رد: الغصن الاسلامى يعلن عن حملة للدفاع عن عائشة -رضى الله عنها-
سندافع عن عرضك يا عائشة إلى آخر قطرة من دمائنا
عائشة والله أحب إلينا من أمهاتنا
كلنا فداكِ ياعائشة
ا
لدفاع عن أم المؤمنين وحكم من تكلم فيها
في مساء يوم الثلاثاء 17 من شهر رمضان المبارك لعام 1431 هـ أقام مجموعة من الزنادقة الروافض احتفالاً في لندن بمناسبة موت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وكان في الحفل تعرض لها وسب وطعن في عرضها ونيل من والدها أبا بكر رضي الله تعالى عنهما , وتناقلت القنوات ومواقع الفديو عبر النت تفاصيل ذلك الحفل , وكان مؤثراً جداً في نفوس أهل الإيمان وعشاق الجنان , ومن باب الدفاع عن أمنا وأم المؤمنين فهذا بيان بالنصوص التي جاءت في فضلها وأقوال أهل العلم في حكم الطعن في عائشة رضي الله عنها .
التعريف بعائشة رضي الله تعالى عنها :
هي عائشة.. رضي اللهعنها.. أم المؤمنينبنت خليفة رسول اللهصلى اللهعليه وسلم أبي بكر عبد اللهبن أبي قحافة، زوجة النبي صلى اللهعليه وسلم .
ولدت في السنة الخامسة من البعثة , وقد خطبها النبي وهي بنت ست سنين وتزوجها وهي بنت تسع وكان ذلك في السنة الثانية للهجرة , وعندما توفي النبي كان عمرها ثمانية عشر عاماً .
وهي الزوجة الوحيدة التي تزوجها النبي بكراً .
بيان فضائل أمهات المؤمنين :
يقول تعالى مبيناً فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ( النبي أولى بالمؤمنين وأزواجه أمهاتهم ) .الأحزاب 6 , قال ابن كثير: وقوله: { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أي: في الحرمة والاحترام، والإكرام والتوقير والإعظام .
وقال القرطبي : قوله تعالى: "وأزواجه أمهاتهم" شرف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين؛ أي في وجوب التعظيم والمبّرة والإجلال .
وقال تعالى ( واذكرن مايتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) الأحزاب 34 قال العلماء : وفي هذا تزكية لهن بأن يبلغن ما يشاهدنه في بيت النبوة من العلم والحكمة .
وقال تعالى ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ) الأحزاب 32 , قال ابن كثير رحمه الله تعالى : فإنه لا يشبههن أحد من النساء، ولا يلحقهن في الفضيلة .
قال القرطبي : قوله تعالى: "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء " يعني في الفضل والشرف .
أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من آل البيت بدليل قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} الأحزاب 33
قال القرطبي رحمه الله تعالى :
وقد اختلف أهل العلم في أهل البيت، من هم؟
فقال عطاء وعكرمة وابن عباس: هم زوجاته خاصة، لا رجل معهن. وذهبوا إلى أن البيت أريد به مسكن النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: "واذكرن ما يتلى في بيوتكن".
وقالت فرقة منهم الكلبي: هم علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة، وفي هذا أحاديث. عن النبي عليه السلام، واحتجوا بقوله تعالى: "ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم" بالميم ولو كان للنساء خاصة لكان "عنكن ويطهركن"، إلا أنه يحتمل أن يكون خرج على لفظ الأهل، كما يقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك، أي امرأتك ونساؤك، فيقول: هم بخير، قال الله تعالى: "قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت" [هود: 73].
والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم. وإنما قال: "ويطهركم" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليا وحسنا وحسينا كان فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت، لأن الآية فيهن، والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلام. والله أعلم.
الأحاديث الواردة في فضلها :
عن عائشة رضي اللهعنهاقالت : قلت يا رسول اللهأرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد أكل منها ووجدت شجرا لم يؤكل منها في أيها كنت ترتع بعيرك ؟ قال : في الذي لم يرتع منها تعني أن رسول اللهصلى اللهعليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها . رواه البخاري 4687
عن عائشة رضي اللهعنهاأن النبي صلى اللهعليه وسلم قال لها : أريتك في المنام مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقول هذه امرأتك فاكشف عنهافإذا هي أنت فأقول إن يك هذا من عند اللهيمضه . رواه البخاري 3606 .
مواقف من حياتها :
كان رسول اللهمن حبه لها يداعبها ويمازحا وورد أنه ذات مره سابقها في وقت الحرب فطلب من الجيش التقدم لينفرد بأم المؤمنينعائشة ليسابقها .
روى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة قالت : خرجت مع النبي صلى اللهعليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال للناس : تقدموا فتقدموا , ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقته , فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس : تقدموا فتقدموا ثم قال : تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك .
قال الألباني : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين .
إرواء الغليل 1502
ومما يدل على محبته لها وأنها كانت أحب نساءهإليه ما رواه البخاري عن هشام عن أبيه قال كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت عائشة : فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن : يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول اللهصلى اللهعليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان أو حيث ما دار , قالت فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى اللهعليه وسلم قالت : فأعرض عني فلما عا إلي ذكرت له ذاك فأعرض عني فلما كان في الثالثة ذكرت له, فقال : يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها . رواه البخاري 2399
تصريح الرسول صلى الله عليه وسلم بحبه لعائشة :
عن عمرو بن العاص رضي اللهعنه أن النبي صلى اللهعليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة , فقلت : من الرجال ؟ فقال : أبوها . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر بن الخطاب , فعد رجالا. رواه البخاري 3389
عائشة هي من النساء اللواتي لن تتكرر ...فقد ثبتفي الصحيح
عن أبي موسى الأشعري رضي اللهعنه قال: قال رسول اللهصلى اللهعليه وسلم : كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام . رواه البخاري 3159 .
ولعظيم مكانتها عند النبي عليه الصلاة والسلام , سلم عليها جبريل :
عن عائشة رضي اللهعنهاقالت : قال رسول اللهصلى اللهعليه وسلم يوما : يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام , فقلت : وعليه السلام ورحمة اللهوبركاته ترى ما لا أرى تريد رسول اللهصلى اللهعليه وسلم. رواه البخاري 5733 .
وكان صلى الله عليه وسلم يداعبها ، فعنها قالت : والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي ، والحبشة يلعبون بالحراب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم من بين أذنه وعاتقه ، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف .
رواه الإمام أحمد ، وأصله في البخاري 2686 .
و عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كنت أشرب وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم ، فيضع فاه على موضع فيَّ ، فيشرب ، وأتعرق العرق وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ ،فيشرب . رواه مسلم 452
عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة :
عن عائشة رضي الله عنها : أن جبريل عليه السلام جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى اللهعليه وسلم فقال : إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. رواه الترمذي 3815
وشهد بفضلها الكثير من الصحابة :
عن عائشة رضي اللهعنهاأنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فأرسل رسول اللهصلى اللهعليه وسلم ناسا من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي صلى اللهعليه وسلم شكوا ذلك إليه فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير جزاك اللهخيرا فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل اللهلك منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة . رواه البخاري 4766
دفاع الصحابة عنها :
عن عمرو بن غالب أن رجلا نال من عائشة عند عمار بن ياسر فقال : أغرب مقبوحا منبوحا أتؤذي حبيبة رسول اللهصلى اللهعليه وسلم . رواه الترمذي 3822 قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .
اللحظات الأخيرة في بيت عائشة :
ومن فضلها ومكانتها وحب الرسول صلى الله عليه وسلم لها أنه كان قبل وفاته بثلاثة أيام قد بدأ الوجع يشتد عليه وكان في بيت السيدةميمونة ، فقال : ( اجمعوا زوجاتي ) ، فجمعت الزوجات ، فقال النبي : ( أتأذنون لي أن أمرض في بيت عائشه؟ ) فقلن : أذن لك يا رسول اللهفأراد أن يقوم فما استطاع فجاء علي بن أبي طالب والفضل بن العباس فحملا النبي وخرجوا به من حجرة السيدةميمونة إلى حجرة السيدةعائشة .
وعن هشام عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول أين أنا غدا أين أنا غدا حرصا على بيت عائشة قالت عائشة فلما كان يومي سكن . رواه البخاري 3490
وقبل وفاته عليه الصلاة والسلام دخل عليه أحد الصحابة وكان معه سواك فطلبه النبي فتقول أمناعائشة : دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر إليه رسول اللهصلى اللهعليه وسلم فقلت له أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول اللهصلى اللهعليه وسلم فاستن به وهو مستسند إلى صدري البخاري .
قبض عليه الصلاة والسلام وهو واضع رأسه على صدرها :
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي نوبتي وبين سحري ونحري وجمع الله بين ريقي وريقه قالت دخل عبد الرحمن بسواك فضعف النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأخذته فمضغته ثم سننته به .
رواه البخاري 2869 .
عائشة من العالمات الداعيات :
فهي (رضي اللهعنها) بعلمها ودرايتها ساهمت بتصحيح المفاهيم، والتوجيه لإتباع سنة رسول اللهصلى اللهعليه وسلم, فقد كان أهل العلم يقصدونها للأخذ من علمها الغزير، فأصبحت بذلك نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه.
روى الحاكم و الدارمي عن مسروق ، أنه قيل له : هل كانت عائشة تحسن الفرائض ؟ قال : إي والذي نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض .
وقال الزُّهري : لو جُمعَ علمُ عائشة إلى علم جميع النساء ، لكان عِلم عائشة أفضل .
وعن أبي موسى قال : ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديثٌ قط فسألنا عائشة ، إلا وجدنا عندها منه علماً .
قال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس، أحسن الناس رأياً في العامة.
تلكم هي عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد اللهبن عثمان، زوجة رسول اللهوأفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالقرآن والحديث والفقه.
عدد الأحاديث التي روتها :
روت عن الرسول الكريم علماً كثيراً، وقد بلغ مسند عائشة رضي اللهعنهاالفين ومئتين وعشرة أحاديث , وكانت رضي اللهعنهاأفصح أهل زمانها وأحفظهم للحديث روى عنهاالرواة من الرجال والنساء , وكان مسروق إذا روى عنهايقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق البريئة المبرأة.
وفاتها : توفيت سنة سبع وخمسين. وقيل: سنة ثمان وخمسين للهجرة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وأمرت أن تدفن بالبقيع ليلاً، فدفنت وصلى عليها أبو هريرة ونزل قبرها خمسة: عبد اللهوعروة أبناء الزبير والقاسم وعبد اللهابنا محمد بن ابي بكر وعبد اللهبن عبد الرحمن..
الابتلاء الذي تعرضت له :
ابتليت رضي الله عنها بحادث الإفك الذي اتهمت فيه بعرضها من قبل المنافقين ، وكان بلاءً عظيماً لها ولزوجها ، وأهلها ، حتى فرجه الله بإنزال براءتها من السماء قرآناً يتلى إلى يوم الدين ، قال تعالى: إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي توَلى كبره منهم له عذاب عظيم . لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين } (النور: 11-12).
حكم سب عائشة رضي الله تعالى عنها وقذفها بالفاحشة :
قال تعالى : «إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم* يوم تشهد عليهم ألسنتهم وإيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون*يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين» النور : 23-25 .
أقوال العلماء :
1. قال ابن كثير : " هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات- خُرِّج مخرج الغالب - المؤمنات ، فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة ، ولا سيما التي كانت سبب النزول ، وهي عائشة بنت الصديق - رضي الله عنهما - وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبَّها بعد هذا ورماها به بعد الذي ذُكر في الآية = فإنه كافر ؛ لأنه معاند للقرآن . والله أعلم ."(3/2028) .
2. قال أبو بكر بن العربي: إن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله، فكل مَن سبَّها بما برَّأها الله منه فهو مكذب لله، ومن كذَّب الله فهو كافر، فهذا طريق قول مالك، وهي سبيل لائحة لأهل البصائر، ولو أن رجلاً سبَّ عائشة بغير ما برَّأها الله منه لكان جزاؤه التأديب.
3. قال أبو السائب القاضي: كنت يومًا بحضرة الحسن بن زيد بطبرستان، وكان بحضرته رجل فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فقال: يا غلام اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، إن هذا رجل طعن على النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) [النور: 26]، فإن كانت عائشة خبيثة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه وأنا حاضر.
4. قال القاضي أبو يعلى: من قذف عائشة بما برَّأها الله منه كفرَ بلا خلاف، وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد، وصرَّح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم.
5. قال ابن قدامة المقدسي: "ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء، وأفضلهن خديجة بن خويلد وعائشة الصدِّيقة بنت الصدِّيق التي برَّأها الله في كتابه، زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برَّأها الله منه فقد كفر بالله العظيم.
6. حكى العلامة ابن القيم اتفاق الأمة على كفر قاذف عائشة -رضي الله عنها-، حيث قال: واتفقت الأمة على كفر قاذفها.
7. قال بدر الدين الزركشي: مَن قذفها فقد كفر؛ لتصريح القرآن الكريم ببراءتها.
8. و قال أبي موسى – و هو عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن جعفر الشريف الهاشمي إمام الحنابلة ببغداد في عصره - : و من رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد مرق من الدين ولم ينعقد له نكاح على مسلمة . الصارم المسلول ( ص 566-568).
9. وقال الإمام النووي في صدد تعداده الفوائد التي اشتمل عليها حديث الإفك : الحادية و الأربعون : براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك و هي براءة قطعية بنص القرآن العزيز ، فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافراً مرتداً بإجماع المسلمين ، قال ابن عباس و غيره : لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ، و هذا إكرام من الله تعالى لهم . شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 117-118 ) .
10. قال السيوطي عند آيات سورة النور التي نزلت في براءة عائشة -رضي الله عنها- من قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [النور: 11] الآيات،": نزلت في براءة عائشة فيما قُذِفَت به، فاستدل به الفقهاء على أن قاذفها يُقتل لتكذيبه لنص القرآن، قال العلماء: قذف عائشة كفر؛ لأن الله سبَّح نفسه عند ذكره، فقال: ( سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) [النور: 16]، كما سبَّح نفسه عند ذكر ما وصفه به المشركون من الزوجة والولد".
11. قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب : وكونها هي المبرأة المرادة من الآيات مشهور بل متواتر ، فإذا عرفت هذا فاعلم ؛ أنه من قذفها بالفاحشة مع إعتقاده أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنها بقيت في عصمته بعد هذه الفاحشة فقد جاء بكذب ظاهر واكتسب الإثم واستحق العذاب وظن بالمؤمنين سوءاً ، وهو كاذب ، وأتى بأمر ظنه هيناً وهو عند الله عظيم ، وإتهم أهل بيت النبوة بالسوء .
12. وقال : وقد قال بعض المحققين من السادة : وأما قذفها الآن فهو كفر وإرتداد ، ولا يكتفي فيه بالجلد لأنه تكذيب لسبع عشرة آية من كتب الله كما مر ، فيُقتل ردة ، وإنما اكتفى صلى الله عليه وسلم بجلدهم - أي من قذفها - في زمنه مرة أو مرتين لأن القرآن ما كان أنزل في أمرها ، فلم يكذبوا القرآن ، وأما الآن فهو تكذيب للقرآن ، أما نتأمل في قوله تعالى { يعظكم الله أن تعودوا لمثله . . . الآية } ، ومكذّب القرآن كافر ، فليس له إلا السيف وضرب العنق ) انتهى .
فعائشة رضي الله عنها كما قال الذهبي :
" بنت الإمام الصديق الأكبر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر عبد الله بن أبي قحافه عثمان بن عامر " ، القرشية التميمية المكية النبوية
أم المؤمنين رضي الله عنها، قد حازت الفضل من كل جوانبه ونالت الشرف من سائر وجهه وهي التي ولدت في ظلال الإسلام كما قالت : " لم أعقل أبوي الا وهما يدينان الدين "، فقد ولدت في الإسلام وفي بيئة إسلامية .
وحتى ندرك بايجاز أول ما يتعلق بسيرة عائشة رضي الله عنها ،
نقول : أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد عليها وهي ابنة ست سنين ، ودخل بها وهي ابنة تسع سنوات ،
وتوفي عنها صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ثماني عشر سنة ،
فتأمل هذه السيرة التي أهلّتها بعد ذلك الى أن تكون قدوة من القدوات ،
وعلماً من أعلام الأمة الإسلامية كلها مع هذه الفترة الوجيزة .
لكنها كانت فترة عظيمة ؛
لالتصاقها برسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وقال أهل السير في وصفها أموراً وأوصافاً كثيرة،
كما أفاض ذلك ابن كثير في البداية والنهاية، عندما ترجم لها في سنة وفاتها،
قال : " أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق ، وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحب أزواجه إليه ،
المبرأة من فوق سبع سموات رضي الله عنها وعن أبيها،
وأمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية، وكانت عائشة رضي الله عنها تكنى بأم عبد الله ، وإن لم يكن لها ولد ولم تلد مطلقاً ،
لكنها ربت ابن أختها أسماء - وهو عبد الله بن الزبير رضي الله عنه - فكانت تكنى به رضي الله عنها .
من خصائص عائشة التي ذكرها ابن كثير
وقد أوجز ابن كثير في هذه الترجمة ما سأذكره بإيجاز ثم يأتي تفصيل بعضه، ذكر جملة وافرة من خصائص عائشة رضي الله عنها :
1- لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكر سواها .
2- لم ينزل عليه الوحي في لحاف امرأة غيرها .
3- لم يكن في أزواجه أحب إليه منها .
4- قد أتاه الملك بها في المنام في سرقة من حرير مرتين أو ثلاثاً يقول له هذه زوجتك، فتزوج منها بأمر الله ووحي الله سبحانه وتعالى .
5- أنها كان لها في القسم يومان يومها ويوم سودة حين وهبتها ذلك تقرباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
6- أنه مات في يومها وفي بيتها ، وبين سحرها ونحرها صلى الله عليه وسلم ، وجمع إليه بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعات الدنيا له عليه الصلاة والسلام وأول ساعة من ساعات الآخرة ثم دفن في بيتها .
7- أنها أعلم نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هي أعلم نساء الأمة على الإطلاق بلا نزاع في ذلك بين أهل العلم ، وقد قال أهل العلم في وصف علمها شيئاً كثيراً يأتي ذكره لاحقاً.
عائشة الفاضلة
الميزة الأولى : في سرقة من حرير
فهذه عائشة رضي الله عنها ربما ذكر في وصفها على سبيل الإجمال و فضائلها كثيرة مشهورة في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
بل قد جاء ونزل في حقها آيات تتلى من كتاب الله عز وجل الى أن يرث الله الأرض ومن عليها،
في الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أريتكِ في المنام ثلاث ليال جاء بكِ الملك في سرقة من حرير - يعني مغطاة بقطعة من حرير – فيقول : هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه ، فاقول : إن يك هذا من عند الله يمضه ) وقد أمضاه الله سبحانه وتعالى .
الميزة الثانية : القرب من الوحي
وفي فضيلة قربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم واستيلائها على عظيم محبته ،
ورد الحديث الصحيح عن عمر بن العاص
وهو ممن أسلم في السنة الثامنة للهجرة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟
قال : عائشة، قال : فمن الرجال ؟ قال : أبوها .
فكانت هي حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولذلك قال الذهبي بعد إيراده هذا الحديث تعليق عليه :
" وهذا خبر ثابت صحيح رغم أنوف الروافض ،
وما كان عليه السلام يحب الا طيباً، وقد قال : ( لو كنت متخذاً خليلاً من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل ) فأحبَّ أفضل رجلٍ من أمته ،
وأفضل امرأة من أمته ، فمن أبغض حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو حريٌ أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله " .
لأن الرافضة قالت في عائشة رضي الله عنها أقوالاً مرفوضة مرذولة قبيحة ، حتى أن بعضهم قد غالى في ذلك قولاً يكفر به صاحبه إن أعتقده ؛
حيث أنهم فسروا قول الله عز وجل : { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } ،
قال بعض الغلاة ممن كانوا على هذه النحلة والملة : " هي عائشة " ، تعالى الله عما يقولون في كتابه علواً كبيراً .
وهذا أيضاً حديث عن هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت :
كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة - من معرفة الصحابة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة
أنهم كانوا يهدون إليه في اليوم الذي يكون عندها ،
حتى يكون ذلك اليوم أكثر سعداً وفرحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم -قالت : فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة -
وكانت من كبار أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سناً ،
وسيأتي تفسير الحزبين الذين كانا في أزواج النبي عليه الصلاة والسلام بحكم طبيعة المرأة وغيرتها -
فقلن لها : إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان، فذكرت أم سلمه ذلك له ، فسكت فلم يرد عليها ، فعادت الثانية فلم يرد عليها ، فلما كانت الثالثة قال : ( يا أم سلمه لا تؤذينني في عائشة ؛ فإن الوحي لم يأتيني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة ) .
وهذه فضيلة لها عن باقي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا بيان طبيعة فطرة المرأة مع العصمة بالشرع والبعد عن مخالفة أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .
الميزة الثالثة : أنها ابنة أبي بكر
كان نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حزبين :
فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ، والحزب الآخر أم سلمة وسائر أزواجه ، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة ،
فإذا كانت عند أحد هم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله فأخرّها حتى إذا كان في بيت عائشة بعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلّم حزب أم سلمة مع أم سلمة ؛ لتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها ذلك القول ، فقالت أم سلمة في هذه الرواية:
أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله .
ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقالت : إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر فكلمته،
فقال : يا بنية ألا تحبين ما أحب ؟! قالت : بلى ! فرجعت إليهن فأخبرتهن ،
فقيل لها : ارجعي إليه ، فأبت أن ترجع ،
فأرسلوا بعد ذلك زينب بنت جحش رضي الله عنهن جميعاً ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأغلظت له في القول وقالت :
إن نساءك ينشدنك الله العدل في ابنة أبي قحافة فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة - أي ببعض القول - وعائشة قاعدة فسبتها -
أي ذكرت لها كلاماً شديداً وقاسياً - حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تتكلم .
قال : فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها - أي ذكرت لها من القول ما ألجمها وأسكتها -
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنها ابنة أبي بكر ).
فشهد لها هذا الموقف بفضلها على أزواج رسول الله صلى الله علي وسلم .
الميزة الرابعة : أفضل من خديجة
وبالجملة فهناك خلاف بين أهل العلم في التفضيل بينها وبين خديجة رضي الله عنهن أجمعين،
وقد مال الذهبي إلى تفضيل عائشة رضي الله عنها .
الميزة الخامسة : الثريد على سائر الطعام
ولذلك ورد عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) .
وهذا تفضيل لها على سائر نساء أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لما كان لها من علم وسبق وفضل كما سيأتي ذكره .
الميزة السادسة : زوجة في الجنة
وفي مستدرك الحاكم عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عائشة قالت :
قلت يا رسول الله مَن مِن أزواجك في الجنة ؟ قال أما إنك منهن،
قالت : فخيِّل اليّ أن ذاك لأنه لم يتزوج بكراً غيري .
وهذا السؤال في حد ذاته ليس مجرد سؤال عابر ،
بل هو يدل على فطنة عائشة رضي الله عنها وحرصها على الفضل والخير ؛
فإنها كانت ترى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وشأنه معهن في هذه الحياة الدنيا وإنه كان يقسم لهن ،
فأرادت أن ترى ما يكون في الآخرة وما تستشرف لها نفسها من أن تكون في الجنة وأن تكون
رفيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ومن حسن أدب المصطفى عليه الصلاة والسلام وكمال هديه ولطفه وبره ؛
فإنه أخبر عائشة أنها منهن ولم يفردها بذلك ولم يعرض بغيرها من النساء بل بشرها بذلك،
وانقضى ما يدل عليه هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وصفة أزواجه أنهن معه في الجنة بإذن الله عز وجل،
ولكن في هذا الحديث بشارة واضحة لعائشة رضي الله عنها على وجه الخصوص .
الميزة السابعة : قرب حتى آخر لحظة
ومن الفضائل التي كانت لها أيضاً أنه كما ورد عنها قالت :
" توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، وفي يومي وليلتي ،
وبين سحري ونحري، ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطب فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
حتى ظننت أنه يريده فأخذته - أي أخذت السواك - فمضغته ونفضته وطيبته ،
ثم دفعته إليه فاستن به كأحسن ما رأيته مستناً قط، ثم ذهب يرفعه اليّ فسقطت يده صلى الله عليه وسلم،
فأخذت أدعوا له بدعاء كان يدعوا له به جبريل صلى الله علي وسلم وكان هو يدعوا به إذا مرض يدعوا به في مرضه ذاك ،
فرفع عليه الصلاة والسلام بصره إلى السماء وقال : الرفيق الأعلى ، وفاضت نفسه ،
فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا " .
ومن فطنة وحكمة وعدالة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم،
أنهن رأين تعلق المصطفى صلى الله عليه وسلم بعائشة في وقت مرضه ،
وكان يسأل وهو يمرض عند نسائه عن يوم عائشة ، فلما رأين ذلك أجمعن
أمرهن على أن يجعلن تمريض النبي صلى الله عليه وسلم في وقت مرضه إلى عائشة
في بيتها في كل الأيام والليالي، وهذا يدل على أهمية الحكمة والعصمة بالشرع في أن
تكون أسمى وأرفع من طبيعة الغيرة الموجودة لدى النساء .
عائشة الفقيهة العالمة
هذا الجانب يكاد يكون في غاية الضعف عند نسائنا في هذه الأيام ؛
فإننا إذا تحدثنا عن طلب العلم والحرص على دروس العلم ونحو ذلك فكان الغالب في أذهاننا أن ذلك الحديث مخصوص بالشباب
ومن الشابات وبالرجال دون النساء، وكذلك نجد أنه البيئة التي نعيش فيها تظهر فيها نماذج
من طلبة العلم والحريصين عليه حفظاً لكتاب الله عز وجل ، وحفظا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
واطلاعاً على أقوال أهل العلم وكتب الفقهاء ،
وغير ذلك نجد ذلك في صفوف الرجال والشباب أكثر منه في صفوف النساء،
حتى توهم الناس أنه لا يكون للمرأة قدرة على أن يكون حظها من العلم مثل حظ غيرها من الرجال،
بل قد سرى الى بعض الرجال أن المرأة زوجة كانت لهم أو بنتاً أو أختاً أنها دون أن تكون لها صلة بالعلم والإستنباط والفهم والفقه
مع أن هذا غير صحيح ونشأ عن هذا فقر مهم وفي نفس الوقت خطير ؛
لأن النساء لهن حاجات ومسائل قد يمنعهن الحياء أن يسألن
عنها الرجال وخاصة في أمور المعاشرة مع الأزواج وفي أمور الطهارة الخاصة بالنساء .
فلما قل الفقه في النساء أصبح وقوع الخلل منهن لعدم سؤالهن للرجال حياء أو تحرجا
أو نحو ذلك أصبح هذا ظاهراً بشكل كبير،
وهذا أيضاً مدخل خطير ؛ لأن عدم تهيئ المرأة وإستعدادها وميلها وعلمها بإمكانية طلبها للعلم ونبوغها فيه
واجرها في ذلك ونفعها لبنات جنسها، جعلها أكثر مناسبة أو تهيئه لأن يصطادها أعداء الله عز وجل وأن يشغلوها
بأفكار ومطالعات وقرارات بعيدة عما ينفعها في دينها ودنياها وفي آخرتها بإذن الله عز وجل .
وكذلك في الحقيقة أرى أن جانب العلم سيما في الأمور التي تخص المرأة من المهم جداً أن تندب لها النساء الصالحات القانتات العابدات،
وأن يحث الرجل من له عليه ولاية من النساء على أن تأخذ حظها من العلم وافراً لتنفع نفسها وتنفع بنات جنسها،
وأن حديث الرجال الى النساء قاصر في تأثيره وفي لمسه لحاجتهن ومعرفته بأحوالهن،
ولذا يكون لسان المرأة الى المرأة أبلغ وتعليم المرأة للمرأة أقوى ؛ ولأن قدرتها أو لأن
الحوائل الشرعية من الحجاب وغير ذلك تمنع أن يكون التواصل العلمي والتربوي كاملا ؛
فإنه لا يغني ذلك من جانب الرجال الغناء الكامل ، بل لا بد أن يكون في صفوف النساء المسلمات عالمات ومربيات وداعيات ؛
لأن علمهن بأحوال النساء وقربهن منهن وقدرتهن على معاشرتهن ومواجهتهن ومكاشفتهن ومصارحتهن
تؤدي دوراً أكبر ولذلك أسوق هذه القدوة في العلم للنساء وللرجال كذلك، فان عائشة
رضي الله عنها قد كان الرجال
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أشكل عليهم الأمر وأعجزتهم المسألة رجعوا إلى عائشة
رضي الله عنها فأخبرتهم حكم وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فلذلك قال الذهبي رحمة الله عليه :
" أفقه نساء الأمة على الإطلاق " .
وذكر أن مسند عائشة من الأحاديث يبلغ ألفين ومئتين وعشرة أحاديث اتفق البخاري ومسلم منها على
مائة وأربعة وسبعين حديثاً ،
وانفرد البخاري بأربعة وخمسين ،
وانفرد مسلم بتسعة وستين حديثاً ،
ولا يوجد في النساء من هي أكثر رواية لحديث رسول الله من عائشة،
لم يكن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالعدد الكثير من النساء عبثاً ،
وإنما كان ليطلعن على ما لا يطلع عليه المرأة من زوجها في شأن الأمور الدقيقة ،
فينقلن هذا العلم والأحكام الشرعية المتعلقة بأخص خصائص ما بين الرجل وزوجته لنساء الأمة ورجالها على حد سواء .
ولذلك قال الذهبي :
" لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ولا في النساء مطلقاً إمرأة أعلم منها " .
وقال الزهري : " لو جمع علم عائشة
إلى علم جميع أزواجه وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل " .
وقال عطاء بن أبي رباح : " كانت عائشة أفقه الناس ، وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأياً في العامة " .
وتأمل هذه الجملة الأخيرة ، بل تأمل هذا النص كله، كانت أفقه الناس وأعلم الناس
بالفقه غير العلم فالعلم حفظ والفقه استنباط فقد جمعت بين الأمرين معاً،
وأحسن الناس رأياً في العامة أي أنها تعرف أمور الناس ومجريات الحياة ما ينبغي أن يكون من التوجيه وكيف تكون هذه الأساليب ،
وقد ورد في مسند الإمام أحمد في سند صحيح : أن عائشة رضي الله عنها استدعت قاص أهل مكة الذي كان يقص لهم القصص ،
ويعظهم بالمواعظ، وقالت له : لَتعاهدنيّ أو لأقاطعنك - أو معنى كلامها -
فقال : علام يا أم المؤمنين أو يا زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قالت :
أن لا تمل الناس وأن لا تنقطهم ، وإذا حدثهم فحدثهم يعني يوماً ويوماً .
أي لا تملهم بالحديث فقالت له :
لاتملهم بطول حديثك وتكراره ،
ولا تقنطهم بتأييسهم من رحمة الله عز وجل ، وإكثار الخوف عليهم دون أن تفتح لهم باب الرجاء،
وهذا يدلنا على تلك العبارة أنها كان أحسن الناس رأياً في العامة،
وقال عروة : "
ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة رضي الله عنها " .
وهذه الرواية عن عروة تُروى بوجه آخر مفصل يبين لنا أن عائشة كانت على ذكاء وافر وفطنة عجيبة يقول عروة وهو ابن أختها :
" صحبت عائشة رضي الله عنها فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآيه أنزلت ،
ولا بفريضة ولا بسنة ولا بشعر ولا أروى له ، ولا بيوم من أيام العرب ، ولا بنسب ولا بكذا ولا بكذا ولا بقضاء ولا بطب منها " .
فانظر فقد كانت تعرف الأنساب ،
ولا غرو في ذلك فهي ابنة نسابة قريش أبي بكر رضي الله عنها ،
وكونها تعلم علم القرآن والسنة والفقه لاغرو في ذلك لذلك هو يقول :
قلت لها : يا خالة الطب من أين عُلّمته ؟
- عرفنا أنك علمت الفقه والأحكام من الرسول صلى الله عليه وسلم والنسب من أبي بكر
والشعر من حفظ لكن الطب من أين لك هذا الطب ؟- فقالت : " كنت أمرض فيُنعت لي الشيء ،
ويمرض المريض فينعت له ، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فاحفظه " .
فكانت - رضي الله عنها - طبيبة قلوب ، وطبيبة أبدان ،
فهذا يدل على الفطنة، ويدل على أن عائشة لم تكن هتماماتها إهتمامات سطحية كحال نساءنا اليوم ؛
فإن بعض النساء عندها فطنة ، وعندها ذكاء ، وعندها سرعة حافظه ، لكنها موجهة توجيهاً غير سليم ؛
فان عندها فطنة بأن تمزج الموديلات في الملابس فتخلط بين هذا وهذا ، وتحفظ هذا وذاك ،
والأول والثاني ، وتعرف أن هذا طراز قديم وهذا طراز حديث ! بينما عائشة رضي الله عنها كانت لها أذن واعية ،
وقلب مستقبل لكل ما فيه منفعة في هذه الدنيا والدين على وجه الخصوص،
لذلك قال عروة : " فلقد ذهب عامة علمها لم أسأل عنه " .
عروة هو ابن أختها - والذي كان ملازماً لها - والذي روى كثيراً من علمها،
يقول : لكثرة علمها وتشعبه أنها ماتت وتوفيت وذهب عامة علمها ولم يستطع أن يسألها عنه لكثرته
ومضى الزمان وانتهى عمرها قبل أن يأخذ علمها الغزير ، وكانت تحفظ الشعر وترويه كأحسن ما يروي الناس الشعر ،
ولا تنسوا أن هذا كله والنبي صلى الله عليه وسلم توفي عنها وهي ابنة الثامنة عشر عاماً .
ضبطها هذا العمر الذي اليوم ربما ابنة الثامنة عشرة لا همّ لها إلا أن تحسن وجهها ،
وتنعّم صوتها ، وتميل وجهها ، وتتكسر في مشيتها ، لا تعرف إهتماماً عن أمور الدنيا ولا من أمور الدين ،
ولا تفكر في آخرة ، ولا تحوز علماً ، ولا تتأهل الى تربية ، ولا تتصدى لفتيا ولا شيئاً من ذلك مطلقاً .
يتبع الموضوع ان شاء الله