وليد فكري المحامي
Moderator
.jpg)
عداد: أحمد صلاح
كان ضمن المجموعة التي أرسلها رسول الله إلى قبيلة (عضل والقارة) في الجزيرة العربية، بناءً على طلب وفد منهم ذهب إلى المدينة في السنة الرابعة للهجرة، بهدف أن يسمح الرسول لهم باصطحاب بعثة إلى قبيلتهم لتقرئهم القرآن وتشرح لهم تعاليم الإسلام.
غير أن هذه كانت مكيدة للوقوع بصحابة رسول الله، والتفَّ حولهم مائة من الرماة، واستشهد عاصم بن ثابت وسبعة من أصحابة، ولم يبق سوى ثلاثة خبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وصحابي ثالث.
ولم يجد الثلاثة بدًّا من أن يستسلموا وينزلوا من على الجبل وما إن نزلوا.. حتى اتجهت مجموعةٌ من الرماة إلى خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة ليربطوهما بالحبال، وهنا صرخ فيهم ثالثهم وهو يهاجمهم في غضب وهو يقول: أهذا هو أمانكم يا قتلة.
ولم يستطع بعدها الصحابي أن يكمل جملةً أخرى، فقد استقرَّ سهمٌ في قلبه ليرديه قتيلاً، ويصبح الشهيد الثامن مع عاصم بن ثابت وإخوانه.
ونظر خبيب وزيد إلى أخيهما وقد سكن جسده على الأرض، والتفتوا إلى القتلة وقد احمَّر وجههما من شدة الغيظ، بينما هتف قائدهم في برود ووقاحة قائلاً: لا تغضبا يا رفاق، فدوركما آتٍ لا محالة، ولكن ليس هنا بل في مكة.
"هذا صيدنا لكم، لم نستطع أن نوقع في شباكنا أكثر من ذلك".. هتف بها قائد المجموعة الغادرة أمام عددٍ من زعماء قريش في مكة، وهم يعرضون "خبيب بن عدي" و"زيد بن الدثنة" موثقين أمامهم للبيع.
وكان من بين هؤلاء الزعماء عقبة بن الحارث، والذي قتل أبوه الحارث بن عمرو في بدر على يد خبيب.
وهنا هتف عقبة بن الحارث وهو ينظر إلى خبيب، وقد ملأ الحقد كيانه كله وهو يقول: أما هذا الصيد فهو لي بما تريدون من مال، وأما الآخر فليكافئه إخواني على شجاعته في بدر.
إلا أن حب خبيب ينال من الصغير، فيقع في قلبه، ليجلس مع خبيب يداعبه في حب، وبينما هما في عالمهما الجميل، حتى دوَّت صرخةً رجَّت المكان "ماذا ستفعل بابني؟.. أتوسل إليك أن تتركه"
صرخت بها ماوية بعد أن دخلت فوجدت الحديدة في يد خبيب وهو يُجلس طفلها الصغير على قدميه، فظنت أنه سيهم بإيذاءِ ابنها.
انتبه خبيب فجأةً ونظر إليها وقال لها وهو يبتسم: "أتخافين أن أقتله يا ماوية ما كان لي أن أقتله وأنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم"، ونظر إلى ابنها في رفق وهو يقول له: يا بني.. اذهب إلى أمك.
التقطت ماوية يد ولدها في هدوء ورفعته إلى حضنها، وهي تنظر إلى خبيب بدهشةٍ أكبر وحيرةٍ أشد وتفكيرٍ أعمق، ولكن لم يطل بماوية التفكير هذه المرة لقد أسلمت ماوية نعم أسلمت.. لكنها أخفت إسلامها خوفًا من سيدها عقبة بن الحارث.. عظيم يا خبيب.. نجحت في أن تقنع مَن يقف على حراستك بالإسلام دون خطبٍ رنانة وكلمات بليغة، فقط بأخلاق الإسلام وتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم.
وجاء يوم إعدامه أمام الجميع ويظهر ثبات المسلم الداعية أمام الطواغيت، فصلى ركعتين ودعا ربه قائلاً: اللهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا.
ويأمر أبو سفيان الرماة أن يبدءوا بإطلاق بعض السهام في غير مقتل، فتنطلق السهام لتنهش في لحم خبيب، ويصرخ خبيب صرخةً مكتومةً شجَّعت أبا سفيان على أن يقترب منه، ليقول له في شماتة: يا خبيب أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك؟
ويتحامل خبيب على آلامه ليطلق عليه بردِّه سهمًا أشد من كلِّ السهام التي وُجهت إليه، قائلاً في تحدٍّ وإصرار: والله ما أحب إني في أهلي وولدي ومعي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة!!
وصل الرد إلى أبي سفيان كمطرقةٍ على رأسه، جعلته يطأطئها لثوان وقد تملكه تفكير عميق، ثم قال بصوتٍ خفيض محدثًا نفسه: "والله ما رأيتُ أحدًا يحبُّ أحدًا، كما يحب أصحاب محمد محمدًا".
ثم استشهد ويرسل الرسول المقداد بن عمرو والزبير بن العوام ليعرفا ما حدث.. ويصل الاثنان ليفاجئا بما حدث لخبيب.
وعلى بقعةٍ طاهرةٍ من أرض الله، تتساقط عليها دموع صاحبيه، دُفن خبيب بن عدي في مكانٍ لا يعرفه أحدٌ حتى الآن.
درس ومعنى:
1- عندما نُقدم على فعل الخير، لا بد أن نخلص النية لله، فربما يتبع فعل الخير آذى بصورةٍ من الصور (وفد الصحابة يُهاجم من قِبل الرماة رغم ذهابهم لمهمةِ تعليمهم القرآن وتعاليم الإسلام).
2- الله لا يتخلى عن المظلومين والمجاهدين في سبيله، مهما اشتد الظلم عليهم (ماوية تجد عنقودًا من العنب في يد خبيب بن عدي).
3- الحق له قوة جبارة ترهب الطغاة والظالمين مهما وصل تجبرهم؛ لأن قوة الحق مستمدة من الله عز وجل (خبيب بن عدي يدعو على قريش فيخفضون رؤوسهم خوفًا من أن تصيبهم الدعوات بسوء).
4- كل إنسانٍ لا بد أن يظلم في حياته حتمًا، فاحرص أن تعلم غيرك شيئًا (خبيب بن عدي يبعث رسائل الصمود وحب الرسول والرغبة في التضحية والفداء من أجل العقيدة، وهو على منصة الإعدام).
5- الثبات على المبدأ، يجعلك شخصًا جديرًا بالاحترام أمام نفسك وأمام أصدقائك وأمام أولادك (أبو سفيان يجد نفسه مضطرًا لاحترام خبيب رغم ضعف موقفه، نظرًا لثباته على الحق ودفاعه عن مبادئه بمنتهى القوة والشجاعة).
6- الأخلاق دائمًا هي السلاح الفعال وحجر الزاوية لاقتناع غير المسلمين والمسلمين بالإسلام (إسلام مأوية؛ تأثرًا بتصرف خبيب بن عدي مع طفلها).
---------
* [email protected]
