• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

د/جابر قميحة يكتب أحمد حجازي يرثي نفسه

قبل أن ألج عالم عبد المعطي حجازي، قد يكون من اللازم أن أبيِّن مفهوم العنوان الذي يتلخص في تصوير حال المحتضر المقبل على الموت، وهو يرثي نفسه بلسانه



ولعل أشهر من رثى نفسه هو الشاعر الأموي مالك بن الريب، الذي ودَّع الحياة في أرض غريبة عن وطنه، والقصيدة فريدة من فرائد الشعر العربي، ومنها الأبيات الآتية:

يقولون لا تبعد وهم يدفنونني وأين مكان البعد إلا مكانيا

غداة غدٍ يا لهفَ نفسي على غدٍ إذا أدلجوا عني وخُلفت ثاويا

وأصبح مالي من طريفٍ وتالدٍ لغيري وكان المالُ بالأمس ماليا



وما ذكرني بمالك بن الريب ومرثيته لنفسه، إلا ما كتبه أحمد عبد المعطي حجازي من كلام سماه قصيدة بعنوان (خارج الوقت) (الأهرام الجمعة 1/5/2009م)



ولكن دعك من هذا مؤقتًا أيها القارئ؛ لنكون قريبين من الشاعر ذاته في طوابعه النفسية، ودوافعه الذاتية، ومكانته في عالم الأدب



ونحن نعلم أن حجازي صدر له ستُّ مجموعات شعرية هي: "مدينة بلا قلب"، و"أوراس"، و"لم يبقَّ إلا الاعتراف"، و"مرثية للعمر الجميل"، و"كائنات مملكة الليل"، و"أشجار الأسمنت".



والإنصاف يقتضينا أن نطرح شخصية حجازي وملامحها النفسية والعقلية، وارتباط كل ذلك بما يفرزه من أدب


أحمد عبد المعطي حجازي




ولنبدأ الخيط من أوله، فبعد استقراء لكل ما أفرزه حجازي، خرجتُ بحقيقة تتلخص في أنه يتسم بتطرف... التطرف في أقصى درجاته.



والتطرف- في إيجاز شديد- يعني: الغلو والإسراف والإفراط في التصرف قولاً وعملاً، والإسلام ينهى عن التطرف والغلو؛ حتى في فعل الخير، وأمور العبادة والطاعات، ويأمر "بالوسطية العادلة" التي تعني التوفيق بين المادي والمثالي، يقول تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا... ﴾ (القصص: من الآية 77). وقال تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا(29)﴾ (الإسراء)



ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، ويسروا ...)



فالإسلام هو دين الوسطية والاعتدال، بلا إفراط أو تفريط. ومع ذلك شاع في وقتنا الحاضر ما يسمى: "بالتطرف الديني"، والديني هنا يقصد بها النسبة إلى الإسلام دون غيره، وهذا التطرف لا وجود له في "دين الإسلام"؛ لأن طبيعته- كما رأينا- تعتمد على الاعتدال والوسطية، والصحيح أن يقال: "تطرف تديني" نسبة إلى صور التدين وسلوك صاحبه، وما دام التطرف يعني: الغلو، والإسراف، والإفراط في التصرف قولاً وعملاً، فإن الواقع القائم حاليًّا على الساحة المصرية- بصفة خاصة- ينطق ويقطع بأن هناك نوعًا من التطرف أشد وأضرى، وهو "الترطف اللاديني" أو "التطرف الإنكاري"، وهذا النوع الثاني من التطرف ترجع خطورته إلى أنه غالبًا ما يكون هو "مولد" النوع الأول، والداعي إليه بصورة ضمنية كنوع من رد الفعل، وهذه الحقيقة يجب أن تكون نصب عيون كل من يدرس ظاهرة التطرف: صورها، وأسبابها، ونتائجها، وإلا كانت الدراسة ناقصة متهافتة



وقد تعقبت مقالات السيد أحمد حجازي في (الأهرام)، فوجدت مقالاته تجنح إلى النوع الثاني من التطرف جنوحًا مؤسفًا، مفتقرةً إلى التأني والتؤدة، والتمحيص، والحياد، والوقار العقلي، ولم يستند في "تطرفه الإنكاري" إلا إلى الاندفاع المتوقد المتوهج بالحقد على الاتجاه الإسلامي، ولكن سرعان ما تنكشف حقيقة "الغثاء الحجازي"؛ فيفقد السيد أحمد مواقعه الهجومية موقعًا موقعًا.



هاجم الشيخ كشك- رحمه الله- بضراوة ووحشية، ووصفه بأنه "واعظ متعصب محدود الثقافة.. نصف أمي (الأهرام 2/6/1999م).



ووفقنا الله فرددنا السهم الحجازي إلى نحر صاحبه، بمقال منصف عن الشيخ العالم المجاهد الداعية عبد الحميك كشك، بعنوان "الشيخ كشك وأمية حجازي"، نشر بجريدة (الشعب)، ويشاء الله أن يقع في يدي- بعد نشر المقال بيومين- كتاب بعنوان "النبي والفرعون" ألفه "جيلز كيبل"، وترجمه إلى العربية الأستاذ أحمد خضر، وبه فصل من عشرين صفحة عن "الشيخ كشك"، لا يتسع المقال لنشر صفحة أو أكثر منه، ومما قاله عن الشيخ":... إنهم يستمعون لكشك في القاهرة، وفي الدار البيضاء، وفي حي المغاربة في مارسيليا، وهو نجم الدعوة الإسلامية، وقد كان لكشك بالطبع مقلدوه، ولكن لم يتوفر لأحدهم أحباله الصوتية التي لا تُضَاهى، أو ثقافته الإسلامية الواسعة، أو قدرته غير العادية على الارتجال، أو روحه الجسور في نقده للأنظمة الكافرة، وللديكتاتورية العسكرية، ولمعاهدة السلام مع إسرائيل، ولتواطؤ الأزهر، أي أن الشيخ كشك أعلى أصوات حركة الإسلاميين، كان معارضًا..."



هذه سطور من شهادة كاتب غربي غير مسلم، "وليس من الإخوان المسلمين"، وهذه رؤيته التي تمثل واقع الرجل- رحمه الله- الرجل الذي جعله حجازي "واعظًا متعصبًا، ضيق الأفق، محدود الثقافة"، وبهذا "التطرف الإنكاري" فقد حجازي موقعه الهجومي الأول



ورأينا كيف هاجم حجازي- في أكثر من مقالة- الدكتور السيد فرج مؤسسًا هجومه على أنه يدرس كتابه عن "نجيب محفوظ" لطلابه بكلية التربية بالمنصورة، لذلك ثار حجازي، ودعا إلى حماية الطلاب من هذا الكتاب المسموم



فأكد رئيس الجامعة أن هذا الكتاب لا يدرس للطلاب، ولا لأية مجموعة دراسية، وليس منه نسخة واحدة في مكتبة الكلية، أو مكتبة الجامعة، وذلك في رسالة كتبها للسيد حجازي، ونشرت في (الأهرام 23/6/1999م)، وأيَّد عميد الكلية ما ذكره الأستاذ الدكتور أحمد أمين حمزة رئيس الجامعة، وبذلك فقد حجازي موقعًا هجوميًا ثانيًا.



فانتقل إلى موقع هجومي ثالث بدعوة المسئولين إلى حرمان الدكتور فرج من التدريس بالجامعة، بل إبعاده وطرده؛ لأن كتابه إذا لم يكن مقررًا على الطلاب، فإن صاحبه- كما يقول حجازي- ما زال مقررًا جدًّا جدًّا عليهم"، ويتساءل مستنكرًا: "أيهما أخطر على الطلاب: الكتاب أم مؤلف الكتاب؟! (الأهرام 7/9/1999م)، ولكن الرجل بقي في موقعه بين حب طلابه وإقبالهم عليه، واعتزازهم به لدينه، وعلمه وخلقه، ولا عجب أن تكون حملة حجازي عليه كالذي يسمى في علم النفس: "بالإيحاء العكسي"، أو على حد قول الشاعر العربي:

لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عَرْف العود



ولو كنت مكان الدكتور فرج لوجهت رسالة شكر للسيد حجازي؛ لأنه بحملته رفع نسبة توزيع كتب الدكتور فرج، فاقتناها وقرأها من لم يكن يعرفها من قبل، وهذا ما رأيته بعيني، ولمسته بيدي، وبذلك فقد حجازي موقعه الهجومي الثالث.


الموقع الرابع والمدد الخارجي

وأمام هذا الإخفاق المتواصل، والخيبات المتلاحقة، قال لك أنا مضطر "أن أنزل بالتقيل"، وتقيل حجازي لا يتحقق إلا بتصوير الدكتور فرج بصورة الإمبراطور الجبار العدواني المؤذي السادي الدموي.


ولكن هذا التصوير لكي يكون متقنًا، يحتاج إلى ضحايا يا سيد حجازي!!.


قال لك: "جاهزين" وكله تمام.


وهنا يُظهر السيد حجازي على المسرح أحد ضحايا الدكتور فرج، واسمه الدكتور "أ. ت"، ذكر حجازي اسمه كاملاً، ونكتفي بالحرفين الأولين من اسمه "الثنائي؛ حتى لا يحمل كلامي على أنه تشهير بالضحية، نشر له حجازي شكواه التي تتلخص في أنه تقدَّم للعمل مدرسًا للأدب، والنقد الحديث بتربية المنصورة، بناءً على إعلان نشر بـ(الأهرام)، ولكن الدكتور السيد فرج، رفض رسالته؛ لأنه تحدث فيها عن الشعراء "الملاحدة" من أمثال حجازي وأمل دنقل، والسياب، وعنوان الدكتوراه "الاغتراب في الشعر العربي الحديث في مصر، مدرسة الواقعية"، بناءً على عدوانية الدكتور فرج حرم (أ. ت) من التعيين، نشر حجازي سطورًا من شكوى الضحية الدكتور (أ. ت)، تشهد بأن سيادته غير جدير بالتعليم والعطاء، إلا إذا كان فاقد الشيء يعطيه، ففي فقرة واحدة من رسالته، يقول: "حتى أشهر "الدكتور فرج" في وجهي نصال الرفض والإلحاد والاستبعاد" (الأهرام 14/7/1997م)، و"أشهر" خطأ؛ لأن معنى هذا الفعل "أشهر" دخل في الشهر، أو قضى في المكان شهرًا، نقول: أشهرنا في يوليو، وأشهرنا في بيروت، "أي قضينا فيها شهرًا"، والصحيح شهر بفتح الأول والثاني، نقول: شهر في وجهه السيف، أي سله.


ويقول (أ. ت): "ولما علمت صدق المثل العربي، "ويل للأيتام من موائد اللئام" تركت كل شيء"، وما ذكره صاحبنا هذا ليس مثلاً عربيًّا، ولا غير عربي، والصحيح أن هناك عبارةً مشابهةً في الخطبة التي "تنسب" لطارق بن زياد، بعد أن نزل بجيشه بلاد الأندلس سنة 92هـ. ومنها: "واعلموا أنكم في هذه الجزيرة، أضيع من الأيتام في مآدب اللئام"، "نفح الطيب للمقري(1/112)"، ووفيات الأعيان لابن خلكان (2 /135)،



هذا زيادة على ما في أسلوب الدكتور (أ. ت) من ضعف واضطراب. وهذه الأخطاء، وهذا الضعف تشهد بأنها "مسوغ قوي" لعدم تعيين سيادته.


ومعروف أن مثل هذه الوظيفة "يتقدم إليها ربما عشرات يختار منهم واحد على أسس موضوعية، فهناك مجلس قسم، ثم مجلس كلية، ثم مجلس جامعة، وهناك فحص للتقارير من الناحيتين الموضوعية، والشكلية طبقًا لقوانين، ولوائح موضوعة، ولست أدري على أي أساس حكم حجازي بأن (أ. ت) ضحية لعدوانية الدكتور فرج، هل فحص إنتاجه بنفسه؟ وهل فحص إنتاج الآخرين الذين تقدموا لهذه الوظيفة؟ وهل فحص إنتاج من "فاز" بالوظيفة ووازن بينه وبين إنتاج (أ. ت) الذي ظهر أنه لا يحسن كتابة عبارة سليمة من عدة أسطر؟ الجواب طبعًا بالنفي!!، وبذلك يسقط الموقع الهجومي الحجازي الرابع.



ويجن جنون السيد حجازي، حينما يقرأ في بعض كتب المتطرف المخرب الدكتور السيد فرج أن "الدين هو الرابطة المقدمة على أية رابطة أخرى، فالدين بالنسبة له ليس مجرد اعتقاد أو علاقة بين الإنسان وخالقه، وإنما هو أيضًا قومية وجنسية.."، (الأهرام 7/7/1999م)



شكرًا يا سيد حجازي فهذه شهادة منك- وأنت المسلم بالهوية- كانت تقتضيك أن تجلس، وتستمع لرجل "نصف أمي" مثل الشيخ كشك، يا سيد حجازي، إن ما كتبه الدكتور فرج ليس من اختراعه أو إبداعه، وإنما يمثل نخاع هذا الدين الذي أكرمنا الله به، وليس ذلك شعارًا حزبيًّا أو فئويًّا، فالإسلام جنس ووطن وقومية ونسب، وعلم وجهاد، وهذا ما عبر عنه الشاعر العربي القديم الذي لم يحصل على دبلوم المعلمين"، ولم يعش في أضواء باريس منعمًا بملاذها، سألوه: من أبوك؟ أقيسي أم تميمي؟ فأجاب:

أبي الإسلام لا أبًا لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم



والمسلم يا عم حجازي مطالب- على سبيل الإلزام- أن يجعل الدين- لا مقدمًا على الوطن فحسب- بل مقدمًا على الدنيا كلها بما فيها، ومن فيها من مال وأهل وولد. يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)﴾ (التوبة).



ولكن ليس معنى ذلك أن يحقر المسلم من وطنه، ويزري به، ويفرط فيه؛ لأن حب الوطن من الإيمان، فالدفاع عنه من ألزم الواجبات، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يلهج لسانه بمناجاة مكة مسقط رأسه، وأحب بلاد الله إليه، إنما المسألة ترتيب أولويات، يقف منها الدين في المقام الأول.


وبهذه العقيدة استطاع المسلمون أن ينشروا نور الإسلام شرقًا وغربًا، وأن يمدوا حدود "الوطن الإسلامي" إلى أضعاف ما كان عليه من قبل.


وفي مقاله بـ(الأهرام المنشور في 14/7/1999م)، يواصل حجازي حملته المتطرفة على الدكتور السيد فرج؛ لأنه -على حد قوله- رصد التاريخ المصري الحديث على أنه صراع بين العلمانية والصحوة، أو الحركة الإسلامية، ويجد السيد حجازي في ذلك مغالطةً وجهلاً وإجرامًا ودعوةً إلى التطرف... إلى آخر قائمة الشتائم، والسب الحجازي


مع أن الدكتور فرج لم يكن بدعًا في ذكر هذه الحقيقة، وفي نقده المر للدعوة القومية والفرعونية، والتغريبية، فممن طرحوا هذا الطرح الدكتور محمد البهي- رحمه الله- (ولم يكن من المتطرفين)، وكذلك أستاذنا الدكتور أحمد هيكل الذي عمل أستاذًا وعميدًا ووزيرًا للثقافة.



وأكتفي بسطور أنقلها من كتابه "تطور الأدب الحديث في مصر" بالحرف الواحد".. فمنذ سنة 1932م، بدأت تهدأ تلك الفورة التي خلفتها ثورة 1919م، كذلك تجلى فشل تجارب القومية الضيقة، والفرعونية المنبتة، والعامية العاجزة، والتغريب المضلل، وانكشف الغرب للمبالغين في التعلق به عن استعمار جشع، وهنا بدأت موجة التحرر تتعقل فلا تنفصل عن الماضي العريق انفصالاً، بل تلتفت إليه بين الحين والحين لتنتقي أروع ما فيه، لترتبط شيئًا من الارتباط بمد النهضة ببعض القوة، ويجعل اليوم المتحفز مستندًا إلى أمس ركين" ص 28.



وفي المكتبة العربية مئات من الكتب تفضح العلمانية، وطوابعها، وطبيعة نشأتها، ومجافاتها للروح، والقيم الإسلامية للدكتور محمد البهي، والدكتور محمد عمارة، والدكتور سفر الحوالي، والأستاذ محمد قطب، والدكتور محمد يحيى، والدكتور يوسف القرضاوي، وغيرهم وغيرهم.



واتهام حجازي للإسلاميين بأنهم ضد "الحوار"، وأن صدورهم تضيق به مدفوعين بالتعصب والانغلاق، أقول: هذا اتهام لا أساس له من الصحة، فقد حضرت عددًا من الندوات والمناظرات التي تجمع بين إسلاميين وعلمانيين، وكان أشهرها مناظرة بين الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور فؤاد زكريا، حضرها آلاف من البشر، وطبعت بعد ذلك في كتاب بعنوان "الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه رد علمي على الدكتور فؤاد زكريا". وآمل أن يقرأ السيد حجازي الكتاب إن وجد وقتًا لغير الهجوم على الدكتور السيد فرج.



وأصبح حجازي رئيس تحرير لمجلة (إبداع)، وباسم الحرية يستسيغ حجازي الطروح الأدبية المتمردة على الدين والقيم الخلقية، ولا يبالي.



ومن نماذج هذا الشعر الأبيات الآتية: (وهي لشاعر- بل متشاعر- تنويري جدًّا؛ فيصور الفتح الإسلامي لمصر بأنه "غزو همجي"، ويشبه الفاتحين المسلمين بالهمج والجراد والغربان).



ويقول من غثاء طويل:

همج
رمت بهم الصحارى جنةَ المأوى...

تهر كلابهم فيها...

وتجأر في المدى قطعانهم...

يمشون في سحب الجراد...

كأن وجوههم لغربان...

وأعينهم لـذؤبان...

وأرجلهم لثيران...

يدوسون البلاد...

ويزرعون خرابهم في كل وادٍ...

أبناء أوزوريس صاروا لليباب...

يا أيها الرمل ارتحلْ...

يا أيها الرمل ارتحلْ...

واذهب لشأنك يا جراد...



- وأكثر من ذلك... وأشد استهتارًا ما نشرته (إبداع) من غثاء

عبد المنعم رمضان بعنوان "أنت الوشم الباقي"، وبسببه صودرت (إبداع).



وهب أحمد عبد المعطي حجازي مدافعًا منافحًا عن حرية التفكير والتعبير، وهو يرى أن هذه الحرية قد أصيبت بطعنة نجلاء في مقتل؛ بسبب مصادرة المجلة والقصيدة، التي تعتبر من وجهة نظره مظهرًا من مظاهر التفوق الأدبي.



ونقرأ ما أفرزة عبد المنعم رمضان فلا نجده إلا من أدب المراحيض والدعارة الفكرية!!!، ويكفي أن سيادته في إفرازه هذا قد كرر الألفاظ السريرية الداعرة في استهتار ساقط... أعني الأصوات المكونة من "الهمزة المفتوحة، والحاء الساكنة. وكذلك: الهمزة المفتوحة، والحاء المشددة المضمومة، وواو المد... إلخ"، ومن عجب أن يسميه الحداثيون "الأدب الواقعي"، وهو في حقيقته أدب واقع لا واقعي.



ومن الإفرازات الساقطة ما كتبه في إبداع حلمي سالم، وفيه عدوان على الله، وتهكم يتنزه عنه عتاة الكفرة، كما نرى في المقطعين الآتيين: (شرفة ليلى مراد: لحلمي سالم)

الربّ ليس شرطيًّا

حتى يمسك الجناة من قفاهم،

إنما هو قروي يزغط البط،

ويجس ضرع البقرة بأصابعه صائحًا:

وافر هذا اللبن

الجناة أحرار لأنهم امتحاننا

الذي يضعه الرب آخر كلّ فصلٍ

قبل أن يؤلف سورة البقرة

الطائر

الربّ ليس عسكرىَّ مرور

إن هو إلا طائر،

وعلى كل واحد منا تجهيز العنق

لماذا تعتبين عليه رفرفته فوق الرؤوس؟

هل تريدين منه

أن يمشي بعصاه

في شارع زكريا أحمد

ينظم السير

ويعذب المرسيدس؟



وبعد نشر هذا النص ألغت الدولة تصريح إصدار (إبداع).



وجن جنون أحمد عبد المعطي حجازي، وانطلق في عدوانية غاشمة يهاجم علماء الدين وأصحاب الفكر الوسطي، ومما كتبه مقال بعنوان "اسمان والمسمى واحد" (الأهرام في 29/4/2009م)، ومما جاء في هذا المقال:

"... أصبحنا ننهض كل يوم من نومنا المتقطع، وأيدينا على قلوبنا، نحميها مما نتوقع أن نقرأه في الصحف من أخبار المنع والقمع والمحاصرة والمصادرة والمحاكمة والتغريم والتكفير التي لم تدع مجالاً إلا طالته‏,‏ ولا فنًّا‏,‏ ولا أدبًا‏,‏ ولا فكرًا‏,‏ ولا علمًا إلا اتهمته، وشوهته، وحرضت عليه البيت والشارع‏,‏ والكنيسة والجامع‏,‏ ورجال الدين ورجال القضاء‏!‏، انظروا عن يمينكم وعن شمالكم‏,‏ وأمامكم وخلفكم لتروا ما حدث وما يحدث للأدب المصري‏,‏ والفن المصري‏,‏ والعلم المصري‏,‏ والفكر المصري‏,‏ ولن نقع في أي مبالغة، أو تجاوز إذا قلنا إنها مذبحة أو حرب إبادة ثقافية أعلنها الشيوخ والقسس‏,‏ تظاهرهم، وتملي لهم قوى ومؤسسات مختلفة تحالفت كلها على الثقافة المصرية؛ لإسكات صوتها‏,‏ وشل حركتها‏,‏ ومنعها من أن تنهض من كبوتها‏,‏ وتستأنف نشاطها‏,‏ وتؤدي واجبها في خدمة الوطن‏,‏ وتحرير العقل‏,‏ وتقدم الإنسان‏.‏



المعني هو عزل معظم المصريين‏,‏ وإلغاؤهم من خريطة المواطنة‏,‏ وإجبارهم على الفرار إلى كندا.



والمجلات تسحب رخص إصدارها‏؛ لأن إحداها نشرت قصيدة يقول فيها صاحبها، ما معناه: أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة‏,‏ ولا ترسل للناس عساكر بأجنحة ينظمون لهم حركة المرور، ويقبضون على المخالفين‏.‏



وإنما الناس هم المسئولون عن صنع حياتهم وإدارة مجتمعاتهم‏...".‏



وبشذوذ دميم انطلق حجازي مهاجمًا الصحابة وأمهات المؤمنين، وفاجأنا بدعوة تدميرية، عرضها في (الأهرام 16/6/1999م)، فتساءل في غضب شديد: "هل نريد حقًّا أن نحرر عقولنا من الخرافة، ونعالج نفوسنا من الخوف، ونعامل أجسادنا بما هي جديرة به من اعتزاز واحترام؟!".



وتحرير عقولنا واحترام أجسادنا في نظر حجازي لا يتحقق إلا برسم الأجساد العارية، والسماح بإدخال الموديلات العارية إلى كليات الفنون ليرسمَها الطلاب، بل يتمادى في التمادي؛ فيدعو الفنان صلاح طاهر وآخرين أن يرسموا له صورةً من هذا النوع العاري؛ "حتى يراه الناس في الواقع، وربما رأوه على نحو أفضل"، كما يقول بالحرف الواحد.



وازدادت ضراوة أحمد عبد المعطي حجازي؛ فشن هجومًا على العلماء، وما سماه بالتيار الأصولي، فهو يرى أنه مما شجع على ظهوره النكبات التي لحقت بنا، والنظم الديكتاتورية التي تسلطت علينا، وغذته أموال النفط العربى، واستخدمته السياسة الأمريكية في حربها مع الدول الاشتراكية والحركات التحررية.



هذه الأدوار التي لعبها هذا التيار في ظل هذه الظروف الإقليمية والعالمية، ساعدته على أن ينمو، ويتطرف، ويتوحش، وينتشر، ويفرض نفسه على الشارع المصري والعربي والإسلامي، ويصل إلى السلطة في أكثر من بلد، وينفرد بها ليطبق برنامجه الذي يتلخص في هدف أساسي، هو أن نخرج من هذه العصور الحديثة التي دخلناها متأخرين، ونعود من جديد إلى العصور الوسطى، تحت شعار العودة إلى الإسلام، أو العودة للأصول.



وبعد الاستقراء الشامل لكل ما أفرزه حجازي، وخصوصًا قصيدته الأخيرة "خارج الوقت"، رأيناه واقعًا تحت تأثير مجموعة من العقد المختلطة أو المركبة، ومنها عقدة التعاظم؛ ولكن تأتي في المرتبة الأولى آفة النرجسية.



والحالة النرجسية المرضية- كما يقول العلماء- تتلخص في عدة نقاط وهي:

1- الإنسان النرجسي يعشق نفسه بصورة تفوق الوصف..

2- لا يفكر إلا في ذاته..

3- يحب الأشياء لقربها من نفسه، وبحسب تقديره هو... (بينما الأناني يحب الأشياء لقيمتها)..

4- يعتقد بأنه فوق الجميع، وفوق كل نقد؛ (لأنه لا يرى نفسه إلا مصيبًا دائمًا، وأنه لا يخطئ أبدًا.. فينظر إلى الآخرين باستهانة، قائلاً بلسان الحال والمقال: من هم حتى ينتقدوني؟!!).



والمشكلة الكبرى لدى النرجسي، أنه يجهل أنه مريض، ويحتاج للعلاج، ويرجع السبب في ذلك لسلوكهم هم، وليس له هو...



وهنا تقترب آفة النرجسية من عقدة الشعور بالاضطهاد، وتبلغ النرجسية بالمريض أقصى درجاتها، فتصبح توثينًا للذات: فهو القمة الوحيدة، وهو فريد الزمن، وهو أكبر من الزمان والمكان، وغيره لا شيء. وقد انعكس هذا في آخر قصائده "خارج الوقت"، فهو يرى أنه لا يصارع بشرًا بل يصارع زمانًا، ولا يهمه المظاهر مهما عظمت:

أنا أعرف بالطبع أن زماني هذا غريمي‏،‏

وأن الذي لي فيه قليل،

لي فيه الذي فاتني أن أحصله

.................................................

وأنا لم أعد أعرف الوقت،

فالشمس تفلت من بين كفي،

................................................



وانعكاسًا لظاهرة التوثين الذاتي يجد أن ذاته أكبر من كل ما يحيط به، لذا يكرر ضمير المتكلم كثيرًا:

أنا أعرف بالطبع أن زماني هذا غريمي‏،‏

..........

وأنا لم أعد أعرف الوقت،

.........

وأنا راحل أبدًا

..........

وأنا الآن حر،

.........

وأنا لم أعد أطلب المستحيل،

..........

وأنا لم أعد أتوقع زائرة،

..........



ويلجأ كثيرًا إلى أسلوب النفي الحاسم، كأنه حاكم يصدر قرارات لا يمكن لأحد رفضها:

لا أفكر في أن أعود

..........

ولا أتمنى الوصول‏!‏

..........

لا أريد من الحلم شيئًا،

..........

لم أعد أتوقع أن يرجع الأصدقاء الحميمون

..........

لم أعد أطلب المستحيل

..........

لم أعد أتحدث عن مدن حرة

..........



- ومن كل ما مضى نحس إحساسًا قويًّا أن الشاعر حرص على إثبات وجوده بالإيجاب وبالسلب، أي بالأداء الجامع المانع.



- وجو القصيدة يوحي بأننا أمام شخصية تعبد ذاتها، وتحس بغربة فوقية، لا لعيب فيه ولكن لاهتراء الزمان الذي يلف الكون، والمكان الذي تدور فيه الصراعات، لذلك يحاول أن ينسلخ من هذا الواقع الذي لا يتفق مع الطبيعة النرجسية في التفوق والتوثن الذاتي، فنراه "راحلاً أبدًا، ولا يفكر في العودة إلى حيث كان، بل يتمرد على الحلم أيضًا، ويغلب الحزن المر وجدانه الحائر، فيميل مع الدمع حيث يميل"، كما يقول.



ثم نجد نظرته المنكرة للمجتمع المترامي الذي لم يعد يتسع للحياة وللأحلام، وأمام شدة الوطء وبشاعة الوضع تكون الحياة عبثيةً، ويكون الشقاء هو المهيمن على الأحياء على حد قوله:

ولم يبق لي أن أفكر في بشر سعداء،

يعيشون في زمن كالطفولة

لا يهرمون به أبدًا

فهمو يولدون مع الصبح،

حتى إذا أقبل الليل ناموا،

.........



- وحتى لا يطول بنا المسار أقول: إن هذه القصيدة تعد من قبيل الرثاء الذاتي الرمزي.



وقد تتسع الدائرة، فنقول: إنها تحمل في المرتبة الثانية رثاءً للمواطنين الأحرار- من وجهة نظره-، ورثاءً للقيم السياسية والأيديولوجية والاجتماعية التي يؤمن بها الشاعر.



- وفي النهاية علينا أن نتذكر أن من لوازم النرجسية لازمة العرض.



- يقول عباس محمود العقاد: "ولازمة العرض (Exhibitionism) تشمل الإظهار بجميع درجاته، فإذا أمعن النرجسي في الجسدية والشواغل الحسية، شوهد المصاب به وهو يكشف عورته، ويعرض أعضاءه، ويتعرى من ثيابه، أو يلبث الثياب التي تشبه العري، ولا تستر ما وراءها".



- ولعلنا نذكر ما كتبه حجازي، "وتحرير عقولنا، واحترام أجسادنا لا يتحقق إلا برسم الأجساد العارية، والسماح بإدخال الموديلات العارية إلى كليات الفنون ليرسمَها الطلاب، بل يتمادى في التمادي؛ فيدعو الفنان صلاح طاهر وآخرين أن يرسموا له صورةً من هذا النوع العاري؛ حتى يراه الناس في الواقع، وربما رأوه على نحو أفضل"، كما يقول بالحرف الواحد.



- إن ما أفرزه حجازي نثرًا وشعرًا، فضيلته الوحيدة أنه يعطينا ملامح شخصيته بما أصيبت بها من آفات نفسية، وتبقى المسألة بعد ذلك تتسع لمزيد من التفصيل. ولكننا نكتفي بما قدمنا، والحمد لله رب العالمين.
--------------

* [email protected]
 
موضوع رائع

يا وليد فكري المحامي

موضوعك نال أعجابنا وشكرا لك على الطرح

نأمل منك المزيد

جزاك الله خيرا

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك


====================
ملحوظة : هذا رد آلي على الموضوع
 
أعلى