الغموض .. شعار المرحلة !
جمال سلطان
جمال سلطان
التطور المهم الذي ظهر مؤخرا في الحياة السياسية المصرية هو ذلك القرب والتقارب بين الدكتور محمد البرادعي وبين جماعة الإخوان المسلمين ، والغريب أن الطرفين كانوا الأكثر توجسا وحذرا من بعضهما البعض طوال الأشهر الماضية ، ومنذ ظهرت عاصفة البرادعي في مصر ، كان البرادعي يتجاهل الإخوان تأثرا بالدعاية الرسمية وأيضا حساسية بعض دوائر المعارضة من أنهم "قوة دينية" لا تتسق مع مشروع ليبرالي أو حداثي ، وأنهم سيكونون عبئا سياسيا عليه خاصة أمام الدوائر الغربية التي تحذر من الاتجاه الإسلامي بشكل عام ، بالمقابل كان الإخوان ينظرون إلى البرادعي على أنه "مزاحم" على صدارة المشهد السياسي المعارض في مصر ، وخطف الأضواء من الجماعة لعدة أشهر ، كما أن القوى التي التفت حوله منذ البداية كانت في مجملها لا ترتبط بعلاقات حسنة مع الإخوان ، بل وبعضهم من المناوئين للإخوان والمنشقين صراحة عنها ، فجأة حدث أمر طارئ جعل الاثنين يلتقيان من جديد ، فما هو السبب وما هي الخلفية ، المثير للدهشة أن كلا طرفي هذه المعادلة يتسم بالغموض في موقفه السياسي الحالي ومشروعه المرحلي وحتى تكتيكه السياسي ، تحدثنا أمس عن الغموض في مشروع البرادعي وهو الذي أنكره عليه حتى خلصاؤه والمقربون منه وقيادات الجمعية الوطنية للتغيير ، وأعتقد أن هذا "الغموض" تتسم به أيضا تحركات الإخوان المسلمين في تلك الفترة ، لا أحد على وجه القطع يعرف أين يتجه الإخوان سياسيا ، ولا ما هي أولويات نشاطهم السياسي الآن ، ولا طبيعة علاقاتهم مع القوى المعارضة الشعبية والحزبية وغيرها ، ولا حتى طبيعة علاقتهم مع الحزب الوطني الحاكم ، وهذا ما يقلق كثيرين ، ولعل الأسبوع الماضي قد شهد ما يمثل "تجليا" لهذا الغموض بشكل واضح ، حيث برز أمام الإعلام خطابان مختلفان للإخوان ، خطاب متوجه إلى الدكتور محمد البرادعي وقوى التغيير معه بالترحيب بالتعاون والتنسيق وتكامل الجهود من أجل الإصلاح في مصر ومواجهة الحزب الحاكم ، في الوقت نفسه خطاب إخواني متوجه إلى الحزب الوطني الحاكم والرئيس مبارك ، بأنهم مستعدون للتعاون معه ودعم الرئيس وسياساته إذا أجرى مراجعة لاتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل ، بدت عملية استحضار كامب ديفيد في خطاب الإخوان "التصالحي" مع الحزب الوطني أشبه "بجس نبض" ، لأن ملف كامب ديفيد ليس هو "ملف اللحظة" في مصر ، وقد تحول إلى حالة رمزية وشكلية ، والناس الآن تتحدث عن أولويات أخرى حالة وخطيرة في مشروع الإصلاح الداخلي ، فما معنى الحديث عن أننا قد نتعاون ونؤيد الرئيس ونظامه إذا أجرى مراجعة لكامب ديفيد ، حتى دون توضيح لخطوط هذه المراجعة ، محاولة الإخوان لفتح جسور اتصال مع النظام من جهة ومع البرادعي من جهة أخرى يجعل من "الغموض" شعار المرحلة ، لم يعد أحد يدري فيما يفكر الآخرون بالضبط ، ولكن الملاحظ أن هذا الخطاب المزدوج ظهر بعد انتخابات الشورى ، ووصول رسالة أحمد عز وقيادات الوطني واضحة ، وهي ما أكدها من قبل ، أنه لن يمر أحد من الإخوان في أي انتخابات مقبلة ، وكل الأساليب للمنع مطروحة ، وقد نفذ تهديده رغم فداحة مشهد التزوير وفجاجته ، وهناك حوالي خمسة أشهر الآن تسبق انتخابات مجلس الشعب ، وفي تصوري أن الرسالة المزدوجة من الإخوان كانت تهدف إلى إحداث "ثقب" في الموقف المتأزم ، القرار الاستراتيجي للإخوان من سنوات بعيدة هو استبعاد أي صدام عنيف مع السلطة ، وبالتالي لا يوجد سوى الأدوات السياسية التقليدية ، فجاء تقاربهم مع البرادعي رسالة تحذير إلى السلطة بأنهم يمكنهم قلب المعادلة السياسية بدعم البرادعي "بعبع" الوطني الآن ، وفي الوقت نفسه كان خطابهم "المتودد" مع الرئيس مبارك بأننا مستعدون للتعاون "بشروط ميسرة" محاولة لفتح نافذة أو ثقب في الجدار السياسي الذي وضح أنه مسدود تماما أمامهم في المرحلة المقبلة ، وبالتأكيد أن "غموض" الإخوان مع "غموض" البرادعي ، سيجعل المشهد السياسي المصري مفتوحا على تقلبات ومفاجآت عديدة في المرحلة المقبلة .
[email protected]
----- :34:-------
[email protected]
----- :34:-------