنْهُمْ فِيْ الْزَّمَانِ وَالَّسَّجَايَا وَالْأَخْلاقِ أَقَامَ بَيْنَنَا نَحْنُ الْغُرَبَاءِ عَنَّ الْعَرَبِيَّةِ وَبَيْنَ مَا أَلِفُوهُ
حِجَابَا لَا يَتَبَيَّنُ مَا وَرَاءَهُ إِلَا بِصُعُوَبَةٍ.
4 - قَالَ فِيَلا سَبّازا: الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ أَغْنَىَ لُغَاتِ الْعَالَمِ، بَلْ هِيَ أَرْقَىَ مِنْ لُغَاتٍ
أُوْرُوبَّا لِتَضَمُّنِهَا كُلَّ أَدَوَاتِ الْتَعِبِيَرْ فِيْ أُصُوْلِهَا فِيْ حِيْنِ انّ الْفَرَنْسِيَّةُ وَالْإِنْجِلِيْزِيَّةَ
وَالإِيْطَالِيَّةِ وَسِوَاهَا قَدْ تَحَدَّرَتِ مِنْ لُغَاتٍ مَيْتَةً، وَلَا تَزَالُ حَتَّىَ الْآَنَ تُعَالَجُ رَمَّمَ تِلْكَ
الْلُّغَاتِ لِتَأْخُذْ مِنْ دِمَائِهَا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ.
هَذَا مَا أَرَدْتُ بَيَانَهُ، لِيَتَّضِحَ لِكُلِّ ذِيْ عَقْلٍ وَقَلْبٌ وَعَلِمَ أَنَّ جِنْسَ الْعَرَبِ أَفْضَلُ
مِنْ جِنْسِ الْعَجَمِ، وَأَنْ لِسَانَهُمْ أَتَمُّ الْأَلْسِنَةٍ بَيَانَا. هَذَا مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
كَمَا أَوْضَحْتُهُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ الْلَّهُ -.
وَصَلَّىَ الْلَّهُ عَلَىَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.. وَآَخَرَ دَعْوَانَا انْ الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ.
إِنَّ الْوَعْيِ الْعَمِيقْ بِأَهَمِّيَّةِ هَذَا الْمَوْضُوْعِ هُوَ الْدَّافِعُ لِبَيَانِ فَضْلِ الْعَرَبِ،
وَكَمَالُ لُغَةً لِسَانَهُمْ.
وَالْعِنَايَةُ بِالْلِّسَانِ الْعَرَبِيّ هُوَ سِرُّ بَقَائِنَا وْرقَيْنا، وَسُرَّ انْتِشَارِ الْإِسْلامِ فِيْ رُبُوْعِ الْمَعْمُوْرَةِ.
وَالْلُّغَةُ الْعَرَبِيَّةِ بَاعِثَةُ الْحَضَارَةُ الْعَرَبِيَّةِ، وَجَامِعَةُ الْشُّعُوْبِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَسُرَّ وُجُوْدِ
الْمُسْلِمِيْنَ الْقُرْآَنُ الْكَرِيْمِ. وَقَدْ قَالَ الْلَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيْهِ:؟ {إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الْذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ} (الْحَجَرَ: 9).
وَهَذَا الْمَقَالِ يَشْتَمِلُ عَلَىَ ثَلَاثٍ مَسَائِلِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُوْلَىْ: فِيْ فَضْلِ
الْعَرَبِ وَلِسَانِهِمْ
قَالَ شَيْخُ الِإِسْلَامِ أَبُوْ الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ الْلَّهُ - فِيْ (اقْتِضَاءً الْصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيْمَ)
(1: 419): فَإِنَّ الَّذِيْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: اعْتِقَادِ أَنَّ جِنْسَ
الْعَرَبِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الْعَجَمِ، عِبْرَانِيِّهِمْ وسَرْيَانِيْهُمْ، رُّوْمِيْهُمْ وَفَرَسِيْهُمْ وَغَيْرِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ فِيْ (1: 420): وَأَنْ قُرَيْشا أَفْضَلُ الْعَرَبِ، وَأَنَّ بَنِيَّ هَاشِمٍ أَفْضَلُ
قُرَيْشٍ، وَأَنَّ رَسُوْلَ الْلَّهِ، أَفْضَلُ بَنِيَّ هَاشِمٍ فَهُوَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ نَفْسَا، وَأَفْضَلَهُمْ نَسَبَا.
وَلَيْسَ فَضْلُ الْعَرَبِ ثُمَّ قُرَيْشٍ ثُمَّ بَنِيَّ هَاشِمٍ لِمُجَرَّدِ كَوْنُ الْنَّبِيِّ، مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ
هَذَا مِنْ الْفَضْلِ. بَلْ هُمْ فِيْ أَنْفُسِهِمْ أَفْضَلَ، وَبِذَلِكَ يَثْبُتُ لِرَسُوْلِ الْلَّهِ، أَنَّهُ
أَفْضَلُ نَفْسَا وَنَسَبَا، وَإِّلا لَزِمَ الْدَّوْرُ.
وَلِهَذَا ذَكَرَ أَبُوْ مُحَمَّدٍ حَرْبٌ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ الْكَرْمَانِيُّ صَاحِبُ الْإِمَامِ أَحْمَدُ فِيْ وَصْفِهِ
لِلْسُّنَّةِ الَّتِيْ قَالَ فِيْهَا: هَذَا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ، وَأَصْحَابُ الْأَثَرِ، وَأَهْلُ
الْسُّنَّةِ الْمَعْرُوْفِيْنَ بِهَا، الْمُقْتَدَى بِهِمُ فِيْهَا، وَأَدْرَكْتُ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ عُلَمَاءِ
أَهْلَ الْعِرَاقِ وَالْحِجَازْ وَالْشَّامِ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهَا.
فَمَنْ خَالَفَ شَيْئا مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ، أَوْ طَعْنٍ فِيْهَا، أَوْ عَابَ قَائِلُهَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ
خَارِجٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ، زَائِلٌ عَنْ مَنْهَجِ الْسُّنَّةِ، وَسَبِيْلُ الْحَقِّ.
وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ بْنِ مَخْلَدٍ، وَعَبْدَالَلَّهِ بْنَ الْزُّبَيْرِ
الْحُمَيْدِيُّ، وَسَعِيْدُ بْنُ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ جَالَسْنَا، وَأَخَذْنَا عَنْهُمْ الْعِلْمَ،
وَكَانَ مِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْإِيْمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ. وَسَاقَ كَلَامَا طَوَيْلَا.. إِلَىَ أَنْ
قَالَ: وَنَعْرِفُ لِلْعَرَبِ حَقَّهَا وَفَضْلِهَا وَسَابَقْتِهَا، وِنَحُبِّهَمْ لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ الْلَّهِ،
(حُبُّ الْعَرَبِ إِيْمَانٍ، وَبُغْضُهُمْ نِفَاقِ).
وَلَا نَقُوُلُ بِقَوْلٍ الْشُعُوْبِيَّة، الَّذِيْنَ لَا يُحِبُّوْنَ الْعَرَبِ، وَلَا يُقَرُّوْنَ
بِفَضْلِهِمْ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ بِدْعَةٍ وَخِلَافُ، وَيُرْوَى هَذَا الْكَلَامُ عَنْ أَحْمَدَ نَفْسِهِ.
ثُمَّ قَالَ فِيْ (1: 421) وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ مِنَ الْنَّاسِ أَنْ لَا فَضْلَ لِجِنْسِ الْعَرَبِ
عَلَىَ جِنْسِ الْعَجَمِ, وَهَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ الْشُعُوْبِيَّة، لَانْتِصَارِهُمْ لِلْشُّعُوْبِ، الَّتِيْ
هِيَ مُغَايِرَةٌ عَلَىَ جِنْسِ الْعَجَمِ. وَهَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ الْشُعُوْبِيَّة، لَانْتِصَارِهُمْ لِلْشُّعُوْبِ
، الَّتِيْ هِيَ مُغَايِرَةٌ لِلْقَبَائِلِ كَمَا قِيَلَ: الْقَبَائِلِ: لِلْعَرَبِ، وَالْشُّعُوْبِ: لِلْعَجَمِ.
وَمِنَ الْنَّاسِ مَنْ قَدْ يُفَضِّلُ بَعْضٍ أَنْوَاعِ الْعَجَمِ عَلَىَ الْعَرَبِ. وَالْغَالِبُ أَنَّ مِثْلَ
هَذَا الْكَلَامَ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ نَوْعٍ نِفَاقٍ إِمَّا فِيْ الِاعْتِقَادِ، وَإِمَّا فِيْ الْعَمَلِ الْمُنْبَعِثَ
عَنْ هَوَىً الْنَّفْسِ، مَعَ شُبُهَاتٌ اقْتَضَتْ ذَلِكَ. وَلِهَذَا جَاءَ فِيْ الْحَدِيْثِ:
(حَبَّ الْعَرَبِ إِيْمَانٍ وَبُغْضُهُمْ نِفَاقِ).
ثُمَّ قَالَ فِيْ (1: 422): مَعَ أَنَّ الكَلَامَ فِيْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا يَكَادُ يَخْلُوَ عَنْ
هَوَىً لِلْنَّفْسِ، وَنَصِيْبُ لِلْشَّيْطَانِ مِنْ الْطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا مُحَرَّمٌ فِيْ جَمِيْعِ الْمَسَائِلِ،
فَإِنَّ الْلَّهَ قَدْ أَمَرَ الْمُؤْمِنِيْنَ بِالاعْتِصَامِ بِحَبْلِ الْلَّهِ جَمِيْعَا، وَنَهَاهُمْ عَنْ الْتَّفَرُّقِ
وَالِاخْتِلَافِ، وَأَمْرُهُمْ بِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ فِيْ (1: 431): فَإِنَّ الْلَّهَ تَعَالَىْ خَصَّ الْعَرَبِ وَلِسَانِهِمْ بِأَحْكَامِ تُمَيِّزُوا
بِهَا، ثُمَّ خَصَّ قُرَيْشا عَلَىَ سَائِرِ الْعَرَبِ بِمَا جَعَلَ فِيْهِمْ مِنْ خِلَافَةِ الْنُّبُوَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ
مِنْ الْخَصَائِصِ.
ثُمَّ قَالَ فِيْ (1: 447): وَسَبَبُ هَذَا الْفَضْلِ - وَالْلَّهُ أَعْلَمُ - مَا اخْتَصُّوا بِهِ فِيْ
عُقُوْلِهِمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَأَعْمَالَهُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ الْفَضْلَ إِمَّا بِالْعِلْمِ الْنَّافِعِ، وَإِمَّا
بِالْعَمَلِ الْصَّالِحِ، وَالْعِلْمُ لَهُ مَبْدَأٌ، وَهُوَ قُوَّةً الْعَقْلُ الَّذِيْ هُوَ الْفَهْمُ وَالْحِفْظِ وَتَمَامِ
وَهُوَ قُوَّةً الْمَنْطِقَ الَّذِيْ هُوَ الْبَيَانُ وَالْعِبَارَةُ، وَالْعَرَبِ هُمْ أَفْهَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَاحْفَظْ وَأُقَدِّرُ
عَلَىَ الْبَيَانِ وَالْعِبَارَةُ. وِلِسَانُهُمْ أَتُمْ الْأَلْسِنَةِ بَيَانَا وَتَمْيِيزا لِلْمَعَانِيْ، جَمْعَا وَفَرْقَا،
يَجْمَعُ الْمَعَانِيْ الْكَثِيْرَةُ فِيْ الْلَّفْظِ الْقَلِيلِ إِذَا شَاءَ الْمُتَكَلِّمٌ الْجَمْعِ...
وَقَالَ - رَحِمَهُ الْلَّهُ - فِيْ (مَجْمُوْعِ الْفَتَاوَىً) (19: 29): وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ:
إِنَّ الْلَّهَ اصْطَفَىَ كِنَانَةَ مِنْ بَنِيَّ إِسْمَاعِيْلَ، وَاصْطَفَىَ قُرَيْشا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَىَ
بَنِيَّ هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَاصْطَفَانِيُّ مِنْ بَنِيَّ هَاشِمٍ. فَأَنَا خَيْرُكُمْ نَفْسَا وَخَيْرُكُمْ نَسَبَا.
وَجُمْهُوْرُ الْعُلَمَاءُ عَلَىَ أَنَّ جِنْسِ الْعَرَبْ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَا أَنَّ جِنْسَ قُرَيْشٍ
خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَجِنْسٍ بَنِيَّ هَاشِمٍ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقَدْ ثَبَتَ فِيْ الْصَّحِيْحِ عَنْهُ،
أَنَّهُ قَالَ: (الْنَّاسِ مَعَادِنِ كَمَعَادِنِ الْذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، خِيَارُهُمْ فِيْ الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ
فِيْ الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا).
لَكِنْ تَفْضِيْلُ الْجُمْلَةِ عَلَىَ الْجُمْلَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُوْنَ كُلُّ فَرْدٍ أَفْضَلَ مِنْ
كُلِّ فَرْدٍ، فَإِنَّ فِيْ غَيْرِ الْعَرَبِ خُلُقَا كَثِيْرا خَيْرَا مِّنَ أَكْثَرُ الْعَرَبِ، وَفِيْ غَيْرِ
قُرَيْشٍ مَنْ الْمُهَاجِرِيْنَ وَالْأَنْصَارِ مِنَ هُوَ خَيْرٌ مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ. وَفِيْ غَيْرِ بَنِيَّ هَاشِمٍ
مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرَ قُرَيْشٍ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ أَكْثَرِ بَنِيَّ هَاشِمٍ.
وَقَالَ - رَحِمَهُ الْلَّهُ - فِيْ (مَجْمُوْعِ الْفَتَاوَىً) (27: 472): إِنَّ بَنِيَّ هَاشِمٍ أَفْضَلُ
قُرَيْشٍ، وَقُرِيْشا أَفْضَلُ الْعَرَبِ، وَالْعُرْبُ أَفْضَلُ بَنِيَّ آَدَمَ.
وَقَالَ فِيْ (مَجْمُوْعِ الْفَتَاوَىً) (15: 431): فَغَلَبَ عَلَىَ الْعَرَبِ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ
النُّطْقِيّةُ، وَاشْتُقَّ اسْمُهَا مِنْ وَصْفِهَا فَقِيْلَ: عَرَبِ مِنْ الْإِعْرَابِ، وَهُوَ الْبَيَانُ
وَالْإِظْهَارِ، وَذَلِكَ خُصُوْصَا الْقُوَّةِ النُّطْقِيّةُ.. وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَرَبِ أَفْضَلُ الْأُمَمِ...
الْمَسْأَلَةُ الْثَّانِيَةُ: الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ الْعَرَبِ
أُذَكِّرُ مَا يَرَاهُ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ الْعَرَبِ مِنْ أَنْ الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَفْضَلُ الْلُّغَاتِ
وَأَكْمَلَهَا بِالْحَيَاةِ وَالِانْتِشَارِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ:
1 - أَبُوْ حَاتِمٍ الْرَّازِيُّ (أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ) الْمُتَوَفَّىً سَنَةَ (322هِـ) صَاحِبِ
كِتَابٍ (الْزِّيْنَةِ فِيْ الْكَلِمَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ) عُقِدَ (1/ 60 - 66) فَصْلا بِعُنْوَانِ:
(فَضْلُ لُغَةِ الْعَرَبِ) ذِكْرِ فِيْهِ أَنَّ لُغَاتِ الْبَشَرِ كَثِيْرَةٍ لَّا يُمْكِنُ حَصْرُهَا، وَأَنْ أَفْضَلُهَا
أَرْبَعَ: الْعَرَبِيَّةِ، وَالْعِبْرَانِيَّةَ، وَالْسُّرْيَانِيَّةِ، وَالْفَارِسِيَّةِ، وَأَنْ أُفَضِّلُ هَذِهِ الْأَرْبَعَ
لُغَةِ الْعَرَبِ، فَهِيَ أَفْصَحُ الْلُّغَاتِ وَأَكْمَلَهَا وَأَتَمَّهَا وَأَعْذَبَهَا وَأَبْيَنِهَا...
2 - أَبُوْ الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنِ فَارِسَ الْمُتَوَفَّىً سَنَةَ (395 هِـ) قَالَ فِيْ (الِصَاحِبيّ)
(16): (بَابُ لُغَةِ الْعَرَبِ أَفْضَلُ الْلُّغَاتِ وَأَوْسَعُهَا)، مُشِيْرّا إِلَىَ قَوْلِهِ تَعَالَىْ:
{لِتَكُوْنَ مِنَ الْمُنْذِرِيْنَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِيْنٍ} (الْشُّعَرَاءُ: 195) وَقَالَ أَيْضا: فَلَمَّا
خَصَّ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - الْلِّسَانَ الْعَرَبِيَّ بِالْبَيَانِ عُلِّمَ أَنْ سَائِرِ الْلُّغَاتِ قَاصِرَةٌ عَنْهُ،
وَوَاقِعَةً دُوْنِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ يَقَعُ الْبَيَانُ بِغَيْرِ الْلِّسَانِ الْعَرَبِيّ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَفْهَمَ بِكَلَامِهِ
عَلَىَ شَرْطِ لُغَتِهِ فَقَدْ بَيَّنَ.
قِيَلَ لَهُ: إِنَّ كُنْتَ تُرِيْدُ أَنْ الْمُتَكَلِّمٌ بِغَيْرِ الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ قَدْ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّىَ
يُفْهِمَ الْسَّامِعَ مُرَادَهُ فَهَذَا أَخَسَّ مَرَاتِبِ الْبَيَانِ، لِأَنَّ الْأَبْكَمَ قَدْ يَدُلُّ بِإِشَارَاتٍ
وَحَرَكَاتِ لَهُ عَلَىَ أَكْثَرَ مُرَادُهُ ثُمَّ لَا يُسَمَّىْ مُتَكَلِّمَا، فُضُلا عَنْ أَنْ يُسَمَّىْ بَيِّنَا أَوْ بَلِيْغَا.
وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّ سَائِرَ الْلُّغَاتِ تُبَيِّنُ إِبِانَةَ الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَهَذَا غَلَطٌ.
3 - أَبُوْ مَنْصُوْرٍ الْثَّعَالِبِيُّ الْمُتَوَفَّىً سَنَةَ (430هِـ) قَالَ فِيْ كِتَابِهِ
(فَقِهِ الْلُّغَةِ وَسُرَّ الْعَرَبِيَّةِ) (21) قَالَ: وَمَنْ هَدَاهُ الْلَّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَشَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِيْمَانِ،
وَأَتَاهُ حُسْنُ سَرِيْرَةِ فِيْهِ اعْتَقَدَ أَنَّ مُحَمَّدا خَيَرُ الْرُّسُلِ، وَالْإِسْلَامِ خَيْرٌ الْمَلَلِ،
وَالْعَرَبِ خَيْرٌ الْأُمَمِ، وَالْعَرَبِيَّةِ خَيْرٌ الْلُّغَاتِ وَالْأَلْسِنَةِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَعَلَىَ
تَفْهَمُهَا مِنْ الْدِّيَانَةِ، إِذْ هِيَ أُدَاةُ الْعِلْمِ...
4 - أَبُوْ الْقَاسِمِ مَحْمُوْدْ الْزَّمَخْشَرِيُّ الْمُتَوَفَّىً سَنَةَ (538 هِـ) قَالَ فِيْ مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ
(الْمَفْصِلِ فِيْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ): الَلّهَ أَحْمَدُ عَلَىَ أَنَّ جَعَلَنِيَ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ،
وجَبَلْنِيّ عَلَىَ الْغَضَبِ لِلْعَرَبِ، وَالْعَصَبِيَّةِ، وَأَبَىَ لِيَ أَنْ أَنْفَرِدَ عَنْ صَمِيْمِ أَنْصَارِهِمْ
وأمْتَازَ، وأَنِضَويّ إِلَىَ لَفِيْفٌ الْشُعُوْبِيَّة وَانْحَازَ، وَعْصِمِنِيّ مِنْ مَذْهَبِهِمْ الَّذِيْ
لَمْ يُجْدِ عَلَيْهِمْ إِلَّا الْرَّشِقَ بِأَلْسِنَةِ الْلَّاعِنِينَ، وَالْمَشْقَ بِأَسِنَّةِ الْطَّاعِنِينَ...
الْمَسْأَلَةُ الْثَّالِثَةُ: الْلُّغَةِ
الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ الْغَرْبِيِّيْنَ
أُذَكِّرُ مَا يَرَاهُ كُتّابِ الْغَرْبُ عَنْ الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْفُصْحِى. وَمِنْ هَؤُلَاءِ:
1 - قَالَ كَارلُونَلِيَنّوَ : الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تَفُوْقُ سَائِرَ الْلُّغَاتِ رَوْنَقَا وَغِنَىً، وَيَعْجِزُ
الْلِّسَانِ عَنْ وَصْفِ مَحَاسِنَهَا.
2 - قَالَ فَانِ دِيَكْ (الْأَمْرِيْكِيُّ): الْعَرَبِيَّةِ أَكْثَرَ لُغَاتِ الْأَرْضِ امْتِيازا، وَهَذَا
الامْتِيَازِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلِ: مِنْ حَيْثُ ثَرْوَةٌ مُعْجَمِهَا. وَالْثَّانِيْ: مِنْ حَيْثُ اسْتِيْعَابُهَا آدَابِهَا.
3 - قَالَ الْدُّكْتُوْرُ فِرْنْبَاغٍ (الْأَلْمَانِيُّ): لَيْسَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ أَغْنَىَ لُغَاتِ الْعِلْمِ
فَحَسْبُ، بَلْ إِنْ الَّذِيْنَ نَبَغُوا فِيْ الْتَّأْلِيْفِ بِهَا لَا يَكَادُ يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ الْعَدِّ، وَإِنْ اخْتِلَافَنَا
عَنْهُمْ فِيْ الْزَّمَانِ وَالَّسَّجَايَا وَالْأَخْلاقِ أَقَامَ بَيْنَنَا نَحْنُ الْغُرَبَاءِ عَنَّ الْعَرَبِيَّةِ وَبَيْنَ مَا أَلِفُوهُ
حِجَابَا لَا يَتَبَيَّنُ مَا وَرَاءَهُ إِلَا بِصُعُوَبَةٍ.
4 - قَالَ فِيَلا سَبّازا: الْلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ أَغْنَىَ لُغَاتِ الْعَالَمِ، بَلْ هِيَ أَرْقَىَ مِنْ لُغَاتٍ
أُوْرُوبَّا لِتَضَمُّنِهَا كُلَّ أَدَوَاتِ الْتَعِبِيَرْ فِيْ أُصُوْلِهَا فِيْ حِيْنِ انّ الْفَرَنْسِيَّةُ وَالْإِنْجِلِيْزِيَّةَ
وَالإِيْطَالِيَّةِ وَسِوَاهَا قَدْ تَحَدَّرَتِ مِنْ لُغَاتٍ مَيْتَةً، وَلَا تَزَالُ حَتَّىَ الْآَنَ تُعَالَجُ رَمَّمَ تِلْكَ
الْلُّغَاتِ لِتَأْخُذْ مِنْ دِمَائِهَا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ.
هَذَا مَا أَرَدْتُ بَيَانَهُ، لِيَتَّضِحَ لِكُلِّ ذِيْ عَقْلٍ وَقَلْبٌ وَعَلِمَ أَنَّ جِنْسَ الْعَرَبِ أَفْضَلُ
مِنْ جِنْسِ الْعَجَمِ، وَأَنْ لِسَانَهُمْ أَتَمُّ الْأَلْسِنَةٍ بَيَانَا. هَذَا مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
كَمَا أَوْضَحْتُهُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ الْلَّهُ -.
وَصَلَّىَ الْلَّهُ عَلَىَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.. وَآَخَرَ دَعْوَانَا انْ الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ.