• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

الحث على أداء فريضة الحج وبيان شروطها - تنبيه على أمور يظنّها الناس صحيحة وهي غير صحيحة

ابوشدى

Moderator
. فيا أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى وأدّوا ما فرض عليكم من الحج إلى بيته الحرام حيث استطعتم إلى ذلك سبيلاً، فقد قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً»، وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الإسلام مبني على هذه الخمس، فلا يتم إسلام العبد حتى يحج، ولا يستقيم بنيان إسلامه حتى يحج .
استماع المادة
تحميل المادة
المصدر :

حجم الملف : 3.08 MB
تاريخ التحديث : Jun 16, 2004


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ لله الذي فرض الحج على عباده إلى بيته الحرام، ورتَّب على ذلك جزيل الأجر ووافر الإنعام، فمَن حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه نقيًّا من الذنوب والآثام، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة دار السلام، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صلَّى وزكَّى وحجَّ وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى وأدّوا ما فرض عليكم من الحج إلى بيته الحرام حيث استطعتم إلى ذلك سبيلاً، فقد قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً»(1)، وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الإسلام مبني على هذه الخمس، فلا يتم إسلام العبد حتى يحج، ولا يستقيم بنيان إسلامه حتى يحج .
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لقد هممتُ أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جِدَة - أي: كل غني - ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين . ما هم بمسلمين .
ففريضة الحج ثابتة بكتاب الله وبسنّة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وبإجماع المسلمين عليها إجماعًا قطعيًّا؛ ولهذا قال العلماء: مَن أنكر فريضة الحج فقد كفر ومَن أقَرَّ بها وتركها تهاونًا فهو على خطر؛ فإن الله تعالى قال بعد ذكْر إيجابه على الناس: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]، فكيف تطيبُ نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه ! كيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه الفريضة وهو يُنفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه ! كيف يوفّر نفسه عن التعب في الحج وهو يُرهق نفسه في التعب في أمور دنياه ! كيف يتثاقل فريضة الحج وهو لا يجب في العمر إلا مرّة واحدة ! كيف يتراخى ويؤخّر أداءه وهو لا يدري لعلّه لا يستطيع الوصول إلى البيت بعد عامه !
فاتَّقوا الله - عباد الله - وبادروا بأداء ما فرض الله عليكم من الحج تعبّدًا لله تعالى، ورضًى بحكمه، وسمعًا وطاعة لأمره إن كنتم مؤمنين، ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً﴾ [الأحزاب: 36] .
إن المؤمن إذا أدّى الحج والعمرة بعد بلوغه مرّة واحدة فقد أسقَطَ الفريضة عن نفسه وأكمل بذلك أركان إسلامه، ولم يجب عليه بعد ذلك حج ولا عمرة إلا أن يوجب ذلك على نفسه بنذر فيلزمه الوفاء بِما نذر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَن نذر أن يطيع الله فلْيطعه»(2) .
أيها المسلمون، إن من تمام رحمة الله ومن بالغ حكمته أن جعل لفرائضه حدودًا وشروطًا لتنضبط الفرائض وتتحدّد المسؤولية وجعل هذه الحدود والشروط في غاية المناسبة للفاعل والزمان والمكان، ومن هذه الفرائض: الحج، فله حدود وشروط لا يجب على المسلمين إلا بها، فمن ذلك: البلوغ، ويحصل البلوغ في الذكور بواحد من أمور ثلاثة: إنزال المني، أو تمام خمس عشرة سنة أو نبات شعر العانة، وفي الإناث بهذه الثلاثة وزيادة أمر رابع وهو: الحيض، فمَن لم يبلغ فلا حج عليه ولو كان غنيًّا ولكن لو حَجَّ صحَّ حجه تطوّعًا وله أجره، فإذا بلغ أدّى الفريضة؛ لأن حجه قبل البلوغ لا يسقط به الفرض؛ لأنه لم يُفرض عليه فهو كما لو تصدق بمال ينوي به الزكاة قبل أن يملك نصاب الزكاة؛ وعلى هذا فمَن حج ومعه أبناؤه أو بناته الصغار فإن حجّوا معه كان له الأجر ولهم ثواب الحج، وإن لم يحجوا فلا شيء عليه ولا عليهم .
ولكن يجب أن نسأل: هل من الأَولَى في هذه الأزمان مع الزحام الشديد والتعب الشديد، هل من الأَولَى أن نُحجِّج الصغار أو من الأَولَى ألا يحجوا ؟
إن مَنْ نظر إلى التعب الشديد وانشغال أولادهم بهم إذا حجَّجوهم يرى أن الأفضل ألا يحجوا بهم وأن يُبقوهم على حلّهم؛ أي: غير مُحْرِمين؛ لأنهم لو أحرموا بهم لتعب الصبيان ولتعب الآباء وربما يحصل مشقة عظيمة؛ لذلك أرى أنه في مثل هذه الأزمان ينبغي ألا يحجّج الصبيان؛ بمعنى: ألا يُحرم بهم الإنسان لو ذهب بهم معه .
ومن شروط وجوب الحج: أن يكون مستطيعًا بماله وبدنه؛ لأن الله تعالى شرط ذلك للوجوب في قوله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [آل عمران: 97]، فمَن لم يكن مستطيعًا فلا حج عليه، فالاستطاعة بالمال: أن يملك الإنسان ما يكفي لحجه زائدًا عن حوائج بيته وما يحتاجه من نفقة وكسوة له ولعياله وزائدًا عن أجرة سكن وقضاء دَيْن سواء كان الدَّيْن حالاً أو مؤجّلاً، فمَن كان عنده مال يحتاجه لِمَا ذُكِر لم يجب عليه الحج، ومَن كان عليه دَيْن حالٌّ لم يجب عليه الحج حتى يوفيه، والدَّيْن: كل ما ثبت في ذمة الإنسان من قرض وثمن مبيع وأجرة وغيرها سواء كان ذلك للأفراد أو للحكومة، فمَن كان في ذمته درهم واحد حالٌّ فهو مَدِين ولا يجب عليه الحج حتى يبرئ ذمته منه إما بإسقاط أو وفاء؛ لأن قضاء الدَّيْن مهم جدًّا، حتى إن الرَّجل لَيُقتل في سبيل الله شهيدًا فتكفّر عنه الشهادة كل شيء إلا الدَّيْن فإنها لا تكفّره، وحتى إن الرَّجل ليموت عليه الدَّين فتتعلّق نفسه بدَيْنه حتى يُقضى عنه؛ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أرحم الخلق بأمته إذا قُدِّم إليه رَجل ليصلي عليه وعليه دَيْن امتنع من الصلاة عليه فقُدِّم إليه رَجل من الأنصار ليصلي عليه فخطا خطوات ثم قال: «هل عليه دَيْن» قالوا: نَعم، فتأخّر وقال: «صلّوا على صاحبكم»(3)، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - مع رحمته ورأفته بالمؤمنين لا يصلي على مَنْ عليه دَيْن دلَّ ذلك دلالة واضحة على عِظم الدَّين، وأنه شديد على الإنسان .
وإني لآسف أن بعض الناس يتهاون بالدَّين فيستدين لأمور كماليّة ليس له بها حاجة، ولكنْ من أجل أن يماري غيره مِمَّن هو في طبقته أو أعلى منه وهذا خطأ؛ إن الدَّين مهم .
أما الدَّين المؤجّل فإن كان موثّقًا برهن يكفيه لم يسقط به وجوب الحج، فإذا كان على الإنسان دَيْن وقد أرهن به طالبه ما يكفي الدَّيْن وبيديه مال يمكنه أن يحج به فإنه يجب عليه الحج؛ لأنه قد استطاع إليه سبيلاً، أما إذا كان الدَّين المؤجّل غير موثق برهن يكفيه فإن الحج لا يجب على الإنسان حتى يبرأ من دَيْنه حتى لو استأذن من الدائن وقال: ائذن لي أن أحج وعليه دَيْن فإنه لا يحج حتى يقضيه؛ لأن ذمته مشغولة بدَيْنه ولو أذن له الدائن، لكن الديون المؤجَّلة التي إذا حلّت وجد الإنسان عنده ما يكفي لا تمنع وجوب الحج، فمثلاً: لو كان على الإنسان أقساط من الدَّيْن لصندوق التنمية العقاري ولكنه يثق أنه إذا حلَّ القسطُ أوفاه وعنده مال يستطيع الحج به فإنه يجب عليه أن يحج، أما الاستطاعة بالبدن: فأن يكون الإنسان قادرًا على الوصول بنفسه إلى البيت؛ أي: إلى مكة بدون مشقة فإن كان لا يستطيع الوصول إلى البيت أو يستطيع الوصول ولكن بمشقة شديدة كالمريض فإن كان يرجو الاستطاعة في المستقبل فلْينتظر حتى يستطيع ثم يحج، فإذا مات في هذه الحال حُجَّ عنه من تركته، وإن كان لا يرجو الاستطاعة في المستقبل كالكبير والمريض الميؤوس من برئه فإنه يُوَكِّل مَنْ يحج عنه من أقاربه أو غيرهم، فإن مات قبل التوكيل حُجّ عنه من تركته .
ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة مَحْرم فإذا لم يكن لها مَحْرم فليس عليها حج؛ لأنها لا تستطيع الوصول إلى البيت شرعًا؛ فإنها ممنوعة من السفر بدون مَحْرم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يخطب يقول: «لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم» فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجّة وإني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انطلق فحج مع امرأتك»(4)، فأمَرَه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن يدع الغزوة ويحج مع امرأته ولم يستفصل منه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - هل كانت امرأته شابة، أو كان معها نساء أو لا ؟ وهو دليل على أن المرأة يَحْرم عليها السفر على أي حال وعلى أي مركوب من طائرة أو سيارة إلا بمحرم، والمحْرَمُ: كل مَن يحرم عليه نكاحها تحريمًا مؤبّدًا كالأب والابن والأخ وابن الأخ وابن الأخت والعم والخال سواء كان ذلك من نسب أو رضاعة وكأب الزوج وإن علا وابنه وإن نزل وزوج البنت وإن نزلت وزوج الأم وإن علت إذا كان قد دخل بها؛ لأن بنات الزوجة لا تكون حرامًا على زوجها إلا إذا كان قد دخل بها، ولا بدَّ أن يكون المحْرَم بالغًا عاقلاً، فمَن كان دون البلوغ فإنه لا يكفي أن يكون محْرَمًا؛ لأن المقصود من المحْرَم حفظ المرأة وصيانتها وهيبتها وذلك لا يحصل بالصغير .
ومن المعلوم أن الزوج يكون مَحْرمًا لزوجته ولكنّه ليس بنسب وإنما هو بسبب، فمَن رأى من نفسه أنه قد استكمل شروط وجوب الحج فلْيبادر به ولا يتأخر؛ فإن أوامر الله ورسوله على الفور بدون تأخير، قال ابن القيم -رحمه الله - وهو من أكبر تلاميذ شيخ الإسلام أو هو أكبرهم: مَنْ ترك الحج عمْدًا مع القدرة عليه حتى مات أو ترك الزكاة ولم يُخرجها حتى مات فإن مقتضى الدليل وقواعد الشرع أن فعلهما بعد موته لا يُبلِغُ ذمته ولا يُقبل منه، قال: والحق أحق أن يتّبع، وهذا من الفقه العظيم أن الإنسان إذا أخّر الواجبات بدون سبب شرعي فإن قضاءها بعد موته لا يُغني عنه شيئًا، فإذا كان الإنسان غنيًّا قادرًا على الحج وتركه تهاونًا فإنه إذا مات لا يُقضى عنه الحج؛ لأنه لا ينفعه، أما لو ترك الزكاة وفرّط فيها وتهاون حتى مات فإنها تُخرَج من تركته من أجل حق أهل الزكاة لكنها لا تبرئ ذمته عند الله عزَّ وجل .
فبادروا أيها المسلمون، بادروا بالواجبات، اغتنموا الأوقات وأدّوا ما أوجب الله عليكم قبل أن يأتي أحدكم الموت فيندم حين لا ينفع الندم، واسمعوا قول الله عزَّ وجل: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر: 54-58] .
اللهم وفّقنا للقيام بفرائضك، والتزام حدودك، وزِدْنا من فضلك وكرمك يا رب العالمين، اللهم أعِنّا على ذكْرك وعلى شكرك وعلى حسْن عبادتك، اللهم هَبْ لنا من أمرنا رشدًا، اللهم وفِّقنا لِمَا تحب وترضى يا رب العالمين .
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها من العذاب، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله أفضل بني آدم بلا ارتياب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
فيا أيها الناس، إنني أُنَبِّه في خطبتي هذه بناءً على الخطبة الأولى على أمور، منها: أن بعض الناس يظن أنه إذا لم يُتمّم للإنسان فإنه لا يحج؛ يعني: إذا لم يُعقّ عنه فإنه لا يحج وهذا ليس بصحيح، فالحج لا علاقة له بالتميمة؛ أي: بالعقيقة، فمَن حج ولم يُعقّ عنه فحجّه صحيح تامّ إذا أتى بواجباته وشروطه وأركانه ومكمّلاته .
ثانيًا: يظن بعض الناس أن مَن عليه قضاء من رمضان فإنه لا يحج وهذا أيضًا خطأ؛ فإن الإنسان يجوز أن يحج ولو كان لم يصم قضاء رمضان الذي عليه؛ لأن قضاء رمضان أمره واسع يجوز للإنسان أن يؤخّره إلى أن يكون بينه وبين رمضان المقبل بقدر ما عليه من الأيام .
ثالثًا: أن بعض الناس يأخذ الحج عن شخص؛ أي: يكون نائبًا عنه ولكنّه يفرّط ويهمل ولا يقوم بالواجب ولا بالمستحب وهذا غلط عظيم؛ فالإنسان إذا أُعْطي شيئًا يحج به فإنه أمين يجب عليه أن يتّقي الله وأن يؤدّي الأمانة على أكملها ما استطاع؛ لأن الذي أعطاه المال ليحج به أعطاه إياه واثقًا به مُعتمدًا على ذمّته، فلْيتّقِ الله تعالى ولْيؤدِ الحج على الوجه الأكمل؛ إن الإنسان لو حج لنفسه لكان له الرخصة أن يدع بعض المكمّلات ولكنّه إذا حج عن غيره فإن الواجب عليه أن يأتي به على الوجه الأكمل بقدر استطاعته .
رابعًا: أن بعض الناس إذا أُعطي ليحج فإنه يجعل العمرة عن نفسه والحج عمَّن استنابه ولكنّ هذا غلط؛ لأن المعروف عندنا والعُرف المطّرد أنه إذا أُعطي مالاً يحج به فإنه مُطالبٌ بالعمرة والحج جميعًا أن يكون معتمرًا أولاً ثم يأتي بالحج ثانيًا وهذا هو التمتّع الذي هو أفضل الأنساك، لكنْ إذا أراد أن تكون العمرة له فلْيشترط على مَن أعطاه ويقول: إني أريد أن تكون العمرة لي والحج لك، فإذا وافق مَن أنابه على ذلك فلا بأس ولكن إذا كان الذي أنابه لم يعتمر من قبل فإنه لا بُدّ أن يرفض هذا الشرط وأن يقول: العمرة والحج كلاهما لي؛ لأن هذا الذي أنابه قد فُرِض عليه العمرة والحج .
أرجو أن يكون الإنسان إذا أراد أن يحج عالِمًا بأحكام الحج بقدر ما يستطيع، وإذا لم يتمكّن من ذلك فلْيحرص على أن يكون معه طالب علْم يرشده ويدلّه على ذلك، وإنني أؤكد هذا على إخواني أصحاب الحمَلات أن يكون معهم طالب علْم يُبصّرهم بدينهم؛ حتى يعبدوا الله على بصيرة .
اللهم إنّا نسألك علْمًا نافعًا وعملاً صالِحًا متقبّلاً ورزقًا طيِّبًا واسعًا تُغنينا به عن غيرك ولا تنسينا به ذكْرك يا رب العالمين .
واعلموا - أيها الإخوة - «أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة - يعني: في الدِّين - بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم بالجماعة، اجتمعوا - أيها المسلمون - على شريعة الله، لا تختلفوا فيها ولا تتفرّقوا؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شذَّ شذَّ في النار»(5)، وأكْثروا - أيها الإخوة - من الصلاة والسلام على نبيّكم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فإنه ما من خير إلا دلّكم عليه ورغّبكم فيه، وما من شرّ لكم إلا بيَّنه لكم وحذّركم منه، فجزاه الله عنّا أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته، ونسأله تبارك وتعالى أن يحشرنا في زمرته، وأن يسقينا من حوضه، وأن يجمعنا به في جنات النعيم .
أكْثروا من الصلاة والسلام عليه ولاسيما في يوم الجمعة، واعلموا أن صلاتكم معروضة عليه صلى الله عليه وسلم، كل مَن صلى عليه فإن صلاته تُعرض عليه، قالوا: يا رسول الله، كيف تُعرض عليك صلاتنا وقد أرِمْت ؟ أي: صرتَ رميمًا، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»(6)، فأجساد الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - في الأرض لا تأكُلها الأرض بل تبقى على حالها؛ لأن الأنبياء صفْوة عباد الله .
أكْثروا من الصلاة والسلام على نبيّكم محمد صلى الله عليه وسلم، واعلموا أن مَنْ صلى عليه مرّة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا .
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا اتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم وتوفّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنّات النّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين .
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن زوجاته أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وارضَ اللهم عنّا معهم بِمَنِّك وكرمك وجودك يا رب العالمين .
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذِلّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين من اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين يا رب العالمين .
اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصْلح أئمتنا ورعيّتنا يا رب العالمين، اللهم اجعل ولايتنا فيمَن خافك واتّقاك واتّبع رضاك يا رب العالمين، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] .
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدِكْم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45] .
-------------------

(1) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده العشرة المبشرين بالجنة، رقم [1790]، والإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب [الإيمان] رقم [9]، وابن ماجة في كتاب [المقدمة] رقم [620]، وأبو داوود في كتاب [السنة] رقم [4075]، والترمذي في كتاب [الإيمان] رقم [535]، والنسائي في كتاب [الإيمان وشرائعه] رقم [4904] من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ت ط ع.
(2) أخرجه الإمام أحمد [6/36]، والبخاري برقم [6696] من حديث عائشة رضي الله عنها .
(3) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسند المدنيين، رقم [15913] [1593]، وأخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الحوالة] رقم [2127]، وأخرجه النسائي في سننه في كتاب [الجنائز] رقم [1935] من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه .
(4) أخرجه البخاري برقم [1862] و [3006]، ومسلم برقم [1341] من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
(5) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، رقم [14455]، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب [الجمعة] رقم [1435]، والنسائي في سننه في كتاب [صلاة العيدين] رقم [156]، وابن ماجة في سننه في كتاب [المقدمة] رقم [44]، والدارمي في سننه في كتاب [المقدمة] رقم [208] من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم.
(6) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المدنيين، رقم [15575]، والنسائي في كتاب [الجمعة] رقم [1357]، وأبو داوود في كتاب [الصلاة] رقم [883] وفي الصلاة أيضًا برقم [1308]، وابن ماجة في سننه في كتاب [ما جاء في الجنائز] رقم [1626]، والدرامي في سننه في كتاب [الصلاة] رقم [15426] من حديث أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه .
 
أعلى