دكتور أسامة
New Member
المرشد العام وصراحة أكثر غموضا
د. أسامة عطوانجريدة الدستور
الاثنين 19 أبريل 2010
في أول ظهور إعلامي مطول له استضاف المرشد العام الجديد للإخوان المسلمين «الدكتور محمد بديع» أسرة برنامج العاشرة مساء في حوار كان المأمول منه التعرف عن قرب علي توجهات الجماعة في المرحلة المقبلة، وكما كانت «مني الشاذلي» محقة في أن كلمات المرشد العام لابد أنها ستخضع للتحليل الدقيق من قبل جهات عديدة كان علي حق أيضا كلُّ من قال إن «الدكتور بديع» قال فلم يقل، وأوضح فأخفي، وأفاض فاختزل، وفي نهاية الأمر فسّر الماءَ بعد الجهد بالماء.الاثنين 19 أبريل 2010
من الإنصاف أن نذكر أن المرشد العام قد بدا أكثرَ قدرةً علي المناورة السياسية وأكثر سيطرة علي أدواته في الحوار بالقدر الذي يحميه من زلات اللسان التي وقع فيها سلفه الأستاذ «مهدي عاكف»، ومن الممكن أن نتفهّم مدي حرصه علي عدم الزج بالإخوان في صدامات مبكرة في ظل حالة متوقعة من التربص، فهو في الحقيقة لم يقل شيئا حين قرر أنه يشارك كل القوي الوطنية مطالبها المشروعة فيما يتعلق بالإصلاح السياسي وإلغاء حالة الطوارئ مؤكدا أنها مطالب الإخوان المسلمين قبل أن يظهر «البرادعي» وهذا حقيقي بالطبع، فالبرادعي لم يقل إنه قد أتي بمطالب جديدة ولكنه يسعي لتفعيل مطالب دائمة تسعي لتحقيقها كل القوي الوطنية منذ عقود دون خطوة فعلية ملموسة أو نتيجة تذكر، لقد حافظ فضيلة المرشد علي نفس المسافة مع النظام والمعارضة، وأبقي كل الجسور مفتوحة وكل الخيارات واردة مع الجميع، فقد أكد أن الإخوان لا يسعون إلي السلطة ولن يقدموا للرئاسة مرشحا إخوانيا ولكنهم سيفاضلون بين المرشحين المتقدمين بناء علي برامجهم التي يعرضونها علي الشعب الذي يمثل الإخوان أحد فصائله، وفي مبادرة غير متوقعة أشار «في عبارات تحتمل التأويل عند الضرورة» إلي قبوله ترشح السيد جمال مبارك للرئاسة إذا قدم برنامجا إصلاحيا جديدا يحقق مطالب الشعب دون أن يستعمل لفظ التأييد أو المبايعة إطلاقا وإنما فقط الموافقة علي الترشح رغم أن ذلك لا يحتاج أبدا لموافقة الإخوان أو غيرهم وإنما يكفي فيه موافقة الحزب الوطني، والعجيب حقا أن مقدمة البرنامج في محاولتها لاستيضاح الأمر استعملت نفس ألفاظ المرشد ولم تلجأ مطلقا لاستعمال الألفاظ الأكثر دقة التي لايمكن أن تغيب عن فطنتها وكأنها تتيح له صياغة رسالة مشفرة تبشر النظام بتأييد الإخوان المشروط وبأنهم ليسوا خصومه المحتملين للرئاسة ويمكن ألا يكونوا داعمين لهؤلاء الخصوم.
لقد جاء غريبا تبرير المرشد العام لعدم مشاركة الإخوان لشباب 6 أبريل في وقفتهم الاحتجاجية بالخوف عليهم من الاضطهاد والتنكيل بهم مستشهدا بما حدث لطبيب الفيوم الذي برر الأمن احتجازه والاعتداء عليه بانتمائه للإخوان المسلمين رغم أن تهمته الحقيقية تأييد البرادعي، وفي هذا مغالطة واضحة سقط فيها الدكتور بديع، فالأمن ليس من بين تصنيفاته تهمة اسمها تأييد البرادعي، بينما تهمة الانتماء لجماعة محظورة يمكنها أن تنوب عن ذلك عند الضرورة، وما يسوقه المرشد من مبررات ربما كان مقبولا من أجهزة الأمن أو الحزب الوطني أما أن يصدر عن أكبر تيار سياسي معارض يسعي إلي توحيد الجهود لتحقيق مطالب مشتركة فلابد أنه يمثل رسالة سلبية غير مقصودة بعدم الاقتراب من الإخوان رغم أن الجميع يذكر جيدا كيف حصل الإخوان علي كل الأصوات العقابية الرافضة لهيمنة الحزب الوطني في انتخابات 2005 بعد معارك مع الأمن - كنتُ شاهدا علي إحداها - أصيب فيها العديد من الشباب من خارج الإخوان بعاهات مستديمة جراء قنابل الغاز والرصاص المطاطي.
لقد حدثنا المرشد العام عن انتخابات تجري في المدينة الفاضلة يطرح فيها المرشحون برامجهم الانتخابية فيفاضل الناخبون بينها ويختارون بكل حرية وشفافية من يرونه أهلا لأصواتهم .. نعم هذا ما يطالب به الإخوان وما تطالب به كل القوي الوطنية كما أقر سيادته، ولكن لم تكن تلك هي المشكلة يوما ما، فالمشكلة الحقيقية كيف يحدث هذا؟ والآلية المفقودة حتي الآن هي كيفية الحصول علي هذا الحق بعد استنفاد كل طرق الرجاء والمحايلة والاستعطاف، أما عن البرامج الانتخابية فلاشك أن برنامج مرشح الحزب الوطني - مهما تجمّل - لا يمكنه أن يصمد طويلا أمام برنامج أي من مرشحي المعارضة الذي يمكنه أن يُضَمّن برنامجه ماشاء من أحلام وردية مادام لن يطالبه أحد بتحقيقها فمن يطالبه بذلك عليه أن يصعد به أولا إلي السُّلطة وطبعا ده «في المشمش».[/size]