عبدالوهاب محمد
Member
:bs:
أنه إذا برزت الفتن وتغيرت الأحوال , فلا تحكم على شئ من تلك الفتن أو من تغير الحال إلا بعد تصوُّره ؛ رعاية للقاعدة: « الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره».
وهذه القاعدة رعاها العقلاء جميعاً قبل الإسلام وبعد الإسلام , ودليلها الشرعي عندنا في كتاب الله جل وعلا : قال الله جل وعلا : (ولا تقف ما ليس لك به علم .) ؛ يعني : أن الأمر الذي لا تعلمه ولا تتصوره ولا تكون على بينه منه؛ فإياك أن تتكلم فيه , وأبلغ منه أن تكون فيه قائداً , أو أن تكون فيه متبعاً , أو تكون فيه حكماً .
« الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره »
وهذه القاعدة أنتم تستعملونها في أموركم العادية , وفي أحوالكم المختلفة , العقل لا بدَّ له من رعاية تلك القاعدة , ولا يصلح تصرفٌ ما ؛ إلا بأن يرعى تلك القاعدة ؛ لأنه إن لم يرع تلك القاعدة ؛ فإنه سيخطئ ولاشك , والشرع قرَّرها أيما تقرير , وبين تلك القاعدة أيما بيان .
أضرب أمثلة لكي تتضح تلك القاعدة :
- فمثلاً : لو سألت واحداً منكم , وقلت له: ما حكم الإسلام في بيع المرابحة ؟
قد يأتي قائل ويقول : الربح مطلوب , الربح لا شئ فيه في الشرع ؛ فلا بأس في بيع المرابحة .
فيكون حكمه على هذه المسألة غلط صرف ؛ لأنه لم يتصور المراد بقول القائل : ما حكم الإسلام في بيع المرابحة ؟ وظن أن معنى المرابحة : هو الربح في البيع , ولأجل تصوره الذي غلط فيه أخطأ في الحكم الشرعي.
والحكم في الشرع لا بدَّ أن يُبنى على تصور صحيح , والمرابحة نوع من أنواع البيع الذي لا يجوز , تستعمله بعض البنوك الإسلامية تحايلاً على الربا , وصورته أنه مبنيُّ على توكيل للغير, وبعد التوكيل يكون هناك إلزام بالوفاء بالوعد ؛ فالوعد الذي وعده الموكل لوكيله هو ملزم بالوفاء فيه , وهذا لا يجوز في الشرع , فكان بيع المرابحة غير جائز.
- مثالاً أخر يبين لك قاعدة « الحكم على الشيء فرع عن تصوره » : لو سألت واحداً منكم : ما حكمناً على جماعة « شهود يهوه » ؟ ماذا سيقول أحدكم ؟
إن كان مطلعاً ؛ فسيقول : هذه جماعة كيت وكيت , وحكم الإسلام فيها كذا وكذا .
وقد يكون قائل يقول : لا أعلم ما هذه الجماعة جماعة شهود يهوه ؟ ولم أسمع بها قبل ؛ فهنا لا تستطيع أن تحكم عليها , ولا تبين حكما شرعياً فيها ؛ لأنك لم تتصور هذه الجماعة ؛ ماهي ؟ وما مبادئها ؟ وهل هي إسلامية أو نصرانية أو يهودية ؟ فلن تحكم عليها إلا بعد تصورها .
إذا تبين لك ذلك ؛ فإن الحاكم أو المفتي أو المتكلم في المسائل الشرعية لا يجوز له أن يتكلم – رعاية لحق نفسه , ورعاية لخلاص نفسه من الإثم , ثم رعاية لحق المسلمين جميعاً , وتبرياً من القول على الله بلا علم - ؛ إلا إذا حصل له أمران :
* الأمر الأول : أن يتصور القضية المطروحة تماماً ؛ بحيث لا تلتبس عليه في قضية أخرى , ولا تشترك في تصوره وفهمه بمسألة أخرى , لأنه أحياناً تشترك بعض المسائل , وتقترب صورة مسألة من صورة مسألة أخرى , فينتقل ذهنك إلى مسألة مشابهة ؛ فعند ذلك تقع في ذلك الخطأ.
* الأمر الثاني : أن تعلم حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة بعينها , لا في المسألة التي تشبهها.
وإذا ثبت ذلك ؛ فها هنا سؤال مهمُّ : يقول أحدكم : كيف يحدث لي هذا التصور ؟! كيف أتصور هذه المسألة ؟! وممَّن أتصورها ؟! فإن المسائل مشتبه ومتشابهة , وبعضها يشكل وبعضها قد لا أجد مَن يبيِّنه لي ويصوِّره لي التصور الصحيح .
فنقول : التصور الذي ينبني عليه الحكم الشرعي هو ما كان :
أولاً : من المستفتي : فإن المستفتي هو الواقع في المسألة ؛ فإذا سأل وإذا شرح مسألة ؛ حصل التصور ؛ فالمفتي يبيُّن له ذلك الحكم وفق استفتائه.
ثانياً يكون التصور بنقل العدول الثقاة المسلمين , الذين لا يشوب نقلهم شائبة تجعلهم يخطئون في النقل ومن ثم نخطئ في الحكم على الشيء , لا بد من نقل عدلٍ ثقة في المسألة .
فعند ظهور الفتن , واختلاف الأحوال ؛ لا يجوز أن نعتمد على كلام كافر مثلاً ؛ ذكر تصوره أو ذكر تحليله في إذاعة ما , أو ذكر تصوره وتحليله في مجلة ما , أو في تقريرٍ ما ,
هذا لا يجوز شرعاً أن يبني عليه حكماً شرعيّاً , وإنما الحكم الشرعي يبني على نقل المسلم العدل الثقة .
فأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل ممَّن يأتي بها ؛ إلا إذا كان الإسناد بنقل عدول ضابطين عن مثلهم إلى منتهاه , إذا كان في الإسناد فاسق ؛ فإنه قد انخرمت مروءته , وإذا كان في الإسناد مَن ليس بضابط , من يأتي بشيء ويخلطه مع شئ أخر ؛ فإنه لا يقبل , ولا ينبني على ذلك الحديث حكم شرعي .
ولهذا ؛ فإنه لا بدَّ من رعاية هذه المسألة .
تلخَّص من هذا : أن هذه القاعدة : « الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره » : أساسها التصور , ولا يمكن أن يكون صحيحاً في الشرع إلا إذ كان من مسلم عدلٍ ثقة , أو كان من المستفتي نفسه , ولو كان فاسقاً.
:k08:
أنه إذا برزت الفتن وتغيرت الأحوال , فلا تحكم على شئ من تلك الفتن أو من تغير الحال إلا بعد تصوُّره ؛ رعاية للقاعدة: « الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره».
وهذه القاعدة رعاها العقلاء جميعاً قبل الإسلام وبعد الإسلام , ودليلها الشرعي عندنا في كتاب الله جل وعلا : قال الله جل وعلا : (ولا تقف ما ليس لك به علم .) ؛ يعني : أن الأمر الذي لا تعلمه ولا تتصوره ولا تكون على بينه منه؛ فإياك أن تتكلم فيه , وأبلغ منه أن تكون فيه قائداً , أو أن تكون فيه متبعاً , أو تكون فيه حكماً .
« الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره »
وهذه القاعدة أنتم تستعملونها في أموركم العادية , وفي أحوالكم المختلفة , العقل لا بدَّ له من رعاية تلك القاعدة , ولا يصلح تصرفٌ ما ؛ إلا بأن يرعى تلك القاعدة ؛ لأنه إن لم يرع تلك القاعدة ؛ فإنه سيخطئ ولاشك , والشرع قرَّرها أيما تقرير , وبين تلك القاعدة أيما بيان .
أضرب أمثلة لكي تتضح تلك القاعدة :
- فمثلاً : لو سألت واحداً منكم , وقلت له: ما حكم الإسلام في بيع المرابحة ؟
قد يأتي قائل ويقول : الربح مطلوب , الربح لا شئ فيه في الشرع ؛ فلا بأس في بيع المرابحة .
فيكون حكمه على هذه المسألة غلط صرف ؛ لأنه لم يتصور المراد بقول القائل : ما حكم الإسلام في بيع المرابحة ؟ وظن أن معنى المرابحة : هو الربح في البيع , ولأجل تصوره الذي غلط فيه أخطأ في الحكم الشرعي.
والحكم في الشرع لا بدَّ أن يُبنى على تصور صحيح , والمرابحة نوع من أنواع البيع الذي لا يجوز , تستعمله بعض البنوك الإسلامية تحايلاً على الربا , وصورته أنه مبنيُّ على توكيل للغير, وبعد التوكيل يكون هناك إلزام بالوفاء بالوعد ؛ فالوعد الذي وعده الموكل لوكيله هو ملزم بالوفاء فيه , وهذا لا يجوز في الشرع , فكان بيع المرابحة غير جائز.
- مثالاً أخر يبين لك قاعدة « الحكم على الشيء فرع عن تصوره » : لو سألت واحداً منكم : ما حكمناً على جماعة « شهود يهوه » ؟ ماذا سيقول أحدكم ؟
إن كان مطلعاً ؛ فسيقول : هذه جماعة كيت وكيت , وحكم الإسلام فيها كذا وكذا .
وقد يكون قائل يقول : لا أعلم ما هذه الجماعة جماعة شهود يهوه ؟ ولم أسمع بها قبل ؛ فهنا لا تستطيع أن تحكم عليها , ولا تبين حكما شرعياً فيها ؛ لأنك لم تتصور هذه الجماعة ؛ ماهي ؟ وما مبادئها ؟ وهل هي إسلامية أو نصرانية أو يهودية ؟ فلن تحكم عليها إلا بعد تصورها .
إذا تبين لك ذلك ؛ فإن الحاكم أو المفتي أو المتكلم في المسائل الشرعية لا يجوز له أن يتكلم – رعاية لحق نفسه , ورعاية لخلاص نفسه من الإثم , ثم رعاية لحق المسلمين جميعاً , وتبرياً من القول على الله بلا علم - ؛ إلا إذا حصل له أمران :
* الأمر الأول : أن يتصور القضية المطروحة تماماً ؛ بحيث لا تلتبس عليه في قضية أخرى , ولا تشترك في تصوره وفهمه بمسألة أخرى , لأنه أحياناً تشترك بعض المسائل , وتقترب صورة مسألة من صورة مسألة أخرى , فينتقل ذهنك إلى مسألة مشابهة ؛ فعند ذلك تقع في ذلك الخطأ.
* الأمر الثاني : أن تعلم حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة بعينها , لا في المسألة التي تشبهها.
وإذا ثبت ذلك ؛ فها هنا سؤال مهمُّ : يقول أحدكم : كيف يحدث لي هذا التصور ؟! كيف أتصور هذه المسألة ؟! وممَّن أتصورها ؟! فإن المسائل مشتبه ومتشابهة , وبعضها يشكل وبعضها قد لا أجد مَن يبيِّنه لي ويصوِّره لي التصور الصحيح .
فنقول : التصور الذي ينبني عليه الحكم الشرعي هو ما كان :
أولاً : من المستفتي : فإن المستفتي هو الواقع في المسألة ؛ فإذا سأل وإذا شرح مسألة ؛ حصل التصور ؛ فالمفتي يبيُّن له ذلك الحكم وفق استفتائه.
ثانياً يكون التصور بنقل العدول الثقاة المسلمين , الذين لا يشوب نقلهم شائبة تجعلهم يخطئون في النقل ومن ثم نخطئ في الحكم على الشيء , لا بد من نقل عدلٍ ثقة في المسألة .
فعند ظهور الفتن , واختلاف الأحوال ؛ لا يجوز أن نعتمد على كلام كافر مثلاً ؛ ذكر تصوره أو ذكر تحليله في إذاعة ما , أو ذكر تصوره وتحليله في مجلة ما , أو في تقريرٍ ما ,
هذا لا يجوز شرعاً أن يبني عليه حكماً شرعيّاً , وإنما الحكم الشرعي يبني على نقل المسلم العدل الثقة .
فأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل ممَّن يأتي بها ؛ إلا إذا كان الإسناد بنقل عدول ضابطين عن مثلهم إلى منتهاه , إذا كان في الإسناد فاسق ؛ فإنه قد انخرمت مروءته , وإذا كان في الإسناد مَن ليس بضابط , من يأتي بشيء ويخلطه مع شئ أخر ؛ فإنه لا يقبل , ولا ينبني على ذلك الحديث حكم شرعي .
ولهذا ؛ فإنه لا بدَّ من رعاية هذه المسألة .
تلخَّص من هذا : أن هذه القاعدة : « الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره » : أساسها التصور , ولا يمكن أن يكون صحيحاً في الشرع إلا إذ كان من مسلم عدلٍ ثقة , أو كان من المستفتي نفسه , ولو كان فاسقاً.
:k08: