محمد صدقى الابراشى
Moderator
قال العلامة ابن القيم رحمه الله :
(لمّا أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما ، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما ، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم ، وظلمة في قلوبهم ، وكدر في أفهامهم ، ومحق في عقولهم ، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم ، حتى ربي فيها الصغير ، وهرم عليها الكبير ، فلم يروها مكرا .
فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن ، والنفس مقام العقل ، والهوى مقام الرشد ، والضلال مقام الهدى ، والمنكر مقام المعروف ، والجهل مقام العلم ، والرياء مقام الإخلاص ، والباطل مقام الحق ، والكذب مقام الصدق ، والمداهنة مقام النصيحة ، والظلم مقام العدل .
فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور ، وأهلها هم المشار إليهم ، وكانت قبل ذلك لأضدادها ، وكان أهلها هم المشار إليهم .
فإذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت ، وراياتها قد نصبت ، وجيوشها قد ركبت ، فبطنُ الأرض واللهِ خيرٌ من ظهرها ، وقُلَلُ الجبالِ خيرٌ من السهول ، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس .
اقشعرت الأرض ، وأظلمت السماء ،وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة ، وذهبت البركات ، وقلت الخيرات ، وهزلت الوحوش ، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة ، وبكي ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة ، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح .
وهذا واللهِ منذرٌ بسيلِ عذابٍ قد انعقد غمامه ، ومُؤْذِنٌ بليلِ بلاءٍ قد ادْلَهَمَّ ظلامُه .
فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح . وكأنكم بالباب وقد أغلق ، وبالرهن وقد غلق ، وبالجناح وقد علق ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)
اشتر نفسَك اليوم ، فإن السوق قائمة ، والثمن موجود ، والبضائع رخيصة ، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير (ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ)
-------------------------
الفوائد ( 88-89)
(لمّا أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما ، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما ، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم ، وظلمة في قلوبهم ، وكدر في أفهامهم ، ومحق في عقولهم ، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم ، حتى ربي فيها الصغير ، وهرم عليها الكبير ، فلم يروها مكرا .
فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن ، والنفس مقام العقل ، والهوى مقام الرشد ، والضلال مقام الهدى ، والمنكر مقام المعروف ، والجهل مقام العلم ، والرياء مقام الإخلاص ، والباطل مقام الحق ، والكذب مقام الصدق ، والمداهنة مقام النصيحة ، والظلم مقام العدل .
فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور ، وأهلها هم المشار إليهم ، وكانت قبل ذلك لأضدادها ، وكان أهلها هم المشار إليهم .
فإذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت ، وراياتها قد نصبت ، وجيوشها قد ركبت ، فبطنُ الأرض واللهِ خيرٌ من ظهرها ، وقُلَلُ الجبالِ خيرٌ من السهول ، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس .
اقشعرت الأرض ، وأظلمت السماء ،وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة ، وذهبت البركات ، وقلت الخيرات ، وهزلت الوحوش ، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة ، وبكي ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة ، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح .
وهذا واللهِ منذرٌ بسيلِ عذابٍ قد انعقد غمامه ، ومُؤْذِنٌ بليلِ بلاءٍ قد ادْلَهَمَّ ظلامُه .
فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح . وكأنكم بالباب وقد أغلق ، وبالرهن وقد غلق ، وبالجناح وقد علق ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)
اشتر نفسَك اليوم ، فإن السوق قائمة ، والثمن موجود ، والبضائع رخيصة ، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير (ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ)
-------------------------
الفوائد ( 88-89)