• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم
انطلاقاً من قول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

هذا سؤال نوجهه إلى أهل الذكر وهم أهل العلم حفظهم الله تعالى آمين.

السؤال:
أنا رجل عندي أموال وعندي أولاد ذكور وإناث وأريد أن أقسم تركتي على أولادي وأنا ما زلت على قيد الحياة فهل يجوز لي أن أقسم هذه التركة بين أولادي؟ أفتونا مأجورين وجزاكم الله حيرا.

الجواب:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فلا يجوز قسمة التركة وصاحب التركة ما زال على قيد الحياة لما يأتي:

أولاً: أنه أخل بركنٍ من أركانِ الإرث مع تخلف شرط من شروط الا رث وهو موت المورِّث لقوله تعالى: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ...﴾ الآية فشرط في الإرث تحقُّق موت المورث فقوله: ﴿هَلَكَ﴾ أي مات. فيكفي هذا العمل بطلانا لتخلف الشروط والأركان

ثانياً: أنه ربما يموت الورثة قبل مورثهم ومن مات قبل مورثه فهو في حكم المنسي فلا يرث وينتقل المال للورثة الآخرين أو الباقين.

ثالثاً: ربما يتزوج صاحب التركة وربما يخلف له أولاد آخرين فيكون حرمانا للزوجة الأخرى وأولاده منها.

رابعاً: يفتح المورث لنفسه باب العقوق لأنه بقسمة تركته وهو حي يسبب ذهاب الورثة عنه وعدم القيام بحقوقه من الرعاية والخدمة.

خامساً: ربما يوجد في الورثة بعد ذلك مانع من موانع الإرث الذي هو (الرق أو القتل أو اختلاف الدين).

سادساً: احتياجه للمال في حالة حياته حيث يحتاج لعمل عملية أو لِتَعَيُّش أو غير ذلك فلهذا لايجوز قسمة التركة وصاحب التركة حي. ومن قسم التركة فيجب عليه إرجاعها كما كانت قبل القسمة.
ونذكر الناس الذين يقومون بهذه المخالفة الشرعية بقوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

وليتق الله المفتين وأئمة المساجد والعُمد وأكابر القوم الذين يتجرؤون على هذه الفتوى والقسمة وتوقيعهم على ذلك, وليتق الله كل من أعان على هذه المخالفة الشرعية سواء كان مقسِّماً أو شاهداً أو كاتباً أو غير ذلك مما له إعانه في هذه المخالفة الشرعية. هذا وبالله التوفيق.

أجاب عليها أبو محمد عبد الوهاب بن سعيد الشميري.

غير أنه إن أراد أحد أن يهب لاولاده وهو حي فليعدل بينهم في الهبة رجالاً ونساءً ولايفضل بعضهم على بعض ولايعتبرها قسمة تركة، أما قسمة التركة بين ورثته وهو حي فخطأٌ ظاهر

قصدى أنه يساوى فى الهبة بين الذكر والانثى والصغير والكبير ويقول يا أبنائى هذه هبات وعطايا لكم تتقاسموا فيها بالسوية فهذا جائز شرعا
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من لا يشكر الناس لا يشكر الله عز وجل جزاك الله خيرا يااستاذ/ محمد وزادك الله معرفة
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الوصايا جمع وصية، مشتقة من وصيت الشيء إذا وصلته، وذلك لأن الموصي وصل حياته بما بعد الموت، والمراد بها التبرع بشيء بعد الموت أو الإخبار أو الإيصاء لمعين بشيء، والأصل فيها قول الله -تعالى- في آيات المواريث: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾1 ولكن قال علي -رضي الله عنه-: إن الدين قبل الوصية، ولو ذكرت الوصية قبله، وما ذاك إلا أن تقديم الوصية لأنها تبرع، وأما الدين فإنه حق على الميت فيقدم وفاؤه لأنه قد استوفاه الميت في حياته.

وقد كانت الوصية واجبة في أول الأمر، ودليلها قوله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾2 كانت في هذه الآية واجبة قبل أن تفرض المواريث، فكان أحدهم إذا حضره الموت قال: قسموا مالي، أعطوا والدي كذا، وأعطوا ولدي كذا، وأعطوا ابنتي كذا، فيقسم ماله ويوزعه في حال حياته، ولما نزلت آية المواريث كان فيها تحديد أهل الفروض وتحديد الورثة بالآيات التي فصلت فيها حقوقهم، فنسخت هذه الآيات الوصية للورثة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث »3
فالورثة الذين هم أقارب قد فصلت أنصباؤهم، وقد ذكر الله ما لكل منهم من هذه الوصية من هذا المال: (الزوج والزوجة والأب والابن والأم والبنت والأخ والأخت...) وسائر الأقارب ذكرهم الله -تعالى- وذكر حقوقهم.

فبعد ذلك نسخت الوصية للوارث، ولكن أبيح إذا كان بإذن الورثة، إذا أوصى لأحد ورثته اشترط إذن البقية، بقية الورثة، فإذا لم يأذنوا فلا تنفذ، وأبيح للميت التبرع بثلث المال أو أقل، ودليل ذلك الحديث المشهور بلفظ: « إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم »4 معناه: أنه يجوز له أن يخرج ثلث ماله، وهذا الثلث يصرف في أعمال البر، يكون في الأعمال الخيرية زيادة في أعماله، فيوصي فيه بما يريد، كأن يوصي فيه بأضحية سنوية أو بحجة مثلا، أو بصدقة على ذوي القربى أو صدقة في أوقات المضاعفة كالصدقة في رمضان، أو تجهيز غزاة، أو وفاء عن غرماء غارمين، أو إطلاق مساجين، أو فك أسرى المسلمين، من هذا الثلث.

روي عن أبي بكر -رضي الله عنه- أنه قال: « أوصي بالخمس، رضيت لنفسي بما رضي الله لنفسه »5 يعني في قول الله تعالى ﴿ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ﴾6 يعني: خمس الغنيمة، فيقول أوصي بالخمس، ولا يجوز بأكثر من الثلث لحديث سعد لما عاده النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مريض قال: « يا رسول الله، إني امرؤ ذو مال ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي، -أي: بالثلثين- قال: لا، قلت فالشطر، قال: لا، قلت: فالثلث، قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس »7 فدل ذلك على أنه إذا كان ورثته فقراء فإنه يكره له أن يوصي بشيء من ماله فورثته أحق بماله، وذلك لأنهم أهله وأقاربه، ولأنه في العادة يجمع المال ليغنيهم من بعده عن الناس.

فإذا كان ورثته فقراء وهو فقير استحب له أن يترك الوصية وأن يخلف المال كله لورثته ليسد خلتهم، ومع ذلك لو أوصى فإن وصيته تنفذ، لأنه يملك التبرع بالثلث، وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: « وددت لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الثلث والثلث كثير »8

كتابة الوصية

ثم ورد الأمر بكتابة الوصية مخافة أن يفجأ الأجل، في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده »9 فكان ابن عمر يقول: لم أبت إلا ووصيتي مكتوبة عندي، ولكن يجوز تغيير الوصية، يجوز الزيادة فيها والنقص، وذلك لأنها لا تنفذ إلا بعد الموت لأنها أمر بالتصرف بعد الموت، فإذا بدا له أن يغير فيها فإن له ذلك، بخلاف الوقف فإن الوقف لا يغير بعد لزومه، وأما الوصية فله أن يزيد فيها وأن ينقص منها وأن يغير منها بما تجدد له.

يقول، هاهنا "سن لمن ترك خيرا الوصية بالخمس" أخذه من الآية الكريمة: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ﴾10 المراد بالخير المال الكثير، المال يسمى خيرا، وذلك لأن الفقر ضرر وشر، فالمال يسمى خيرا، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾11 أي لحب المال، يقول: إنه يسن الوصية بالخمس، وإذا نقص فأوصى بالسدس أو بالثمن أو بالعشر فله ذلك، لأن له التصرف في ماله، ولا تزيد على الثلث لأن الحق قد تعلقت به نفوس الورثة، هذا المال تعلقت به حقوقهم، والوصية بأكثر من الثلث فيه إضرار عليهم، فلا جرم، جاز أن يوصي بالثلث فأقل ولو كان ثريا، ولو كانت عنده أموال طائلة، قد يكون النصف الذي يتركه للورثة أو الربع يسد حاجاتهم ويزيد، ولكن حدد الشرع له الثلث فليس له أن يزيد عليه، وإذا زاد اشترط إذن الورثة.


شروط الموصي

ماذا يشترط في ذلك الموصي؟ يشترط له شروطا:

الأول: أن يكون ممن يصح تبرعه، من هو؟ الحر البالغ الرشيد، وإن كان يستثنى من ذلك بعض الاستثناءات، فالمجنون لا يصح تبرعه ولا تعتبر وصيته، وذلك لفقد التمييز، لفقد العقل، كذلك الصغير الذي لا يميز لا تصح وصيته، استثنوا الأخرس إذا فهمت إشارته أو كتب ذلك بخطه، الأبكم الذي لا يتكلم قد تفهم إشاراته، يشير إشارات يفهمها الحاضرون أو يكتب لأنه قد يتعلم الكتابة فيكتب، فإذا كان له معرفة بالكتابة وكتب اعتبرت وصيته، وإذا أوصى بالإشارة وفهمت إشارته اعتبرت وصيته.

أما الصبي إن كان دون التمييز فلا تصح وصيته، وإذا كان مميزا -يعني: مدركا- فإنه تصح وصيته، ذكر أن شابا ابن عشر أو ابن اثنتي عشرة سنة حضره الموت وهو في المدينة وورثته في الشام، وله عمة في المدينة وهي التي حضنته وربته، ومعلوم أنها لا ترثه ولكن لما كانت ذات فضل عليه أمر بأن يوصي لها، فأوصى لها ببئر اسمها بئر جشم، فأنفذ عمر -رضي الله عنه- وصيته لهذه العمة، وبقية تركته أخذها أقاربه الذين في الشام، وتلك البئر يقول ولدها: إنه باعها بثلاثين ألف درهم، فاعتبرت وصيته ولو كان دون البلوغ، لأنه مميز، وهذا معنى قوله: تصح ممن يملك التبرع ولو أخرس أو مميزا أو سفيها أو بخطه تحت رأسه، فإذا كان أخرس أو مميزا أو سفيها ولكن تُفهم إشارته، ويعرف، فإنها تعتبر وصيته، وكذلك إذا وجدت وصيته بخطه تحت رأسه أي تحت وساده بخطه المعروف قبلت تلك الوصية، لأنه عمل بالحديث: « إلا ووصيته مكتوبة عنده »9
تصح ممن تصح هبته، قوله هنا: "ولكل من تصح هبته" محتمل أن المراد الموصي، أو أن المراد الموصى له، الموصي هو المتبرع والموصى له هو المخصوص بالوصية الذي وهبت له، والغالب أنهم إنما يشترطون ذلك في الواهب وفي الموصي كأنه يقول: الذي لا تصح هبته لا تصح وصيته، من هو؟ هو مثل المحجور عليه الذي أمواله قليلة لا تفي بديونه، أو المجنون الذي لا يعقل، أو الصغير الذي دون التمييز، فمثل هؤلاء لا تصح هبته ولا تصح وصيته، فإذا بلغ سن التمييز صحت هبته فتصح وصيته.


أركان الوصية

الفقهاء يذكرون ما يتعلق بالوصية:

الأول : الموصي، وهو المتبرع.

الثاني : الموصى له الذي يعطى من المال بعد الموت.

الثالث : الموصى به الذي هو المال الذي يتبرع به.

رابعا : الموصى إليه الذي هو الوكيل، يوكله على توزيع تركته وعلى حفظ وصيته وعلى تنميتها ونحو ذلك.

ثم ذكروا من تصح الوصية له: تصح الوصية للحمل وتصح الوصية بالحمل، الوصية للحمل أن يقول إذا كان مثلا مريضا: إذا مت فأعطوا هذا الحمل الذي في بطن عمتي أو خالتي مائة من تركتي، وصية للحمل، لا يدرى هذا الحمل حي أو ميت، لا يدرى ذكر أم أنثى، لا يدرى واحد أو عدد، ولكن إذا ولد وهو حي ذكرا أو أنثى نفذت الوصية واشترط أن يعلم وجوده حال الوصية، يعني: أن يتحقق أنه قد تخلق، أنه قد صار نطفة أو علقة، فأما إذا قال: إذا حملت عمتي أو خالتي فأعطوها، أو إن كانت حاملا فأعطوها من تركتي مائة أو ألفا لحملها، وتبين أنها في تلك الساعة حائل ليس في بطنها شيء، فلا تنعقد هذه الوصية إلا إذا علم أن الحمل موجود حالة عقد الوصية.

قالوا: وتصح الوصية بالحمل، فيقول مثلا: حمل هذه الشاة أو هذه البقرة أو الناقة إذا مت فهو لزيد، أو فهو لابن أخي، وصية بحمل، ولكن كان الحمل موجودا، تحقق أن تلك الناقة أو الفرس حامل فتصح الوصية وتعطى لذلك الذي عين أخ أو ابن أخ أو نحوه، وكذا بحمل الشجر، إذا قال: حمل هذه النخلة ولو كان بسرا إن مت قبل جذاذه فأعطوه ابن أخي أو ابن عمي أو ابن خالي، وصية بحمل، وإن كان بسرا لا يصح بيعه، وذلك لأنه لا يضر بقاؤه، إن نضج الحمل وهو حي وقطعه لم يبق للموصى له شيء، وإن مات وهو في رؤوس النخل فإنه يملكه الموصى له، هذا معنى للحمل، يعني قالوا: تصح الوصية للحمل، وتصح الوصية بالحمل.

"وتصح بكل ما به نفع مباح" أي: تصح الوصية بكل شيء فيه نفع مباح حتى كلب الصيد، لو قال: إذا مت فكلب الصيد هذا أعطوه ابن أخي أو ابن عمي، الوصية صحيحة، أو جلد ميتة قبل الدبغ لأنه ينتفع به بعد الدبغ فنفعه مباح، وكذلك كل ما ينتفع به، فلو قال: أوصيت في هذا المصحف أو في هذه الكتب بعد موتي لابن عمي أو ابن خالي، فإن نفعها مباح وهو القراءة فيها، النفع المباح أن ينتفع بها مع بقائها، مثلا: كالوصية بقِدر أو بصحن أو بإبريق أو بكأس ينتفع به، أو بفُرُشٍ يفترشها أو بخيمة يستظل بها، أو بمظلة أو بخشب يسقف عليها، أو مثلا بأشياء جديدة، بسيارة يوصي بها لابن أخيه ونحوه، أو لمكيفات يكيف بها منزله مثلا، يعني: الأعيان التي ينتفع بها، وكذلك التي تفنى بالاستمتاع، إذا مت فهذه الأكياس أعطوها ابن أخي أو ابن عمي، وإن كان نفعها بأكلها أن يؤكل منها حتى تنفد، فهذا معناه: بكل ما فيه نفع مباح.

وتصح بالمعدوم، وذلك لأنه إن قُدر عليه، يعني: إن حصل، وإلا فالموصى له لا يتضرر، إذا قال: بما تحمل أمتي أو بما تحمل شاتي أو بما تحمل شجرتي، في وقت الكلام كان معدوما، ما في الشجرة حمل، ولا في بطن الأمة ولا في بطن الشاة أو الناقة حمل، ولكن يقول: أوصوا له بحملها متى حملت، فإن قُدر أنها ما حملت حتى مات فإن المال للورثة، لأنه لم يحصل له شيء لهذا الموصى له، هذا معنى "الوصية بالمعدوم".

"وبما لا يقدر عليه" تصح الوصية فيما لا يقدر عليه، وإن كان لا يباع ولا يؤجر، فإذا قال: أوصيت له بجمله الشارد أو بعبده الآبق أو بالعين المغصوبة التي عند فلان اغتصبها مني، هذا لا يقدر عليه، ولكن أنت أيها الموصى له لا ضرر عليك إن حصلت لك هذه وقبضت مثلا العبد الآبق أو الجمل الشارد نفعك، وإلا فإنه لا ينفعك ولا يضرك، إذا لم يحصل فلا ضرر عليك، هذا معنى: "وبالمعدوم وبما لا يقدر عليه".

"وبما لا يملكه" أي: يصح بالشيء الذي لا يملكه، كأن يقول مثلا: إذا مت فاشتروا لابن عمي شاة فلان أو بيت آل فلان، يصح ذلك وإن كان لا يملكه، لأنه إذا مات فيقدرون على شرائه بأي مال قليل أو كثير، ثم يعطونه الموصى له، الموصي أوصى وهو لا يملكه، ولكن في الإمكان ملكه، فإن تيسر وملكه في حياته أو ملكه ورثته بعد وفاته حصل ذلك لهذا الموصى له، وإن لم يحصل له لم يتضرر، لأن هذا تبرع.

"وبغير معين" تصح الوصية بغير معين، يعني: لا يشترط التعيين، مثاله: إذا قال: أعطوه شاة من الغنم لم يعينها، أو أعطوه نخلة من البستان، أعطوه واحدة من الإبل، ما خصص، فيعطونه ما ينطبق عليه الاسم، يعطونه واحدة يصدق عليها أنها شاة أو عبد أو نخلة، ولا يشترط التعيين، لأن الوصية تبرع بعد الموت.

يصح الوصية بمثل أحد ورثته، ويكون له مثل أقلهم، فإن سماه فله نصيبه مضموما إلى المسألة، إذا قال: ابن ابني هذا لا يرثني حيث مات أبوه قبلي، فأنا أوصي له بمثل نصيب أحد أعمامه، فإنه يسوى بأعمامه، إذا كان للميت ثلاثة أولاد، وله ابن ابن لا يرثه، فإن ابن الابن هذا في هذه الحال يسوَّى بأعمامه، يعطى نصيب أبيه، هذا الوصية بمثل نصيب أحد أولاده، وإن لم يعين وقال: أعطوا أخي أو ابن أخي مثل أحد ورثتي، فيعطى مثل أقلهم.

إذا قال مثل أحد ورثتي ننظر أقلهم ونعطيه مثله ويكون مضموما إلى المسألة، مثاله: إذا كان له زوج وبنت وابن ابن، أليس المسألة من ثمانية، المسألة إذا قلنا: زوجة وبنت وابن ابن، الزوجة لها الثمن، واحد من ثمانية، والبنت لها النصف، والباقي لابن الابن وأخوه يشاركهم فيعطى مثل أقلهم، أقلهم هاهنا الزوجة، فيعطى مثل نصيب الزوجة مضموما إلى المسألة، يعني: مثل نصيبها من رأس المال، يعني: ثمن يضاف إلى المسألة فتقسم من تسعة، للموصى له تسع، ويبقى ثمانية، للزوجة واحد وهو ثمن الباقي، والباقي يكون للبنت وابن الابن، هذا إذا أوصى بمثل أحد ورثته فله مثل أقلهم ولو أقل قليل.

لو كان عندنا مثلا بنتان وأم وزوجة وأخت فإن الأخت نصيبها ثلث الثمن، فإذا أوصى بمثل واحد من الورثة وجدنا أقلهم الأخت، ترث تعصيبا ثلث الثمن فيعطى مثل ما لأقلهم، مثل أقلهم نصيبا، وهو ثلث الثمن، في هذه المسألة البنات لهما الثلثان ستة عشر، والأم لها السدس أربعة، هذه عشرون، والزوجة لها الثمن ثلاثة، بقي عندنا ثلث الثمن واحد، نعطيه الأخت ونعطي الأخ من الأب أو ابن الأخ الموصى له مثل نصيب الأخت، ثلث الثمن، فتقسم المسألة من خمسة وعشرين سهما.

فإن سماه فله نصيبه مضموما إلى المسألة، إذا سمى ذلك الجزء قال: بمثل نصيب زوجتي، بمثل نصيب أختي، فإن له نصيبه مضموما إلى المسألة، وضرب مثلا: إذا كان له ابنان وبنت ووصي، ننظر في أقل الورثة البنت، نقسم المال فنقول: الابن له سهمان، والابن الثاني له سهمان، والبنت لها سهم، والموصى له مثلها، له سهم، فيكون له السدس، يكون الموصى له والبنت سدسان، والابن سدسان، والابن الثاني سدسان، هذا معنى قوله: مع ابنين وبنت السدس، لأنه أقل الأنصباء، إذا قال: مثل نصيب أحد الورثة يعطى مثل أقلهم وهو البنت، وإذا أوصى بجزء أو حظ أو نصيب أو شيء ولم يحدد فإن له ما شاءوا، يعطونه ما شاءوا.

وبسهم له سدس، إذا أوصى بسهم فإنه يعطى سدسا، روي ذلك عن إياس بن معاوية قال: السهم عند العرب السدس، أما إذا قال: أعطوه جزءا من المال، يعطونه ما شاءوا، ولو مثلا مائة أو مائتين أو كيسا أو نحوه، لأن المورث ما أوصى بحد، بل قال: أعطوه جزءا، المال يمكن تجزئته ولو إلى ألف جزء، فيعطى جزءا منه، إذا قال: أعطوه حظا، ولم يبين يعطونه ما يصدق عليه أنه حظ، إذا قال: أعطوه نصيبا من مالي - نصيبا من مالي - يعطونه ولو ربع الربع، ولو ثمن الثمن، أعطوه شيئا من مالي، "شيئا" يصدق على أي شيء، حتى ولو أعطوه مثلا ملعقة أو سكينا يصدق عليه أنه شيء، يعطونه ما يشاءون.

وأما كلمة سهم فالأكثرون على أنها السدس، وإن كان العامة لا يفرقون ولا يعرفون هذا الاصطلاح ولكن مع ذلك يعطونه ما كان معروفا عند العرب أن السهم هو السدس.


الوصية من الحقوق المتعلقة بالتركة

في الفصل بعده "تخرج الواجبات من رأس المال" الواجبات التي في ذمته يخرجونها من رأس المال، مثل الوصايا يخرجونها من رأس المال إذا كانت لمعين مثلا أو نحوه، قبل قسمة التركة على الورثة، وأما الواجبات في الذمة فإنها تخرج من رأس المال، الديون، في ذمته لفلان ألف، ولفلان ألفان، ولفلان خمسة، فهذه واجبات وحقوق للآدميين، حقوق الآدميين مبنية على المشاحة والمضايقة، ففي هذه الحال تقسم على الورثة، يقسم على الورثة التركة، بعدما تصفى الحقوق وبعدما توفى الديون وبعدما تسدد الكفارات، إذا كان بذمته كفارة، كفارة يمين أو كفارة عتق عن واجب من الواجبات التي يجب بها العتق، فإنها تُخرج من رأس المال كله.

وهكذا أيضا النذور إذا كان قد نذر ولم يوفِ واحتاج هذا النذر إلى مال فإن المال الذي هو كفارة هذا النذر، أو إخراج هذا النذر، فإنها كلها من رأس المال، فإن وصى بها من الثلث زُوحم أصحاب الوصايا، وقيل: يبدأ بها، إذا قال: أخرجوا ثلث تركتي، وأعطوا منه زيدا ألفا، وعمرا خمسة آلاف، وسعدا عشرون ألفا، ثم قال: والباقي أخرجوه في الوصية، وقال مع ذلك: في ذمتي نذر، وفي ذمتي تحرير رقبة، عن ظهار أو نحوه، أخرجوه أيضا من الثلث، نظرنا وإذا الديون مثلا خمسون ألفا، وإذا الكفارة عشرون ألفا، الكفارات كلها، وإذا الثلث ما بلغ إلا خمسة وأربعين ألفا، والحقوق زادت على ستين ألفا، الديون والكفارات ونحوها، كذلك أيضا الوصايا، فيزاحم أصحاب الوصايا.

وقيل: يقدم ما كان عليه من حقوق الله -تعالى- وهي الواجبات: كالكفارات والنذور والأيمان التي مات ولم يكفرها، فإنها تخرج من الثلث، فإن لم يكفِها الثلث رُجع على التركة، رجع أصحاب هذه الحقوق والواجبات إلى التركة التي هي رأس المال، إذا فرضنا أن الوصايا ثلاثون ألفا، والكفارات عشرون ألفا، والثلث ثلاثون ألفا، فهل نبدأ بالكفارات التي هي عشرون ألفا من الثلث أو نبدأ بالوصايا، لأنه رفق بفلان وقال: أعطوه ألفا وفلانا أعطوه خمسة آلاف وفلانا أعطوه عشرة آلاف من باب الرفق بهم، فماذا نقدم؟ هل نقدم الكفارات أو نقدم الوصايا؟ كأنه يختار أنها تقدم على الديون، لأنها بذمته.

الواجبات مثل الكفارات والزكوات والنذور واجبات في الذمة، فإذا كانت واجبات في الذمة فإنها تقدم على الوصايا: الذي أوصى لبشر بمائة، وأوصى لسعد بألف، وأوصى لبكر بعشرين ألفا، نعرف بأنها تبرعات ونقول: وفاء الذي في ذمته للناس أو التزم به أولى من الوصايا، لأن الوصايا تبرع، أعطوا بشرا خمسة آلاف، أعطوا بكرا خمسة آلاف، هذا يعتبر تبرعا، فلا يزاحم التي في ذمته، التي هي حقوق الآدميين، والتي ذكروا أنها مبنية على المشاحة والمضايقة.


شروط الموصى إليه

يقول بعد ذلك: "وتصح إلى كل عدل بكل ما يجوز للموصي فعله" هذا يتعلق بالموصى إليه، الموصى إليه هو الوكيل الذي يوكله، فيقول: أوصيت إلى فلان ليقضي ديني، نظرنا وإذا هو ليس عدل، فلا يكون أهلا للوصية، أوصيت إلى فلان يكفر عني الكفارات التي في ذمتي، نظرنا وإذا هو غير عدل، يمكن أنه كان عدلا في حياة المورث وبعد موته تغير وأصبح فاسقا، أصبح يترك الصلاة وأصبح يشرب الخمور وأصبح يسمع الأغاني والملاهي وما أشبهها، فنقول: لا بد أن يكون الوصي عدلا، إذا كان عدلا حالة الموت ولكن فسق بعد ذلك فإن للقاضي أن يعزله وأن يعين بدله.

يقول: "بكل ما يجوز للموصي فعله" وهذا أيضا قد تقدم في قوله: "ممن يملك التبرع وبما فيه نفع مباح" الموصى به هو ما يجوز للموصي فعله، في حياته هو الذي ينفق على ورثته فله أن يوصي إلى أخيه ويقول: أنفق على ورثتي من بعدي، يصح ذلك لأن أخاه مثلا ثقة ومأمون، ولأن الموصي قد يملك التبرع، أو يجوز له فعل هذه الكفالة وهذه الحضانة ونحوها.

فالموصى إليه: هو العدل الموثوق الذي يؤمن على هذه الوصية مالا أو عيالا أو مواشي، والموصي هو الذي يجوز أن يتصرف في المال، يجوز له أن يوصي بما يجوز له فعله من النفقة على أولاده وتنمية أموالهم، ومن المطالبة بحقوقهم التي عند الآخرين، أو كذلك الوصية بحفظ أو استيفاء ديونه ومخاصمة غرمائه وكل ما له أن يفعله في حياته.


الوصية بالزائد على الثلث

إذا وصى بأكثر من الثلث وقف على إجازة الورثة، سواء كان المورث فقيرا أو غنيا، أوصى بأكثر من الثلث في سبيل الله، إذا لم يجز الورثة فإن الوصية لا تصح، وذلك لأن الحق لهم، يعني: فيما زاد على الثلث، فلهم ألا يوافقوا، لكن لو وافقوا في حياة أبيهم من باب الاحترام، لو قال لهم أبوهم: يا أولادي أنا ثري وعندي أموال، والأموال التي أخلفها تشبعون منها، يمكن أنها تكفيكم وتكفي أولادكم وأحفادكم، فأنا أوصي بالثلث، فوافَقوا في حياته رفقا بوالدهم، وبعد موته رجعوا وقالوا: لا نسمح إلا بما قدره الله. هل يصح رجوعهم؟ يصح، وذلك لأنهم إنما يملكون المال بعد الموت، ما دام مورثهم حيا فإنهم لا يتصرفون في ماله، فهو الآن أوصى وهو حي، ولما أوصى استباحهم فأباحوه، ولما مات قالوا: الآن دخل المال في ملكنا، فلم ينفذوا منه إلا الذي أباحه الله ألا وهو الثلث، فما زاد على الثلث, فإنه لنا وملكنا، لهم ذلك.

وهكذا لو أوصى بأكثر من الثلث، أو أوصى لوارث، أوصى لأحد الورثة وقال: يا أولادي، أخوكم هذا هو الذي نفعني وخدمني، وهو الذي اشتغل معي في تجارتي وفي حرفتي أو في حرثي، أو كان حافظا لماشيتي ونحو ذلك، فأنا أوصي له بربع المال أو بثلث المال، فلهم الرجوع، إذا وافقوا لهم الرجوع في ذلك بعد الموت.

فالحاصل: أن ما زاد على الثلث أو ما كان لوارث يوقف على إجازة الورثة، يقال: إن أجازوه فإنه يعتبر، وإلا فإنه لا يعتبر، لكن يقول: يعتبر من الثلث، يعني هذا المال الذي تبرع به وأوصى فقال: أعطوا ولدي من مالي زيادة على ميراثه ألفا أو مائة ألف، يعتبر من الثلث إذا كان لغير وارث، وأما إذا كان لوارث فإنه يوقف على إجازة الورثة، ويعتبرونه أيضا من الثلث، سواء كان زائدا على الثلث أو أنه لوارث، ولكن إذا أجازوا أكثر من الثلث، فإنه يعتبر إذا أجازوه من رأس المال.

هناك مثلا من يوصي وله مال كثير بمعين فيقول لأولاده، أو يكتب في وصيته: أنا غني وعندي أموال طائلة، والآن أنا أتبرع بعد موتي لفلان بمائة ألف، أحد أقاربه، تبرع له بمائة ألف على أنه يملك ملايين، ولكن كسدت أمواله وفسدت وخسر، ولما مات لم يكن في ملكه إلا مائة ألف، ففي هذه الحال هل تعطى كلها لذلك الوارث، أو لذلك الذي تبرع له وهو أجنبي، هو تبرع بمائة ألف، ونظرنا إلى التركة كلها مائة ألف، فنقول: نعتبر الثلث ثلاثة وثلاثين ألفا، وثلث ألف، باعتبار الموت، عندما مات ثلث تركته ثلاثون ألفا وثلاثة آلاف وثلث ألف، فهذا هو الثلث الذي يملكه، وكونه أوصى بمائة ألف كان ذلك لما كان غنيا، عنده مليون أو ملايين، والآن ما عنده إلا هذه المائة التي أوصى بها لفلان.

وقد يوصي بأكثر، قد يقول: إذا مت أعطوا فلانا مائة، وفلانا مائة، وفلانا مائتين، وفلانا عشرين ومائة ونحو ذلك، ثم يعيش حتى تكسد أمواله وحتى يخسر ولا يبقى له من أمواله إلا مائة ألف أو نحوها، فنقول: إن الثلث يعتبر عند الموت، لا يعتبر عند ذلك الوقت الذي تبرع فيه بهذه التبرعات، لأن الثلث إنما يكون حالة الموت، نحسب الثلث في حالة الموت، أما قبل خمس سنين كان ثلثك كثيرا، والآن ثلثك قليل.

وهكذا لو قال: إذا مت فأعطوا فلانا مائة ألف، وكان ذلك الوقت فقيرا، ما عنده إلا ثمانون ألفا، ولكن رزقه الله، وكثر ماله، ولما مات كان عنده ملايين، فإنه تنفذ الوصية، فإذا قالوا: إنه عندما كتبه كان رأس ماله مائة وعشرين ألفا، وقد تبرع بمائة ألف، معنى ذلك أنه في ذلك الوقت متعمد أن يضر الورثة ولا يبقي لهم إلا سدس التركة وخمسة أسداسها أعطاها لفلان. الجواب: نعم في ذلك الوقت لو مات لحجر عليه، ولما أعطي ذلك المتبرع له إلا ثلث المائة والعشرين، وأما الآن فقد زادت أمواله، وصلت إلى مليون أو ملايين، نعطي هذا الموصى له مائة ألف كاملة، أو مائة وعشرين ألفا، أو ثلاثمائة ألف، لأنها لا تخل باقتصاده، ولأنها قليلة بالنسبة إلى أمواله، ولأن الورثة يرثون أكثر من ثلثيها، هذا معنى قوله: "يعتبر الثلث عند الموت" يعني نحسب الثلث بأنه ثلث التركة عند الموت.

ويعتبر كونه وارثا عند الموت، فمثال ذلك لو قال: إذا مت فأعطوا أخي من تركتي عشرين ألفا، لأنه لا يرثني، حيث أن لي ولد، مات ولده قبل أن يموت، ولما مات ولده ثم مات بعد ذلك ورثه أخوه، فهل نعطيه هذه الوصية؟ ما نعطيه، لأن العبرة بكونه وارثا أو غير وارث العبرة بالموت، وهاهنا حالة الموت كان وارثا، فليس له إلا ميراثه لهذا الحديث: « إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه -يعني: من الميراث- فلا وصية لوارث »12
وعكس ذلك، مثاله إذا قال: إذا مت فأعطوا أخي مائة ألف، وكان أخوه في ذلك الوقت وارثا، ثم إنه ولد له فحجبه ولده، حُجِب أخوه وأصبح لا يرث، فهل نعطيه تلك الوصية؟ نعطيه إذا كانت تخرج من الثلث، هذا معنى قوله: يعتبر الثلث عند الموت، ويعتبر كونه وارثا عند الموت.

يقول: "وتجمع الحرية في بعض العبيد في القرعة إن عجز ثلثه" تجمع في واحد منهم بالقرعة، دليل ذلك حديث عن عمران بن حصين: « أعتق رجل ستة أعبد له عند الموت لم يكن له مال غيرهم، فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة »13 فدل ذلك على أنه لا يصح أن يعتق أكثر من الثلث، إذا كان له عبيد قيمتهم أكثر من الثلث، فلا يصح أن يعتق إلا بقدر الثلث، وإذا أعتقهم صح ردهم، جاز أن يُردّ إلى ملك الورثة، ويعتق منهم بقدر الثلث بالقرعة، هذا معنى "تجمع الحرية في بعض العبيد بالقرعة إن عجز ثلثه" أما إذا كانوا يخرجون من الثلث فإنهم يعتقون، لو نظرنا في بقية أمواله، وإذا هي تساوي قيمة هذه العبيد مرتين أو أكثر فإنهم يعتقون كلهم إذا أوصى بعتقهم.

وكذلك لو أعتق ثلثهم، لو قال مثلا: إذا مت فأعتقوا ثلث عبيدي، فإنهم يجمعون في واحد ويقرع بينهم، إذا كان له ثلاثة أعبد وأوصى بأن يعتق ثلثهم فنقرع بين الثلاثة ونقول: الواحد الذي تصيبه القرعة هو الذي يعتق، والبقية يبقون في الملك، هذا معنى أنها تجمع وصية بعض العبيد بالقرعة إذا عجز ثلثهم، كما يخرج بها من أشكل، يخرج بها من أشكل إذا قال: أعتقوا واحدا من عبيدي، كل من العبيد يقول: أنا أنا، فيُقرَع بينهم ويعتَق واحد منهم، كما لو طلق واحدة من نسائه ولم يعين فإنها تعين بالقرعة، هذا معنى قوله: يخرج بها من أشكل.


الوصية بجميع المال

يقول: "وتصح بكل ماله حيث لا وارث" أي: تصح الوصية بجميع المال إذا لم يكن له ورثة، إذا قدرنا أن إنسانا حضره الأجل وليس له أولاد ولا أحفاد ولا أعمام ولا أخوال ولا أقارب ولا أباعد ولا عصبة بعيدون أو قريبون، فإنه له أن يوصي بجميع ماله، لأنه ما منع من أكثر من الثلث إلا لحق الورثة، والآن ليس هناك ورثة، فيصح أن يوصي بكل ماله.


العطية المنجزة

ذكر بعد ذلك العطية المنجزة، إذا كان في مرض موته المخوف أو كالمخوف، فإنها توقف على الموت، إذا أوصى، إذا أعطى في مرض موته، في مرض موته المخوف قال: أعطوا فلانا مائة، أعطوا فلانا ألفا، أعطوا فلانا عشرة آلاف، أعطوا فلانا مائة ألف، وهو مريض، هل نعطيهم وهو مريض؟ ما نعطيهم، بل نترك الأمر، فإن شفي فإنه يعطيهم، إذا شفي وزال ذلك المرض فإنه يعطيهم ولو كل ماله، وإن توفي فإننا نعطيهم من الثلث، إذا خرجت هذه العطايا من الثلث نفذناها، وإلا فإنها لا تنفذ إلا بقدر الثلث، هذه المنجزة، يعني: العطايا المنجزة في مرض موته المخوف.

أو ما يلحق بالمخوف، ما مثاله؟

أولا التحام الحرب، إذا تلاقى الصفان وهم متكافئان، الكفار والمسلمون، وتلاقيا، ثم إنه قال: يا فلان وفلان، أعطوا أخي كذا، وأعطوا ابن أخي كذا، وأعطوا عمي، وأعطوا خالي، فهذه تلحق بالعطية ولكن لا ننفذها إلا إذا أمن، فما دام أن القتال ملتحم فإننا نخشى أنه لا يبقى له شيء، نخشى أنه يموت وتتعلق الحقوق بتركته، حقوق ورثته.

ثانيا : هيجان البحر، إذا كان في لجة البحر، ويخاف الغرق، في هذه الحال لو قال في تلك الحال: يا أخي، أعطوا من تركتي عمي فلان وابن عمي فلان وخالي وابن خالي، فهل نعطيهم؟ ما نعطيهم، لأنه يخشى أن يموت، يخشى أن يحصل الغرق بهذه السفينة عندنا هيجان البحر، فإذا مات بذلك الحال فلا يعطون إلا من الثلث ما لم تُجِز الورثة، فإذا أمن ونجوا من البحر فعند ذلك يكون هو الذي يتصرف.

ثالثا : الطاعون، المرض، الوباء الذي كان قديما يصيب كثيرا من الناس ويموت فيه العشرات والمئات والألوف، فإذا وقع الطاعون في بلده، فقال: أعطوا فلانا ألفا، وأعطوا فلانا عشرة آلاف، وأعطوا فلانا مائة ألف من مالي، فهل نعطيهم في مثل تلك الحال؟ ما نعطيهم إلا إذا زال الطاعون، مخافة أن يموت والحقوق قد تعلقت بالتركة.

والطلق خاص بالمرأة، إذا أخذها الطلق الذي هو الولادة، ويخشى أنها تموت، وإن كان ذلك قليلا، ولكن الحالة شديدة، فإذا قالت وهي في تلك الحال: أعطوا أختي كذا من مالي، وأعطوا عمتي، وأعطوا خالتي من مالي، فلا يعطون في تلك الحال، مخافة أنها تموت، فيعود إلى الثلث.

رابعا أو خامسا إذا قدم لقصاص، الذي وجب عليه القصاص وعرف بأنه مقتول، في هذه الحال معلوم أنه قد أيس من الحياة، فإذا قال: أعطوا أخي من مالي ألفا، وابن أخي ألفين، ونحو ذلك، فلا نعطيهم في تلك الحال، فإذا مات أو قُتِل يُعطَون على ما يأتي.

يقول: إن اتصل بهم الموت فإنها لا وصية، يعني: التحام الحرب وهيجان البحر والطاعون والطلق والتقديم للقصاص إذا اتصل بهم الموت فتبرعاتهم وصية، إذا تبرع أحدهم في تلك الحال فإنها وصية لا تنفذ إلا بعد الموت، ولكن إذا نفذت فإنها تخالف الوصية تكون عطية، لكنها تخالف الوصية في أربعة أشياء، في أربعة أحكام:

الأول : كونها لازمة، الوصية ليست لازمة والعطية لازمة، لأن الوصية يجوز له أن يتراجع فيها، وأما هذه فإنها عطية، وقد تكون مكافأة، فتكون لازمة هذا خلاف للوصية.

الثاني : أنه يبدأ بالأول فالأول عند ضيق الثلث، بخلاف الوصية فإنهم يستحقونها جميعا، ويتساوون فيها عند ضيق الثلث. صورة ذلك إذا قال في يوم السبت وهو مريض: أعطوا ابن أخي ألفا، ثم في يوم الأحد قال: أعطوا عمي خمسة آلاف، ثم في يوم الاثنين قال: أعطوا ابن أخي ثمانمائة -ابن أخي الثاني- في يوم الثلاثاء: أعطوا خالي ألفين، نظرنا وإذا هم الأربعة، وإذا مجموع الوصايا لهم ثمانية آلاف، وإذا الثلث لا يقوم بكفايتهم، الثلث خمسة آلاف والوصايا ثمانية، كيف نفعل؟ نرتبهم، نعطي صاحب يوم السبت، نبدأ به، ثم بعده صاحب يوم الأحد، ثم بعده إن بقي شيء فصاحب يوم الاثنين، فإذا فنيت فالذي في يوم الاثنين والذي في يوم الثلاثاء ليس له شيء، وذلك لأنه مسبوق.

الوصية ليست كذلك، الوصية يسوون فيها، لو أنه مثلا أوصى في سنة أربعمائة وعشرين لفلان بخمسة آلاف، ثم في سنة إحدى وعشرين أوصى لآخر بألفين، وفي سنة اثنين وعشرين أوصى لآخر بخمسة آلاف، وفي سنة ثلاث وعشرين أوصى لآخر بخمسة آلاف، ففي هذه الأحوال إذا مات فإننا نسوي بينهم إذا ضاق الثلث نجمع ألوفهم، أنت يا هذا القديم لك ألفان، وأنت الذي بعده لك خمسة، وأنت الذي بعده لك ثلاثة، وأنت الذي بعده لك خمسة، جمعناها وإذا هي عشرون، ولكن الثلث فإنما هو عشرة فلكل واحد منكم النصف، ولا يقل صاحب أربعمائة وعشرين أعطوني، لأني أنا المتقدم، ثم يقول الذي بعده: أنا الذي أليه، نقول: كلكم سواء لأنكم تستحقون الوصية بالموت، والموت حصل سنة أربعمائة وعشرين، فنسوي بينكم ونقسم المال على قدر عطياتكم إذا ضاق الثلث، هذا معنى أنه في العطية يبدأ بالأول عند ضيق ثلثه، والوصية بخلافه بل يسوى بينهم، هذا الثاني.

الثالث، يقول: يسوى بين الأول والآخر هذا في الوصية، وأما في العطية فيقدَّم الأول، الثالث: أن العطية تنفيذ، وأما الوصية فإنها تبرع، يعني من الوارث ونحوه، ومعنى كونها تنفيذا أنها تنفيذ لهذه العطية التي تبرع بها الموصي، وإذا كانت تنفيذا فإنه يتبعها نتاجها ونحوه، فمثلا إذا قال وهو مريض: هذه الشاة أعطوها زيدا، ثم بعد يوم هذه الناقة أعطوها سعدا، وعاش مثلا ستة أشهر، وولدت الشاة وولدت الناقة، فهل ولدها يتبعها أو لا يتبعها، ويكون للورثة؟ الصحيح أنه يتبعها، وذلك لأن العطية تنفيذ، وأما الوصية بما زاد عن الثلث فإنها تبرع من الوارث.

يقول: "ويعتبر ردها وقبولها من حينها" مثاله: إذا قال في يوم السبت: أعطوا زيدا هذه الشاة، فقال زيد: قبلتها، دخلت في ملكه من يوم السبت، فإذا قال: رددتها، فإنها تكون للورثة، وولدها يتبعها في القبول أو الرد، هذا معنى قوله: يعتبر ردها وقبولها من حينها، والوصية إنما تملك حين الموت، وإذا ملكت الوصية فإنها بعد القبول أو بعد الموت يتبعها نماؤها، فلو أنه قال: هذه النخلة بحملها أعطوها زيدا، وهو مريض، مات الموصي فإنها لزيد وحملها تبع، حتى ولو صرم حملها، حملها لزيد.

وكذلك ولد الشاة لزيد ولو ولدت في حياته فإنها إذا قبلها في حياته في ذلك الوقت دخلت في ملكه، وأما الوصية فلا يتبعها غلتها، إذا قال مثلا: إذا مت فأعطوا هذه الشجرة أو هذه النخلة لزيد، ومات بعد أن صُرمت فهل ثمرتها لزيد؟ لا تكون له، لأنها ما دخلت في ملكه إلا بعد الموت، والله أعلم.
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه للمنتدى
نفع الله بكم امين
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

غير أنه إن أراد أحد أن يهب لاولاده وهو حي فليعدل بينهم في الهبة رجالاً ونساءً ولايفضل بعضهم على بعض ولايعتبرها قسمة تركة، أما قسمة التركة بين ورثته وهو حي فخطأٌ ظاهر
:k69:​
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

نتائج عدم العدل بين الأولاد :
وبما أن العقوق محرم ، ومن أكبر الكبائر ، فلذا كان كل ما يؤدي إلى العقوق حرام ، ومن أعظم ذلك ، عدم العدل بين الأولاد في الهدية والعطية والهبة والصدقة ، فالتمييز بين الأولاد والتفريق بينهم في أمور الحياة سبب للعقوق ، وسبب لكراهية بعضهم لبعض ، ودافع للعداوة بين الأخوة ، وعامل مهم من عوامل الشعور بالنقص ، وظاهرة التفريق بين الأولاد من أخطر الظواهر النفسية في تعقيد الولد وانحرافه ، وتحوله إلى حياة الرذيلة والشقاء والإجرام .
المفاضلة بين الأولاد خطيرة ، ومن أعظم العوامل التي تسبب الانحراف عن منهج الشريعة الصحيحة ، والصراط المستقيم ، بل سبب مباشر للعقوق ، وقد يسبب القتل والعياذ بالله ، والواقع خير شاهد على ذلك .
والمفاضلة تختلف ، فمنها المفاضلة في العطاء ، والمفاضلة في المعاملة ، والمفاضلة في المحبة ، أو غير ذلك من المفاضلة والتمييز الذي ذمه الشرع وحرمه ومنعه ، لما يسببه من أسباب وخيمة ، وعواقب جسيمة ، وهناك من الآباء والأمهات من لا يعدل بين أبنائه ظلماً وجوراً ، وإجحافاً وتعسفاً . فيقع في الحرام وقد لا يدري .
وكم هي المآسي والأحزان التي تعج بها بعض البيوت نتيجة للظلم والتمييز العنصري ، والتفريق بين الأبناء ، وعدم العدل بينهم ، مما تسبب في وجود الكراهية والبغضاء بين الأخوة في البيت الواحد ، والسبب هم الآباء ، وعدم اتباع الكتاب والسنة في مثل تلك الأمور والمنحدرات الخطيرة التي تؤدي بالأسرة إلى الهاوية والعياذ بالله .
فظاهرة عدم العدل بين الأولاد لها أسوأ النتائج في الانحرافات السلوكية والنفسية ، لأنها تولد الحسد والكراهية ، وتسبب الخوف والحياء ، والانطواء والبكاء ، وتورث حب الاعتداء على الآخرين لتعويض النقص الحاصل بسبب التفريق بين الأولاد ، وقد يؤدي التفريق بين الأولاد إلى المخاوف الليلية ، والإصابات العصبية ، وغير ذلك من الأمراض الغير عضوية ، مما يضطر الكثير من الأولاد إلى مراجعة مستشفيات الصحة النفسية ، وهناك تشتد الآلام أكثر مما كانت عليه من ذي قبل ، فمثل هذه المصحات لا فائدة ترجى منها ، بقدر ما هي زيادة في المرض كما هو معلوم لدى الكثير ممن يراجعها .
وهنا أمر مهم يدخل ضمن المفاضلة في المحبة ، وهو تفضيل محبة بعض الأحفاد على بعض ، فقد يكون للأب أو الأم ، أبناء وبنات ، فيتزوجون وينجبون ذرية ، فلا يكون هناك عدل من قبل الأجداد في العدل في محبة أبناء الأبناء ، وقد يكون ذلك واضحاً جلياً ، فيكون هناك انحياز لبعض الأحفاد على حساب بعض ، وهنا تقع الكارثة والمصيبة الكبرى ، من البغض والكره والغيظ للأجداد من الأبناء والأحفاد ، نظراً لعدم التسوية في الملاطفة والمحبة ، ونظراً لعدم العدل بين الأبناء ، وأبناء الأبناء ، فاتقوا الله أيها الآباء والأجداد في العدل بين أبنائكم وأحفادكم ، فلا أعز من الولد إلا ولد الولد ، وعاملوهم كما تحبون أن يعاملوكم به .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

أسباب التفضيل بين الأبناء :
البعض من الآباء قد يفضل بعض الأبناء على بعضهم لأسباب قد يراها موافقة له على ذلك ، والصحيح عكس ما كان يعتقد ، فمن تلك الأسباب :
1- أن يكون الطفل من الجنس الغير مرغوب فيه جهلاً لكونه أنثى :
ما ذنب الطفل إن ولد في حياته أنثى ، لقد حث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على العناية بالبنات ورعايتهن أشد رعاية والاهتمام بهن وعدم عضلهن ، وأنهن الحجاب من النار إذا أحسنت تربيتهن ، فقال صلى الله عليه وسلم : [ من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين ] وضم أصابعه ( رواه مسلم ) . ـ أي من رعى بنتين وقام عليهما بالمؤونة والتربية جاء مصاحباً لنبي الله صلى الله عليه وسلم ـ ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ من ابتلي ـ أي اختبر ـ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار ] ( متفق عليه ) ، فهل أحسنت إلى ابنتك أنت ؟ أم أهنتها وأذقتها المرارة ؟ وجرعتها كأس الحرمان من الزواج من أجل تلك الوظيفة والعقبة الدنيئة ، قال صلى الله عليه وسلم : [ اللهم إني أحرج حق الضعيفين ، اليتيم والمرأة ] ( رواه النسائي وغيره بإسناد حسن ) ، ومعنى ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم يلحق الإثم بمن ضيع حقهما ، وحذر من عاقبة ذلك تحذيراً بليغاً . وقال صلى الله عليه وسلم : [ إن شر الرعاء الحطمة ، فإياك أن تكون منهم ] ( متفق عليه ) ومعنى الحطمة : العنيف برعاية الإبل ، فقد ضربه النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لوالي السوء ، الذي يظلم من هو تحت ولا يته من أهل وغيرهم ، وما فيه من قسوة وجلافة ، وعنف وعدم رحمة ، وبعده عن الرفق والشفقة . وقال صلى الله عليه وسلم : { استوصوا بالنساء خيرا } ( متفق عليه ) .
2- أن يكون الابن قليل الحظ من الجمال أو الذكاء ، وما جريمة الطفل إذا كان قليل الجمال ، أو دميم الخلقة ، أو كان قليل الذكاء ، أو لم ذا ذكاء فارط ، حتى يخترع الصواريخ والسفن الفضائية ، فهذه الأمور ليست بيد أحد من الخلق أجمعين ، بل بيد الله وحده سبحانه العليم الحكيم ، الذي خلق كل شيء بقدر ، ولهذا قال تعالى : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " فإن كان الأمر بيد الله تعالى ، والأمر إليه من قبل ومن بعد فلا يحق للآباء أن يفضلوا بين أبنائهم من أجل أمور خارجة عن إرادة البشر أجمعين ، بل قد يكون هناك من الآباء من أهو أشد غباءً من ابنه ، ومع ذلك يفضل بعض الأبناء على بعض بسبب تلك الظاهرة .
3- أن يكون أحدهم محبوباً دون الآخرين لكثرة حركته أو قلة حركته ، فهذه كسابقتها ، لا يجوز لأحد أن يفرق بين أبنائه في التعامل والعطية والمحبة من أجل مثل ذلك الأمر ، فمن كان السكون طبعه فكل الناس يرجو مثل هذا الولد ، ومن كان مشاكساً ومشاغباً وكثير الحركة ، فالتعليم يجدي فيه ، بأن يكتسب الهدوء والسكينة بما يتلقاه من التعليم من قبل الوالدين ، وليس هذا مسوغاً في التفريق بين الأبناء في المعاملة .
4- أن يكون أحدهم مصاباً بعاهات جسدية ظاهرة ، فهذا بدل التفريق يحتاج إلى الكثير من الحنان والمحبة ، حتى يخرج من محنته التي هو فيها ، فقد تكون هذه العاهات سبباً لتسميته بها ، وهذا أمر محرم بنص الكتاب الكريم فقد قال الله تعالى : " ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب " قال بن كثير رحمه الله : لا تتداعوا بالألقاب وهي التي يسوء للشخص سماعها . وقال بن جرير الطبري : والذي هو أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره ، نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب ، والتنابز بالألقاب : هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة ، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه أو صفة يكرهها .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

واجب الوالدين نحو الأولاد :
فعلى الوالد والوالدة أن يتقوا الله تعالى وأن يعدلوا بين أبنائهم في كل أمور حياتهم ، ولا يفرقوا بين أحد منهم ، فهم أبناء بطن واحد ورجل واحد ، وجاء في الحديث في الإحياء ، قوله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله والداً أعان ولده على بره " [ والحديث ضعيف ضعفه الألباني والحافظ العراقي انظر الضعيفة 1946] ، لكن معنى الحديث صحيحاً ، فالعدل بين الأولاد من أعظم أسباب الإعانة على البر ، وعلى النقيض من ذلك ، فالتفريق بين الأولاد من أعظم أسباب العقوق والهجر والكراهية .
يقول يزيد بن معاوية : أرسل أبي إلى الأحنف بن قيس ، فلما وصل إليه قال له : يا أبا بحر ، ما تقول في الولد : قال يا أمير المؤمنين : ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، ونحن لهم أرض ذليلة ، وسماء ظليلة ، وبهم نصول على كل جليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، وإن غضبوا فأرضهم ، يمنحوك ودهم ، ويحبونك جهدهم ، ولا تكن عليهم ثقلاً ثقيلاً ، فيملوا حياتك ، ويودوا وفاتك ، ويكرهوا قربك ، فقال له معاوية : لله أنت يا أحنف ، لقد دخلت علي وأنا مملوء غضباً وغيظاً على يزيد ، فلما خرج الأحنف من عنده ، رضي عن يزيد وبعث إلى يزيد بمائتي ألف درهم ، ومائتي ثوب . [ إحياء علوم الدين 2/295 ] .
وجاء رجل إلى عبدالله بن المبارك يشكو إليه ولده ، فقال : أدعوت عليه ؟ قال : نعم ، قال : أنت أفسدته . وهذا أمر خطير وهو الدعاء على الأولاد ، فكما أن الدعاء لهم مستجاب إن شاء الله فالدعاء عليه مستجاب أيضاً . فليحذر الآباء من الدعاء على الأبناء في كل صغير ة وكبيرة ، فهذا من أشد الأمور خطراً في انحراف الأولاد . قال صلى الله عليه وسلم : " ثلاث دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده " [ أخرجه ابن ماجة وغيره وصححه الألباني ] ، فانتبهوا أيها الأخوة فالأمر خطير ، والخطب جسيم ، فليس هناك أمر يدعو الآباء للدعاء على أبنائهم ، فالكل يخطئ ، والواجب على الآباء والأمهات ، أن يكثروا من الدعاء لأبنائهم ، فهم فلذات الأكباد ، وهم عماد الأمة ، وهم زينة الحياة الدنيا ، فكم هم الذي حرموا الإنجاب ، ويسعون في الأرض بحثاً عن سبب أو طريقة تعينهم بعد الله على الإنجاب ، فنعمة الأولاد لا يعرفها إلا من حرمها ، وكذا كل نعمة لا يعرف قدرها إلا من حرمها . فالواجب على الآباء والأمهات أن يتحينوا أوقات إجابة الدعاء ويدعوا لأبنائهم بالهداية والصلاح واتباع نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وعليهم أن يتخذوا الأسباب المؤدية إلى ذلك ، من المحافظة على الأبناء من أصدقاء السوء وأهل الشر والفساد ، وعدم السماح لهم بالخروج كل وقت وحين ، وإذا خرجوا كانوا تحت الملاحظة خصوصاً في زمن الفضائيات وكثرة الانفتاحية التي عمت أنحاء العالم ، وعدم إعطائهم المال بدون سبب ، فهو سبيل للوقوع في شرب الدخان ومن ثم فهو بوابة للدخول في عالم المخدرات ، والنتيجة هي الجنون أو الانتحار أو السجن أو القصاص والعياذ بالله ، وهناك أسباب أخرى ليس هذا هو محل بحثها واستقصائها ، ولكن من قبيل التعريج عليها لأنها تخص ما نحن بصدده من العقوق والبر ، والعدل بين الأولاد .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

أدلة وجوب العدل بين الأبناء :
ولقد جاءت الآيات والأحاديث متضافرة مشهورة معلومة ، دالة على وجوب العدل ، محذرة من الحيف والظلم والجور ، أو التفريق بين الأبناء في الهبات والعطايا ، فمن الكتاب العزيز :
1- قوله تعالى : " وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم " .
2- قال تعالى : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " .
3- قال تعالى : " وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون " .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

وأما الأدلة على العدل من السنة المطهرة فإليكم طرفاً منها :
1- عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولُوا " [ أخرجه مسلم واللفظ له والنسائي ] .
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة ، فإذا أوصى وصية حاف في وصيته فيختم له بشر عمله ، فيدخل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله ، فيدخل الجنة " قال أبو هريرة : واقرأوا إن شئتم { تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } " [ أخرجه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح غريب ، وأخرجه ابن ماجة ] .
3- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ، ثم بدا له ، فقالت : لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبت لابني ، فأخذ أبي بيدي ، وأنا غلام فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله إن أم هذا ، بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟ قال : نعم ، فقال : " أكلهم وهبت له مثل هذا ؟ قال : لا ، قال : " فلا تشهدني إذاً ، فإني لا أشهد على جور " [ أخرجه مسلم ] .
4- وعند البخاري والنسائي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فكل بنيك نحلت مثل الذي نحلت النعمان ؟ قال : لا ، قال : فأشهد على هذا غيري ، قال : " أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟ قال : بلى ، قال فلا إذاً " .
5- وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أشهد ، إني لا أشهد إلا على حق " . وفي رواية عند البخاري : " اعدلوا بين أولادكم في العطية " ، وفي رواية أخرى أيضاً عند البخاري : " أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ قال : لا ، قال : " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال : فرجع فرد عطيته .
6- وفي رواية قال له : " فاردده " ، فرجع في هبته .
7- وروى ابن أبي الدنيا بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اعدلوا بين أولادكم في النحل ، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف " [ حديث صحيح 1 172 ] .
8- قال صلى الله عليه وسلم : " اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم " [ أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم بسند صحيح ، وصححه الألباني ] .
9- وفي صحيح مسلم أن امرأة بشير قالت له : انحل ابني غلاماً وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلاماً ، قال : " له أخوة " ، قال : نعم ، قال : " أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته ؟ " قال : لا ، قال : " فليس يصلح هذا ، وإني لا أشهد إلا على حق " .
10- وقال الحسن : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ جاء صبي حتى انتهى إلى أبيه ، في ناحية القوم ، فمسح رأسه وأقعده على فخذه اليمنى ، قال : فلبث قليلاً ، فجاءت ابنة له حتى انتهت إليه ، فمسح رأسها وأقعدها في الأرض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فهلا على فخذك الأخرى " ، فحملها على فخذه الأخرى ، فقال صلى الله عليه وسلم : " الآن عدلت " .
11- وروي عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ضم ابناً له ، وكان يحبه ، فقال : يا فلان ، والله إني لأحبك ، وما أستطيع أن أوثرك على أخيك بلقمة . [ إسناده مقبول ] .
12- ويهيمن على كل تلك الأدلة هذا الدليل العظيم الخطورة ، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " [ متفق عليه ] .
ومن لم يعدل بين أولاده أو يساوي بينهم بالمعروف وبالحق والقسطاس المستقيم ، فقد نكب عن جادة الصواب ، وغالط نفسه ، ولم يأبه بالأدلة ، فهو غاش لأولاده ، وظالم في عدم التسوية بينهم . فهو مستحق للعقوبة والعياذ بالله .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

قال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله تعالى :
لا تجوز الشهادة في مثل ذلك لا تحملاً ولا أداءً ، وقال العلماء : يجب الإنكار على من خالف ففضل بعض أولاده على بعضهم في الهبة ، لأنه حيف وظلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم أنكر على بشير بن سعد رضي الله عنه تفضيله ولده النعمان على إخوانه . والحق الذي لا شك فيه وجوب التسوية بين الأولاد ، لما فيه من المصالح الكبيرة ، ودفع المضار والمفاسد الوخيمة . [ توضيح الأحكام 4/263-265 ] .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

سؤال :
يقول السائل والده توفي ، وقد قسم تركته بين أولاده الثلاثة وبناته الثلاث قبل موته ، لكنه زاد الذكور ، فأعطى كل واحد من الذكور الثلاثة قطعة أرض لبنائها ، وقام كل واحد منهم ببناء أرضه وسكنها هو وأولاده ، فهل للأخوات حق في تلك الأراضي ؟
الجواب :
إذا كانت الأخوات قد رضين بذلك ، فلا حرج عليكم ، وإن كن لم يرضين فالواجب إعطاؤهن حقهن من الأرض مقسماً لهن على حساب الميراث ، للذكر مثل حظ الأنثيين . [فتاوى اللجنة الدائمة 16/237 ] .
وكما أنه لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث ، فكذلك لا يجوز تفضيل الإناث على الذكور ، وتخصيصهن بعطية أو هبة أو صدقة دون الذكور ، فهذا لا يجوز ومن فعل ذلك فقد ارتكب إثماً عظيماً . ولا يحل لأب أن ينحل بعض أولاده على بعض ، ومن فعل ذلك بالكلام دون التسليم والقبض ، أو فعله وهو في مرض الموت ، أو المرض المخوف ، فهذا مردود باتفاق العلماء إلا خلافاً شاذاً لا يُعتد به . وأما إن قبض بعض الأبناء ما أعطي لهم ، ففيه خلاف بين العلماء ، والصواب في ذلك أن عليهم رده شرعاً ، وهو الذي تشهد له الأدلة السابقة ، وعليهم أن يقتسموه بينهم وفق ما جاء في كتاب الله تعالى ، للذكر مثل حظ الأنثيين . والعلم عند الله تعالى . [ مجموع الفتاوى 31/296-297 ] .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

أقوال العلماء في العدل بين الأولاد :
يقول البخاري رحمه الله :
إذا أعطى الوالد بعض ولده شيئاً لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخر مثله .
واختلف العلماء في وجوب التسوية بين الأولاد في العطية إلى قولين :

القول الأول :
ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن التسوية بينهم في العطايا مستحبة ، وليست واجبة . لأن الصديق رضي الله عنه فضل عائشة رضي الله عنها على غيرها من أولاده في الهبة ، وفضل عمر رضي الله عنه ابنه عاصماً بشيء من العطية على غيره من أولاده . ولأن في بعض روايات حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما : " فأشهد على هذا غيري " ما يدل على الجواز . [ الموسوعة الفقهية 11/359 ] .
ويجاب على ذلك بجوابين :
الأول : أما من جهة ما أعطاه الصديق لعائشة رضي الله عنها ، فقد قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى :
لا يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول أبي بكر ولا قول غيره ، لكن يُجمع بين حديث النعمان بن بشير وحديث عائشة : أن أباها نحلها جذاذ عشرين وسقاً ، يحتمل أن أبا بكر رضي الله عنه خصها لحاجتها وعجزها عن الكسب ، والسبب مع اختصاصها بفضلها ، وكونها أم المؤمنين ، وغير ذلك من فضائلها ، ويحتمل أن يكون نحلها ونحل غيرها من ولده ، أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه الموت قبل ذلك ، ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه . [ مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 9/220 ] .
والثاني : من جهة قوله صلى الله عليه وسلم : " فأشهد على هذا غيري " ، فقد قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
قوله صلى الله عليه وسلم : " أشهد على هذا غيري " ، هذا أمر تهديد لا إباحة ، فإن تلك العطية كانت جوراً بنص الحديث ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن لأحد أن يشهد على صحة الجور ، ومن ذا الذي كان يشهد على تلك العطية ، وقد أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشهد عليها ، وأخبر أنها لا تصلح ، وأنها جور ، وأنها خلاف العدل . ومن العجيب أن يحمل قوله : " اعدلوا بين أولادكم " على غير الوجوب ، وهو أمر مطلق مكرر ثلاث مرات ، والعدل واجب في كل حال فلو كان الأمر به مطلقاً لوجب حمله على الوجوب ، فكيف وقد اقترن به عشرة أشياء تؤكد وجوبه ، فتأملها في ألفاظ القصة . [ تحفة المودود بأحكام المولود 385 ] .
القول الثاني :
وذهب الحنابلة ، وأبو يوسف من الحنفية ، وهو رواية عن الإمام مالك ، وهو قول ابن المبارك وطاووس ، إلى وجوب التسوية بين الأولاد في الهبة ، فإن خص بعضهم بعطية ، أو فاضل بينهم فيها ، فهو آثم ، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين :
إما رد ما فضل به البعض ، وإما إتمام نصيب الآخرين ، ويشهد لذلك حديث النعمان بن بشير بجميع ألفاظه . [ الموسوعة الفقهية 11/359 ] .
الراجح :
والقول الراجح في ذلك هو القول الثاني ، وهو وجوب التسوية بين الأبناء في العطية والهبة ، وهو القول الذي تسنده الأدلة .

أما أقوال المعارضين ومن قال بعدم وجوب التسوية ، فقد احتجوا بعدة أمور ، وأجاب عنها الحافظ بن حجر رحمه الله ، وقد احتجوا بالندب وعدم الوجوب بعشرة وجوه وإليكها للفائدة :
الوجه الأول :
أن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده ولذلك منعه فليس فيه حجة على منع التفضيل حكاه بن عبد البر عن مالك بالإجماع بأن كثيراً من طرق حديث النعمان صرح بالبعضية وقال القرطبي ومن أبعد التأويلات أن النهي إنما يتناول من وهب جميع ماله لبعض ولده كما ذهب إليه سحنون وكأنه لم يسمع في نفس هذا الحديث أن الموهوب كان غلاما وأنه وهبه له لما سألته الأم الهبة من بعض ماله قال وهذا يعلم منه على القطع أنه كان له مال غيره .
الوجه الثاني :
أن العطية المذكورة لم تتنجز وإنما جاء بشير يستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأشار عليه بأن لا تفعل فترك حكاه الطحاوي وفي أكثر طرق حديث الباب ما ينابذه .
الوجه الثالث :
أن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الموهوب فجاز لأبيه الرجوع ذكره الطحاوي وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث أيضا خصوصا قوله أرجعه فإنه يدل على تقدم وقوع القبض والذي تضافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضاً له لصغره فأمر برد العطية المذكورة بعد ما كانت في حكم المقبوض .
الوجه الرابع :
أن قوله أرجعه دليل على الصحة ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع وإنما أمره بالرجوع لأن للوالد أن يرجع في وهبه لولده وأن كان الأفضل خلاف ذلك لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به وفي الاحتجاج بذلك نظر والذي يظهر أن معنى قوله أرجعه أي لا تمض الهبة المذكورة ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة .
الوجه الخامس :
أن قوله أشهد على هذا غيري إذن بالإشهاد على ذلك وإنما أمتنع من ذلك لكونه الإمام وكأنه قال لا أشهد لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم حكاه الطحاوي أيضا وارتضاه بن القصار وتعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه وقد صرح المحتج بهذا أن الإمام إذا شهد بعض نوابه جاز وأما قوله إن قوله أشهد صيغة إذن فليس كذلك بل هو للتوبيخ لما يدل عليه بقية ألفاظ الحديث وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع وقال بن حبان قوله أشهد صيغة أمر والمراد به نفي الجواز وهو كقوله لعائشة اشترطي لهم الولاء انتهى .
الوجه السادس :
التمسك بقوله ألا سويت بينهم على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي التنزيه وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولا سيما أن تلك الرواية بعينها وردت بصيغة الأمر أيضا حيث قال سوي بينهم .
الوجه السابع :
وقع عند مسلم عن بن سيرين ما يدل على أن المحفوظ في حديث النعمان قاربوا بين أولادكم لا سووا وتعقب بأن المخالفين لا يوجبون المقاربة كما لا يوجبون التسوية . الوجه الثامن :
في التشبيه الواقع في التسوية بينهم بالتسوية منهم في بر الوالدين قرينة تدل على أن الأمر للندب لكن إطلاق الجور على عدم التسوية والمفهوم من قوله لا أشهد إلا على حق وقد قال في آخر الرواية التي وقع فيها التشبيه قال فلا إذا .
الوجه التاسع :
عمل الخليفتين أبي بكر وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الأمر للندب فأما أبو بكر فرواه الموطأ بإسناد صحيح عن عائشة أن أبا بكر قال لها في مرض موته إني كنت نحلتك نحلا فلو كنت اخترتيه لكان لك وإنما هو اليوم للوارث وأما عمر فذكره الطحاوي وغيره أنه نحل ابنه عاصما دون سائر ولده وقد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن اخوتها كانوا راضين بذلك ويجاب بمثل ذلك عن قصة عمر .
الوجه العاشر :
أن الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم ذكره بن عبد البر ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص . [ فتح الباري 5 / 264-265 ] .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

أحكام مهمة :
1- تفضيل بعض الأبناء على بعض لا يجوز ، وإنما المشروع في عطية الأولاد هو التسوية بينهم في العطاء على السواء ، ولا يجوز التفضيل إلا لمسوغ شرعي ، كأن يكون أحدهم مقعداً لا يستطيع العمل ، أو كونه صاحب عائلة كبيرة ولا يكفي راتبه بالإنفاق عليهم ، أو كونه مشتغلاً بطلب العلم ، وتصرف العطية عن بعض الأولاد بسبب فسقه ومعاصيه ، أو عقوقه لوالديه ، أو بدعته ، أو لكونه يعصي الله فيما يأخذه من العطية والهبة . وهذا هو قول الإمام أحمد رحمه الله ، فإنه قال في تخصيص أحدهم بالوقف : لا بأس إذا كان لحاجة ، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة ـ يعني الإيثار ـ ، والعطية في معناه . ويجوز التفضيل إذا سمح بقية الأخوة بذلك .
أو كان أحد الأبناء يقوم على خدمة والده أو والدته والقيام بشؤونه ، فيجوز إعطاؤه بقدر أجرة المثل ولا يزيد على ذلك ، حتى لا يقع في التفضيل
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

يقول الشيخ عبدالله البسام :
إذا خص الوالد بعض أولاده دون بعض ، أو فضله دون البعض الآخر بلا مسوغ شرعي ، ثم مات الوالد قبل أن يرجع فيما خص به ، ولا بما زاد به بعضهم على بعض ، فهل تمضي العطية لمن أُعطيها ، والإثم على الوالد المُفَضِل بينهم ؟ أم يرجع الورثة على المُعْطَى ويكونون فيها سواء ؟ [ سيأتي بيان آخر للمسألة فيما بعد إن شاء الله ] . ذهب جمهور العلماء إلى القول الأول ، ومنهم الأئمة الأربعة . والرواية الأخرى عن الإمام أحمد أن العطية لا تثبت ، وللباقي الرجوع ، واختاره ابن عقيل ، والعكبري ، والشيخ تقي الدين ، وصاحب الفائق ، واختاره الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ، وهو قول عروة بن الزبير ، وإسحاق . [ توضيح الأحكام 4/265 ] .قلت : والقول الثاني هو الصحيح وهو الذي اختاره شيخ الإسلام وغيره من العلماء المتأخرين ، لما فيه من الظلم والله تعالى نهى عن الظلم وحرمه على نفسه وعلى عباده ، فكيف تمضي العطية وهي ظلم ، بل العدل كل العدل أن توزع بين الأخوة والأخوات ، حتى لا يقع النزاع والخصومة بينهم ، ويفضي ذلك إلى القطيعة والكراهية والبغضاء ، بل قد يقتتلون من أجل ذلك الأمر ، وقد يؤدي بهم ذلك إلى كراهية والدهم ، فحفظاً للأواصر وصلة الرحم ، وإبراءً للذمة ، وخلاصاً لوالدهم من الإثم ، كان الصحيح في ذلك هو توزيع العطية بين الورثة حسب ما جاء في كتاب الله تعالى ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
2- من أراد قسمة شيء من ماله بين أولاده فيجب عليه أن يقسمه بين الذكور والإناث مثل الميراث ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وقال بعض العلماء بل يقسمه بالتساوي في حياته ، أما بعد الممات فيكون القسم للذكر مثل حظ الأنثيين كما أمر الله به ، وهذا مقتضى العدل ، ولعل الصواب في ذلك القول الثاني والعلم عند الله تعالى ، وهو أن يقسمه بالتساوي ، لما دل عليه حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما بعدم التفريق بين الذكر والأنثى ، وهذا هو قول جمهور العلماء . والذي اختارته اللجنة الدائمة للذكر مثل حظ الأنثيين ، لقول عطار رحمه الله : ما كانوا يقسمونه إلا على كتاب الله تعالى . وهذا مذهب الحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية ، وقالوا : أن المشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم ، أي للذكر مثل حظ الأنثيين ، لأن الله سبحانه وتعالى قسم لهم في الإرث هكذا ، وهو خير الحاكمين ، وهو العدل المطلوب بين الأولاد في الهبات والعطايا ، فلو بقي هذا العطاء إلا ما بعد وفاة المعطي فإنه سيقسم وفق المواريث ، أي للذكر مثل حظ الأنثيين ، فالله أعدل الحاكمين ، وقد حكم بذلك بين الأولاد ، فكان من الواجب اتباع الكتاب والسنة في ذلك .
3- ولا يجب على الإنسان التسوية بين أقاربه ولا إعطاؤهم على قدر ميراثهم ، لأن الأصل إباحة الإنسان التصرف في ماله كيف شاء ، ولا يصح قياسهم على الأولاد ، وهذا هو القول الراجح . [ توضيح الأحكام 4/266 ] .
4- فإن كان في بطن الأم حملاً ، فإنه ينتظر حتى يوضع فيقسم له مع أخوته بالتساوي ، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مسألة شبيهة بهذه المسألة .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

سؤال :
رجل له بنتان ، وله امرأة مطلقة وهي حامل ، وكتب لابنتيه ألفي دينار ، وأربع أملاك ، ثم بعد ذلك ولد للمطلقة ولد ذكر ، ولم يكتب له شيئاً ، ثم بعد ذلك توفي الوالد وخلف موجوداً خارجاً عما كتبه لبنتيه ، وقسم الموجود بينهم على حكم الفريضة الشرعية ، فهل يفسخ ما كتب للبنات أم لا ؟
فأجاب :
هذه المسألة فيها نزاع بين أهل العلم ، إن كان قد ملك البنات تمليكا تاما مقبوضا . فإما أن يكون كتب لهن في ذمته ألفي دينار من غير إقباض ، أو أعطاهن شيئاً ولم يقبضه لهن : فهذا العقد مفسوخ ، ويقسم الجميع بين الذكر والأنثيين . وأما مع حصول القبض : ففيه نزاع . وقد روي أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده ، فلما مات ولد له حمل ، فأمر أبو بكر وعمر أن يعطى الحمل نصيبه من الميراث ، فلهذا ينبغي أن يفعل بهذا كذلك ، وعلى البنات أن يتقين الله ويعطين الابن حقه ، وأما إذا وصى لهن بعد موته فهي غير لازمة باتفاق العلماء ، والصحيح من قولي العلماء أن هذا الذي خص بناته بالعطية دون حمله ، يجب عليه أن يرده بعد موته ، طاعة لله ولرسوله ، واتباعاً للعدل الذي أُمر به ، واقتداءً بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما . [ مجموع الفتاوى 31/276 ] .
5- ولا تجوز الزيادة لأحد من الأبناء على أحد باسم صدقة أو هبة أو بيع بأقل من ثمن المثل ، إلا إذا سمح الآخرون ، وكانوا مرشدين ، ويسري سماح كل واحد في حقه دون حق غيره ، فلا ينوب أحد عن أحد في التنازل .
6- ويحرم كتابة بيع وشراء صوري لا حقيقة له ، لأحد الأبناء دون الآخرين ، لأنه من الظلم والجور ، والتعدي على حقوق الآخرين . أما إن كان البيع حقيقياً فلا بأس بذلك ، لأن الابن في ذلك مثل الغريب في البيع والشراء .
7- والأفضل أن يترك الوالد قسمة أمواله إلا ما بعد موته ، حتى تكون ميراثاً للأبناء والبنات من بعده ، توزع وفق الشرع المطهر ، ويخرج من تبعة القسمة الغير عادلة .
8- ومن أصر على توزيع ماله على بعض أبنائه دون بعض أو تفضيل بعضهم على بعض ، فهو آثم والعياذ بالله ، وعليه أن يتق الله تعالى في أولاده وأن يعدل بينهم ، كما يحب هو أين يكونوا في بره سواء ، ومن أخذ شيئاً من الأبناء مما لا يحل له ، فهو آثم لمشاركته في الإثم والعدوان ، وجور الوالد أو الوالد في العطية ليس مسوغاً شرعياً بقبولها ، قال تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " ، ومن أخذ أكثر من إخوانه يجب عليه رد الزيادة ، أو قبولها إذا كان في رده إغضاباً لوالديه ، ومن ثم توزيعها بالتساوي مع اخوته ، براءة للذمة ، وإنصافاً لإخوانه ، ورأفة بالوالد أو الوالدة من عقوبة الحيف والجور في العطاء .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا السؤال :
امرأة لها أولاد غير أشقاء ، فخصصت أحد الأولاد وتصدقت عليه بحصة من ملكها دون بقية إخوته ، ثم توفيت المذكورة وهي مقيمة بالمكان المتصدق به . فهل تصح الصدقة أم لا ؟
الجواب :
الحمد لله . إذا لم يقبضها حتى ماتت بطلت الهبة في المشهور من مذهب الأئمة الأربعة ، وإن أقبضته إياه لم يجز على الصحيح أن يختص به الموهوب له ، بل يكون مشتركاً بينه وبين إخوته . والله أعلم . [ مجموع الفتاوى 31/272 ] .
الفرق بين النفقة والحاجة والعطية :
وهناك فرق بين الإنفاق والعطية ، فالإنفاق واجب على الوالد تجاه أولاده ، وليس بشرط أن يعدل بينهم في الإنفاق ، فقد يحتاج أحدهم إلى أكثر مما يحتاجه الآخرين ، فمثلاً قد يكون أحدهم طالباً في جامعة أو كلية والآخرين في الابتدائي أو المتوسط ، فلا شك أن طالب الجامعة يحتاج من المصاريف أكثر مما يحتاجه من هو أقل منه تعليماً ، وقد يكون أحدهم طويلاً ، والآخر قصيراً ، فيحتاج الطويل إلى خمسة أمتار من القماش ، ويحتاج الآخر إلى ثلاثة مثلاً ، فلا يلزم التسوية بينهم في ذلك ، لأنه هذا من قبيل الإنفاق وليس من جهة العطية والهبة ، وكذلك قد يكون أحدهم محتاجاً إلى الزواج ووالده قادر على تزويجه ، فيجب عليه أن يزوج ابنه ما دام أن الولد محتاج إلى الزواج ، وما يعطيه الوالد لولده من أجل تكاليف الزواج من باب النفقة ، وليس من باب الهبة والعطية ، وعلى ذلك فلا يلزم الوالد أن يعطي البقية مثل ما دفعه مهراً لأخيهم ، بل إذا قادراً على تزويجهم زوجهم كل حسب المهر المطلوب ، فالمهر ، قد يكون غالياً أو رخيصاً ، وكذلك لو احتاج أحد لأبناء إلى العلاج فدفع الأب تكاليف العلاج ، فإنه لا يلزمه أن يعطي بقية أولاده مثل ما دفعه لعلاج أخيهم لأن تلك التكاليف كانت لحاجة ، وكذلك ما يعطيه الأب لأولاده في المدارس من نقود فلا تجب التسوية بينهم في ذلك ، لأن طالب الابتدائي لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه طالب المتوسط والثانوي ، فقد يكفي أحدهم ريالين ، ولا تكفي الآخرين ، فقد يعطي الوالد أحد أبنائه ثلاثة ريالات ، ويعطي الآخر أربعة ، فهذه أمور احتياجية وليست من باب الهبة والعطية ، فالأمور بحسبها ، المقصود من ذلك ، أن هناك فرق بين النفقة والحاجة ، وبين العطية والهبة من حيث التسوية فيهما بين الأولاد .
لكن ثمة مسألة مهمة : وهي أن الأب قد يرسل أحد أبنائه لشراء شئٍ ما ، فيشتري الابن تلك السلعة ، ويبقى معه بعض النقود ، فهنا قد يقول الأب ، خذ الباقي ، فهذا لا يجوز حتى يعطي بقية أولاده مثله ، وإلا فإن الوالد يأخذ الباقي ، من باب العدل بين الأولاد .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

الرجوع في الهبة :
واستكمالاً للموضوع ، لابد من معرفة الحكم الشرعي فيما إذا أراد الوالد الرجوع في هبته ، وكذلك الرجوع في الهبة عامة .
وهذه جملة من الأحاديث الدالة على تحريم ذلك :
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : حملت على فرس في سبيل الله ، فأضاعه الذي كان عنده ، فأردت أن أشتريه ، وظننت أنه يبيعه برخص ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : " لا تشتره ، ولا تعد في صدقتك ، وإن أعطاكه بدرهم ، فإن العائد في هبته كالعائد في قيئه " وفي لفظ : " العائد في هبته ، كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
2- وعن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية فيرجع فيها ، إلا الوالد فيما يعطي ولده " [ أخرجه الخمسة بسند صحيح ، انظر الإرواء 6/65 ] .
3- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته ، كالكلب يعود في قيئه " [ أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وغيرهم . انظر إرواء الغليل 6/64 ] .
قال الألباني رحمه الله تعالى في حديث ابن عباس :
الحديث بعمومه يفيد المنع من الرجوع في الهبة . [ السلسلة الضعيفة 1/540 ] .
وقال المبارك فوري في حديث ابن عباس :
الحديث دليل على تحريم الرجوع في الهبة ، ويستثنى منه الوالد فيما يعطي ولده ، للحديث الآتي ، وخالف ذلك الحنفية فذهبوا إلى حِل الرجوع في الهبة ، وقال بعضهم في تأويل هذا الحديث : إن قوله : " كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه " يدل على عدم التحريم ، لأن الكلب غير مكلف ، فالقيء ليس بحرام عليه ، قلت : لما كان الكلب غير مكلف لا يصح أن يقال إن القيء حلال له أو حرام عليه ، لأن التحليل والتحريم من فروع التكليف ، كما لا يصح في الشجر أو الحجر أن يقال إنه أعمى أو بصير ، لعدم كونه محلاً للعمى أو البصارة ، فلا يمكن أن يكون التشبيه في هذا الحديث من حيث التحليل أو التحريم ، ولما لم يمكن أن يكون التشبيه بأحد من هذين الوجهين ، لم يبق له دلالة على التحليل أو التحريم أصلاً ، والتحريم ثابت بالنص الصريح فتعين المصير إليه ، وأما التشبيه فهو لتقبيح هذا الحرام واستهجانه وإظهار شدة خبثه وفظاعته وسوء منظره ، وليت شعري كيف يرضى إنسان أن ينزل إلى درجة الكلب ، ثم إلى درجة أن يقيئ ثم يأكل قيئه . [ التعليق على بلوغ المرام 275 ] .
المقصود أن الحديث يدل على تحريم الرجوع في الهبة ، ولكن متى ؟ إذا قبضت ، وذلك مقتضى التشبيه ، أن تكون الهبة قد خرجت من يد الواهب وانفصلت ، لأن القيء قد انفصل من الكلب ثم رجع . فإذا وهب الإنسان شيئاً وأقبضه فإنه لا يجوز له أن يرجع فيه فإن رجع كان ذلك حراماً ، وأما قبل القبض فليس الرجوع فيها حراماً ، وليس من باب الرجوع في الهبة ولكن من باب إخلاف الوعد ، لأن من وعد وجب عليه الوفاء ، وكون الإنسان يقول لآخر سأعطيك كذا ، فهذا من باب الوعد فيلزم الوفاء به ، وإن أخلف الوعد فقد التحق بصفات المنافقين ، ولهذا زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن صفات المنافقين ، وحذر منها أشد تحذير ، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن المطلوب " ، وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا أؤتمن المطلوب ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " [ أخرجه البخاري ومسلم ، وزاد مسلم : " ولو صام وصلى وزعم أنه مسلم ] ، فالرجوع في الهبة حرام سواءً كان قبل القبض أو بعده وهذا هو الراجح من أقوال العلماء رحمهم الله تعالى .
لكن يجوز الرجوع في الهبة إذا كانت على سبيل المعاوضة ، كأن يعطي إنساناً سيارة مثلاً على أن ينتظر منه أن يعطيه بدلها هدية أو يتقرب إليه للعمل عنده ، وكان معروفاً أن من قدم هدية يجزى عليها أو ما شابه ذلك .
فالهبة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : هبة مطلقة لا تقتضي عوضاً ، لأنها عطية على وجه التبرع ، يقصد بها التودد ، سواءً كانت لمن دونه أو أعلى منه أو مثله وهي الأصل .
القسم الثاني : هبة يقصد بها الثواب في الدنيا ، فهذه حكمها حكم البيع ، والغالب أن المهدي يقصد بها أن يُعطى أكثر مما أهدى ، لأن الغالب أن المُهدي فقير ، والمُهدى إليه أغنى منه ، وفيها نزل قوله تعالى : " ولا تمنن تستكثر " ، أي لا تعطي شيئاً لتأخذ أكثر منه . فينبغي لصاحب الهدية ألا يطمع في ابتزاز أموال الناس بل يقصد بهديته الأجر والمثوبة من عند الله تعالى ، لكن من أعطى هدية وهو يطمع في الثواب والعوض ، فالأفضل أن يُعطى حتى يرضى ، ولهذا جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : وهب رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة فأثابه عليها ، فقال : رضيت ؟ قال : لا ، فزاده ، فقال : رضيت ؟ قال : لا ، فزاده ، فقال : رضيت ؟ قال : نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد هممت أن لا أقبل إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي " [ حديث صحيح أخرجه أحمد وصححه ابن حبان . انظر بلوغ المرام ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقحة فأثابه منها بست بكرات فتسخطها الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يعذرني من فلان أهدى إلي لقحة فكأني أنظر إليها في وجه بعض أهله ، فأثبته منه بست بكرات فتسخطها لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا أن تكون من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي " [ قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ] . ولكن يُشرع لمن أُهدي إليه هدية أن يثيب عليها ، لما جاء في الحديثين السابقين ، ولما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويُثيب عليها " [ أخرجه البخاري ] ، وغير ذلك من الأدلة الدالة على مكافئة صاحب المعروف ، ولا شك أن الهدية من المعروف ، لكن ينبغي لصاحبها ألا يطلب عليها أجراً أو ثواباً إلا من الله تعالى ، لكن إن كان صاحب الهدية يرجو ثوابها من المهدى إليه فله ذلك ، وإن لم يُعط بدلها فله الرجوع في هديته ، عن ابن عمر رضي الله عنهما . عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يُثب عليها " [ الحديث صحيح ولكنه موقوف على عمر رضي الله عنه ، قال ابن حجر في التلخيص : روي عن عمر رضي الله عنه ، وروي مرفوعاً وهو وهم ] ، فالحديث يدل على أن هبة الثواب الدنيوي أن يستردها صاحبها إذا لم يُثب عليها . [ انظر شرح ابن عثيمين على بلوغ المرام / باب الهبة ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 31/285وما بعده توضيح الأحكام 4/269 ، 280 ] .
وكذلك لا يجوز لمن وهب هدية أن يشتريها ممن أهداها له ، لحديث عمر بن الخطاب السابق ، كمن أهدى آخر سيارة وأراد المهدى إليه أن يبيعها ، فلا يجوز للمهدي أن يشتريها للحديث السابق ، لكن إن كان المهدى إليه باعها من غيره ، ثم أراد الثاني أن يبيعها فإنه يجوز للمهدي الأول أن يشتريها ، لأن الواهب اشتراها من غير الموهوبة له . [ فتاوى اللجنة الدائمة 16/184 ] .
 
رد: هل يجوز أن اقسم تركتى على أولادى وأنا حى؟؟

سؤال :
يقول السائل والده توفي ، وقد قسم تركته بين أولاده الثلاثة وبناته الثلاث قبل موته ، لكنه زاد الذكور ، فأعطى كل واحد من الذكور الثلاثة قطعة أرض لبنائها ، وقام كل واحد منهم ببناء أرضه وسكنها هو وأولاده ، فهل للأخوات حق في تلك الأراضي ؟
الجواب :
إذا كانت الأخوات قد رضين بذلك ، فلا حرج عليكم ، وإن كن لم يرضين فالواجب إعطاؤهن حقهن من الأرض مقسماً لهن على حساب الميراث ، للذكر مثل حظ الأنثيين . [فتاوى اللجنة الدائمة 16/237 ] .
وكما أنه لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث ، فكذلك لا يجوز تفضيل الإناث على الذكور ، وتخصيصهن بعطية أو هبة أو صدقة دون الذكور ، فهذا لا يجوز ومن فعل ذلك فقد ارتكب إثماً عظيماً . ولا يحل لأب أن ينحل بعض أولاده على بعض ، ومن فعل ذلك بالكلام دون التسليم والقبض ، أو فعله وهو في مرض الموت ، أو المرض المخوف ، فهذا مردود باتفاق العلماء إلا خلافاً شاذاً لا يُعتد به . وأما إن قبض بعض الأبناء ما أعطي لهم ، ففيه خلاف بين العلماء ، والصواب في ذلك أن عليهم رده شرعاً ، وهو الذي تشهد له الأدلة السابقة ، وعليهم أن يقتسموه بينهم وفق ما جاء في كتاب الله تعالى ، للذكر مثل حظ الأنثيين . والعلم عند الله تعالى . [ مجموع الفتاوى 31/296-297 ] .

أقوال العلماء في العدل بين الأولاد :
يقول البخاري رحمه الله :
إذا أعطى الوالد بعض ولده شيئاً لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخر مثله .
واختلف العلماء في وجوب التسوية بين الأولاد في العطية إلى قولين :

القول الأول :
ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن التسوية بينهم في العطايا مستحبة ، وليست واجبة . لأن الصديق رضي الله عنه فضل عائشة رضي الله عنها على غيرها من أولاده في الهبة ، وفضل عمر رضي الله عنه ابنه عاصماً بشيء من العطية على غيره من أولاده . ولأن في بعض روايات حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما : " فأشهد على هذا غيري " ما يدل على الجواز . [ الموسوعة الفقهية 11/359 ] .
ويجاب على ذلك بجوابين :
الأول : أما من جهة ما أعطاه الصديق لعائشة رضي الله عنها ، فقد قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى :
لا يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول أبي بكر ولا قول غيره ، لكن يُجمع بين حديث النعمان بن بشير وحديث عائشة : أن أباها نحلها جذاذ عشرين وسقاً ، يحتمل أن أبا بكر رضي الله عنه خصها لحاجتها وعجزها عن الكسب ، والسبب مع اختصاصها بفضلها ، وكونها أم المؤمنين ، وغير ذلك من فضائلها ، ويحتمل أن يكون نحلها ونحل غيرها من ولده ، أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه الموت قبل ذلك ، ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه . [ مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 9/220 ] .
والثاني : من جهة قوله صلى الله عليه وسلم : " فأشهد على هذا غيري " ، فقد قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
قوله صلى الله عليه وسلم : " أشهد على هذا غيري " ، هذا أمر تهديد لا إباحة ، فإن تلك العطية كانت جوراً بنص الحديث ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن لأحد أن يشهد على صحة الجور ، ومن ذا الذي كان يشهد على تلك العطية ، وقد أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشهد عليها ، وأخبر أنها لا تصلح ، وأنها جور ، وأنها خلاف العدل . ومن العجيب أن يحمل قوله : " اعدلوا بين أولادكم " على غير الوجوب ، وهو أمر مطلق مكرر ثلاث مرات ، والعدل واجب في كل حال فلو كان الأمر به مطلقاً لوجب حمله على الوجوب ، فكيف وقد اقترن به عشرة أشياء تؤكد وجوبه ، فتأملها في ألفاظ القصة . [ تحفة المودود بأحكام المولود 385 ] .
القول الثاني :
وذهب الحنابلة ، وأبو يوسف من الحنفية ، وهو رواية عن الإمام مالك ، وهو قول ابن المبارك وطاووس ، إلى وجوب التسوية بين الأولاد في الهبة ، فإن خص بعضهم بعطية ، أو فاضل بينهم فيها ، فهو آثم ، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين :
إما رد ما فضل به البعض ، وإما إتمام نصيب الآخرين ، ويشهد لذلك حديث النعمان بن بشير بجميع ألفاظه . [ الموسوعة الفقهية 11/359 ] .
الراجح :
والقول الراجح في ذلك هو القول الثاني ، وهو وجوب التسوية بين الأبناء في العطية والهبة ، وهو القول الذي تسنده الأدلة .

أما أقوال المعارضين ومن قال بعدم وجوب التسوية ، فقد احتجوا بعدة أمور ، وأجاب عنها الحافظ بن حجر رحمه الله ، وقد احتجوا بالندب وعدم الوجوب بعشرة وجوه وإليكها للفائدة :
الوجه الأول :
أن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده ولذلك منعه فليس فيه حجة على منع التفضيل حكاه بن عبد البر عن مالك بالإجماع بأن كثيراً من طرق حديث النعمان صرح بالبعضية وقال القرطبي ومن أبعد التأويلات أن النهي إنما يتناول من وهب جميع ماله لبعض ولده كما ذهب إليه سحنون وكأنه لم يسمع في نفس هذا الحديث أن الموهوب كان غلاما وأنه وهبه له لما سألته الأم الهبة من بعض ماله قال وهذا يعلم منه على القطع أنه كان له مال غيره .
الوجه الثاني :
أن العطية المذكورة لم تتنجز وإنما جاء بشير يستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأشار عليه بأن لا تفعل فترك حكاه الطحاوي وفي أكثر طرق حديث الباب ما ينابذه .
الوجه الثالث :
أن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الموهوب فجاز لأبيه الرجوع ذكره الطحاوي وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث أيضا خصوصا قوله أرجعه فإنه يدل على تقدم وقوع القبض والذي تضافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضاً له لصغره فأمر برد العطية المذكورة بعد ما كانت في حكم المقبوض .
الوجه الرابع :
أن قوله أرجعه دليل على الصحة ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع وإنما أمره بالرجوع لأن للوالد أن يرجع في وهبه لولده وأن كان الأفضل خلاف ذلك لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به وفي الاحتجاج بذلك نظر والذي يظهر أن معنى قوله أرجعه أي لا تمض الهبة المذكورة ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة .
الوجه الخامس :
أن قوله أشهد على هذا غيري إذن بالإشهاد على ذلك وإنما أمتنع من ذلك لكونه الإمام وكأنه قال لا أشهد لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم حكاه الطحاوي أيضا وارتضاه بن القصار وتعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه وقد صرح المحتج بهذا أن الإمام إذا شهد بعض نوابه جاز وأما قوله إن قوله أشهد صيغة إذن فليس كذلك بل هو للتوبيخ لما يدل عليه بقية ألفاظ الحديث وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع وقال بن حبان قوله أشهد صيغة أمر والمراد به نفي الجواز وهو كقوله لعائشة اشترطي لهم الولاء انتهى .
الوجه السادس :
التمسك بقوله ألا سويت بينهم على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي التنزيه وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولا سيما أن تلك الرواية بعينها وردت بصيغة الأمر أيضا حيث قال سوي بينهم .
الوجه السابع :
وقع عند مسلم عن بن سيرين ما يدل على أن المحفوظ في حديث النعمان قاربوا بين أولادكم لا سووا وتعقب بأن المخالفين لا يوجبون المقاربة كما لا يوجبون التسوية . الوجه الثامن :
في التشبيه الواقع في التسوية بينهم بالتسوية منهم في بر الوالدين قرينة تدل على أن الأمر للندب لكن إطلاق الجور على عدم التسوية والمفهوم من قوله لا أشهد إلا على حق وقد قال في آخر الرواية التي وقع فيها التشبيه قال فلا إذا .
الوجه التاسع :
عمل الخليفتين أبي بكر وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الأمر للندب فأما أبو بكر فرواه الموطأ بإسناد صحيح عن عائشة أن أبا بكر قال لها في مرض موته إني كنت نحلتك نحلا فلو كنت اخترتيه لكان لك وإنما هو اليوم للوارث وأما عمر فذكره الطحاوي وغيره أنه نحل ابنه عاصما دون سائر ولده وقد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن اخوتها كانوا راضين بذلك ويجاب بمثل ذلك عن قصة عمر .
الوجه العاشر :
أن الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم ذكره بن عبد البر ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص . [ فتح الباري 5 / 264-265 ] .

أحكام مهمة :
1- تفضيل بعض الأبناء على بعض لا يجوز ، وإنما المشروع في عطية الأولاد هو التسوية بينهم في العطاء على السواء ، ولا يجوز التفضيل إلا لمسوغ شرعي ، كأن يكون أحدهم مقعداً لا يستطيع العمل ، أو كونه صاحب عائلة كبيرة ولا يكفي راتبه بالإنفاق عليهم ، أو كونه مشتغلاً بطلب العلم ، وتصرف العطية عن بعض الأولاد بسبب فسقه ومعاصيه ، أو عقوقه لوالديه ، أو بدعته ، أو لكونه يعصي الله فيما يأخذه من العطية والهبة . وهذا هو قول الإمام أحمد رحمه الله ، فإنه قال في تخصيص أحدهم بالوقف : لا بأس إذا كان لحاجة ، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة ـ يعني الإيثار ـ ، والعطية في معناه . ويجوز التفضيل إذا سمح بقية الأخوة بذلك .
أو كان أحد الأبناء يقوم على خدمة والده أو والدته والقيام بشؤونه ، فيجوز إعطاؤه بقدر أجرة المثل ولا يزيد على ذلك ، حتى لا يقع في التفضيل .
يقول الشيخ عبدالله البسام :
إذا خص الوالد بعض أولاده دون بعض ، أو فضله دون البعض الآخر بلا مسوغ شرعي ، ثم مات الوالد قبل أن يرجع فيما خص به ، ولا بما زاد به بعضهم على بعض ، فهل تمضي العطية لمن أُعطيها ، والإثم على الوالد المُفَضِل بينهم ؟ أم يرجع الورثة على المُعْطَى ويكونون فيها سواء ؟ [ سيأتي بيان آخر للمسألة فيما بعد إن شاء الله ] . ذهب جمهور العلماء إلى القول الأول ، ومنهم الأئمة الأربعة . والرواية الأخرى عن الإمام أحمد أن العطية لا تثبت ، وللباقي الرجوع ، واختاره ابن عقيل ، والعكبري ، والشيخ تقي الدين ، وصاحب الفائق ، واختاره الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ، وهو قول عروة بن الزبير ، وإسحاق . [ توضيح الأحكام 4/265 ] .قلت : والقول الثاني هو الصحيح وهو الذي اختاره شيخ الإسلام وغيره من العلماء المتأخرين ، لما فيه من الظلم والله تعالى نهى عن الظلم وحرمه على نفسه وعلى عباده ، فكيف تمضي العطية وهي ظلم ، بل العدل كل العدل أن توزع بين الأخوة والأخوات ، حتى لا يقع النزاع والخصومة بينهم ، ويفضي ذلك إلى القطيعة والكراهية والبغضاء ، بل قد يقتتلون من أجل ذلك الأمر ، وقد يؤدي بهم ذلك إلى كراهية والدهم ، فحفظاً للأواصر وصلة الرحم ، وإبراءً للذمة ، وخلاصاً لوالدهم من الإثم ، كان الصحيح في ذلك هو توزيع العطية بين الورثة حسب ما جاء في كتاب الله تعالى ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
2- من أراد قسمة شيء من ماله بين أولاده فيجب عليه أن يقسمه بين الذكور والإناث مثل الميراث ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وقال بعض العلماء بل يقسمه بالتساوي في حياته ، أما بعد الممات فيكون القسم للذكر مثل حظ الأنثيين كما أمر الله به ، وهذا مقتضى العدل ، ولعل الصواب في ذلك القول الثاني والعلم عند الله تعالى ، وهو أن يقسمه بالتساوي ، لما دل عليه حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما بعدم التفريق بين الذكر والأنثى ، وهذا هو قول جمهور العلماء . والذي اختارته اللجنة الدائمة للذكر مثل حظ الأنثيين ، لقول عطار رحمه الله : ما كانوا يقسمونه إلا على كتاب الله تعالى . وهذا مذهب الحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية ، وقالوا : أن المشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم ، أي للذكر مثل حظ الأنثيين ، لأن الله سبحانه وتعالى قسم لهم في الإرث هكذا ، وهو خير الحاكمين ، وهو العدل المطلوب بين الأولاد في الهبات والعطايا ، فلو بقي هذا العطاء إلا ما بعد وفاة المعطي فإنه سيقسم وفق المواريث ، أي للذكر مثل حظ الأنثيين ، فالله أعدل الحاكمين ، وقد حكم بذلك بين الأولاد ، فكان من الواجب اتباع الكتاب والسنة في ذلك .
3- ولا يجب على الإنسان التسوية بين أقاربه ولا إعطاؤهم على قدر ميراثهم ، لأن الأصل إباحة الإنسان التصرف في ماله كيف شاء ، ولا يصح قياسهم على الأولاد ، وهذا هو القول الراجح . [ توضيح الأحكام 4/266 ] .
4- فإن كان في بطن الأم حملاً ، فإنه ينتظر حتى يوضع فيقسم له مع أخوته بالتساوي ، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مسألة شبيهة بهذه المسألة .
 
أعلى