دكتور أسامة
New Member
د. أسامة عطوان يكتب : الانتقال إلى جدول الأعمال
جريدة الدستور
الإثنين 24/5/2010
الإثنين 24/5/2010
علي قدم وساق تجري الاستعدادات لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري والمزمع إجراؤها بعد أيام قليلة، وينشط المرشحون وتزداد تحركاتهم ووعودهم وتملأ لافتات دعايتهم كل شبر علي أرض مصر وكأننا أمام انتخابات «بجد»، وبينما تشير نتيجة الحائط التي يعلقها كل منا في بيته أو في مقر عمله إلي أن عدة أيام مازالت باقية علي الموعد الرسمي لهذه الانتخابات التي يعتقد معظم الناس أن أحداثها قد انتهت عمليا ونتائجها قد حسمت نهائيا منذ أعلن الحزب الوطني قبل دقائق من إغلاق باب الترشيح عن أسماء مرشحيه فيها والتي حوّلت في لحظات الكثيرين من الطامعين في نيل بركته والمتاجرين بانتمائهم وولائهم له إلي خصوم جدد بعد أن تخطاهم الحزب في اختياراته، فانقلبت يافطات التأييد الحزبية وشعارات الانتماء الوهمية إلي صرخات احتجاج وتصريحات وعيد ووصلات ردح تصف اختيارات الحزب بالفساد والمحسوبية، وسياساته بالعجز والعشوائية وتري في مجمعاته الانتخابية التي أفرزت قوائم مرشحيه نموذجا فجا للتزوير الذي اعتاده الحزب مع الخصوم والحلفاء علي السواء، ومع هذا اليقين لدي الناخبين بحسم نتائج العملية الانتخابية وعزوفهم تقريبا عن الاهتمام بها أو التفاعل معها ينشط تجار الانتخابات المنتشرون في كل مكان بعد أن دبت فيهم الروح من جديد باستبعاد الإشراف القضائي فاستردوا عافيتهم واستعادوا لياقتهم فزادت حركتهم وعلا صوتهم وعادوا من جديد قبلةً للمرشحين وكعبة للحالمين.. يتاجرون بكل الأوراق ويلعبون علي كل الحبال، يهتفون لمرشحي الحزب الوطني في مؤتمراتهم التي تستضيفها المصالح الحكومية ومراكز الشباب برغم أنف القانون وتكافؤ الفرص ويفتحون جيوبهم لعطايا الآخرين ممن فاتهم قطار الحزب السريع.
وهناك علي الجانب الآخر، يحاول الإخوان المسلمون إبراز وجودهم وإثبات قوتهم بعد أن أفلتوا من قضبان التضييق بعدد من المرشحين في عملية ليس الهدف منها مقاعد مجلس الشوري وإنما إجراء بروفة جادة ورسمية لانتخابات مجلس الشعب القادم التي يبدو أن الجماعة لم تصل إلي تصور واضح بشأن التعامل معها مابين الإقدام استنادا إلي تجربة 2005 التي شهدت تعاطفا معها من الناخبين نكاية في الحزب الوطني، والتعقل والتريث احتراما للمستجدات السياسية التي أبعدت القضاء عن الإشراف الفعلي علي العملية الانتخابية وتلوّح في الوقت نفسه بإقصاء نواب الجماعة إلا قليلا، في حين تبقي قناعتي الشخصية أن علي الجماعة أن تدعم قوي التغيير والإصلاح وتتخلي عن اعتقادها بأنها الطرف الأقوي بين المعارضة الفعلية الذي يجب أن تدعمه كل الأطراف وليس العكس.. فرأيي دائما أن المعارضة البرلمانية في مصر يمثلها الأفراد وليست التيارات وأنه إذا كان الحصول علي الأغلبية البرلمانية في الواقع مستحيلا فلابد أن يكون للأقلية ثقل نوعي وقدرات خاصة.
قابلني منذ أيام أحد الموظفين الملتحين العاملين بالإدارة المحلية مكتئبا يسب ويلعن الذين أضاعوا عليه «لقمة عيش حلوة» بعد أن تخطوه في الاختيار للاشتراك في الإشراف علي أعمال انتخابات الشوري، وعندما طلبت منه أن يحمد الله الذي أعفاه من الاشتراك فيما لا يتفق مع لحيته المتدلية التي تنهاه عن الغش والتزوير صدمني رأيه الذي لا يري في المشاركة أي نوع من الخطأ بعد أن صار التزوير عرفا له قوة القانون، وكل ما عليه أن يكون طرطورا في لجنته التي سيتولي الإشراف عليها وهو لا يمانع مطلقا أن يكون هذا الطرطور مادام في الأمر «500 جنيه» إذ كثيرا ما قام بذلك الدور في مناسبات مشابهة مقابل سبعة جنيهات فقط، فلماذا يحرمونه من «الطرطرة» بعد أن تضاعف مقابلها عشرات المرات رغم أنه كان في الخدمة دائما لأنه يدرك جيدا أنه لا يمكنه منع التزوير وأنهم ليسوا في حاجة حقيقية من أجل إتمامه إلي جهوده المتواضعة.
ومع عزوف الناخبين واستسلام رجال الإدارة وسطوة الحزب الحاكم ومناورات الإخوان يقف المستقلون والمعارضون والمنشقون «مؤقتا» عن الحزب الوطني علي هامش اللعبة متمسكين بالأمل لاعبين دور «المجاميع» حتي يسدل الستار علي المسرحية وتنطلق صافرة الحكم معلنة تتويج الحزب الوطني لتبدأ جولة جديدة من المناقشات العقيمة مابين ادعاء النزاهة والشفافية وتأكيد الغش والتزوير، ولكن ماهي إلا أسابيع قليلة حتي يتذكر الجميع مجلس الشعب فيتم كالعادة إغلاق باب المناقشة والانتقال إلي جدول الأعمال.