• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

رسالة محسوسة لا مقروءة.. قراءة تحليلية..


رسالة محسوسة لا مقروءة.. قراءة تحليلية..







البردوني شاعر اليمن الكبير، لا يحدده تيار أدبي، ولا يؤطره مذهب شعري.. جمع في شعره الأجزل، وضمت لوحاته الأجمل.. فأخذ من كل اتجاه أحسن ما فيه ..


فقد بصره وهو ابن الخامسة بعد إصابته بالجدري،-غفر الله له وتجاوز عنه برحمته- وحول أثر هذا الفقد تدور القراءة التحليلية ..


وهبه الله قدرة إبداعية شعرية نادرة مثل عدد من الشعراء المكفوفين بامتداد تاريخنا الأدبي ..


فلم تعجزه صورة ولا استعصت عليه مشاهدة..


إلا في هذا النص ..


جاء على النمط السمعي والحسي لا البصري .. فلم يا تُرى ؟

القصيدة : رسالة إلى صديقي في قبره..
رسالة مبتلَّة حملها إلى قبر أخيه الراحل ، وناجى القبر ..


موضوع قديم جدا.. ومطروق كثيرا ..


لكن فحوى الرسالة خاصة.. دموع المرسل خاصة، مقاييس البعد والقرب بينهما خاصة،


ستجد أن الرسالة موجهة إلى ذاته الغريبة لا إلى الراحل القريب :

النص كاملا ..

ههنا عندي غريبات iiالعوادي عندك الإنصات والهجس iiالرمادي
كيف أروي ياصديقي؟ هل iiترى أنني أزجي إلى الموتى كسادي؟
هاهنا مسراك يلغي iiوحشتي وصدى نجواك، يَغلي في اعتقادي
مِن هنا أشتف ماذا iiتنتوي؟ أسأل القبر: أينسيكَ iiافتقادي
إنني يابن أبي متّحدٌ بثرى مثواك، هل ترضى iiاتّحادي؟
* * ii*
أين أنت الآن؟ ها أنت iiمعي نمضغ (السوطي) وأقوال iiالروادي؟
ونرى سرّية الآتي iiكما تقرأ البرق نبوءات iiالبوادي
نبحث (الإكليل، زربا، iiرندلى) نقتفي كل رحيلٍ iiسندبادي
نغتذي شعر (الشحاري) iiتارةً تارةً نحسو خطابات ii(الربادي)
* * ii*
يابن أرضي لم تغب عن iiصدرها بل تحوّلت جذوراً iiلامتدادي
بيتك الثاني ذراع مِن iiدمي وأنا بيتي دم الطيف iiالقتادي
عندك النوم الطفولي، وأنا لي زغاريد الصواريخ iiالشوادي
لنثيث الصمت تصغي، iiوأنا في زحام النار أُصغي لاتِّقادي
* * ii*
أدَّعي الحشد أمام iiالمعتدي ثم يعدو فوق أنقاض احتشادي
وبرغمي يصبح الغازي أخي بعدما أضحى أخي أعدى iiالأعادي
* * ii*
كيف أمحو كل هذا؟ iiدلِّني لاتقل - أرجوك - دعني iiوانفرادي
ياصديقي أنت أدنى مِن iiفمي فلماذا أنت أنأى مِن iiمُرادي؟
أجتدي رأيا سديداً، iiلاتقل: مثلما مِبُّ أنا أودى iiسدادي
مِن أسارير الحِمى سرتَ iiإلى قلبهِ كي تنجلي يوم iiاسودادي
* * ii*
أنت في البعد قريب، iiوأنا في غياب القرب مثلي في iiابتعادي
أنت في شبرين مِن وادٍ، iiأنا خلف حتفي هائمٌ في غير iiوادي
* * ii*
ياصديقي لبِّني أو iiنادني لم يعد لي مَن أُلبِّي أو أُنادي
كنت تأبى الصمت بل سمَّيتَهُ غير مجدٍ: فهل الإفصاح iiجادي؟
* * ii*
آخر الأخبار: قالت iiزحلةٌ أغصنت نار التحدي في iiزنادي
أخذت (بيروت) رقم القبر مِن (صفدٍ) قالت: على هذا iiاعتمادي
قال (حاوي) وهو يردي iiنفسهُ: يارفاقي هذه أخرى iiجيادي
شاعرٌ ثانٍ تحدّى iiقائلاً: الدم اليوم حروفي ومدادي
قلتَ لي يوماً كهذا iiإنما كنت توصيني بتثقيف iiاجتهادي
ذلك الودّ الذي iiأوليتني مثله عندي: فمن أولي iiوِدادي؟
* * ii*
موطني ينأى ويدنو iiغيرَهُ زمناً هنا حام iiوفادي
لانثنى الماضي، ولا الآتي دنا مَن ترى بينهما أُعطي قيادي؟
قال لي ذاك ارتضى iiإخلادهُ قال لي هذا: أرى الآن iiاتئادي
هل ترى أرتد، أوأمضي iiإلى أين أمضي، وإلى أين iiارتدادي؟
* * ii*
ياصديقي أسفر اليوم الذي كان يخفى، وتراه نصف iiبادي
كنت تنبي عن حشا الغيب iiكما كان ينبي ذلك (القَس iiالإيادي)
* * ii*
ربما تبغي جديداً، iiحجمهُ ندّ عن وصفي كما أعيا iiازدرادي
بعد أن متَّ، مضى الموت iiالذي كان عادياً ووافى غيرُ iiعادي..
صار سوقاً، عملةً، iiمأدبةً مكتباً، مسعى يسمى iiبالحيادي
في التراثيات دكتوراً، وفي غرف التعذيب نفسياً iiريادي
* * ii*
ويسمى فترةٌ ضيف iiالحمى فترةٌ يدعى: الخبير iiالاقتصادي
يدخل القهوة مِن فنجانها مِن غصون القات يغشى كل iiصادي
يحرس الأثرى، يباكي مَن iiبكى يرتدي أجفان »عيسى« وهو »سادي«
ياصديقي لاتقل: iiزعزعتني قم وقل: ياقبر فلتصبح iiجوادي
ذلك الموت الذي iiلاقيتَهُ مات يوماً، وابتدى القتل iiالإبادي
ومدى الرعب الذي iiتذكرهُ عدّد الأشواط، غالى في iiالتمادي
ذلك السهل الذي تعرفهُ بات سجناً لصقه سجنٌ iiونادي
* * ii*
مجلس الشعب ارتقت iiجدرانهُ قال للجيران: ضيقوا مِن عنادي
فأجابوا: ما كهذا iiيبتني بيته، بل يبتني أقوى المبادي
* * ii*
ربما تسألني عن ii(مأربٍ) وانبعاث (السد) و(الشيك الزيادي)
ذكريات (السد) آلت iiطبخةٌ ثم عادت ناقة مِن غير حادي
كل مشروعِ على iiعادته عنده التأجيل كالقات iiاعتيادي
* * ii*
و(أبي هادي) أتدري لم iiيعد أعزباً، قد زوَّجوهُ (أُم iiهادي)
فارتقب ذريَّةٌ iiميمونةً قبل أن تستلطف العرس iiالحدادي
قل لمن أغرى انتقادي iiبعدما نزل القبرَ علا فوق iiانتقادي
ياصديقي ماالذي أحكي، iiسدىً تستزيد البوح، ماجدوى iiازديادي؟
شاخت الأمسية المليون في ريش صوتي وانحنى ظهر iiسهادي
والسكاكين الشتائيات كم قلن لي: يانحس جمّرت iiابترادي
الشظايا تحت جلدي، iiوالكرى خنجرٌ بين وسادي iiواتسادي
* * ii*
أنت عند القبر ساهٍ، iiوأنا أحمل الأجداث طرّاً في iiفؤادي
أتراني لم أجرب iiجيداً صادروا خطوي، وآفاق iiارتيادي
مِن نفايات عطاياهم iiيدي وجبيني، وبأيديهم عتادي
* * ii*
أنت غافٍ بين نومين، iiأنا بين نابيَ حيَّةٍ وحشٌ iiرقادي
متَّ يوماً ياصديقي، iiوأنا كل يومٍ والردى شربي iiوزادي
أنت في قبرٍ وحيدٍ iiهادئٍ أنا في قبرين: جلدي iiوبلادي
إنما مازالت الأرض iiعلى عهدها، والشمس مازالت iiتغادي
(فبراير ii1983م)
* * ii*


الشرح






ههنا عندي غريبات العوادي ..عندك الإنصات والهجس الرمادي
كيف أروي ياصديقي؟ هل ترى ..أنني أزجي إلى الموتى كسادي؟
هاهنا مسراك يلغي ..وحشتي وصدى نجواك، يَغلي في اعتقادي
مِن هنا أشتف ماذا تنتوي؟ أسأل القبر: أينسيكَ افتقادي!

إنني يابن أبي متّحدٌ بثرى مثواك، هل ترضى اتّحادي؟



لم تكن التساؤلات: كيف تمسي؟ أتعلم حالي؟ وأمثالها من تساؤلات القدماء..


الشاعر لا يخبره بل يسأله عن أحوال نفسه عن تيهها ووحشتها..


هذا هو الدافع العنيف للرسالة :


أخوه مرشد وملاذ أعرف بنفسه منه فلمَّا احتدم موج الغربة حمل الرسالة إلى قبره..


والدليل مسافة القرب والبعد بين الشاعر وأخيه وبينه وبين نفسه :


هــــهــــــنــــــا عنـــدي غريبات العوداي..


هو أقرب:


عندك الإنصات والهجس الرمادي


لن تجد براعة الاستفهام عند شاعر معاصر كما هي عند البردوني..


يتفنن في طرح التساؤلات ويبدع في استخدام أدوات الاستفهام . فلا عجب أن تجد الحوار أغزر دمعا، أصدق أثرا، أعمق نزفا ..


هـــــهــــنا مسراك "بيتنا معا"


من هنا .. "قبره" ..


ما أشجى هذا!


أن يجده الأقرب ..من مَن ؟ من الناس؟ الكائنات؟ الجمادات؟ لا ؛ أقرب إليه من نفسه البعيدة ..


غربة في أوجع حالاتها ..


يريد أن ينفذ إلى جزيئات هذا الرمل ..لم لا ؟أليسا من ذات العناصر التي تتيح إمكانية اتحاد المادة ؟


بلى ، هذه الكيمياء تحتاج إذنا فقط بالرضا:


هل تقبلني متغلغلا معك؟ هل ترضى اتحادي ؟


شعر قائم على الحس . منبعث من أغواره العميقة، شعر لا علاقة للعين المجردة به .. فلا مكان لصورة بصرية في مقدمة بوح الرسالة:



أين أنت الآن؟ ها أنت معي نمضغ (السوطي) وأقوال الروادي؟

ونرى سرّية الآتي كما ...تقرأ البرق نبوءات البوادي


إذا مضى الراحل وأخذ متاعه معه فلا بأس..


وحين يترك قليل ممتلكات في الحاضر ، أيضا فلا بأس..


الشجن : أن يظل يؤثث أحداث المستقبل، ويرتّب زوايا المواقف القادمة، لأنها تأتي مضمخة برؤيته، ملتفـَّـة بتوقعاته ، تأتي كل صباح في نسق يكرر أفكاره ويعيد أحاديثه ..


مثل هذا الأخ ..متى سيغيب ؟



لا بصريات حتى الآن .. تأتيك الصور:


يا ابن أرضي لم تغب عن صدرها بل تحوّلت جذوراً لامتدادي
بيتك الثاني ذراع مِن دمي وأنا بيتي دم الطيف القتادي
عندك النوم الطفولي، وأنا لي زغاريد الصواريخ الشوادي
لنثيث الصمت تصغي، وأنا في زحام النار أُصغي لاتِّقادي



هل تشاهدها ؟


لا أظن ..
ليس عجزا في قدرة الشاعر


بقدر ما هو الصدق في موقف كهذا


لم يحمل الرسالة للناس ولا للنقاد ولا للشعراء حديث خاص بينهما فلم التكلف ؟ ..سيقول الصدق لا شيء غير الصدق..


ابن أرضي ، ابن أبي، صديقي، توأم الفكر، ورفيق الاهتمامات ..


ما الذي فصلنا .؟


من أين للفرع الحياة إن لم يستمدها من جذره !


عندك النوم الطفولي..


بم يختص النوم الطفولي؟بلا هموم قبله ولا أحزان فيه ولا فجيعة في يقظته.. غارق في الأمن والراحة ..


وأنا لي زغاريد الصواريخ الشوادي
أفراح عجيبة..


تشدو فيها زغاريد من نوع مغاير


هل ترى شيئا؟


أنصت أكثر..


لنثيث الصمت تصغي ..


نثيث وصمت وإصغاء .. فما دقة لطف المسموع !


وأنا في زحام النار أصغي لاتقادي..


ينصت لاضطرامه .. إمعانا في الصدق ..


تتداخل الحواس فكأنك تشم النار وتلمسها وتسمعها فقط لا تراها ..


هذا التأجج في المناجاة يتصاعد، يتصاعد مع فتح الأوراق واستدعاء الأحداث :


حتى يصل الذروة مع أحواله هو :


أدَّعي الحشد أمام المعتدي ثم يعدو فوق أنقاض احتشادي
وبرغمي يصبح الغازي أخي بعدما أضحى أخي أعدى الأعادي


ادّعى ، معتدي، يعدو ،أعدى، أعادي..


من براعات البردوني اشتقاقاته التي تأتي بتشقق انفعاله .. تتبعثر الأصوات بتبعثر الحزن المركب ..


ذات الأحرف تتبادل الأماكن فتتباين المدلولات..


ما أقرب هذا للحياة!


مواقف بسيطة وتحركات يسيرة تحوّل قناعات وتزيل أقنعة..


أنصت واشحن خيالك لتسمع المعركة:


لحظات بين ادعاء الاحتشاد والدَّك ّ- ليس الاحتشاد الشكلي – بل دك أنقاضه المتهاوية قبل وقوع المعركة.. ركض المعتدي عليه يعني أنه بلغ شأوا كبيرا من الانتصار!..


في ساحة كلٍّ منا احتشاد كاحتشادك وتصبر كتصبرك لكنما الفرسان مختلفون!



كيف أمحو كل هذا؟ دلِّني لاتقل - أرجوك - دعني وانفرادي
ياصديقي أنت أدنى مِن فمي فلماذا أنت أنأى مِن مُرادي؟


أدنى من فمي..


أنأى من مرادي..


لا مرئيات .. تأجج معنوي منفرد ..


تأجج بذل طاقته حد الإنهاك ..


شعرت أنه سيقول هذا البيت ويتوقف .. لا بد أن يتوقف ويلتقط أنفاسه بعده :



ياصديقي لبِّني أو نادني لم يعد لي مَن أُلبِّي أو أُنادي




وصدقت نبوءتي ..


سمعته صدفة يلقي القصيدة ويتوقف بعد طلب التلبية والنداء


ينشج بعمق.. وينتحب بصدق..


ويتوقف ..قبل أن يكمل الرسالة ويحكي الأخبار..


أخبارا للغير.. وهذا هو البردوني منصهر في مجتمعه الذي سحقه الفقر، ونكَّل به الظلم..


تابع بث الأخبار في الرسالة، ونث الدمع .. مع أخبار عواصمه وقواصمه ..


أوصاف الموت غير العادي، والسجون والارتداد والحل الحيادي ..


السياديين الرحماء والجيران البسطاء..


تفاصيل الرسالة كثيرة ومتشعبة كلها تعنيه وأخاه معا..


لما انتهت نشرة الرسالة السمعية الحسية.. عاد للحوار ..


ما الباقي من الأخبار ؟


ما الفرق بيننا؟


ماذا يهمك أن تعرف؟


ماذا يفيدني أن أعرف؟


المفارقات تتأرجح .. تتأرجح مغمضة العينين لا ترى حتى ظلمة القبر، تشعر بهدوئه وحسب ..


تشعر بالوطن بقلبها لابعينيها مثل شاعرها تماما :


أنت غاف بين نومين ..


أنا بين نابي حيّة وحش رقادي..


متّ يوما يا صديقي!


وأنا كل يوم والردى شربي وزادي..


أنت في قبرٍ وحيدٍ هادئٍ !


أنا في قبرين .. جلدي وبلادي ..


تهدأ الأرجوحة وتحين اليقظة ..


تخيل يا أخي!


كل هذا .. والكون يسير في دورته الطبيعية ..



كل نكبات الرحيل وموجعات الفقد وخيبات الوحدة تقع،


إنــــمـــــــا لا تتأثر الكائنات الحية!


ولا نواميس الأرض..الشمس تشرق، والأشجار تنمو، والأنهار تنساب .. وسنة الله في كونه ماضية ..


إنما مازالت الأرض على عهدها، والشمس مازالت تغادي



في الختام – فقط - تستطيع الرؤية .. صورة بصرية لشروق الشمس !!
 
موضوع رائع

يا على كيدهم

موضوعكم نال أعجابنا وشكرا لكم على الطرح

نأمل منكم المزيد

جزاكم الله خيرا



سعدنا بتواجدكم
لا تحرمونا من هذه المشاركات الجميلة
والمواضيع الهادفة

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك


====================
ملحوظة : هذا رد آلي على الموضوع
 
أعلى