• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

القضاء فى زمن النبوة

القضاء فى زمن النبوة



د. محمد عمارة | 24-10-2011 23:22

منذ فجر الدولة الإسلامية الأولى ـ دولة النبوة.. بالمدينة المنورة ـ كان القضاء المستقل سلطة من سلطات هذه الدولة.. فالقاضي ملتزم بالكتاب وبالسنة، فإن لم يجد فيهما نص، اجتهد في الحكم.. أي أنه مستقل ـ بالاجتهاد ـ في قضائه، داخل إطار البلاغ القرآني والبيان النبوي لهذا البلاغ.. وفي تقنين هذا المبدأ ورد حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع معاذ بن جبل، عندما عينه قاضيًا باليمن.. وسأله: "كيف تقضي؟.. فقال: أقضي بكتاب الله... فقال الرسول: فإن لم يكن في كتاب الله؟.. قال معاذ: فبسنة رسول الله.. فقال الرسول: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟.. فقال معاذ: اجتهد رأيي.. فقال الرسول: الحمد لله الذي وفق رسول الله".

ورغم بساطة الدولة يومئذ، وضيف مساحتها، وقلة سكانها، وتقوى الناس الذين كانوا يعيشون في ظلال النبوة، فلقد أولت هذه الدولة الوليدة مرفق القضاء أهمية كبرى، فعينت عددًا كبيرًا من فقهاء الصحابة للقضاء بين الناس.. وكان منهم ـ على سبيل المثال ـ : علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، والعلاء بن الحضرمي، ومعقل بن يسار، وعمرو بن العاص، وعقب بن عامر، وحذيفة بن ليمان العبسي، وعتاب بن أسيد، ودحية الكلبي، وأبو موسى الأشعري، أُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود..

ولقد ازدان من تراثنا الإسلامي بفن من فنون التأليف اختص بالقضاء وقواعده، وبالقضاة والآداب التي يجب تحليهم بها.. وفي التأسيس لهذا الفن نقرأ رسالة الراشد الثاني عمر بن الخطاب (40ق.هـ ـ 23هـ / 584 ـ 644م) إلى القاضي أبو موسى الأشعري (21 ق. هـ 44هـ / 602 ـ 665م) تلك التي تضمنت العديد من القواعد والآداب التي يجب أن تحكم هذا المرفق الهام في دولة الإسلام..

ففي هذه الرسالة يتحدث عمر عن القضاء "كضرورة واجبة، لأنه السبيل لوضع الحق موضع التطبيق: (إنه لا ينفع تكلّم بحق لا نفاذ له)..

وإذا كان "الحق" هو غاية الشريعة الإسلامية ، فلا حرمة للباطل، حتى ولو جاء ثمرة لاجتهاد خاطئ، ولا شرعية لهذا الباطل حتى وإن نطق به القاضي، ومضت عليه الأزمنة، ووضع موضع التطبيق: (ولا بمنعك قضاء قضيته بالأمس، فراجعت فيه نفسك، وهديت لرشدك، أن ترجع إلى الحق، فإن الحق لا يبطله شيء. وأعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل) ـ وفي هذا الذي كتبه عمر ـ قبل أربعة عشر قرنًا ـ تشريع "للاستئناف" و"النقض"، وتعدد درجات التقاضي ـ.

ولأن "الحق" هو المعيار ـ في القضاء ـ فهو كذلك عند التصالح: (... والصلح جائز بين الناس، إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً)..

والمساواة بين المتخاصمين واجبة في مجلس القضاء.. بل وفي "وجه القاضي".. فلا يحل له أن يعبس لطرف ويبسن لطرف آخر: (آسن بين الناس في مجلسك ووجهك).

والمؤمنون عدول في الشهادة، ما لم يثبت ما يقترح في عداالة الشاهد: (والمسلمون عدول في الشهادة، إلا مجلودًا في حد، أو مُجَرَّبا عليه شهادة زور، أو ظنينًا في ولاء أو قرابة)..

والاجتهاد ـ الفهم ـ وكذلك القياس، فيما ليس فيه نص ـ أبواب مفتوحة أمام القضاة: (الفهم الفهم فيما ليس فيه قرآن ولا سنة.. وأعرف الأشياء والأمثال ثم قس الأمور بعد ذلك)..

إنها القواعد المؤسسة للقضاء العادل، عبر الزمان والمكان!!.
 
أعلى