أيمن محمد بلبل
Moderator
متابعة الانتخابات البريطانية التى تمت الأسبوع الماضى، والتى أجراها حزب العمال وفقد فيها ما كان له من مقاعد فى مجلس العموم. مكنته فترة طويلة من تشكيل الحكومة ولم يعد أمامه إلا أن يترك داوننج ستريت مقر رئاسة مجلس الوزراء أو يتحالف مع بعض أحزاب الأقلية. والخيار الأول مر والخيار الثانى غير مأمون العواقب وغير مؤكد التحقق.
متابعة هذه الانتخابات تؤكد أمرين:
أولا: إن الديمقراطية هى النظام الوحيد ــ رغم كل ما فيه من عيوب ــ القادر على تصحيح نفسه من داخله وبآلياته نفسها.
ثانيا: إن مفهوم دولة المؤسسات الذى يرتبط بمفهوم الدولة الحديثة ارتباطا حتميا يؤكد أن الأمرين وجهان لعملة واحدة ــ هذا المفهوم الذى تعرفه الدول ذات الأنظمة الديمقراطية هو مفهوم غائب تماما فى بلادنا ــ أقصد بلاد العرب الأمجاد ونحن منها فى القلب والرأس جميعا.
ومن الأمور التى لا تلفت النظر عندهم، لكنها عندنا موضع تعجب شديد أن وزير الداخلية العمالى الذى أجرى الانتخابات فقد مقعده.. أليست هذه من علامات آخر الزمان فى بلادنا؟
والنظام الدستورى فى المملكة المتحدة ــ بريطانيا ــ يقوم على مجموعة من الوثائق الدستورية ومجموعة من السوابق والأعراف. والحالة التى نحن بصددها الآن حالة نادرة الحدوث لكنها حدثت من قبل فى التاريخ البريطانى وآخر مرة حدثت كانت عام 1974. وهى التى يسمونها تجربة البرلمان المعلق.
ولما كان عدد أعضاء مجلس العموم هو ستمائة وخمسين عضوا فإن الأغلبية التى تؤدى إلى تشكيل الحكومة هى نصف هذا العدد زائد واحد.. أى ثلاثمائة وستة وعشرين عضوا.. وهو ما لم يستطع أن يحققه حزب المحافظين، الذى فاز بعدد ثلاثمائة وستة مقاعد فقط.
وعلى ذلك ووفقا للتقاليد البرلمانية فإن الملكة غير ملزمة باستدعاء زعيم حزب المحافظين لتشكيل الحكومة الجديدة. ولكن من ناحية أخرى فالحكومة الحالية ــ حكومة حزب العمال ــ لا تستطيع أن تستقر وأن تستمر لأنها لا تستطيع أن تكسب ثقة المجلس الجديد ولكنها ــ حكومة حزب العمال ــ تستطيع أن تبقى لتصرف الأعمال العادية إلى أن تستقر الأوضاع إما بتحالف بين أحد الحزبين الكبيرين وحزب الأحرار الديمقراطيين أو فى الحالة الأسوأ بإعادة الانتخابات.
والذى يرى رؤساء الأحزاب الثلاثة الفائزة: المحافظون والعمال والأحرار الديمقراطيون يراهم شبابا بين الأربعينيات والخمسينيات يمشون قفزا ــ وكأنهم أوباما فى خفة حركته وسرعة خطوته ــ ذلك أن المسئولية تحتاج إلى جهد الشباب وعافيته. هذا فى بلاد لا يركب أهلها الأفيال.
ماذا سيحدث غدا أو بعد غد؟
سيبقى جوردون براون زعيم حزب العمال الخاسر فى مقر الحكومة فى 10 داوننج ستريت، الذى يحرسه رجل بوليس بريطانى واحد نراه جميعا فى التليفزيون أمام المبنى العريق.
وكل الأمل الذى يداعب براون هو أن يخفق المحافظون بزعامة ديفيد كاميرون فى الاتفاق مع الديمقراطيين الأحرار بزعامة نيك كليج، الذى رفع سقف متطلباته إذا قبل ائتلافا حكوميا فى الوقت، الذى يعلن المحافظون أن الائتلاف بينهم وبين الديمقراطيين الأحرار لا بد وأن يحترم البرنامج الانتخابى لحزب المحافظين الفائز.
هذه هى روعة الديمقراطية.. وهذه هى الدولة الحديثة أو دولة المؤسسات، وهما وجهان لشىء واحد كما قلت.
هذا ما يحدث هناك فماذا يحدث هنا؟
سمعت من بعض المرشحين لمجلس الشورى أنه يحال بينهم وبين أن يتقدموا بأوراقهم إلى لجان تلقى طلبات المرشحين بطرق عديدة، منها مثلا أن يقف عدد من البلطجية منذ ساعات الصباح الباكر ومعهم دوسيهات أمام أبواب لجان تلقى الطلبات ولا يتحركون ولا يأخذ أحد منهم أوراقا ويقفون هكذا إلى أن ينتهى الوقت المحدد للجان ثم ينفض الأمر لكى يعود فى صباح اليوم التالى.
الرغبة فى الإقصاء الكامل لكل الناس عدا ما يريده الحزب الحاكم هى التى تسيطر على المشهد كله.
أليست الديمقراطية رائعة؟
وهل ستدوم فجاجة التخلف ولن ندق أعتاب الدولة الحديثة ودولة المؤسسات تلك الدولة التى كنا قد بدأنا ندق أبوابها منذ عام 1805، لكننا تراجعنا ونتراجع كل يوم فى كل مناحى الحياة، وأهم مجال نتراجع فيه هو «العقلانية» وعندما تغيب العقلانية فإن طغيان التخلف والاستبداد والقهر هو البديل.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بقلم الدكتور / يحيى الجمل
متابعة هذه الانتخابات تؤكد أمرين:
أولا: إن الديمقراطية هى النظام الوحيد ــ رغم كل ما فيه من عيوب ــ القادر على تصحيح نفسه من داخله وبآلياته نفسها.
ثانيا: إن مفهوم دولة المؤسسات الذى يرتبط بمفهوم الدولة الحديثة ارتباطا حتميا يؤكد أن الأمرين وجهان لعملة واحدة ــ هذا المفهوم الذى تعرفه الدول ذات الأنظمة الديمقراطية هو مفهوم غائب تماما فى بلادنا ــ أقصد بلاد العرب الأمجاد ونحن منها فى القلب والرأس جميعا.
ومن الأمور التى لا تلفت النظر عندهم، لكنها عندنا موضع تعجب شديد أن وزير الداخلية العمالى الذى أجرى الانتخابات فقد مقعده.. أليست هذه من علامات آخر الزمان فى بلادنا؟
والنظام الدستورى فى المملكة المتحدة ــ بريطانيا ــ يقوم على مجموعة من الوثائق الدستورية ومجموعة من السوابق والأعراف. والحالة التى نحن بصددها الآن حالة نادرة الحدوث لكنها حدثت من قبل فى التاريخ البريطانى وآخر مرة حدثت كانت عام 1974. وهى التى يسمونها تجربة البرلمان المعلق.
ولما كان عدد أعضاء مجلس العموم هو ستمائة وخمسين عضوا فإن الأغلبية التى تؤدى إلى تشكيل الحكومة هى نصف هذا العدد زائد واحد.. أى ثلاثمائة وستة وعشرين عضوا.. وهو ما لم يستطع أن يحققه حزب المحافظين، الذى فاز بعدد ثلاثمائة وستة مقاعد فقط.
وعلى ذلك ووفقا للتقاليد البرلمانية فإن الملكة غير ملزمة باستدعاء زعيم حزب المحافظين لتشكيل الحكومة الجديدة. ولكن من ناحية أخرى فالحكومة الحالية ــ حكومة حزب العمال ــ لا تستطيع أن تستقر وأن تستمر لأنها لا تستطيع أن تكسب ثقة المجلس الجديد ولكنها ــ حكومة حزب العمال ــ تستطيع أن تبقى لتصرف الأعمال العادية إلى أن تستقر الأوضاع إما بتحالف بين أحد الحزبين الكبيرين وحزب الأحرار الديمقراطيين أو فى الحالة الأسوأ بإعادة الانتخابات.
والذى يرى رؤساء الأحزاب الثلاثة الفائزة: المحافظون والعمال والأحرار الديمقراطيون يراهم شبابا بين الأربعينيات والخمسينيات يمشون قفزا ــ وكأنهم أوباما فى خفة حركته وسرعة خطوته ــ ذلك أن المسئولية تحتاج إلى جهد الشباب وعافيته. هذا فى بلاد لا يركب أهلها الأفيال.
ماذا سيحدث غدا أو بعد غد؟
سيبقى جوردون براون زعيم حزب العمال الخاسر فى مقر الحكومة فى 10 داوننج ستريت، الذى يحرسه رجل بوليس بريطانى واحد نراه جميعا فى التليفزيون أمام المبنى العريق.
وكل الأمل الذى يداعب براون هو أن يخفق المحافظون بزعامة ديفيد كاميرون فى الاتفاق مع الديمقراطيين الأحرار بزعامة نيك كليج، الذى رفع سقف متطلباته إذا قبل ائتلافا حكوميا فى الوقت، الذى يعلن المحافظون أن الائتلاف بينهم وبين الديمقراطيين الأحرار لا بد وأن يحترم البرنامج الانتخابى لحزب المحافظين الفائز.
هذه هى روعة الديمقراطية.. وهذه هى الدولة الحديثة أو دولة المؤسسات، وهما وجهان لشىء واحد كما قلت.
هذا ما يحدث هناك فماذا يحدث هنا؟
سمعت من بعض المرشحين لمجلس الشورى أنه يحال بينهم وبين أن يتقدموا بأوراقهم إلى لجان تلقى طلبات المرشحين بطرق عديدة، منها مثلا أن يقف عدد من البلطجية منذ ساعات الصباح الباكر ومعهم دوسيهات أمام أبواب لجان تلقى الطلبات ولا يتحركون ولا يأخذ أحد منهم أوراقا ويقفون هكذا إلى أن ينتهى الوقت المحدد للجان ثم ينفض الأمر لكى يعود فى صباح اليوم التالى.
الرغبة فى الإقصاء الكامل لكل الناس عدا ما يريده الحزب الحاكم هى التى تسيطر على المشهد كله.
أليست الديمقراطية رائعة؟
وهل ستدوم فجاجة التخلف ولن ندق أعتاب الدولة الحديثة ودولة المؤسسات تلك الدولة التى كنا قد بدأنا ندق أبوابها منذ عام 1805، لكننا تراجعنا ونتراجع كل يوم فى كل مناحى الحياة، وأهم مجال نتراجع فيه هو «العقلانية» وعندما تغيب العقلانية فإن طغيان التخلف والاستبداد والقهر هو البديل.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بقلم الدكتور / يحيى الجمل