حبر على الورق
CMA
قصة الرجل الصالح ( عزير )
قصة الرجل الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها وسأل متعجبًا عن كيفية إحياء الله لهذه القرية بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه، وهذا موضوعنا اليوم الذي نقف معه، ولنبدأ بذكر الآية الكريمة التي وردت فيها هذه القصة: قال الله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 259].
والكلام عن هذه القصة يقع تحت مسائل:
الأولى: حول المقصود بالقرية والذي مر عليها:
قال صاحب فتح القدير في عبارة مختصرة: «هو عزير؛ من أنبياء بني إسرائيل مرَّ على قرية من أرض بيت المقدس بعد تخريب بختنصر لها». اهـ.
ونقل الإمام ابن كثير في تفسيره هذا القول عن جمع من السلف، وقال: المشهور أن المقصود بالرجل هو عزير». أما عن القرية فقال: «فالمشهور أنها بيت المقدس مرَّ عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها». اهـ.
ويقول مقيده عفا الله عنه: نعم هذا قول جمهور المفسرين من السلف، ولكن بعض العلماء والباحثين والمفسرين من المتأخرين يرون أن ذكر الأسماء لا يتعلق به كثير فائدة(1).
وبعضهم صرَّح بأن هذا رأي جمهور المفسرين، ثم يرى عدم أهمية ذكر الأسماء(2).
والبعض يرى أنه ليس «عزيرًا» المقصود وليس بنبي(3).
وسنعود لهذا الموضوع مرَّة أخرى، لكني أرى ما يراه الجمهور وسأعلل لماذا في حينه بعون الله، قد يأتي التعليل في خلال الشرح والبيان.
المسألة الثانية: في معاني المفردات:
1- «أو» حرف عطف، و«الكاف» بمعنى «مثل»، والقصة هنا معطوفة على القصة السابقة لها قصة الذي حاج إبراهيم في ربه.
والمعنى: انظر أيها النبي، وتأمل يا كُلَّ من تقرأ القرآن أو تسمع في كل زمان ومكان إلى قصة هذا الرجل الذي مرَّ على قرية مثل ما سمعت إلى قصة الذي حاج إبراهيم في ربه وغيرها من القصص.
2- قوله تعالى: خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا أي: أصابها الخراب والدمار من كل جانب، مات أهلها وسقطت سقوفها وجدارنها وتهدمت كل جنباتها، ولم يبق فيها أثر لحياة قط.
3- في قوله تعالى: قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا قال ابن كثير رحمه الله: لم يقلها شكًا ولا إنكارًا للبعث، بل قالها تعجبًا. والحقيقة أن هذه الجملة التي قالها الرجل من أهم ما جعله منكروا نبوة الرجل حجة لهم، فقال قائلهم: «لو كان نبيًا أو عبدًا صالحًا لم يقل ذلك». واعتبروه منكرًا للبعث أراد الله هدايته، ونحن مع احترامنا للقائلين بهذا الرأي نقول لهم: على رسلكم، أنَّى لكم ذلك وما دليلكم عليه، إنها اجتهادات يعوزها الدليل.
ثم نقول لهم: ما تقولون في قول أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام لربه: أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى [البقرة: 260].
وقد جاءت قصته في الآية التي بعدها مباشرة، وماذا تقولون في قول زكريا - عليه السلام - حين قال: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا [مريم: 8] ؟
ستقولون السؤال هنا في حقِّ إبراهيم وحقِّ زكريا عن الكيفية: ونقول: ما الذي يمنع من سؤال الرجل الصالح (عزير) أن تكون «أنَّى» عنده للكيفية وليست للاستبعاد والإنكار، وأنه أراد كما أراد إبراهيم - عليه السلام- وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: 260].
ورحم الله الإمام الشوكاني حين فسَّر قول الرجل في نهاية القصة (أعلم) قال معناه: «طمأنينة القلب». وبهذا تندفع أكبر شبهة عند من يرى أن الرجل ليس «عزيرًا» ولا «نبيًا»، والله أعلم.
4- فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ قال له: مت فمات، أمر كوني لا منازع له، ثُمَّ بَعَثَهُ أيضًا أمر كوني بالبعث وبينهما مئة عام. أماته الله مائة عام ثم بعثه لينجلي له الدرس العملي بوضوح تام وإن كان الدرس مدته مائة عام فإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون، لم يمته الله يومًا أو بعض يوم، كما ظن هو، بل أماته مائة عام، ثم بعثه حتى تنجلي طلاقة القدرة الإلهية بما لا يدع مجالاً للشك ولا مثقال ذرة، وقد سأله ربه سؤال تقرير وهو يعلم: كَمْ لَبِثْتَ ميتًا قال: يومًا أو بعض يوم، هذا أقصى ما يتخيله عقل، وقد ظن أنه كان نائمًا لكن جاءته الإجابة التي لم يكن يتوقعها.
قصة الرجل الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها وسأل متعجبًا عن كيفية إحياء الله لهذه القرية بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه، وهذا موضوعنا اليوم الذي نقف معه، ولنبدأ بذكر الآية الكريمة التي وردت فيها هذه القصة: قال الله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 259].
والكلام عن هذه القصة يقع تحت مسائل:
الأولى: حول المقصود بالقرية والذي مر عليها:
قال صاحب فتح القدير في عبارة مختصرة: «هو عزير؛ من أنبياء بني إسرائيل مرَّ على قرية من أرض بيت المقدس بعد تخريب بختنصر لها». اهـ.
ونقل الإمام ابن كثير في تفسيره هذا القول عن جمع من السلف، وقال: المشهور أن المقصود بالرجل هو عزير». أما عن القرية فقال: «فالمشهور أنها بيت المقدس مرَّ عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها». اهـ.
ويقول مقيده عفا الله عنه: نعم هذا قول جمهور المفسرين من السلف، ولكن بعض العلماء والباحثين والمفسرين من المتأخرين يرون أن ذكر الأسماء لا يتعلق به كثير فائدة(1).
وبعضهم صرَّح بأن هذا رأي جمهور المفسرين، ثم يرى عدم أهمية ذكر الأسماء(2).
والبعض يرى أنه ليس «عزيرًا» المقصود وليس بنبي(3).
وسنعود لهذا الموضوع مرَّة أخرى، لكني أرى ما يراه الجمهور وسأعلل لماذا في حينه بعون الله، قد يأتي التعليل في خلال الشرح والبيان.
المسألة الثانية: في معاني المفردات:
1- «أو» حرف عطف، و«الكاف» بمعنى «مثل»، والقصة هنا معطوفة على القصة السابقة لها قصة الذي حاج إبراهيم في ربه.
والمعنى: انظر أيها النبي، وتأمل يا كُلَّ من تقرأ القرآن أو تسمع في كل زمان ومكان إلى قصة هذا الرجل الذي مرَّ على قرية مثل ما سمعت إلى قصة الذي حاج إبراهيم في ربه وغيرها من القصص.
2- قوله تعالى: خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا أي: أصابها الخراب والدمار من كل جانب، مات أهلها وسقطت سقوفها وجدارنها وتهدمت كل جنباتها، ولم يبق فيها أثر لحياة قط.
3- في قوله تعالى: قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا قال ابن كثير رحمه الله: لم يقلها شكًا ولا إنكارًا للبعث، بل قالها تعجبًا. والحقيقة أن هذه الجملة التي قالها الرجل من أهم ما جعله منكروا نبوة الرجل حجة لهم، فقال قائلهم: «لو كان نبيًا أو عبدًا صالحًا لم يقل ذلك». واعتبروه منكرًا للبعث أراد الله هدايته، ونحن مع احترامنا للقائلين بهذا الرأي نقول لهم: على رسلكم، أنَّى لكم ذلك وما دليلكم عليه، إنها اجتهادات يعوزها الدليل.
ثم نقول لهم: ما تقولون في قول أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام لربه: أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى [البقرة: 260].
وقد جاءت قصته في الآية التي بعدها مباشرة، وماذا تقولون في قول زكريا - عليه السلام - حين قال: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا [مريم: 8] ؟
ستقولون السؤال هنا في حقِّ إبراهيم وحقِّ زكريا عن الكيفية: ونقول: ما الذي يمنع من سؤال الرجل الصالح (عزير) أن تكون «أنَّى» عنده للكيفية وليست للاستبعاد والإنكار، وأنه أراد كما أراد إبراهيم - عليه السلام- وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: 260].
ورحم الله الإمام الشوكاني حين فسَّر قول الرجل في نهاية القصة (أعلم) قال معناه: «طمأنينة القلب». وبهذا تندفع أكبر شبهة عند من يرى أن الرجل ليس «عزيرًا» ولا «نبيًا»، والله أعلم.
4- فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ قال له: مت فمات، أمر كوني لا منازع له، ثُمَّ بَعَثَهُ أيضًا أمر كوني بالبعث وبينهما مئة عام. أماته الله مائة عام ثم بعثه لينجلي له الدرس العملي بوضوح تام وإن كان الدرس مدته مائة عام فإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون، لم يمته الله يومًا أو بعض يوم، كما ظن هو، بل أماته مائة عام، ثم بعثه حتى تنجلي طلاقة القدرة الإلهية بما لا يدع مجالاً للشك ولا مثقال ذرة، وقد سأله ربه سؤال تقرير وهو يعلم: كَمْ لَبِثْتَ ميتًا قال: يومًا أو بعض يوم، هذا أقصى ما يتخيله عقل، وقد ظن أنه كان نائمًا لكن جاءته الإجابة التي لم يكن يتوقعها.