• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

كيف تقيم الاستراتيجية المصرية التهديد الإسرائيلي

ابوشدى

Moderator
كيف تقيم الاستراتيجية المصرية التهديد الإسرائيلي
أحمد ثابت
في البلاد النامية والعربية التي يكون فيها الحاكم الفرد المصدر الرئيسي للسلطة الدستورية والقانونية والفعلية، عادة ما تنشأ فجوة واسعة بين تقديرات وسياسات وتصريحات رئيس الدولة، وبين التقديرات الاستراتيجية وتقديرات الموقف التي تأخذ بها مؤسسات أو أجهزة الدولة، وخصوصاً تلك التي تتعامل مع قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية. فمن المعروف أن أجهزة الدولة السيادية ممثلة في وزارات الدفاع والخارجية وأجهزة الاستخبارات غالبًا ما تضع في حساباتها ثوابت مستقرة إلي حد كبير في ما يتعلق بالموقع الجيويوليتيكي والمكانة الاستراتيجية ودوائر الانتماء القومي، والأهم من ذلك بالطبع تلك الثوابت الخاصة بمصادر التهديد الاستراتيجية المبدئية للأمن القومي وللمكانة الإقليمية والدولية، ويرجع ذلك لعدة عوامل من أهمها:
1- أن هذه الأجهزة لا تتغير سياسات وأساليب العمل التي تتبعها بتغير شخص الحاكم، أي لا يحدث التغير سريعاً، ولا بصورة تامة أو انقلابية، بل يحدث تغير تدريجي وبطيء، وعادة ما لا يكون هذا التغير علي حساب إدراك الأجهزة السيادية للمصالح الوطنية العليا.
2- ما يوجد لدي هذه الأجهزة من معلومات ووقائع وحقائق حديثة إلي حد ملموس عن قدرات وسياسات ونوايا الدول المجاورة، وخصوصاً إذا كان من بينها طرف يناصب الدولة المعنية العداء ولفترات طويلة من التاريخ الحديث والمعاصر.
وهذه الأمور انطبقت أو تحققت إبان المفاوضات التي قادها الرئيس السابق "أنور السادات" مع إسرائيل بعد زيارته للقدس في 17/11/1977، وتلهفه علي عقد صلح منفرد سريع مع العدو الصهيوني، ينهي به في أشهر محدودة، وفي جلسات تفاوض معدودة صراع وجود مع هذا العدو لم يبدأ مع قيام الكيان الصهيوني في مايو 1948، بل كان مستمراً في الواقع منذ قدوم الهجرات اليهودية الصهيونية منذ مطلع القرن العشرين. فقد ظهرت فجوة ملموسة بين تسرع السادات للصلح المنفرد وطموحاته المتضخمة ، وأمله بأن تنافس مصر إسرائيل علي اكتساب علاقة خاصة مع الولايات المتحدة، وأداء دور إقليمي حيوي في إطار الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية وإفريقيا من جهة، وبين مسئولي الخارجية والدفاع من جهة أخرى، الذين أبدوا إصراراً وحرصاً ظاهرين علي التمسك بثوابت السياسة العربية والإقليمية لمصر تجاه العدو المباشر وهو إسرائيل، وكان يحركهم إدراك رئيسي مفاده أن إسرائيل شكلت مصدر التهديد الاستراتيجي الرئيس للأمن القومي العربي والأمن الوطني المصري ومكانة مصر ودورها العربي والقيادي.
تقييم الاستراتيجية المصرية للتهديد الإسرائيلي
ومن تحليل مدركات ورؤى أجهزة ومؤسسات الدولة السيادية في مصر بعد مرور أكثر من عشرين عاماً علي الصلح المنفرد ومعاهدة 1979، يمكن القول إن الإدراك الإستراتيجي المصري لإسرائيل قد تخطي مرحلة تعليق آمال علي نتائج إيجابية لعملية التسوية من زاوية احتمالات تحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي للمصريين، وتطوير القدرة التنافسية التصديرية للاقتصاد المصري، وكذلك التوصل إلي تسوية سلمية عادلة وشاملة لمجمل قضايا الصراع الجوهرية علي المسارات السوري واللبناني والفلسطيني، وذلك نتيجة سياسات التوسع والسيطرة التي تقوم بها مختلف الحكومات الإسرائيلية، وتصر عليها دوائر الدفاع والأمن والاستخبارات الإسرائيلية في مواجهة مصر ذاتها خصوصاً والأقطار العربية والشعب الفلسطيني عموماً، إلي جانب العلاقة الخاصة الإسرائيلية- الأمريكية التي وصلت في السنوات الأخيرة إلي مرحلة التحالف الاستراتيجي وتوحد المصالح.
والمقوم الرئيسي في هذا التقدير ينصرف إلي أن إسرائيل لا تزال تمثل مصدر التهديد الرئيسي ليس فقط للأمن الوطني المصري، بل وللدور الإقليمي الفاعل وعلاقات مصر العربية. وحتى في مجال دور مصر في تعزيز التوصل إلي تسوية شاملة وعادلة للصراع تدرك أجهزة صناعة التقدير الاستراتيجي في مصر أن إسرائيل- وبدعم كامل من الولايات المتحدة- تعمل بإصرار علي عزل مصر ومحاصرة دورها المساند بقوة للأطراف العربية التي تتفاوض مع إسرائيل، وتصر الأخيرة علي أن ينحصر الدور المصري في الوساطة ونقل الرسائل بين العرب والإسرائيليين، وأنه إذا أرادت مصر أن تعزيز علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، وإذا كانت تسعي لدور إقليمي بارز فإنه ينبغي عليها أن تتقدم خطوة أخري بأن تقنع المفاوضين العرب بأهمية الرضاء بما تعرضه إسرائيل لتسوية الصراع سلمياً، بل حتى إيصال وجهة النظر الإسرائيلية القائلة بأن مشروعات التعاون الإقليمي، والتي تعرضها تل أبيب في إطار المشروع الشرق الأوسطي، يجب أن تكون لها الأولوية علي حساب قضايا الحدود، والأراضي المحتلة، والمياه، والمستوطنات، والقدس، وعودة اللاجئين! تحت زعم إسرائيلي مفاده أن إعلاء قيمة أمور وترتيبات التعاون الإقليمي في مجالات توزيع المياه، والاستثمار المشترك لها، والتنمية، والاستثمار، ومكافحة ما يسمي بالإرهاب والتطرف والعنف، والتنسيق الأمني، والسياحة تجلب معها الاستثمارات والمعونات والمساعدات المالية والثقافية الغربية إلي المنطقة، وخصوصاً بعد "تحييد" قضايا الصراع العسكرية والسياسية والثقافية!
مصادر التهديد الإسرائيلي
يمكن القول إن التقدير الاستراتيجي الذي تتبناه القوات المسلحة المصرية ينصرف إلي إدراك مترسخ بأن إسرائيل ما تزال تمثل مصدر التهديد الرئيسي لمصر، وذلك للأسباب التالي:
أ- لا تزال إسرائيل تحشد الجزء الأكبر من سلاحها التقليدي علي الحدود الشمالية مع مصر، وكان الرئيس المصري صرح في أعقاب الغزو الإسرائيلي الوحشي للبنان في يونيو 1982 بأن هذه الحشود الإسرائيلية تقدر بـ 16 فرقة عسكرية مقاتلة.
ب- وجود مفاعل "دايمونة" ومراكز البحوث الذرية بالقرب من الحدود المصرية.
ج- اختراق إسرائيل منذ أوائل التسعينيات القرن الإفريقي بإقامة علاقات عسكرية مكثفة مع كل من إثيوبيا وإريتريا عبر سلسلة من اتفاقيات سرية تتيح لإسرائيل تواجداً عسكريا واستخبارياً في جزر البحر الأحمر وعند مدخل باب المندب وأيضًا علي سواحله التابعة لإريتريا بعد انفصالها عن أثيوبيا في عام 1993. ففي مارس 1993 وقعت الدولتان اتفاقية تزود إسرائيل بموجبها إريتريا بخبراء عسكريين وزراعيين لتطوير وتحديث الجيش والزراعة هناك في مقابل تواجد مالا يقل عن ثلاثة آلاف عسكري إسرائيلي في إريتريا مع إقامة قواعد عسكرية إسرائيلية في عدة مناطق قريبة للغاية من السودان وإثيوبيا واليمن، ووصل عدد القواعد العسكرية الإسرائيلية إلي ست مع أواخر التسعينات، كما تقيم إسرائيل منذ عام 1973 في جزر "رأس سنتيان" الأثيوبية، وتتواجد عسكرياً أيضاً في جزيرتي "دهلك" و"طالب" قبالة السواحل اليمنية وعند مدخل البحر الأحمر. ومن المعروف أن إسرائيل أمدت إريتريا بزوارق حربية متطورة وزودتها بصواريخ مضادة للسفن وللطائرات الحربية إلي جانب أجهزة متطورة للرادار وللرؤية الليلية مما مكن إريتريا وبما يفوق قدراتها الضعيفة أساساً علي احتلال سريع لجزر حنيش في عام 1996.
وإذن فإن التقدير الاستراتيجي لإسرائيل كعدو يستند إلي مخاطر جسيمة من شأنها حصار الوجود العربي في البحر الحمر والقرن الأفريقي، وتمتع تل أبيب بإمكانات لوجستية للقيام بضربات مفاجئة ومباشرة انطلاقاً من باب المندب، وإنهاء طبيعة البحر الأحمر كبحيرة عربية تاريخية من خلال خلق عمق استراتيجي لإسرائيل هناك يتيح لها رصد ومراقبة أي نشاط عسكري عربي، وكذلك إحباط أي تفكير عربي مستقبلي لحصار إسرائيل في البحر الأحمر، بحيث لا يتكرر ما حدث في حرب أكتوبر 1973.
د- وقد تعزز هذا التقدير الاستراتيجي مع قيام التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا منذ عام 1996، الذي وصل إلي حد تواجد دائم لبعثة من جهاز الموساد وللطائرات الإسرائيلية في القواعد العسكرية التركية وعلي الحدود مع سوريا والعراق وإيران، وإنشاء محطات إنذار مبكر وقلاع مراقبة حصينة علي هذه الحدود تمكن إسرائيل من التجسس المستمر علي سوريا، وجمع المعلومات عن الأنشطة والتحركات العسكرية .. إلخ.
هـ- من جانب آخر، زاد من متانة التقدير الاستراتيجي لإسرائيل كعدو أو كتهديد رئيسي التحالف الاستراتيجي الأمريكي- الإسرائيلي الذي وصل إلي حالة متطورة للغاية، مما جعل الخارجية والدفاع والاستخبارات في مصر- بل وأجهزة الأعلام أيضا- تدرك أن إسرائيل لا تشكل مصدر تهديد فقط، بل وتعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة علي إضعاف مصر داخلياً وتقويض دورها الإقليمي القيادي؛ فهناك "الاتفاق الدفاعي" الذي وقع بين تل أبيب وواشنطن في نوفمبر 1998 ومن أخطر بنوده ما يلي:
1- أن تتدخل الولايات المتحدة عسكريا إلي جانب إسرائيل في حال اشتراكها في أية عمليات عسكرية في المنطقة.
1- سيكون التدخل الأمريكي لهدف دفاعي وهو منع الأطراف الأخرى من تحقيق أي نصر عسكري علي إسرائيل.
2- أن التدخل الأمريكي سيكون مباشراً، ويعني ذلك اشتراك قوات عسكرية أمريكية إلي جانب إسرائيل في العمليات الحربية.
3- أن توفر الولايات المتحدة لإسرائيل شبكة أمان رادعة ضد منظومات الصواريخ المنتشرة في المنطقة، خاصة لدي إيران والعراق وسوريا.
4- تزود واشنطن تل أبيب بأجهزة إنذار ومراقبة تمكنها من رصد أية أخطار عسكرية محتملة علي "أراضيها"، خاصة إذا كانت تلك الأخطار تتعلق باستخدام الصواريخ.
5- تقدم واشنطن لإسرائيل أنواعاً جديدة من الأسلحة، سوف تستخدم بالأساس في دعم القدرات الدفاعية والردع الإسرائيلي.
6- تعزيز التعاون في مجال تبادل المعلومات بين البلدين، وتوقيع اتفاقية تعاون جديدة مع وكالة المخابرات المركزية c i a ووزارة الدفاع (البنتاجون) في مجال تبادل المعلومات للأغراض العسكرية.
7- ستقدم الولايات المتحدة المعونات العسكرية الكافية لإسرائيل في حال إقدام إسرائيل علي القيام بعملية عسكرية ضد دولة أخري في المنطقة، شريطة أن تطلع الولايات المتحدة علي تفاصيل العملية العسكرية قبل إقرارها في إسرائيل، وأن تكون الدولة الأخرى من الدول التي تهدد أمن واستقرار إسرائيل.
8- أن ترتكز علاقات التعاون الاستراتيجي والعلاقات العسكرية بين البلدين علي أساس التحالف العسكري، وأن إسرائيل في المرحلة الأولي من التحالف لن تكون ملزمة بإرسال قوات إلي خارج المنطقة إلا بعد أن ترتب أوضاعها الداخلية، بينما تلتزم الولايات المتحدة بأن ترسل قواتها إلي إسرائيل.
9- تتعهد الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية مؤثرة وبأسلحة فوق تقليدية ضد أية دولة تهاجم إسرائيل.
وتدل التصريحات المنسوبة إلي كبار المسئولين المصريين في الرئاسة والدفاع والخارجية علي إدراك مفاده أن إسرائيل هي التي أوصلت العلاقات مع مصر إلي حالة السلام البارد، وأن مصر يجب أن تضع في الحسبان الاستعداد بمختلف الوسائل للدفاع عن المصالح الحيوية لمصر إذا تعرضت للخطر من قبل إسرائيل، كما يري المسئولون المصريون أن استمرار رفض إسرائيل الانضمام لمعاهدة حظر انتشر الأسلحة النووية سوف يجر المنطقة بأكملها إلي أجواء التوتر والحرب وتهديد الاستقرار.

 
أعلى