ايمن فاروق عرابي
Moderator
إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[الأحزاب71،70 ]
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
أحبتي في الله ......
هذا هو لقاءنا الخامس مع السبع الموبقات التي حذر منها النبي r في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال:
(( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟
قال (( الشرك بالله ، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ مال اليتيم ، وأكلُ الربا ، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات ))(1) .
ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة الرابعة ألا وهي أكل الربا وسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم عن هذا الموضوع الخطير في العناصر التالية :
أولاً : حملة مرعبة على الربا في القرآن والسنة .
ثانياً : فما هو الربا ؟
ثالثا : الربا في الجاهلية .
رابعاً : ربا البنوك أخبث من ربا الجاهلية .
خامساً : بيوع ربوية محرمة .
سادساً : فهل من توبة ، وما هو الحل ؟
فأعيروني القلوب والأسماع فإن الموضوع جد خطير .
أولاً : حملة مرعبة على الربا في القرآن والسنة .
يقول الله عز وجل في سورة البقرة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275]
أحبتي في الله :
لقد أعلن القرآن حملة مفزعة وتهديدا مرعبا على النظام الربوي المقيت لأنه نظام يسحق البشرية – سحقا ، ويشقيها في حياتها أفرادا وجماعات ، ودولا وشعوبا ، لمصلحة حفنة من المرابين الكبار .
وينتهي إلى تركيز السلطة الحقيقية والنفوذ العملي على البشرية كلها في أيدي زمرة من أحط خلق الله وشرذمة ممن لا يرعون في البشرية إلاً ولا ذمة .
وهؤلاء المرابين هم الذين يداينون الناس أفرادا كما يداينون الحكومات ، والشعوب في داخل بلادهم ، وفي خارجها .
ومن ثم فهم لا يملكون المال وحده إنما يملكون من خلاله النفوذ والتحكم .
والكارثة الخطيرة التي تمت في العصر الحديث هي أن هؤلاء المرابين قد استطاعوا بما لديهم من سلطة هائلة داخل أجهزة الحكم العالمية ، وبما يملكون من وسائل التوجيه والأعلام في الأرض كلها .
استطاعوا أن يحفروا في عقول الكثيرين من البشر أن هذا النظام الربوي الخبيث هو النظام الذي لا يمكن أن تقوم قائمة للإقتصاد العالمي والداخلي إلا عليه .
وأنه هو الأساس الصحيح للنمو الاقتصادي .
وأن الذين يريدون إبطال هذا النظام جماعة من الخياليين .
وأنهم يتحدثون عن نظريات أخلاقية مجردة وعن مثل خيالية لا رصيد لها من الواقع ليستروا عورات هذا النظام الكالح الطالح الذي يمحق سعادة البشرية محقا والذي حرمه الله ورسوله .
وكيف يحرم الله ورسوله أمرا لا تقوم الحياة البشرية إلا به ؟!
{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك:14]
ومن ثم فالنظام الإسلامي ، والنظام الربوي لا يلتقيان في تصور ، ولا يلتقيان في أساس ، ولا يتوافقان في نتيجة ومن هنا كانت هذه الحملة المرعبة المفزعة على الربا في القرآن والسنة .ففي الحديث الذي رواه مسلم ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والترمذي وغيرهم من حديث ابن مسعود ، وجاء عن عمر وعلي وغيرهم أن النبي r قال :
(( لعن رسول الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ، وقال هم سواء )) ([1])
وفي الحديث الذي رواه والبيهقي ، وابن ماجة ، والحاكم ، وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ومن حديث عبد الله بن مسعود أيضاً أن النبي r قال :
(( الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه )) ([2])
وفي الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير ، وأحمد في مسنده ورجاله رجال الصحيح وصححه الألباني في صحيح الجامع
عن عبد الله ابن حنظلة أن النبي r قال :
(( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية )) ([3])
وفي حديث سمرة بن جندب الطويل الذي رواه البخاري ، وفيه أن النبي r قال :
(( أنه آتاني الليلة آتيان ، وأنهما قالا لي انطلق فانطلقنا فأتينا على نهر من دم ، وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل وبين يديه حجارة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيغفر له فاه فيلقمة حجراً فينطلق يسبح ثم يرجع إليه ، كلما جاء ليخرج ، رماه الرجل على الشاطيء بحجر في فيه فيرجع كما كان )) ([4])
هذا هو شر الربا .
وهنا نخلص إلى العنصر الثالث لنتعرف على ربا الجاهلية .
أولاً : ربا النسيئة (أي التأجيل)
وهو أن يعطي الرجل ديناً لرجل آخر إلى أجل معلوم ، فإذا حل الأجل المحدد بينهما ولم يستطع المدين السداد أعطاه الدائن مهلة في مقابل الزيادة الربوية .
يقول مجاهد : كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل دين فيقول : لك كذا ، وكذا (أي من الزيادة) وتؤخر عني فيؤخر عنه .
يقول الإمام أبو بكر الجصاص في كفاية أحكام القرآن :
إن ربا الجاهلية إنما كان قرضاً مؤجلا بزيادة مشروطة ، فكانت الزيادة بدلا من الأجل فأبطله الله تعالى .
والربا في هذا النوع واضح بّيَّنْ تتوفر فيه كل العناصر الأساسية لكل عملية ربوية وهذه العناصر هي :
أولا : الزيادة على أصل المال .
ثانياً : الأجل والزمن الذي يحدد نسبة الزيادة على أصل المال ، أو الذي من أجله تعطى هذه الزيادة على قدر مكث هذا المال لدى الآخر .
ثالثاً : الفائدة المشروطة المضمونة .
وعليه فإن كلَّ من تعامل يشتمل على هذه العناصر الثلاثة فهو تعامل ربوي ، وإن تغير مسماه للتحايل على شرع الله ، وهذا النوع أبطله الإسلام وحرمه القرآن .
ثانياً : ربا الفضل
وهو أن يبيع الرجل الشيء بالشيء من نوعه مع الزيادة .
وفي الصحيحين عن أبي سعيد ، وأبي هريرة أن رسول الله r استعمل رجلاً على خيبر فجاء بتمر جَنِيبٍ ( أي طيب) فقال رسول الله : (( أكُلَّ تمر خيبر هكذا ؟ فقال : لا والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة فقال النبي r لا تفعل بع الجمع (أي الرديء ، أو المجموع من أنواع مختلفة ) بالدراهم ثم اْبتَعْ بالدراهم جنيبا)) ([5])
وفي رواية لمسلم عن أبي سعيد قال : (( جاء صاحب نخلة بصاع من تمر طيب فقال له النبي r أنىَّ لك هذا ؟ قال انطلقت بصاعين فاشتريت به هذا الصاع ، فإن سعر هذا في السوق كذا ، وسعر هذا كذا ، فقال رسول الله r ويلك : أرْبّيْت إذا أردت ذلك فبع تمرك بسلعة ، ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت )) ([6]).
وزاد النبي r هذه المسألة توضيحا جليا فقال كما في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت : (( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلا يدا بيد سواء بسواء ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي سواء )) ([7]).
وفي رواية لمسلم : (( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد )) .
وفي لفظ للبخاري (( لا تبيعوا بالذهب إلا سواء بسواء ، والفضة بالفضة إلا سواء بسواء، وبيعوا الذهب بالفضة ، والفضة بالذهب كيف شئتم )) ([8]) فالتبادل بين الذهب والفضة مثلا تبادل حر يمكن فيه التفاضل بشرط التناقد أي التقايض في المجلس الواحد ، وهكذا فعبارة مثلا بمثل يفهم منها أن تشترط الاتفاق في النوعية وعبارة يدا بيد تشترط التقايض في المجلس .
وعبارة سواء بسواء تشترط التساوي في المقدار ، وعدم جواز الفضل