• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

بسم الله الرحمن الرحيم


حبيبة رسول الله

إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102



{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1



{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب71،70 ].



أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

ثم أما بعد ..

فحياكم الله جميعا أيها الأخوة وأيتها الأخوات الفاضلات ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله الكريم – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك ومولاه ..



أحبتي في الله :

أم المؤمنين حبيبة رسول الله r :

هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم، في هذا اليوم الكريم المبارك ولن أحدد الموضوع بمجموعة من المحاور أو العناصر، كعادتي، وإنما سأجعل الأمر لله – سبحانه وتعالى – فأسأل الله – سبحانه – أن يجعل رزقنا موفورا، إنه ولي ذلك والقادر عليه .



أيها الأحبة: إن الصراع بين الحق والباطل قديم بقدم الحياة على ظهر الأرض ، إن الصراع بين الحق والباطل قديم بقدم الحياة على ظهر الأرض، ولا زال الإسلام العظيم، منذ بزغ فجره، واستفاض نوره، وإلى يومنا هذا مستهدفاً من قبل أعدائه أعداء الطهر والفضيلة الذين ما تركوا سبيلا من السبل إلا وسلكوه ، لاستئصال شأفة المسلمين وللكيد لهذا الإسلام والدين العظيم.



الذي دفعني لاختيار هذا الموضوع .



مقال منحط سافل لكاتب نكرة ، منحط مرتد سافل ، وأنا أحكم عليه بأولى كلماتي بالردة وأنا أعي ما أقول تماماً ، لأن من اتهم أم المؤمنين عائشة بالزنا ، فقد كفر بإجماع المسلمين ، فهذا كاتب نكرة منحط كلب وقح – في مقال على أربع صفحات في مجلة تدعى ((مجلة المنبر)) تصدر في دولة الكويت .



يكتب هذا المنحط السافل ، هذا المقال العفن ، القذر ، الذي يتهم فيه أم المؤمنين حبيبة رسول الله r بالساقطة والمتسكعة بل يُعَنْوِنُون لمقاله العفن القذر : أم المتسكعين ونصدم حين نقرأ المقال ، فنرى أن الوقح السافل ، يصف أم المؤمنين عائشة حبيبة رسول رب العالمين r بهذا العنوان القذر العفن ، بأم المتسكعين إلى هذا الحد .

نعم ! أعلم أن الحرب على الأصول والثوابت معلنه منذ أمد بعيد ، أعلم أن الحرب على الأصول والثوابت معلنه منذ أمد بعيد ، ولكنني ما تصورت أبدا أن تنتقل الحرب في هذه المرحلة إلى هذه الصورة العلنية السافرة الوقحة الفاضحة ، أمام هذه الآلاف المؤلفة أمام مليار وثلث من المسلمين ، تُعلن الحرب على أصول دينهم ، وأركان الدين وثوابته بهذه الصورة الفاضحة الجريئة .



يقول هذا النكرة المرتد الخبيث يقول: هل عرفتم لماذا تبرأت من ماما عائشة ؟ لماذا تبرأت من ماما عائشة ؟ ثم يقول هذا الوقح ، لأنه اكتشف أن تسكعها كان من العيار الثقيل ، ثم يقول الخبيث بأن عائشة – رضي الله عنها وأرضاها – يقول : كانت عائشة تعقد جلسات الطرب والأنس واللهو البريء ، والغير بريء .

ثم يقول بأنه لا يشرفه أن تكون عائشة أماً له ، ومن أنت أيها السافل لنشرف نحن بأن ننسب إليك أم المؤمنين ؟ من أنت وأمثالك أيها الأقذار الأنجاس ؟



يخرج علينا في الأسبوع الماضي سافل على شاشة قناة الجزيرة ، ليتهم عمرو بن العاص – رضي الله عنه – بأنه كان شخصية حقيرة ، ويخرج علينا سافل منحط ، طوال شهر رمضان في فضائية خبيثة ، لينال من أصحاب النبي r جميعا ، وعلى رأسهم خالد بن الوليد .



ثم يخرج هذا السافل لينال من عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ويتهم عمر بالشذوذ الجنسي ثم يتهم أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – ويقول : كانت تجعل لنفسها غطاءً شرعياً في اصطياد الرجال والشباب ، وإدخالهم عليها في بدء الأمر ، ثم تركت هذا الأمر ومارست تسكعها بشكل علني سافر .



يُتهم شبابنا بعد ذلك بالتطرف والإرهاب والجنون ؟! ولو رد عالم من علماء الأمة عن أطهر وأشرف الخلق بعد الرسل والأنبياء يتهم هذا العالم حينئذ بأنه رأس الإرهاب ، ورأس التطرف ورأس للجمود والرجعية .

أتحداك أيها السافل القذر أن تنال من ممثلة ساقطة أو من ممثلة هابطة فضلاً عن أن تنال وزيراً من الوزراء ، أو أمير من الأمراء ، أو رئيساً من الرؤساء .



صار أصحاب رسول رب الأرض والسماوات حائطاً مائلاً لكل كلب عاوٍ يريد أن تفتح له صفحات الجرائد والمجلات ، ويريد أن تفسح له الفضائيات الساعات الطوال .



لكن أنت وأمثالك أيها الكلب العاوي أنت وأمثالك ، كمثل ذبابة حقيرة سقطت على نخلة تمر عملاقة ، فلما أرادت الذبابة الحقيرة أن تطير وتنصرف قالت لنخلة التمر العملاقة: تماسكي أيتها النخلة ، لأني راحلة عنك ، فقالت لها نخلة التمر العملاقة: انصرفي أيتها الذبابة الحقيرة فهل شعرت بك حينما سقطت عليّ لأستعد وأنت راحلة عني.



هل يضر السماء أن تمتد إليها يد شلاء؟! هل يضر السماء نبح الكلاب؟! لا، والله.



مَثلِك أيها السافل المرتد أنت وأمثالك كأمثال الطحالب الحقيرة القذرة العفنة على سطح ماء تجوبه البواخر العملاقة، لا تعطل هذه الطحالب سيرها، ولا تنال من قوتها، مثلك أيها العاوي كمثل تراب نجس مع سماء في أفق بعيد بعيد بعيد، أين الثرى من الثريا؟ وأين الأرض من كواكب الجوزاء .



والله لولا أن ربنا – جل وعلا – قد نقل إلينا قول الكفر على ألسنة الكافرين ما تجرأت أن أنقل كلمة واحدة من هذه الكلمات العفنة الخبيثة، التي نقلها هذا المنحط القذر السافل ، وقبلها قال سافل منهم: إن مجتمع الصحابة كان مجتمعا منحلاً مشغولاً بالرذائل، والهوس الجنسي، ولم تكن التجاوزات الجنسية مقصورة على مشاهير الصحابة، بل تعدتهم إلى صحابيات معروفات، كان هذا يغمز في عائشة.



لكن هذا السافل صرّح: ولم تكن التجاوزات الجنسية مقصورة على مشاهير الصحابة، بل تعدتهم إلى صحابيات معروفات، ولما كان التقاء الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر طقساً يومياً من الطقوس الاجتماعية المعتادة في مجتمع يثرب، فقد اضطر محمد رفعاً للحرج أن يبيح لأصحابه أن يمروا في المساجد وهم جُنب.



آه ! والله إن القلب لينزف ، والله إن القلب لنزف دماً ، بدل الدمع ، أين عمر أين عمر ؟! ليُعلِّم هؤلاء الساقطون الأدب ، أين أبو بكر ؟! فنحن أمام ردة ، ولا أبا بكر لها، أين أجد الله ، ليقام على أمثال هؤلاء المرتدين عن دين الله .



أقولها بملء فمي : فقد أجمع علماء الأمة من علماء أهل السنة على كفر من سب عائشة – رضي الله عنها – وأتهمها بالفاحشة ، لأنه مكذب لصريح القرآن الكريم .



عائشة حبيبة رسول الله r، عائشة التي ولدت في الإسلام، ولدت في الإسلام لم تستنشق أبداً ابداً هواء الشرك، ولم تتنفس أبداً هواء الكفر قط نشأت في بيت أبي بكر الصديق، بعد ما دخل الإسلام، ودخلت أمها كذلك الإسلام فترعرعت عائشة في بيت صديق الأمة الأكبر ، ونشأت عائشة في بيت صديق الأمة الأطهر في بيت الصديقية، تربت على يدي أبي بكر – رضي الله عنه – ثم انتقلت في سن مبكرة من بيت الصديق، إلى بيت النبوة ، إلى بيت النبوة ليواصل النبي r تربية عائشة، وليسقيها بمداد الطهر، لتقف عائشة وحدها خلفه في ليلتها لتسمع القرآن غضاً طرياً، من فم رسول الله r.



والله لقد رآها النبي r زوجاً له قبل أن يتزوجها، والحديث في الصحيحين من حديثها – رضي الله عنها – من حديث أمنا الصديقة بنت الصديق، العفيفة بنت العفيف، الحبيبة بنت الحبيب، الرقيقة حبيبة سيد المرسلين r ورفيقته في جنة رب العالمين كما في صحيح البخاري وغيره الصديقة عائشة تقول: قال رسول الله r: ((أريتك في المنام ثلاث ليال، أريتك في المنام ثلاث ليال جاء بك الملك في سرقة من حرير)) .



سرقة: بفتح السين والراء والقاف أي قطعة من حرير ((ويقول لي الملك هذه زوجتك )).. قال: (( فأكشف فأراك أنت ثلاث ليال )) يقول النبي r: فقلت: ((إن بك من عند الله يمضه))(1).



أي: يمضه الله – عز وجل – (( إن بك من عند الله يمضه )). أي: إن كان ربنا – جل وعلا – قدّر ذلك فسيكون ما قدّر – تبارك وتعالى .

بل أعلن النبي r حبه لعائشة – رضي الله عنها – بل هي أحب نسائه إليه بعد خديجة رضي الله عنهن جميعا، وأعلن النبي r ذلك وعلمت الأمة ذلك، حب النبي لعائشة.



وأنا أسأل : هل يحب رسول الله r إلا طيباً ؟! والله ما أحب رسول الله r إلا الطيب.



روى البخاري ومسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك ؟ قال ((عائشة)) هكذا هكذا – أي الناس أحب إليك ؟ قال ((عائشة)) ، فقال عمرو : من الرجال ؟ قال : ((أبوها)) ([1]).

قال الإمام الذهبي في كتابه المانع ((سير أعلام النبلاء)): وهذا خبر صحيح ثابت رغم أنوف الروافض ، فلقد أحب النبي r من الأمة أبا بكر – رضي الله عنه – وأحب النبي عائشة.

قال : وما كلن رسول الله r ليحب إلا طيباً فمن أبغض حبيبي رسول الله r كان حرياً أن يكون بغيضاً لله ولرسوله .

فمن أبغض حبيبي رسول الله r كان حرياً أن يكون بغيضا لله ولرسوله .



الله سبحانه يحب رسوله ويحب ما يحبه رسوله ، ورسولنا يحب الصديق رضي الله عنه – ويحب عائشة – رضي الله عنها – فمن أحب رسول الله r فليحب الصديق، وليحب ابنته الحصَان الرَزان الطاهرة الصديقة المبرأة من فوق سبع سماوات .



تعلم الدنيا كلها حب النبي r لعائشة ، بل لقد علم المسلمون من الصحابة ذلك فكانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة تقرباً لرسول الله r وإرضاءً له .



يمر النبي r على نسائه ، وفي يوم عائشة ، من أراد من الصحابة أن يقدم هديثة للحبيب r يتحرى يوم عائشة وهو يريد بذلك أن يطيب خاطر وقلب رسول الله r فدبت الغيرة في قلوب نساء رسول الله r والحديث في الصحيحين من حديث عائشة – رضي الله عنها – فاجتمع نساء النبي r - رضي الله عنهن – اجتمعن وقلن لأم سلمة: يا أم سلمة إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة ، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة, فكلمي رسول الله r أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان أو حيثما دار.



تقول أم سلمة – رضي الله عنها - : فذكرت ذلك لرسول الله r فأعرض عني قالت: حتى جاءني الثانية أي في نوبتها الثانية، بعد تسع ليال قالت: فذكرت ذلك لرسول الله r فأعرض عني قالت: حتى جاءني الثالثة بعد تسع ليال أخرى، فذكرت ذلك لرسول الله r فقال النبي r لأم سلمة: (( يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، لا تؤذيني في عائشة، فوالله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها ))(1) .



يا الله ! يا الله ! (( فوالله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها )) مَنقبِة من الله جل جلاله – كرامة من الله – جل وعلا – لعائشة، ومنقبة عظيمة لعائشة (( فوالله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها )) .

فلما رأى نساء رسول الله r ورضي الله عنهن أن أم سلمة لم تستطع إقناع رسول الله r بذلك أرسلن إليه حبيبة قلبه فاطمة بنت سيدنا رسول الله r والحديث في الصحيحين، فذهبت فاطمة إلى رسول الله r وقالت: يا رسول الله إن نساءك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، إن نساءك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، - أي في عائشة: اسمع ماذا قال النبي r لحبه لحبيبته لشبيهة أبيها لفاطمة بنت رسول الله r ورضي الله عنها – قال النبي r لفاطمة : (( ألست تحببين ما أحب ؟ )) قالت: بلى يا رسول الله يعني أحب ما تحب فقال لها: (( فأحبي هذه )) (2) يعني: فأحبي عائشة (( ألست تحببين ما أحب ؟ )) قالت : بلى يا رسول الله يعني أحب ما تحب فقال لها : (( فأحبي هذه )) وأشار إلى عائشة ، هذه مكانة عائشة عند رسول الله r .



بل أنا أرى أن أعظم وأطهر وأشرف وأجل منقبة لأم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – ذلكم المنقبة أو تلكم المنقبة ، التى لا تمحوها الأيام والأعوام وكيف تمحى وقد جعلها ربنا جل جلاله قرآناً يُتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

تلكم المنقبة العظيمة التي برأَّ الله – عز وجل – بها عائشة من فوق سبع سماوات حينما تناولها قديماً قادة هؤلاء المنافقين في النفاق وأساتذة هؤلاء الصغار في النفاق ، حين تولى كبارهم في النفاق هذه الفرية العظيمة فاتهموا أم المؤمنين عائشة بالزنا ، إي والله بالزنا : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [ العنكبوت/3،2] قال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرة/214] .



تحكي أم المؤمنين عائشة (1) أن القرعة قد وقعت عليها في غزوة بني المصطلق، فخرجت مع النبي r في هذا السفر، وبعد كلام طويل قالت: تخلفت عن الجيش لقضاء حاجتها فلما عادت وتحسست صدرها فقدت عقدها، قد انفرط فعادت إلى الموضع التي كانت تقضي فيها حاجتها ، لتبحث عن عقدها.



وأرجو أن تتصورا امرأة عفيفة طاهرة فاضلة في جيش جرار من الرجال تريد أن تقضي حاجتها في صحراء مترامية، أرجو أن تتصور المسافة التي ستقطعها هذه العفيفة الطاهرة لتبتعد عن كل الأعين، وعادت فوجدت الجيش قد رحل، وكانت تحمل في الهودج وتنزل وهي في الهودج وكانت خفيفة اللحم، خفيفة الوزن لا فارق بين أن تكون فيه وبين ألا تكون فيه ، فالرجال يحملون الهودج ويضعونه وينزلونه ، وهكذا فلما لم تجد الجيش ، جلست في مكانها إن فقدوها أن يرجعوا إليها ، فغلبتها عيناها فنامت .



وكان صفوان ابن المعطل السلمي – رضي الله عنه – كان وراء الجيش بأمر وتكليف رسول الله r له، فلما رأى سواد إنسان، اقترب فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، تقول عائشة: فاستيقظت من نومي على استرجعاه أي على قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، تقول: فلما رآني عرفني، وكان يراني قبل الحجاب، كان يراني قبل الحجاب أي قبل نزول آية الحجاب، تقول: فأناخ راحلته، فركبتها والله ما سمعت منه كلمة غير استرجعاه، أي غير قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون قالت: فأدركنا الجيش في نحر الظهيرة أي في وقت شدة الحر، في وسط النهار. وفي غير رواية الصحيحين: نظر الخبيث رأس النفاق عبد الله ابن أبي ابن سلول وقال: من هذه ؟ قالوا: أم المؤمنين عائشة، قال: ومن هذا ؟ قالوا: صفوان بن المعطل السلمي، فقال الخبيث الوقح: امرأة نبيك تبيت مع رجل حتى الصباح ثم جاء يقود لها الراحلة ، والله ما نجت منه وما نجا منها.



يا للعفن ! يا للنفاق ! يا للقذارة ! هكذا بسهولة ، تقذف البريئة الحَصان الرزَان بسهولة يُقذف رسول الله r .

آه من الكلمات ! وآه من اللسان ! إن ترك الألسنة تلقي التهم جزافاً دون بينة أو دليل ، يترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقول ما شاء في أي وقت شاء ، ثم يمضي بعد ذلك آمناً مطمئناً ، وإذا كل ما فيها في هذا الجو الملبد ، في هذا الجو الملبد بالغيبة والقذف ، إذا كل فرد فيها متهم أو مهدد بالاتهام في أي لحظة من اللحظات وهذه حالة القلق والشك والريبة لا يمكن أن تطاق أبدا بأي حال من الأحوال {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق/18] .



قال سبحانه : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }

قال سبحانه : {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء/47] .



يقول الخبيث المنافق هذه القولة وتتلقف عصابات النفاق في المدينة المطهرة هذه القولة الآثمة العفنة الشريرة !! ويذل في الهاوية بعض المسلمين ، هذه الكارثة ، هذه الكارثة ، أن يذل في هذا الإفك بعض المسلمين وأن يردد بعض المسلمين شائعات قذرة عفنة خطيرة دون بينة أو دليل .



فكّر ألف مرة قبل أن تنطق مرة فإن الكلام خطير ، وإن اللسان خطير فبكلمة تدخل دين الله ، وبكلمة تخرج من دين الله ، وبكلمة تستحل فرج امرأة ، وبكلمة تحرم عليك هذه المرأة ، وبكلمة تسعد أسرة ، وبكلمة تذبح أسرة ، وبكلمة تفرق الأحبة ، وبكلمة تجمع الأحبة ، الكلمة خطيرة .



رٌميت عائشة – رضي الله عنها – رُمي رسول الله r في عرضه ، رسول الله r الطاهر الطاهر الذي فاضت طهارته على العالمين يرمى في طهارته وهو الطاهر الذي فاضت طهارته على العالمين ، في صيانة حرمته ، وهو القائم على صيانة كل الحرمات في أمته ، وفي من ؟ في عائشة في حبيبة قلبه ، في أم المؤمنين ، في الصديقة بنت الصديق ، العتيقة بنت العتيق الحبيبة بنت الحبيب الحصَان الرزَان ، يٌرمى في عائشة .



وها هي أم المؤمنين زوج سيد المرسلين ، ترمى في أغلى ما تعتز به أي فتاة ترمى في شرفها تُتًهم بالخيانة ، ترمي بالفاحشة تتهم بالزنا ، وهي الزهرة التي تفتحت في بستان الصدق ، ثم اكتمل نموها في بيت النبوة وسقيت بمداد الوحي على يد رسول الله r .

وها هو الصديق صديق الأمة الأكبر، الرجل الطاهر الفاضل الذي بدأ تربية عائشة في بيت الصديقية، يرمى بهذا فيبكي، ويحطم الألم فؤاده، ويمزق الحزن كبده، ويقول : والله ما رمينا بهذا في الجاهلية أفنرمى به في الإسلام ؟.

أفنرمى به في الإسلام ؟



وصفوان بن المعطل الصحابي الجليل يُرمى في عقيدته ، في دينه ، في دينه يوم يتهم بخيانته لنبيه المصطفى r وفي من ؟ في عائشة ، في أم المؤمنين الحصَان الرزَان ترجع إلى المدينة ، وتمكث شهراً كاملاً وهي مريضة لا تعلم عن قول أهل الإفك أي شيء لا تعلم شيئاً فهي حَصان رزَان ، لا تلتفت إلى مثل هذه الوقاحات أبداً وخرجت يوماً مع أم مسطح فأخبرتها أم مسطح بما يقوله الناس في المدينة قالت عائشة : وأنا والله لا يريبني شيئا في وجعي إلا أنني لم أكن أرى اللطف الذي أعهده من رسول الله فكان يدخل ويسلم ويقول : (( كيف تيكم ؟ )) وأنا لا أعلم شيئاً ، فلما عرفت استأذنت رسول الله r أن يأذن لها في أن تذهب إلى بيت الصديق – رضي الله عنه – فأذن لها النبي r .



ويشاء ربك – جل وعلا – أن يمضي شهراً كامل لا ينزل فيه على المصطفى r في هذا الآمر آية واحدة ، ويشاء ربك لحِكَم يعلمها – جل وتعالى – ألا يرى رسول الله r ولا رؤيا واحدة ليبريء بها أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – يمضي شهراً كامل يحطم الألم فؤاد رسول الله r ويحطم الحزن ويفتت كبده r .

وبعد شهر كامل يذهب النبي r إلى بيت أبي بكر – رضي الله عنه – وعائشة التي ذهبت والله ما ذهبت لتسوثق من هذا الكلام في هذا الموضوع الجلل ، فتقول لأمها : ما الذي يتحدث به الناس ؟ فتقول أمها : هوني عليك يا ابنتي تقول : سبحان الله أو تحدث الناس فعلاً بهذا أو تحدث الناس بهذا ؟قالت : فلم يرقأ لي دمع فلم ينقطع لي دمع ولم تكتحل عيناي بنوم ، وظن أهلي وأبواي أن البكاء فالق كبدي . وهي على الفراش تبكي دخلت عليها امرأة من الأنصار تبكي لبكائي وأمها تبكي ، والصديق يتألم ويحطمه الألم .



وفجأة دخل رسول الله r فسلم وجلس إلى جوار عائشة ، فشهد وحمد الله وأثنى عليه، ثم التفت إلى عائشة وقال: ((يا عائشة إنه قد بلغني عنك كذا كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله – عز وجل – وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إن أذنب واعترف بذنبه وتاب إلى الله ، تاب الله عليه )) قالت : فقلص دمعي.



وأنا أرجو أن تتصوروا أنتم حالة رسول الله r وهو يقول لعائشة هذه الكلمات : ((فإن كنت بريئة فسيبرئك الله – عز وجل – وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إن أذنب واعترف بذنبه وتاب إلى الله ، تاب الله عليه )) .

تقول فقلص دمعي ، جف الدمع وقلت لأمي : يا أمي أجيبي عني رسول الله r تكلمي أنت ، فقالت أمها : والله يا ابنتي ما أدري ماذا أقول لرسول الله r فالتفت إلى الصديق وقلت : يا أبي أجب عني رسول الله r فقال الصديق : والله يا ابنتي ما أدري ما أقول لرسول الله r.

قالت : فقلت : والله لا أرى لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف : { َصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف/18] .



قالت : والله ما رام رسول الله r مجلسه ولا رام أحد في الدار مجلسه أي ما فارق أحد مجلسه الذي كان يجلس فيه ، حتى أخذ رسول الله r من البُرَحَاء من الشدة مما ينزل عليه من الوحي حتى أنه ليتحدر مثل الجمان – أي : يتصبب عرقا كحبات اللؤلؤ ، من ثقل الوحي الذي يتنزل عليه – فلما سري عن رسول الله سري عنه وهو يبتسم ، وكانت أول كلمة نطق بها المصطفى r بعد ما التفت إلى عائشة فقال : (( أبشري يا عائشة فلقد برأك الله – عز وجل )) فقالت أمها : قومي يا عائشة قومي إلى رسول الله r فاحمديه قالت عائشة : لا لا والله لا أقوم إليه ، بل لا أحمد إلا الله – عز وجل – الذي أنزل براءتي من فوق سبع سماوات .



وقرأ النبي r على أمنا – رضي الله عنها – قرآنا شرفها الله به ، وقرأ الرسول قرآنا كرمها الله بها ولا زال وسوف يزال يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها { إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ{11} لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ{12} لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{13} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{14} إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ{15} وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{16} يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{17} وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{18} إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{19} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [النور/11-20]



فازدادت بهذه البراءة مكانتها في قلب المصطفى r بل في قلوب المؤمنين ، بل في قلوب المؤمنين الصادقين ، أي شرف !! هي نفسها تقول : والله لشأني في نفسي كان أحقر من أن ينزل فيّ وحي يتلى ، والله لشأني في نفسي كان أحقر من أن ينزل فيّ وحي يتلى ، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله r في رؤيا فيبرئني الله بها فقط .



انظروا إلى تواضع أم المؤمنين – رضي الله عنها – انظروا إلى صفاء نفسها ، وإلى صدق سريرتها ، وإلى إخلاص قلبها ، ما قالت : إنها زوج رسول الله r ، لأنها أم المؤمنين كيف يقول الناس هذا لا ، لا ، لا ، والله لشأني في نفسي كان أحقر من أن ينزل فيّ وحي يتلى ، والله لشأني في نفسي كان أحقر من أن ينزل فيّ وحي يتلى ، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله r في رؤيا فيبرئني الله بها . زادت مكانتها في قلبه .

بل الأعجب يا أخي إذا علمت أن النبي r في مرضه الأخير استأذن نساءه ألا يدور عليهن كعادته ، وأن يمكث أيام مرضه كلها في بيت عائشة إي والله والحديث في الصحيحين([2]) .



هل تتصور هذا ، أنا أرجو أن تتخيل مدى الحب من الحبيب الطاهر للحبيبة الطاهرة أم المؤمنين عائشة ، استأذن النبي نساءه في أن يمرّض في بيت عائشة فأذن له لما يعلمنه من حبه لها فأذنَّ له .

تقول : منّ الله علىّ أن رسول الله r مات في بيتي وفي يومي إي والله في بيتي ، وفي يومي يعني ليس في يوم زوجة أخرى ، مات في بيتي وفي يومي ، اسمع وعلى سحري ونحري ، ورأسه على سحري ونحري ، يعني رأس النبي r في صدرها .

الله ! مات رسول الله r ورأسه في صدر عائشة تقول : وجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا ، وأول يوم من أيام الآخرة .

ماذا تريدون بعد ذلك أيها المسلمون ، يجمع الله بين ريقها وبين ريق المصطفى r بالسواك الذي أخذته وقضمته ، ومضغته وطيَّبته ودفعته إلى رسول الله r فاستاك به كأجود ما استاك به من قبل ، فجمع الله بين ريق المصطفى r وريق عائشة في آخر يوم من أيام الدنيا لرسول الله r وفي أول يوم من أيام الآخرة ([3]).

لا يتسع الوقت للحديث عن زهدها ، ولا يتسع الوقت للحديث عن عبادتها ولا يتسع الوقت لا عن علمها ولا عن فقهها ولا عن أدبها .



فهي فقيهة الفقهاء ، معلمة العلماء ، أديبة الأدباء ، بليغة البلغاء فصيحة الفصحاء ما سألها الصحابة عن حديث قط إلا وقد وجدوا عندها علما منه عن رسول الله r ، ملأت الدنيا علما ، وروت عن رسول الله r أكثر من ألفي حديث وروى عنها كثير من أصحاب رسول الله r فهي معلمة العلماء ، وفقيهة الفقهاء ومؤدبة الأدباء ، وبليغة البلغاء وفصيحة الفصحاء – رضي الله عنها وأرضاها .



وهي التي قالت حينما شكي إليها من بعض السفلة الذين يتناولون أصحاب رسول الله r فقالت قولتها الجميلة قالت: أصحاب رسول الله r مضوا وماتوا فانقطع عنهم العمل ، فأبى الله أن يقطع عنهم الأجر.

نعم ! ماتوا ، انقطع عملهم ، لكن الأجر لا ينقطع بعواء ونباح هؤلاء السفلة الكلاب ، الذين يتناولون أصحاب رسول الله r الذين زكاهم الله وعدلهم الله وطهرهم الله ، واصطفاهم الله ، واختارهم يوم اختار رسوله المصطفى r .



قال عبد الله بن مسعود : إن الله تعالى نظر في قلوب العباد ، فوجد قلب محمد r خير قلوب العباد ، فجعله واصطفاه لرسالته ونبوته ، ثم نظر الله في قلوب العباد بعد قلب محمد r ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه .

أكمل ما تبقى بعد جلسة الاستراحة في عجالة سريعة وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ....



الخطبة الثانية :



الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ..
أما بعد ..

فيا أيها الأحبة : قال الحافظ الكبير أبو زرعة – رحمه الله تعالى : إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله r فاعلم بأنه زنديق .



وذلك أن الرسول r حق والقرآن حق ، وما جاء به الرسول r عن الله حق والذي نقل إلينا كل ذلك هم الصحابة ، فهؤلاء يريدون أن يهدموا الصحابة ، ليبطلوا القرآن والسنة.



هذه هي العلة من حافظ كبير كأبي زرعة هؤلاء يريدون أن يهدموا الصحابة ليبطلوا القرآن والسنة ، ولكن هيهات هيهات هيهات .



فمنذ أن بزغ الإسلام وهو يحارب ، أين من حاربوه ؟ إلى مزابل التاريخ ، إلى جهنم وبئس المصير ، من مات منهم على الكفر والعناد والإسلام شامخ ، وسيظل الإسلام شامخا ، فنحن لا نخاف على الإسلام من أمثال هؤلاء السفلة المنحطين الأنجاس ، وإنما نخشى على المسلمين في زمان الفتن ، فتن الشبهات في زمان الإنترنت .

فأنا أذكر المسلمين جميعا بالتمسك بكتاب الله وبسنة رسول الله الله r وبالجلوس بين أيدي علماء أهل السنة الربانيين المتحققين بالعلم الشرعي ، وأحذر المسلمين أن يأخذوا شيئا من الدين من هذه الصحف أو الجرائد أو المجلات ، أو أن يأخذوا من بعض المشبوهين من بعض الفضائيات ، ممن لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، وأن يراجعوا الربانيين من علماء أهل السنة وألا يتكلم مسلم وألا يخطو مسلم على طريق الإسلام خطوة إلا بعد أن يراجع العلماء ، وإلا بعد أن يسأل أهل الفضل والعلم .

واحرصوا على مجالس العلم ، ولا تضيعوها، ابذلوا من أجل الجلوس فيها الأوقات، بل الأموال بل واصحبوا معكم النساء والأولاد، والأطفال لمجالس العلماء الربانيين ، لحلقات العلم.

وأذكر نفسي وإخوتي بأن يعلموا نساءهم وبناتهم وأولادهم حب الرسول r وحب الصحابة ، وأن يبينوا لهم مكانة أصحاب رسول الله r .

يا أخي اشتر كتابا من كتب السيرة للأطفال ، واجلس كل ليلة نصف ساعة ، اقرأ على أولادك سيرة الرسول r سيرة أصحابه – رضي الله عنهم – اجتهد في أن تملأ قلب امرأتك ، وقلوب أولادك بحب الصحابة – رضي الله عنهم – جميعا .

أيها الأفاضل : إن الحرب شرسة ، ولا مخرج لنا ، ولا فرار لنا من الله إلا إليه سبحانه ، ففروا إلى الله ، ففروا إلى الله بالتمسك بالكتاب والسنة ، بالاعتصام بالله .

بالحرص على مجالس العلم ، بالتربية بتربية الأولاد على القرآن والسنة والفضيلة بالذب عن أصحاب رسول الله r .

بكل ما أوتيت من قوة، عبر مجلة، عبر جريدة، عبر شريط، خذ هذا الشريط اليوم، خذ هذا الشريط اليوم، اطبع منه مائة نسخة ألف نسخة من مالك الخاص، ووزعه على السيارات على الميكروباصات في البيوت، في المنازل، في المحلات، ليعرف الناس قدر هؤلاء الأطهار وليعرف الناس أيضا حجم الحرب الشرسة، التي تعلن الآن على الثوابت والأركان والأصول.

لا تكن سلبياً، بل قدم شيئا لدين الله تبارك - وتعالى – لا عذر لك إن لم تفعل أي شيء ولو بهذا الشريط فقط، اسمعه أسمعه لأسرتك أسمعه لأهلك، أسمعه لغيرك، وأسمع غيره من الأشرطة لإخواننا الأفاضل، من أهل العلم من علماء أهل السنة، فإن الحرب شرسة.



لا مخرج لنا إلا أن نعود إلى ديننا وأن نعض عليه بالنواجذ ، في زمن الفتن فتن الشبهات والشهوات ، (( والعبادة في الهرج – أي : في الفتن – كهجرة إليَّ )) كهجرة المصطفى r من مكة إلى المدينة ، والحديث في صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار(1).



فهاجر أيها المسلم ، هاجر في زمان الفتن من المعصية إلى الطاعة من البدعة إلى السنة ، من الشر إلى الخير من الحرام إلى الحلال من الضلال إلى الهدى ، من البعد عن الله إلى القرب إلى الله ، من الجهل ، إلى العلم بالله ، من البعد عن مجالس العلم إلى الانغماس في مجالس العلم .



واشهدوا لدينكم شهادة عملية بالأخلاق والسلوك ، فأنا حينما أقول : ذُبَّ عن هؤلاء عبر أي وسيلة من الوسائل فلتذب عن هؤلاء بالدليل ، وما أكثر أدلتنا من كتاب ربنا وسنة نبينا r ، نريد أن نرجع إلى القرآن والسنة ، فوالله لا نجاة لنا في الدنيا من الفتن، ولا سعادة لنا في الآخرة ، إلا بالاعتصام بهما أسأل الله – جل وعلا – أن يردنا جميعا إلى الحق ردا جميلا .



هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده ، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان ، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ، ويلقى به إلى جهنم ، ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه وأقم الصلاة .

(1) أخرجه البخاري في كتاب التعبير ، باب كشف المرأة في المنام (7011) ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضل عائشة رضي الله عنها (2438/79) ، وأحمد في المسند (6/128،41) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة ، باب قول النبي r (( لو كنت متخذاً خليلاً)) (3662)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (2384/8) وأحمد في المسند (4/203) من حديث عمرو بن العاص .

(1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة ، باب فضل عائشة رضي الله عنها(3775) ، والترمذي في كتاب المناقب ، باب فضل عائشة رضي الله عنها (3879) ، وأحمد في المسند (6/293) .

(2) أخرجه البخاري في كتاب الهبة ، باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض (2581) تعليقاً ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة ، باب في فضل عائشة رضي الله عنها (2442/83) والنسائي في كتاب عشرة النساء ، باب حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض (3955،3954) .

(1) حديث الإفك : أخرجه البخاري في كتاب المغازي ، باب حديث الإفك (4141) ، ومسلم في كتاب التوبة ، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (2770/56) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الآذان ، باب حد المريض أن يشهد الجماعة (665) ، ومسلم في كتاب الصلاة ، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما (418/92،91) ، وأحمد في المسند (6/117،38) .

(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي ، باب مرض النبي r ووفاته (4451،4450) ، وأحمد في المسند (6/48) .

(1) أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب فضل العبادة في الهرج (2948/130) ،ـ والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء في الهرج والعبادة فيه (2201) ، وابن ماجه في كتاب الفتن ، باب الوقوف عند الشبهات (3985) ، وأحمد في المسند (5/25) .
 
2 لمن تسمع للشيخ محمد حسان

بسم الله الرحمن الرحيم



لمن تسمع ؟

إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
آل عمران102

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1



{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب71،70 ].



أما بعد :



فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

ثم أما بعد ..

فحياكم الله جميعا أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً ، وأسأل الله – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك ومولاه ..

أحبتي في الله :

نحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء السابع من لقاءات سورة التربية والأخلاق (( سورة الحجرات )) .

وما زلنا بتوفيق الله وحوله مع أول آية من آيات هذه السورة الجليلة الكريمة التي يعلم الله – عز وجل – فيها المؤمنين الصادقين الأدب مع سيد المرسلين ، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات/1] . ما زلنا نطوف في بستان هذه الآية الماتع الجليل ، تكلمت عن الأدب القلبي مع حبيبنا النبي r وحديثنا اليوم بإذن الله – جل وعلا – عن الأدب العملي مع سيدنا رسول الله r .

أما الأدب العملي فقد بينه الرب العلي في آية جامعة في قوله تعالى : { َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر/7].



تعالوا بنا في إطار هذه الآية الجليلة التي تبين محوري الأدب من طاعة فيما أمر وانتهاء عما نهى عنه النبي r وزجر .

تعالوا بنا لنطوف في بستان الأدب العملي الماتع ، من خلال المحاور التالية :

أولا : أدلة القرآن

ثانياً : أدلة السنة

ثالثاً : واقع مشرق

رابعاً : واقع مؤلم

وأخيرا : سبيل النجاة

فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب اللبيب



أولاً : أدلة القرآن :

لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r طاعة له – جل وعلا – طاعة النبي r طاعة لله ، ومعصية النبي r معصية لله ، قال تعالى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} [ النساء/80] تدبروا هذا التكريم من الرب العلي للحبيب النبي r: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} آية حاسمة تبين مكانة نبينا r عند ربنا فطاعتك لرسول الله r طاعة لله ومعصيتك لرسول الله r معصية لله قال – جل وعلا: { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } [النساء/59] ولاحظ أن الله – جل وعلا – أمر بفعل: {وَأَطِيعُواْ} { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} فقدم طاعة الله ، وطاعة رسوله r بفعل الأمر: {وَأَطِيعُواْ} ولما أمر بطاعة ولي الأمر لم يصدر هذه الطاعة بأمر: أطيعوا وإنما قال: {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} لماذا ؟ .



لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعتهم لله ورسوله r ، إنما الطاعة في المعروف ، أما الطاعة المطلقة بلا تردد ولا انحراف لا تكون إلا للرب العلي ، وللحبيب النبي r قال تعالى: { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } .



بل لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r وإتباعه – تدبر – علامة على محبة العبد للرب ، أكرر : لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r وإتباعه – تدبر – علامة على محبة العبد للرب قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران/31] لقد جعل الله – جل وعلا – هذه الآية الجليلة علامة ، ليتبين من خلالها المحب الصادق من الدعي الكذاب ، فالمحب الصادق لله هو المتبع لرسول الله r والدعي الكذاب في محبته هو المخالف لأمر
رسول الله r .

علامة حاسمة دقيقة ، يستطيع كل واحد منا الآن أن يتعرف من خلالها ، على صدق محبته لربه – جل وعلا – فعلى قدر إتباعك للمصطفى يكون حبك لله وعلى قدر انحرافك عن منهج المصطفى r يكون بغضك لله وأنت لا تدري {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي} أي : فاتبعوا المصطفى رسول الله {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ..



تعصي الإله وأنت تزعم حبه
إن كان حبك صادقاً لأطعته
من يدعي حب النبي ولم يفد
فالحب أول شرطه وفروضه






هذا لعمري في القياس شنيع
إن المحب لمن يحب مطيع
من هديه فسفاهة وهراء
إن كان صدقاً طاعة ووفاء

بل لقد أقسم ربنا بذاته العلية ، تدبروا هذه اللطيفة القرآنية – لقد أقسم ربنا بذاته العلية ، أنه لا يثبت إيمان لأي أحد على وجه الأرض ، إلا إذا حكّم رسول الله r في كل شيء في حياته وشؤونه ، ثم رضي بحكم رسول الله ولم يجد في حكمه حرجاً في صدره، وسلم لحكم النبي r تسليما مطلقاً قال تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } قسماً بذات الله العلية {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء/65] قال إمامنا ابن القيم – لله دره: تحكيم رسول r في كل شيء مقام إسلام ، وعدم وجود الحرج في الصدر من حكمه مقام إيمان والتسليم الكامل لحكمه مقام إحسان .

أكرر : تحكيم رسول r في كل شيء مقام إسلام ، وعدم وجود الحرج في الصدر من حكمه مقام إيمان والتسليم الكامل لحكمه مقام إحسان {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } .

بل لقد جعل – الله تعالى – طاعة النبي r سبيلاً وحيداً لبلوغ الصراط المستقيم، ولبلوغ الهداية التي جعلها الله غاية ، فما من مسلم إلا ويتضرع إلى الله في كل ركعة من ركعات الصلاة ، من صلاة الفرض ، وصلاة النفل يتضرع إلى الله أن يرزقه الله الهداية، فيقول:{اهدِنا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } أنت تدعو الله بهذا الدعاء ، إن أردت أن تٌهدى إلى الصراط المستقيم فها هو الذي يدلك عليه ويأخذ بيدك إليه قال ربي – جل وعلا – لنبيه r : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى/52] .

تدبر القرآن لتعلم كيف تسلك الصراط المستقيم ، كل الطرق ، كل الطرق إلى الله مسدودة – إلا من طريق المصطفى r لا وصول للطريق المستقيم ، إلا خلف النبي
الأمين r .

الزم دربه إن وضع الحبيب r رجله اليمنى على هذا الصراط ، فضع رجلك اليمنى على أثر قدم الحبيب r ، وإن وضع رجله اليسرى فضع قدمك اليسرى على أثر الحبيب r ، والزم الغرز ، واتبع الطريق ، واسلك الدرب ، ولا تنحرف يمنة ولا يسرة ، لترى حتماً في آخر هذا الطريق ، لترى الحبيب المصطفى r ينتظرك على الحوض ، فإن شربت من هذا الحوض شربة لن تظمأ بعدها أبدا ، حتى تتمتع بالنظر إلى وجه الله في الجنة فالزم غرزه .

تدبر معي هذا الحديث الجميل الذي رواه أحمد في مسنده بسند صححه العلامة أحمد شاكر – رحمه الله تعالى – من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه – قال r : (( ضرب الله مثلا - تدبر المثل سترى فيه من الجواهر واللآليء والدرر ما نحن في أمس الحاجة إليه – قال الحبيب r : (( ضرب الله مثلا ً صراطاً مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران ))

تصور معي طريق صراط مستقيم وعلى جنبتي الصراط – أي على كل جانب من جانبي الصراط سور عظيم ((وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما )) : أي في السورين ((فيهما أبواب مفتحة وعلى كل باب ستور مرخاة )) ستر كل باب بمجموعة من الستائر المرخاة ((وعلى السورين فيهما أبواب مفتحة ، وعلى كل باب ستور مرخاة وعلى رأس الصراط في أوله داعٍ يقول : أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا)) ((على رأس الصراط)) أي في أوله داعٍ يقول : أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا ، ومن فوق الصراط داعٍ آخر ، إذا أراد أحد الناس على الصراط أن يفتح بابا من هذه الأبواب )) .

على السورين التي ألقيت عليها الستور المرخاة (( يقول الداعي من فوق الصراط : ويحك ويحك لا تفتحه ، فإنك إن تفتحه تلجه )) لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه أي : إن فتحت دخلت .

تدبر التأويل والتفسير من البشير النذير ، قال r : ((الصراط هو الإسلام والسوران حدود الله ، والأبواب محارم الله ، والداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم ))(1) ..

(( الصراط هو الإسلام والسوران حدود الله)) فهذا الصراط له حدود {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق/1]. ((والأبواب المفتحة محارم الله)) إذا أردت أن تفتح أبواباً من هذه الأبواب يقول لك هذا الداعي: ويحك لا تفتحه لا تقترب من المحارم ، فالحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه ، فالراعي إذا رعى حول الحمى يُوشك أن يقع فيه .

فلا تقترب من محارم الله ، لأنك لو اقتربت يوشك أن تقع ويُوشك أن تلج ويوشك أن تزل ، هذا الصراط لا يمكن لسالك على الإطلاق أن يسلكه ، دون أن يتعدى الحدود ، ودون أن يفتح باباً من الأبواب المستورة ، إلا إذا سلك طريق رسول الله r الذي بعثه الله للخلق ليهديهم إلى الصراط المستقيم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{52} صِرَاطِ اللَّهِ } [ الشورى/53،52] الآية .

فسلوك الدرب دون انحراف واعوجاج لا يكون أبداً إلا لمن أطاع رسول الله r قال تعالى: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [ النور/54] قال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف/158].

إذا إتباع النبي r سبب الهداية وسلوك درب الهداية، ثمرة حتمية للطاعة وللإتباع، للطاعة وإتباع النبي r قال – جل وعلا: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } هذا شعار أهل الإيمان فوق أي أرض وتحت أي سماء : {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {51} وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [النور/52،51] .

قال تعالى – ليبين حالة المنافقين أيضا بعد أن بين حال المؤمنين قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً{60} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [ النساء /61،60] .

آيات واضحات بينات يبين فيها رب الأرض والسماوات حال المؤمنين وحال المنافقين ، اعرض نفسك الآن على الآيتين ، الكلام لي ولك .

لا تتصور أنني أخاطب بهذا القول غيري وغيرك لا ، اعرض نفسك الآن على الآيتين ، هل أنت من المؤمنين أم من المنافقين ، لا تستكثر كلمتي ، فلقد خشي النفاق على نفسه عمر بن الخطاب فلا تستكثر أن أتساءل وأقول : هل نحن من المؤمنين أم من المنافقين أم امتلأت قلوبنا بالنفاق ونحن لا ندري .

فالمؤمن شعاره السمع والطاعة ، بلا تردد ولا حذلقة ولا فذلكة ولا انحراف ، ولا جدل والمنافق شعاره السمع والإعراض ، السمع والصد السمع والانحراف السمع والبعد عن هدي رسول الله ، فأعرض نفسك على الآيتين هل نحن من المؤمنين الصادقين هل نحن ممن ردد مع السابقين الأولين قولتهم الخالدة {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة/285] أم أننا ممن قال : سمعنا وعصت قلوبنا ، وعصت جوارحنا ربها ونبينا r . اصدق اصدق أيها المسلم ، فما أيسر الادعاء ، وما أرخص التنظير ، وما أسهل الكلمات اعرض نفسك على أوامر رسول الله r ونواهيه لتتبين كيف حالك ، هل أنت صادق أم أنت مملوء بالنفاق ، وأنت لا تدري لا أريد أن أطيل النفس مع أدلة القرآن وإلا فوالله إنها لكثيرة .



ثانياً : أدلة السنة : روى البخاري وغيره من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي r قال : (( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله ))(1) .



تدبر هذا اللفظ النبوي البليغ: ((من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله)) وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أيضاً أنه r قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة )) .. ما شاء الله اللهم لك الحمد .. (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى )) يعني : إلا من رفض أن يدخل الجنة – قالوا : يا رسول الله ومن يأبى ؟ .. من يرفض أن يدخل الجنة من أمتك – فقال: ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى))(2) .



تدبر أيها اللبيب قال r: (( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى )) ..



ومن أرق الأحاديث في هذا الباب ما رواه البخاري وغيره من حديث جابر ابن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: جاءت ملائكة إلى النبي r وهو نائم فقال بعضهم – أي بعض الملائكة: إن لصاحبكم هذا مثلا، فاضربوا له مثلا فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان – فالنبي r إن نامت عينه لا ينام قلبه عن ذكر ربه أبداً – إن العين نائمة والقلب يقظان .

قالوا : مثله r كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة – أي وليمة للطعام وأرسل داعيه – أي بعث داعيا لدعوة الناس للدخول إلى الدار للأكل من طعام المأدبة - مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيه قال : فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي ، لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة .

قالوا: أولوها له يفقهها – يعني : فسروا له هذا المثل ، ليفقهه ليفهمه – فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، قالوا: الدار الجنة، والداعي محمد – فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ومن عصى محمداً فقد عصى الله – ومحمد فرق بين الناس – أي فرق بين المؤمنين والكافرين والمنافقين – فمن آمن به وأطاعه فهو المؤمن الذي يدخل الدار ويأكل من المأدبة أي يدخل الجنة ويستمتع فيها بنعيم الله ، والكافر أو المنافق هو الذي عصى محمداً r وهو الذي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة([1]) أي لن يدخل الجنة ولن يستمتع فيها بنعيم الله – جل وعلا .



وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي ، وغيره من حديث العرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال: وعظنا رسول الله r موعظة بليغة، وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، قلنا: كأنها موعظة مودع، فأوصنا يا رسول الله فقال r: ( أوصيكم بتقوى الله – عز وجل – والسمع والطاعة )) .. وصية رسول الله لنا السمع والطاعة ((وإن تأمر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم بعدي ، فسيرى اختلافاً كثيرا )) صلى الله على الصادق الذي لا ينطق عن الهوى r (( فإنه من يعش منكم بعدي ، فسيرى اختلافاً كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )) ([2]).

أكتفي بهذا القدر أيضا من أدلة السنة وإلا فوالله إنها لكثيرة وجليلة .

ثالثاً : واقع مشرق :

هل تحولت هذه الأدلة القرآنية والنبوية في حياة جيل من أجيال البشر إلى منهج حياة وإلى واقع عملي ، والجواب : نعم ! إنه الجيل القرآني الفريد ، إنه جيل الصحابة ، إنه الجيل الذي رباه المصطفى r وكفى ، إنه الجيل الذي رباه المصطفى r وكفى ،
جيل الصحابة .

الصحابة الذين حولوا كل ما استمعتم إليه في حياتهم ، إلى واقع عملي ، إلى منهج حياة ، كانوا يستمعون إلى الأمر الرباني ، والأمر النبوي ، فترتجف لهذا الأمر قلوبهم ، وتتحرك في التو واللحظة ، لتنفيذ الأمر – جوارحهم ، وتترجم في التو واللحظة هذا الأمر أعمالهم بلا تردد ولا انحراف إذا أمر الله ائتمروا إذا أمر رسول اله r ائتمروا ، إذا نهى انتهوا ، إذا حد لهم وقفوا عند الحد بصورة ورب الكعبة يكاد العقل أن يطيش أمامها كلما راجعت كتب السنة ، وكتب السيرة وكتب التاريخ ، يقف الإنسان مدهوشا أمام هذه الطاعة الجليلة العظيمة الفارهة .



تدبروا بعض الأمثلة على وجه السرعة ...



روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : كان أبو طلحة – رضي الله عنه – أكثر الأنصار مالاً بالمدينة ... كان أبو طلحة – رضي الله عنه – أكثر الأنصار مالاً بالمدينة قال : وكان أحب ماله إليه بيرحاء ، وبيرحاء : اسم حائط للنخل حائط بستان كبير به نخل وكان هذا الحائط مستقبل المسجد النبوي ، وكان النبي r كثيرا ما يخرج من مسجده ، ليدخل إلى حائط بيرحاء عند أبي طلحة ، ليشرب فيه ماءً بارداً ، وليأكل فيه تمراً هنيا – بأبي هو وأمي .



قال : وكان أحب ماله بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، فلما نزل قول الله تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران /92] .



تدبروا أيها الإخوة والأخوات – لما نزل قول الله تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } يعني : لن تصلوا إلى درجة البر إلا إن أنفقتم من أحب أموالكم إليكم ، فلما سمع أبو طلحة الأنصاري الآية الكريمة أسرع إلى النبي r وقال : يا رسول الله بقد نزل قول الله تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وإن أحب مالي إلي بيرحاء ، وإني جعلتها صدقة لله – تعالى – أرجو بها وجه الله – عز وجل – فضعها يا رسول الله حيث شئت ، فقال رسول الله r : (( بخ بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح ذلك مال رابح ))(1) .



وقد سمعت ما قلت .. هل في لغة البشر ما يستطيع بها بشر أن يعبر عن طاعة هؤلاء البشر لسيد البشر r ؟! لا والله ، طاعة غريبة عجيبة ، وسمع مشرق .



وكيف أتحدث عن مثل هذا وأنسى الحديث عن صديق الأمة ، ذلكم الرجل الفريد بين خلق الله في أرض الله ، بعد الرسل والأنبياء ، لا نظير لهذا الرجل العملاق ، ضرب أروع المثل في السمع والطاعة ، بل في أحلك الأوقات وأشد الظروف والأزمات ، والإنسان بشر يتألم ويحزن ، وتجرح مشاعره ، ويفرح .

فلما خاض الخائضون في عرض عائشة بنت الصديق حبيبة رسول الله r لما خاض الخائضون في عرضها وقالوا قول الإفك الآثم زل رجل من بين هؤلاء يقال له : مسطح بن أثاثة مسطح هذا كان الصديق – رضي الله عنه – ينفق عليه إنفاقا تاما ومع ذلك زل مسطح في عرض عائشة بنت الصديق ، فلما نزلت براءتها من السماء أقسم أبو بكر أن يمنع العطاء عن مسطح بن أثاثة .



أمر فطري جبِلي ، فالبشر بشر، العبد عبد، والرب رب فأقسم الصديق أن يمنع عن مسطح فنزل قول الله – جل وعلا: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ } يعني: لا يحلف أولوا الفضل منكم على منع العطاء .

{وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور/22] دعا رسول الله r الصديق فقرأ عليه الآية فبكى أبو بكر – رضي الله عنه – حين سمع قول الله : { أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } قال : بلى والله يا رسول الله والله أحب أن يغفر الله لي ، والله لأردن على مسطح ما كنت منعته عنه من العطاء (1) .



انظروا إلى السمح ، ما قال : لا يا رسول الله ، سبني ، جرح عرضي ، جرح شرفي وهو محق في كل هذا ، إن قال : لا .. لا يقول هؤلاء مثل هذا في حضرة رسول الله r أمام كلام الله وأمام كلام رسول الله r لا .. والله أحب أن يغفر الله لي والله لأردن على مسطح ما كنت منعته عنه من عطاء .

وحين مات المصطفى r وتعطل جيش أسامة ، وبعث أسامة فلقد أمر النبي r أسامة بن زيد بعد ما أمّره على جيش أن يخرج لمناطحة الصخور الصماء، في بلاد الشام، لتأديب قبائل الروم ، والقبائل العربية التي أغارت على حدود الدولة المسلمة، وأمر النبي r على الجيش الحب ابن الحب أسامة ابن زيد، وهو شاب صغير، لم يبلغ ساعتها الخامسة والعشرين اختاره النبي r قائداً وجعل النبي r في هذا التوقيت أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وغيرهم تحت قيادة أسامة – رضي الله عنه وعن أبيه .

فلما توفي المصطفى وتولى الأمر من بعده أبو بكر – رضي الله عنه – توقف بعث أسامة وانتظر أسامة بعد ما سمع بمرض النبي r وتألم كل أفراد الجيش وبعد يومين اثنين كما قال الإمام الطبري بعد يومين اثنين من موت النبي r أمر الصديق بإنفاذ بعث أسامة وقال: يا أسامة اغز حيث أمرك رسول الله r اغز حيث أمرك رسول الله r .. فاعتذر أسامة بأن المدينة مهددة بعد موت النبي r فقال الصديق : والذي نفس أبي بكر بيده لو تخطفتني السباع لأنفذت بعث أسامة كيف أعطل بعثاً بعثه رسول الله ؟! ثم قال : والله لو لم يبق في المدينة غيري لأنفذت بعثاً أمر به رسول الله r ...

يا خالق هؤلاء سبحانك !! يا خالق هؤلاء سبحانك !!

بل يأمر النبي r يوماً على المنبر الصحابة أن يجلسوا ويسمعوا كما في سنن أبي داود بسند صحيح عبد الله بن مسعود ، مازال على باب المسجد ، فهو هناك يسمع قول النبي r: (( اجلسوا )) فجلس، جلس لم يقل : أتقدم حتى أجلس بين يدي رسول الله r لا لا في هذا المكان سمع النبي r يقول : ((اجلسوا)) جلس ((أنصتوا)) أنصت فنادى عليه النبي r: ((تعال يا ابن مسعود، تعال يا ابن مسعود)) وفي رواية قال : (( ما أجلسك؟)) قال :: ها هنا سمعتك يا رسول الله تقول : ((اجلسوا)) فجلست ((أنصتوا)) فأنصت ([3]).

انظروا إلى طاعة هؤلاء .

بل من أروع وأجمل وأجل ما وقفت عليه ما رواه البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال علي : بعث رسول الله r سرية وجعل عليهم رجلا ... اختار النبي r لهم أميرا ، وأمر النبي r الصحابة بطاعة أميرهم فهو القائل r: (( من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني )) ([4]).

لكن كثيرا من المسلمين لا يفهمون هذا الحديث النبوي ، ولا يحققون مناطه الذي لا بد منه للربط ربطاً صحيحاً ، بين دلالات هذا النص النبوي ، وبين حركة الواقع المتجددة المتغيرة ، فلا ينبغي أن تكون طاعتك لبشر ، على وجه الأرض غير النبي r - طاعة عمياء إن أمرك هذا تأتمر بدعوى أنه يقول : يقول لك رسول الله : (( من أطاع أميري فقد أطاعني)) ونحتج بالحديث في غير مناطه لا .

انتبهوا يا شباب : فأنا دائما أكرر ، أنا لا أنكر عليك صحة الدليل ، بل أنكر عليك فهمك للدليل وتحقيقك لمناط الدليل لا تكن الطاعة مطلقة إلا لبشر واحد هو المصطفى r أما الطاعة لأي بشر ولو للصديق أبي بكر ، لا تكون أبدا ، إلا إذا كانت هذه الطاعة موافقة لهدى رسول الله r : (( إنما الطاعة في المعروف )) .

فأمر النبي r الصحابة بالطاعة للأمير ، فوجد عليهم : أي غضب عليهم وحزن منهم في أمر ما فقال لهم هذا الأمير: أو ليس رسول الله r قد أمركم أن تطيعوني قالوا : بلى قال: اجمعوا حطباً ، فجمعوا حطباً قال : أوقدوا ناراً ، فأوقدوا الحطب ناراً ، قال الأمير: ادخلوها ، فهم القوم أن يدخلوها طاعة لأميرهم ، بل إن شئت فقل : طاعة لنبيهم r فمن الله عليهم بثياب منهم ، فاهم رزقه الله الفهم ، فالطائفة الأولى أذعنت للدليل وهذا الشاب المبارك بصرهم بفهم الدليل ومناطه فماذا قال ؟ قال : والله ما فررتم إلى رسول الله r إلا خوفاً من هذه النار ، والله ما فررنا وما آمنا بالله ورسوله r إلا لينجينا الله من هذه النار فندخلها قال : لا ، لا تفعلوا حتى نرجع إلى رسول الله r لنخبره ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها ، فيصبح الأمر هنا من رسول الله r .

لكن انظروا إلى الطاعة ، إن أمركم رسول الله r أن تدخلوا النار فادخلوها فلما رجعوا إلى النبي r أخبروه ، اسمع ماذا قال رسول الله r ؟ قال : (( والله لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف )) ([5])..

تعلموا يا شباب فقد يغرر بابن من أبنائنا بحديث كهذا ويقال له : تعال اقتل فلانا اسفح دم فلان ، بدعوى أنك تخدم الإسلام ، وبدعوى أنك مطيع لهذه الجماعة ، وطاعتك للأمير طاعة للرسول r كلا ، دجل ، كذب ، ضلال ، بهتان ، افتراء ، ليس من دين الله – جل وعلا – فالطاعة لا تكون إلا بالمعروف .

فاسأل الربانيين من العلماء ولا تندرج تحت كلمات لشباب متحمس لا أنكر أنه يريد أن يخدم دينه ، لكن ما هكذا يا سعد تورد الإبل .

فالنبي r يقول كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في التاريخ والنسائي في السنن من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي قال : من أمن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً (1) هذا كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى .

فما يحدث الآن في بلاد الحرمين أو غيرها من بلاد الإسلام ، والله لا أصل له في دين الله ، وهذا أمر مخالف كل المخالفة لقرآن الله ، ولشرع رسول الله r أن تسفك دماء الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال ، باسم الإسلام ، فكم قتل أناس باسم الإسلام ، والإسلام من هؤلاء القتلة براء ، فينبغي أن نرجع إلى الربانيين من العلماء وأن نسمع عن الله ، وعن الصادق رسول الله r حتى لا تضر من حيث تريد النفع وحتى لا تفسد من حيث تريد الإصلاح ، فليس كل مريد للخير يدركه ، نسأل الله أن يدركه للخير وللهدى وللسبيل المستقيم إنه ولي ذلك والقادر عليه والذي نفس محمد بيده قال : (( والله لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف )) .

وها هو عمر – رضي الله عنه – يقبل الحجر – والحديث في البخاري وغيره– يقبل الحجر الأسود في الكعبة وهو يقول : والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك(2).

أختم هذا العنصر الجليل بهذا المشهد الجليل : ذهب النبي r إلى زينب بنت جحش – رضي الله عنها – وطلب منها أن تقبل الزواج من مولاه زيد بن حارثة فأبت زينب وقالت: لا ، ما أنا بناكحته أتزوج مولى وهي الشريفة بنت عمة رسول الله قالت: لا ، ما أنا بناكحته ، يعني لن أتزوجه أتزوج مولى فنزل قول الله – جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [الأحزاب/36] فلما دعا النبي r زينب وقرأ عليها الآية الجليلة قالت : قبلت يا رسول الله لن أعصي الله ورسوله .

المرة الأولى كان النبي يشفع ، المرة الثانية وجدت نفسها أنها أما طاعة ومعصية فقالت : قبلت يا رسول الله لن أعصي الله ورسوله ، أقبل يا رسول الله ، إنه السمع ، إنها الطاعة ، إنه شعار المؤمنين ، واقع مشرق .

واضطر آسفا أن أهبط بكم هبوطا اضطراريا من هذا الأفق السامي إلى هذا الدرك السحيق في عنصرنا الرابع ، أعرج على هذا بعد جلسة الاستراحة وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك ..

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صلّ وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه ، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ..
أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام ..

رابعا واقع مؤلم :

والله ما ذلت الأمة وهانت لمن كتب الله عليهم الذل والذلة إلا يوم أن انحرفت الأمة عن طريق نبيها ، والله ما ذلت الأمة وهانت لمن كتب الله عليهم الذل والذلة إلا يوم أن انحرفت الأمة عن طريق نبيها وراحت لتحقق منهج السمع والطاعة لغير الله ورسوله ، فشرقت الأمة مرة وغربت مرة ، وجنحت الأمة نحو الشمال مرة ، ونحو الجنوب مرة ، وظنت أنها بذلك قد ركبت قوارب النجاة ، فغرقت وأغرقت ، واستبدلت بالعبير بعرا ، وبالثريا ثرى ، وبالرحيق حريقا مدمرا ، فأصبحت قصعة مستباحة لكل أمم الأرض وانتهك عرض رجالها وانتهك عرض نسائها ودنست مقدساتها ، وطمع فيها البعيد قبل القريب والذليل قبل العزيز ، والضعيف قبل القوي ، وجاءت كل أمة لتسرق من هذه الأمة المسكينة قطعة والواقع لا يحتاج إلى مزيد بيان .

فما من مسلم يعيش الآن إلا ويحمل قي صدره قلباً ، إلا وهو يعلم هذا الواقع ، فالواقع أليم مرير ، أصبحت الأمة الآن تتأرجح في الطريق بعد أن كانت في الأمس القريب ، الدليل الحاذق الأريب في كل الطرق ، بل في الدروب المتشابكة في الصحراء المهلكة، التي لا يهتدي أبدا بالسير فيها بسلام وأمان إلا الأدلاء المجربون .

وأصبحت الأمة تتسول على موائد الفكر البشري بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب جدا منارة مشرقة تهدي الحيارى والتائهين ، ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل وأرهقهم طول المشي في التيه والظلام بعيدا عن منهج الله ، وعن منهج رسول الله r .

لماذا ؟ لأن الأمة انحرفت وتنكبت الطريق ، لذا فسبيل النجاة في عنصرنا الأخير : هو أن ترجع الأمة من جديد لتسير خلف رسول الله r ، فدين الله الذي هو الإسلام مبني على أصلين لا ثالث لهما .

الأول :أن تعبد الله وحده لا شريك به .

الثاني : أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله r .

وهذان الأصلان هما حقيقة قولنا : نشهد أن لا إله إلا الله ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فبالشهادة الأولى يعرف المعبود – عز وجل – وبالشهادة الثانية نتعرف على الطريق الذي يتوصل منه إلى المعبود – عز وجل – هذا الطريق هو طريق محمد بن
عبد الله r .

سبيل النجاة أن نرجع إلى الله ، وأن نسير من جديد على درب رسول الله r وأن نردد مع الصادقين السابقين الأولين قولتهم الخالدة : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة/285] .

أيها الأحبة : لن تنصر الأمة أبدا على أعدائها إلا إذا حولت هذا المنهج النظري التربوي ، إلى منهج عملي ، يوم أن حول الجيل القرآني الفريد منهج السمع والطاعة إلى منهج حياة حتى سادوا الأرض ، وفي نصف قرن تمكنوا من نصف الأرض ، وتحولوا من رعاة للإبل والغنم ، إلى قادة للدول والأمم ، وما زال منهج الله – جل وعلا – موجودا بكماله وتمامه ، فإن أرادت الأمة النهوض والسيادة والسعادة والكرامة والنجاة ، فها هو المنهج فترجع من جديد .

والله أسأل أن يرزقنا وإياكم الإخلاص والصدق في الأقوال والأعمال والأحوال وأن يردنا جميعا وأمتنا إلى هذا الدرب ردا جميلا .

[الدعاء ]

(1) [ صحيح] : أخرجه أحمد في المسند (4/182) ، والحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان (1/73) ، وقال : (( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولا أعرف له علة ولم يخرجاه )) ووافقه الذهبي .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير ، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به (2957) ، ومسلم في كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، وتحريمها في المعصية (1835/33،32) ، وأحمد في المسند2/471،467،386) .

(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب الإقتداء بسنن رسول الله r (7280) ، وأحمد في المسند (2/361) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب الإقتداء بسنن رسول الله r (7281).

(2) [صحيح] : أخرجه أبو داود في كتاب السنة ، باب في لزوم السنة (4607) ، والترمذي في كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة (2676) ، وقال :(حسن صحيح) ، وابن ماجه في المقدمة ، باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (42) ، والدارمي في المقدمة باب إتباع السنة (95) ، وأحمد في المسند (4/126) ، وصححه الحاكم في المستدرك (1/96،95) ، ووافقه الذهبي .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة ، باب الزكاة على الأقارب (1461) ، ومسلم في كتاب الزكاة ، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ، ولو كانوا مشركين (998/43،42) ، وأحمد في المسند (3/115) من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات ، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً (2661) ، ومسلم في كتاب التوبة ، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (2770/56) .

(1) [صحيح] : أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب الإمام يكلم الرجل في خطبته (1091) ، وابن خزيمة في صحيحه (3/142،141) (1780) ، والحاكم في المستدرك في الجمعة (1/283) ، وقال : ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، والبيهقي في السنن الكبرى(3/206،205) .

(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد ، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به (2957) ، ومسلم في كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، وتحريمها في المعصية (1835/33،32) ، وأحمد في المسند2/471،467،386) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام ، باب السمع والطاعة للإمام (7145) ، ومسلم في كتاب الأمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله وتحريمها في المعصية (1840/40،39) من حديث علي – رضي الله عنه.

(1) أخرجه أحمد في المسند (5/437،224) من حديث عمرو بن الحمق ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/285) ، وقال : رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات.

(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج باب تقبيل الحجر (1610) ، ومسلم في كتاب الحج ، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف (1270/250).
 
3 طريق الهداية للشيخ محمد حسان

بسم الله الرحمن الرحيم


طريق الهداية

إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
آل عمران102

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب71،70 ].

أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار(1) .

ثم أما بعد ..

فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة التي طال والله شوقنا إليها ، وزكى الله هذه الأنفس الكريمة التي انصهرنا معها في بوتقة الحب في الله ، وشرح الله هذه الصدور العامرة، التي جمعنا بها الإيمان بالله .

طبتم وطاب ممشاكم – أيها الإخوة والأخوات - وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..



أحبتي في الله .. طريق الهداية :

هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم ، في هذا اليوم الكريم المبارك ، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا ، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الأهم في العناصر المحددة التالية :

أولاً : أقسام الهداية .

ثانيا : أسباب الهداية .

ثالثاً : علامات الهداية .

وأخيرا : عقبات في طريق الهداية .

فأعرني قلبك ، وسمعك أيها الحبيب اللبيب ، والله أسأل أن يهدينا جميعا إلى صراطه المستقيم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .



أولا : أقسام الهداية :

أيها الأحبة : إن أعظم وأشرف وأجل نعمة يمتن الله – جل وعلا -= بها على عباده نعمة الهداية نعمة الهداية للإيمان والتوحيد ، بل لقد افترض الله – جل وعلا – على عباده أن يتضرعوا إليه بطلب الهداية في كل ركعة من ركعات الصلاة سواء كانت الصلاة فريضة أم نافلة ، فما من ركعة وإلا تتضرع فيها إلى الله أن يهديك إلى الصراط المستقيم بقولك :{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }[الفاتحة/6].

فما هي الهداية وما أقسام الهداية ؟

الهداية في اللغة : هي الدَلالة أو الدِلالة بالكسر والفتح للدال واللغتان صحيحتان، الهداية هي الدلالة والتعريف والإرشاد والبيان وهي تنقسم إلى أربعة أقسام :



القسم الأول : الهداية العامة :

وهي مأخوذة من قول ربي حين سأل فرعون موسى وهارون عن ربهما قال فرعون : {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى } [طه/49] فأجابه موسى بقوله : {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه/50] هذه هي الهداية العامة {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.



أي : ربنا الذي خلق كل شيء على صورته ، وشكله اللائق به ، الذي يؤهله ويعينه على أداء المنفعة والمصلحة والمهمة التي خلق من أجلها .



فالعين مثلا خلقها الله بهذه الصورة البديعة والشكل الجميل ، وهيأها للإبصار ، فخلقها في علبة عظيمة قوية حتى لا تتلف ، وأحاطها بالرموش لتدفع الرموش عن العين الضوء ، وأحاطها بأهداب لتمنع الأهداب العرق من أن يتساقط إلى داخل العين ، ثم أمدها بماء مالح لتحفظ العين من الأتربة والميكروبات .



والأذُن مثلا خلقها الله – عز وجل – بهذا الشكل البديع الجميل في هذا التجويف العظمي الداخلي في الرأس ، ثم أحاطها من الخارج بهذا الصوان الخارجي الجميل ، وهيأها للسمع حتى في النوم ، وأمدها بماء مر حتى لا تتسرب الحشرات إليها وأنت نائم .



والفم مثلا ، خلقه الله بهذا الشكل البديع الذي يؤهله للطعام والكلام فالشفتان تنفرجان للطعام ، دون أمر منك لهما بالانفراج والقواطع تقطع والأنياب تمزق، والضروس تطحن، واللعاب يسهل ، واللسان يتحرك هنا وهنالك لتيسير المضغ وكذلك للكلام.



كل هذا خلق من ؟ كل هذا صنع من ؟ كل هذا هدى من ؟

لله في الآفاق آيات
ولعل ما في النفس من آياته
الكون مشحونٌ بأسرار
قل للطبيب تخطفته يد الردى
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما
قل للصحيح مات لا من علة
بل سائل الأعمى خطا وسط الزحام
بل سائل البصير كان يحذر حُفرة
وسل الجنين يعيش معزولا بلا
وإذ ترى الثعبان ينفث سمه فسله
واسأله كيف تعيش يا ثعبان
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت
بل سائل اللبن المصفى من ببين فرث
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
وإذا رأيت البدر يسرى ناشرا
وإذا رأيت النار شب لهيبها
وإذ ترى الجبل الأشم مناطحا
لله في الآفاق آيات
ولعل ما في النفس من آياته






لعل أقلها هو ما إليه هداك
عجب عجاب لو ترى عيناك
إذا حاولت تفسيرا لها أعياك
يا مداوى الأمراض من أرداك
عجزت فنُونُ الطب من عافاك
من يا صحيحُ بالمنايا دهاك
بلا اصطدام من يا أعمى يقود خطاك
فهوى بها من ذا الذي أهواك
راعٍ ومرعى من ذا الذي يرعاك
من يا ثعبان بالسموم حشاك
أو تحيا وهذا السم يملأ فاك
شهدا وقل للشهد من حلاك
ودم من ذا الذي صفاك
فاسأله من يا نخل شق نواك
أنواره فاسأله من أسراك
فاسأل لهيب النار من أوراك
قمم السحاب فسله من أرساك
لعل أقلها هو ما إليه هداك
عجب عجاب لو ترى عيناك

أإله مع الله ؟!!

قال ابن القيم : من تأمل بعض هداياته في خلقه لعلم أنه الإله الواحد الحق الذي يستحق أن يوحد ويستحق أن يعبد بلا منازع أو شريك { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }[طه/50] أي : ثم هداه إلى ما يصلحه ، ويؤهله للقيام بالوظيفة التي خلق من أجلها ووجد من أجلها ، هذه هي الهداية العامة لو تدبرت كل شيء في الكون لوصلت إليها .

بل لقد أضاف العلامة الألوسي في (( روح المعاني )) إضافة جديدة جميلة للآية فقال : { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }[طه/50] قال ربنا الذي خلق كل شيء على صورته وشكله اللائق به وجعل هذا الشيء دليلاً على وجوده .



ففي كل شيء له آية
سل الواحة الخضراء والماء جاريا
ولو جُن هذا الليل وامتد سرمدا






تدل على أنه الواحد
سل الليل والإصباح والطير شاديا
فمن غير ربي يرجع الصبح ثانيا

لا أريد أن أطيل النفس مع كل عنصر وإلا فورب الكعبة إن كل عنصر من عناصر اللقاء يحتاج إلى لقاء .



الهداية العامة :

ثانيا : من أقسام الهداية : هداية الدلالة والبيان والتعريف والإرشاد :

ومعناها : أن الله – جل وعلا – خلق الإنسان وأرشده ودله وهداه وعرفه طريق الخير والشر .

تدبر كل لفظة خلق الله الإنسان ودله وأرشده وبين له وعرفه طريقي الخير والشر.



قال تعالى : {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }[البلد/10] أي : الطريقين : طريق الخير وطريق الشر .

قال تعالى : {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }[الإنسان/3]

قال تعالى : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [ الشمس/7-10]



ومع ذلك من رحمة الله بنا أن الله لم يعذب خلقه بعد هذه الهداية أي : بعد هداية الدلالة، بل أرسل الله إلى الخلق الرسل والأنبياء ، وأنزل الله عليهم الكتب ، ليأخذ الرسل والأنبياء بيد البشر من ظلام الشرك والوثنية إلى أنوار التوحيد والإيمان برب البرية ، ليدل الرسل والأنبياء البشر على الحق تبارك وتعالى وقال – جل وتعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }[الإسراء/15] .

وقال سبحانه: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[ النساء/165] .

وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [هود/61] ، قال تعالى : {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [هود/50] .



قال تعالى : {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [ هود/84] .



وبالجملة : قال تعالى : {َإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ }[فاطر/24] .



فالله – جل وعلا – لا يعذب عباده إلا بعد أن يقيم الحجة عليهم ببعثه الأنبياء والمرسلين، ومع ذلك من رحمة الله بخلقه أن أبقى في كل أمة بعد رسولها ورثة لهذا النبي ، وهذا الرسول ، إنهم ورثة الأنبياء ، إنهم الدعاة المصلحون ، إنهم المخلصون المنصفون ، الآمرون بالمعروف بمعروف ، والناهون عن المنكر بغير منكر ، إنهم الشموع التي تحترق ، لتضيء للأمة طريق ربها ونبيها ، إنهم العلماء الربانيون ، والدعاة الصادقون ، فهؤلاء أيضا بعد الرسل يدلون الخلق على الحق ، ويأخذون بأيدي البشر إلى طريق رب البشر ، والسير على طريق سيد البشر r .



قال رسول الله r كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود : (( ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب )) .. اللهم اجعلنا من حواري رسول الله r ((إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ))(1) .



إذا هداية الدلالة يؤديها العلماء بعد الرسل والأنبياء ، لأنهم ورثة الرسل والأنبياء قال تعالى لنبينا: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف/108].



قال ابن القيم : ولا يكون الرجل من أتباع النبي r حقا حتى يدعو إلى ما دعا إليه النبي r على بصيرة .

هذه هي هداية الدلالة .



ثالثا : هداية التوفيق : وهذه لا يملكها مَلَكّ مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولو كان المصطفى r، لا يملك هداية التوفيق إلا الله ، نعم ! لا يملك هداية التوفيق إلا الله ، ما عليك فقط إلا أن تبحث عن هداية الدلالة ، عن الأسباب ، وأن تجاهد ، وأن تسأل ربك الهدى ليرزقك هداية التوفيق .



ما هي هداية التوفيق ؟



أن يوفقك الله – جل وعلا – لتوحيده والإيمان به والسير على صراطه المستقيم ، ليست بيدك ولا بيدي ، ليتعلم العلماء والدعاة الأدب مع الله فوظيفتي ، ووظيفتك الإنذار والبلاغ ، أما القلوب ، فإنها بيد علام الغيوب .

ما عليك إلا أن تبذر بذراً صحيحاً على القرآن والسنة ، وأن تدع النتائج بعد ذلك إلى الله ، فليس من شأننا أن نقاضي العباد وإنما هذا شأن الله – سبحانه وتعالى – الذي يحاسب الخلق على كل صغيرة وكبيرة .

ولو كانت هداية التوفيق بيد المصطفى r لهدى النبي r عمه أبا طالب الذي تفطر قلب النبي r من أجل هدايته ، لأن أبا طالب كان يشكل حائط صد منيع ، طالما تحطمت عليه سيوف ورماح أهل الشرك في مكة أحاط النبي r بكل ما يملك ، ومع ذلك، فلم يستطع النبي هدايته أبدا ، هو بذل له هداية الدلالة ، وهي المرادة في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[الشورى/52] .



أما هداية التوفيق قال الله فيها لنبيه :{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}[ القصص/56] .



روى البخاري وغيره أن النبي r دخل على أبي طالب وهو على فراش الموت وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية ، فجلس النبي r إلى جوار عمه وقال : (( يا عم قل : لا إله إلا الله ، يا عم قل : لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة )) فقال أبو جهل لأبي طالب : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! يعني : أتترك دين آبائك وأجدادك ، فقال أبو طالب – ولا حول ولا قوة إلا بالله – بأنه على دين عبد المطلب ، فخرج الرحمة المهداة والنعمة المسداة صاحب القلب الكبير خرج من عند عمه وهو يقول: (( لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك )) .. فنزل عليه قول الله عز وجل : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } [التوبة/113] إنا لله وإنا إليه راجعون .



لو كانت هداية التوفيق بيد المصطفي r لاستطاع أن يهدي عمه أبا طالب هذا يبين لنا أيها الأحبة أننا في غاية الفقر لله - جل وعلا – وفي أمس الحاجة إلى توفيق الله – جل وعلا – فوالله ما أتيت اليوم برغبتك وإنما بتوفيق الله لك ، والله ما جلست اليوم في هذا المكان من ساعات مبكرة إلا بعد توفيق الله لك .



والله لولا أنت ما اهتدينا
فأنزلن سكينة علينا






ولا صمنا ولا صلينا
وثبت الأقدام إن لاقينا

قال الله – عز وجل : {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[الأعراف/42] تدبر : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} اللهم انزع ما في صدورنا من غل {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ } [ الأعراف/43] اعتراف المؤمن بالفضل لله ، فالمؤمن لا يرى لنفسه أبداً فضلا ، لا يرى لنفسه في قول ولا في عمل فضلا ، فالفضل ابتداء وانتهاء لله – جل جلاله – فإن أطعت فمن وفقك للطاعة وإن ذكرت فمن أعانك على الذكر ؟ وإن شكرت فمن وفقك للشكر ؟ وإن أصبحت طالب علم فمن علمك ؟ وإن فهمت مراد الله فمن فهمك ؟ وإن وفقك الله لبر الوالدين فمن وفقك ؟ وإن حبب الله إليك البذل فالفضل ابتداء وانتهاء لله – جل وعلا – قال سبحانه وتعالى : {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات/17] .



رابعاً : الهداية في الآخرة : الهداية العامة وهداية الدلالة والبيان ، وهداية التوفيق ، والهداية في الآخرة ، أقسام الهداية وآخر مراتب الهداية .



تدبر معي ! أيها الحبيب اللبيب فمن هدي في الدنيا إلى الصراط المستقيم هدي في الآخرة للسير على قَدْر هداه في الدنيا على الصراط المضروب على متن جهنم .



على قدر سيرك هنا يكون سيرك هنالك ، وعلى قدر وجود الشهوات والشبهات، التي تعيق سيرك على الصراط المستقيم في الدنيا ، ستكون قوة الخطاطيف والكلاليب، التي تعيق سيرك إلى جنات النعيم .



تدبر هذا الكلام النفيس ! كلما قويت الشهوات والشبهات التي تعوق سيرك على الصراط المستقيم ، قويت هنالك على الصراط الخطاطيف والكلاليب التي تعيق سيرك على الصراط، لتصل إلى جنات النعيم ، فإذا كانت الشهوات والشبهات ضعيفة ، كانت الخطاطيف والكلاليب هنالك ضعيفة وإذا كانت هنا قوية كانت هنالك قوية .

فمن الناس من يمشي على هذا الصراط في الدنيا بثبات ، اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك، لا يلتفت إلى الوراء لنداء الشيطان ، والنفس الأمَارة بالسوء والهوى وصحبة السوء، إنما هو عرف طريقه ، عرف ربه ، وسار على درب الحبيب r لا يلتفت إلى الوراء، بل إذا وقعت قدمه في بؤرة معصية ، وتأثرت ثيابه بشوك المعاصي ، سرعان ما يجذب ثيابه ليطهرها بدموع التوبة ، ليواصل سيره ومسراه إلى ربه وسيده ومولاه خلف حبيبه سيدنا رسول الله r عرف الدرب .



هذا يمر على الصراط المضروب على متن جهنم يوم القيامة كالبرق بمجرد أن يعبر، أو أن يضع قدمه اليمنى على الصراط، يرى نفسه كالبرق في جنات النعيم، ومنهم من يمر عليه كالطرف كالريح، كأجاويد الخيل والركاب، ومنهم من يمر عليه يجري ، ومنهم من يمر على الصراط يمشي، ومنهم من يمر على الصراط يحبو على يديه ورجليه، ومنهم من يمر فتسفعه النار مرة، وتخدشه النار مرة وينجيه الله، ومنهم من تخطفه الكلاليب إلى نار جهنم

والحديث رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري([1])وغيره ، فعلى قدر سيرك هنا على الصراط يكون



سيرك هنالك على الصراط .

أهل الإيمان يعبرون الصراط إلى الجنة تدبر معي قول ربي :{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ{23} وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } أي في الدنيا ، وفي الآخرة { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ }[ الحج /24،23] .

اللهم اجعلنا منهم وهدوا إلى الطيب من الأقوال في هذه الحياة ، لا يتكلم إلا خيرا، لا يأمر إلا بمعروف ، لا ينهي إلا عن منكر ، لسانه رطب بذكر الله ، لا يخرج العيب ، لا يعرف الغيبة ، لا يعرف النميمة ، لا يعرف الكذب ، لا يعرف شهادة الزور ، هذا يهديه ربه يوم القيامة إلى صراط الحميد ، وهدوا إلى صراط الحميد {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{12} ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} [ الواقعة / 10-14] .



قال ابن القيم : السابقون في الآخرة إلى الرضوان والجنات ، هم السابقون في الدنيا إلى الخيرات والطاعات ، وعلى قدر السبق هنا يكون السبق هناك .

قال الحبيب r - وتدبروا هذا الحديث الرقراق الجميل الذي رواه البخاري وغيره من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : (( إذا خلص المؤمنون من النار))([2]) .



أي إذا عبروا الصراط ونجاهم العزيز الغفار من النار وأرجو أن تتصوروا معي هذا المشهد الذي يخلع القلب قال تعالى:{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً{71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً}[ مريم 72،71] اللهم اجعلنا من المتقين.



تدبر معي المشهد قال : (( إذا خلص المؤمنون من النار ، آخر رجل يدخل الجنة يعبر على الصراط تسفعه النار مرة ويكبو مرة ، فإذا نجاه الله التفت إلى النار خلفه )) نجا عبر (( يلتفت للنار من خلفه تحت الصراط ويقول : تبارك الذي نجاني منك ، الحمد لله الذي أعطاني ما لم يعط أحدا من الأولين والآخرين من خلقه )) .

وهو آخر رجل يدخل الجنة ، فالأمر ليس يسيرا يقول النبي r (( إذا خلص المؤمنون من النار )) انطلقوا إلى الجنة ؟ لا ، انتظر لا ، ماذا بعد ؟ وهل هناك أمر بعد الصراط ؟ نعم بعد الحساب ؟ نعم بعد الميزان ؟ نعم ماذا بعد ؟

((يحبس المؤمنون بعد عبورهم للصراط على قنطرة أخرى بين الجنة والنار)) لماذا؟ ((للقصاص)). للقصاص ، هل تتصور أن ظلمك لأخيك سيضيع سدى ؟ لا ، هل تتصور أنك يوم أن اغتبت فلانا ، أو مشيت بالنميمة ، وأفسدت القلوب بين الناس أو ظلمت فلانا ، أو ضربت فلانا ، أو شتمت فلانا أو قذفت فلانة ، هل تظن أن هذا يضيع سدى؟ لا ، مع أنك من المؤمنين وعبرت الصراط ، تُحبس مرة أخرى للقصاص .

اسمع ماذا قال سيد الناس : (( إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار يتاقصون مظالم كانت بينهم )) .. آه من الظلم! آه من الظلم ! ولو بكلمة ((يتقاصون مظالم كانت بينهم حتى إذا هذبوا ونقوا انطلقوا إلى الجنة )) ، اسمع ماذا يقول رسول الله r قال (( فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى )) أي : أعرف وأدل (( لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا )) { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}[ الحج /24،23] ما تدبر كثيرا من هذه الكلمات النبوية .



أقول : ينطلق الآن بعد صلاة الجمعة بعد هذا الجمع الكريم بين يدي كل واحد منا سيذهب إلى بيته ومنزله ، دون أن يسأل أحداً ، ليدله على هذا المنزل كذلك في الآخرة بعد هذا القصاص والتطهير والتهذيب ، ينطلق كل مؤمن إلى منزله على قدر مكانته وعمله في الجنة يقول النبي r : ((هو أعرف بمنزله في الجنة من معرفته بمنزله كان في الدنيا )) { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } .



قال – جل وعلا – في سورة محمد : {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }[محمد/6] فكل يعرف منزله وكل ينطلق إلى مكانته ، نسأل الله أن يرزقنا الفردوس الأعلى ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .



أيها الأحبة الكرام : هذه هي مراتب الهداية ، وأقسام الهداية ، هداية عامة ، وهداية الدلالة والإرشاد والتعريف والبيان وهداية التوفيق ، والهداية في الآخرة ، يهدي الله أهل الجنة إلى الجنة ، ويهدي الله أهل النار إلى النار ، فكما أن الجنة درجات ، فأن النار دركات ، اللهم نجنا من النار كل له منزلة ، كل له مكانة في النار ، فالجنة درجات ، والنار دركات قال – جل وعلا – {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ{22} مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[ الصافات/ 23،22] .



أيها الأحبة : هذا بإيجاز شديد جداً في أقسام الهداية .



فما هي أسباب الهداية على وجه السرعة ؟ هذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء.



أعظم أسباب الهداية : أن تعرف الله ، فمن عرف الله بأسماء جلاله وصفات كماله أحبه ، من عرف الله أحبه ، ومن عرف الله خافه ، والحب والخوف هما العبادة ،فالعبادة هي كمال الحب لله ، مع كمال الذل لله ، ومن عبد الله – عز وجل – وحده لا شريك له فقد هدي إلى الصراط المستقيم ، من عبد الله – عز وجل وحده لا شريك له فقد هدي إلى الصراط المستقيم .



ثانيا : بإيجاز الإيمان بالله – تبارك وتعالى : تدبر معي ! هذه الآية الجميلة قال سبحانه : { َمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } [ التغابن/11] الله أنت قرأتها مرارا ولكن أرجو أن تتدبرها عش معنى الآية : { َمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } ولو هدى القلب لسجد بين يدي الرب سجدة لا يقوم منها حتى يستمتع بالنظر إلى وجه ربه في الجنة ، والله لو ذاق القلب حلاوة السجود ما قام من سجدته ، والله لو ذاق القلب حلاوة الإيمان ما فارق هذا الباب أبدا { َمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } وهدى القلب سبيل السعادة في الدنيا والآخرة{ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ{88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء/89،88] اللهم اهد قلوبنا.



ثالثا : من أسباب الهداية الاعتصام بالله : ذكرت أنه لا حول ولا قوة لنا إلا به – جل جلاله – فما عليك إلا أن تبحث عن أسباب هداية الدلالة وأن تسأل ربك أن يلهمك هداية التوفيق ، وأن يحبب الإيمان إلى قلبك وأن يزينه فيه ، وأن يثبتك على الصراط المستقيم: {َمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[آل عمران/101] ما هو الصراط المستقيم ؟ وأنت تكرر اللفظة كثيرا . قال عليّ رضي الله عنه : الصراط المستقيم هو القرآن . قال ابن عباس رضي الله عنه : الصراط المستقيم هو الإسلام . قال ابن الحنفية رضي الله عنه : الصراط المستقيم هو دين الله ، الذي لا يقبل غيره أبدا .. دين الله هو الصراط المستقيم .

وفي الحديث الصحيح (1) الذي رواه أحمد في مسنده وغيره من حديث النواس بن سمعا – رضي الله عنه – أن النبي r قال: ((ضرب الله مثلا صراطا مستقيما)). تدبر هذا المثل النبوي البليغ: ((ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران وفيهما أبواب مفتحة)). أي: في السورين أبواب مفتح’ ((وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى رأس الصراط داع يقول : أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ، ولا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ويقول )) إذا أراد الإنسان أن يدخل باباً من هذه الأبواب المفتحة التي أرخيت عليها الستور يقول له الداعي من فوق الصراط : (( ويحك ويحك لا تفتحه )) . أي لا تفتح هذا الباب (( فإنك إن تفتحه تلجه )) .. إن فتحت دخلت ، والمعنى قال الحبيب r : (( الصراط هو الإسلام )) .. هذا تفسير النبي r إذاً للصراط ((الصراط هو الإسلام والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، والداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم)) ((واعظ الله في قلب كل مسلم)) .



فأنت إذا هممت بمعصية ، ترى واعظا في قلبك ، يقول لك : لا ، لا ، تفعل هذا، ابتعد، هذا حرام ، وإذا فعلت طاعة تسمع الواعظ في قلبك يزين لك الطاعة يحببها إليك ويحثك على المزيد ، وعلى الإكثار ، ولذا قال المختار r : (( البر حسن الخلق ، والإثم ماحاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ))([3])



ترمومتر دقيق فب قلب كل مسلم، واعظ الله في قلب كل مسلم، نسأل الله أن يحي قلوبنا وأيضا من أعظم أسباب الهداية بعد الإعتصام بالله والتمسك بدينه وصدق اللجأ إليه – تبارك وتعالى – المحافظة على الصلوات .

قال ابن مسعود – والحديث رواه مسلم : من سره أن يلقى الله تعالى غداً مسلما، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ، فإن الله قد شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كالمتخلف الذي يصلي في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق ، معلوم النفاق ، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.([4])



خامساً بإيجاز : الصحبة الصالحة : الصحبة الصالحة من أعظم أسباب الهداية أن تصحب رجلا يذكرك بالله ، وأن تبتعد عن رجل يحول بينك وبين معرفة الله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً{27} يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً{28} لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً} [ الفرقان / 27-29] لذا قال الحبيب r: ((لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي )) ([5]).

وقال r: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كحامل المسك ونافخ الكير))([6]).



عقارب الساعة تطاردنا وأنا لا أريد أن أشق على إخواني خارج بيت الله – جل وعلا – ومازالت عناصر ونقاط الموضوع بين يدي كثيرة ، لكن أكتفي بهذا القدر ، والله أسأل أن ينفعنا بما سمعنا وبما قلنا وأن يرزقنا الهدى والعفاف والغنى ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .



الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .

أما بعد :

فيا أيها الأحبة الكرام : من أعظم أسباب الهداية أيضا المجاهدة :

قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت/69] والمجاهدة للنفس أربع مراتب :

المرتبة الأولى : مجاهدة النفس على تعلم الحق ، والهدى .

المرتبة الثانية : مجاهدة النفس على العمل بما تعلمت .

المرتبة الثالثة : مجاهدة النفس على الدعوة إلى الحق والهدى .

المرتبة الرابعة : مجاهدة النفس على الصبر على الأذى والبلاء .

فمن تعلم وعمل وعَلْم لابد أن يتعرض للأذى من المنافقين والظالمين . قال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ} [ الفرقان /31] . وقال تعالى : {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [ العنكبوت /3،2] .

ثالثا : بإيجاز شديد لأكمل الموضوع ولو في عجالة علامات الهداية :



وأول علامة من علامات الهداية : تحقيق الإيمان :

فمن آمن بالله ووحد الله فقد هداه الله – سبحانه – وهذه أعظم علامات هداية الله له . بإيجاز شديد من أعظم علامات الهداية أن تحافظ على الصلوات .



ثالثا: من أعظم علامات الهداية السمع والطاعة لله ورسوله: قال تعالى: { فَبَشِّرْ عِبَادِ{17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } [ الزمر / 18،17] .

وقال في شأن طاعة رسوله r :{إِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [ النور/54] فطاعة الله وطاعة رسول الله من أعظم علامات الهداية إن كنت ممن أطاع الله وأطاع رسوله r .



رابعا : من علامات الهداية الدعوة إلى الله – عز وجل : على قدر استطاعتك بأي وسيلة من الوسائل ، والأمر بالمعروف بمعروف ، والنهي عن المنكر بغير منكر .

كذلك من علامات الهداية : الصحبة الطيبة والبعد عن صحبة السوء من علامات الهداية المحافظة على الأمر والنهي .

من علامات الهداية : أن يكون سمتك وهديك ودلك موافقا لسمت وهدي ودل رسول الله r مع نية صادقة وعمل صالح ، وإلا فإن المظهر وحده لا يكفي مع سوء وفساد الطوية وبعد عن العمل الصالح لا يكفي هذا المظهر على الإطلاق .

لذا روى الإمام أحمد في مسنده وغيره بسند صحيح ، بشواهده أن النبي r قال: ((خير عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله))(1).

هناك مسلم إذا مشي في طريق ورآه الناس ذكروا الله ، تذكروا الله بسمته بهيبته ، ولاحظ أن الهيبة لست كبرا ، فقد يتصور بعض طلابنا ، أنه من أجل أن يُحَصْل الهيبة عند الناس يتصور أنه لابد من أن يتقعر ، ولابد من أن يعبث بجبينه ، ولابد من أن يتكلم بصوت أجش ، لا ، لا اسمع لأبن الجوزي – رحمه الله تعالى – إذ يقول : هيبة الناس لك لا تكون إلا على قدر هيبتك أنت من الله ، فمن الناس من يُرى فيذكر الله .

من علامات الهداية : حب الناس لك وثناء الناس عليك :



ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي r قال: ((إذا أحب الله عبدا نادى جبريل يا جبريل إني أحب فلانا)) .. يا الله !! تصور أن يذكر اسمك ملك الملوك الله، يذكر اسمك لجبريل ، وجبريل يذكر اسمك في الملأ الأعلى ((يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم ينادي جبريل في أهل الأرض: يا أهل الأرض إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل الأرض أو فيوضع له القبول في الأرض))([7])



اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين .



وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر أنه قال : يا رسول الله إن الرجل ليعمل العمل من الخير فيلقى الله له الثناء الحسن – أي : على ألسنة المسلمين – فقال النبي r : (( تلك عاجل بشرى المؤمن))((تلك عاجل بشرى المؤمن)) ([8]).



فمن علامات هداية الله لك أن يحبك الناس لكن ليس كل الناس فلن يحب المؤمن إلا المؤمنون ، أما المنافق فهو يبغض المؤمن من كل قلبه ، لذا اعلم أخي :



أنه لا يبغض مؤمنا إلا منافق ، ولا يحب مؤمنا إلا مؤمن ، فالأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف .

قال الخطابي : أرواح المؤمنين تحن إلى المؤمنين ، وأرواح المنافقين تحن إلى المنافقين قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم/96] أي : محبة في قلوب عباده المؤمنين .



بقى أن أتحدث عن عقبات في طريق الهداية لكني أخشى أن أطيق عليكم .



فمن أخطر العقبات : الكفر والظلم والفسق { إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة/67] ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }[المنافقون/6] ، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الأنعام/144 ] ، الإسراف والكذب {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر/28 ] ، الهوى {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص/26] .



وأخطر هذه العقبات الشيطان: قال تعالى: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور/21]، فالشيطان له خطوات وهو لنا عدو: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّا} [فاطر/6] ، وقال الله فيه: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}[الحج/4].



[الدعاء ]



(1) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والجمعة (867/43) ، وأحمد في المسند (3/310) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه .

(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان ، وأن الإيمان يزيد وينقص (50/80) ، وأحمد في المسند (1/458) .

(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية (183/302) .

(2) أخرجه البخاري في كتاب المظالم ، باب قصاص المظالم (2440) ، وأحمد في المسند (3/94) .

(1) [ صحيح] : أخرجه أحمد في المسند (4/182) ، والحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان (1/73) ، وقال : (( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولا أعرف له علة ولم يخرجاه )) ووافقه الذهبي .

(1) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب تفسير البر والإثم (2553/15،14) ، والترمذي في كتاب الزهد ، باب ما جاء في البر والإثم (2389) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وأحمد في المسند (4/182) .

(2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة (654/257) ، والنسائي في كتاب الإمامة ، باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بها (848)

(3) [حسن] : أخرجه أبو داود في كتاب الأدب ، باب من يؤمر أن يجالس (4832) ، والترمذي في كتاب الزهد ، باب ما جاء في صحبة المؤمن (2395) ، والدارمي في كتاب الأطعمة ، باب من كره أن يطعم (2057) ، وأحمد في المسند (3/38) كلهم من حديث أبي سعيد – رضي الله عنه .,

(1) أخرجه البخاري في كتاب البيوع ، باب في العطار وبيع المسك (2101) ، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء (2628/146) وأحمد في المسند (4/408،405) من حديث أبي موسي الأشعري

(1) – أخرجه أحمد في مسنده (4/227) بلفظ ((خيار)) بدل ((خير)) وقال الهيثمي في المجمع (8/93) : رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وقد وثقه غير واحد وبقية رجاله رجال الصحيح .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب ، باب المقه من الله تعالى (6040) ، ومسلم في كتاب البر والصلة ، باب إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده (2637157) ، وأحمد في المسند (2/446،440) .

(2) - أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب إذا أثنى على الصالح فهي بشرى ولا تضره (2642/166)، وابن ماجه في كتاب الزهد ، باب الثناء الحسن (4225) ، وأحمد في المسند (5/157،156) .
 
4 تلقين الميت للشيخ محمد حسان

بسم الله الرحمن الرحيم

تلقين الميت



أول حكم من أحكام الموت هو تلقين المحتضر الذى نام على فراش الموت، فإذا حضره الموت وجب على من عنده أمور.

الأول : أن يلقنوه الشهادة :



لقوله r " لقنوا موتاكم : لا إله إلا الله ، فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة " (1)

وقال r " من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه"(2)وكان r يقول:"من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة"(3)

وفى حديث : " من مات لايشرك بالله شيئاً دخل الجنة "(4) والروايات كلها رواها الإمام مسلم فى " صحيحه" والزيادة فى الحديث الأول لم ترد فى صحيح مسلم، وإنما وردت فى صحيح ابن حيان.

إذاً أول حكم من أحكام الموت : إذا نام المحتضر على فراش الموت وجب على أهله المحيطين به أن يلقنوه كلمة التوحيد، فمن وفق لهذه الكلمة دخل الجنة، ولا يوفق للنطق بها إلا المُوفق، ولا يرزق أحد النطق بها إلا المُسدَّد ، فليس كل أحد يستطيع فى هذه اللحظات أن ينطق بـ ( لا إله إلا الله ) قال تعالى : {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } (27) إبراهيم

قال بن عباس : هو قول لا إله إلا الله :{ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} (27) إبراهيم

ويقتضى عدل الله سبحانه وتعالى أنه من عاش على التوحيد مات على التوحيد، وبعث فى زمرة الموحدين ، قال r : " من مات على شيء بُعث عليه"(1)

قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى : لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه، أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه.

فمن عاش على الطاعة مات على الطاعة ، وبُعث على الطاعة، ومن عاش على الصلاة ومات على الصلاة ، بُعث على الصلاة ومن مات على معصية ، بعد ما عاش دهره وحياته على المعصية، بُعث على ذات المعصية، ومن مات وفى يده كأس الخمر بُعث يوم القيامة وهو يحمل بيده كأس الخمر ، ومن مات وهو يزنى بُعث يوم القيامة بهذه الفضيحة ، ومن مات وهو سارق بُعث يوم القيامة، وهو يحمل على كتفه ما سرق قال تعالى : { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } (161) سورة آل عمران

نسأل الله أن يسترنا فى الدنيا والآخرة إنه ولى ذلك والقادر عليه.

ثانياً : التضرع إلى الله بالدعاء للميت :



على من حضر الميت أن يتضرع إلى الله – عز وجل – بالدعاء له ، ولا يقول فى حضرته إلا خيراً لحديث أم سلمة – رضى الله عنها – قال رسول الله r: " إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" (1)والحديث رواه مسلم والبيهقى.

يعنى : لو مات الميت فلا تقل إلا خيرا، لو صرخت المرأة فى البيت وقالت : ( يا سبعى يا جملى ) تؤمن الملائكة على هذا القول ولا ينتقى الوزر عن الميت، إلا إذا أوصى وتبرأ من كل ما يخالف الشرع.

فاكتب وصيتك من الآن ولا تسوف ، فإن الموت يأتى بغتة ، أوص بكل ما تريد ، تبرأ من كل مخالفة يرتكبها الأهل بعد الموت، فربما ترى من أهلك من يصر على أن يصنع لك صواناً ، أو خيمة ضخمة، وينفق من أموال اليتامى ما لا يحق بحال ، فهذا أكل لمال اليتامى بالباطل والظلم ، والله تعالى يتوعد من أكل أموال اليتامى بوعيد شديد يقول سبحانه : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} (10) سورة النساء

وهذا من الظلم أن تنفق لما بعد الموت من مال اليتامى بغير حق {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (10) سورة النساء

والتلقين ، تلقين الميت : المراد به أن يقول له: قل : لا إله إلا الله وهو يحتضر ، وليس التلقين بعد الدفن ؛ لأن تلقين الميت بعد الدفن فى القبر ليس من السنة ، ولم يثبت هذا عن صاحب السنة r.

إنما التلقين إذا نام الميت على فراش الموت ، واحتضر تلقُنه لا إله إلا الله؛ لينطق بها، ليرددها خلفك، ليقول هو بلسانه : لا إله إلا الله.

إنما التلقين فى القبر بعد الموت فلم يثبت هذا أبداً عن الصادق المصدوق الذى لا ينطق عن الهوى r ، والرواية الواردة فى هذا الباب رواية لا تصح بحال عن النبى
المختار r .

قال r كما فى حديث أنس الذى رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم : أن رسول الله r عاد- أى زار – رجلاً فقال النبى r له " يا خال قل : لا إله إلا الله، قل : لا إله إلا الله ".

وأود أن أذكر أيضا أن المحتضر إذا قال : لا إله إلا الله مرة فكفى لا ينبغى أن نلح عليه ؛ ليكررها فإذا قالها، فليمت بعدها ، حتى ولو طال وقت الموت فهذا هو آخر كلامه فى الدنيا، فالنبى r يقول له : " يا خال قل : لا إله إلا الله " فقال : أى هذا المحتضر - : أخال أم عم؟ فقال r : " لا بل خال " فقال للنبى r : فخير لى أن أقول لا إله
إلا الله ؟ فقال r : " نعم " (1)

أما قراءة سورة " يس " عند الميت أثناء الاحتصار، بل وحتى توجيه الميت نحو القبلة، فلم يثبت هذا ولم يصح عن النبى r ففى أى وضع كان الميت فى بيته ، فى فراشه ، فلا حرج على الإطلاق، لا توجه السرير، ولاتوجه الميت ، فالميت أصلاً على الإطلاق ، موحد مسلم لا يحتاج أن نثبت له إسلامه بعد الموت لتوجيهه نحو القبلة ، فهذا من التكلف الذى نهى عنه النبى r وهذا ما اعتاد عليه جل المسلمين.

على أى موضع مات الميت على موضعه، حتى يجهز ويغسل، ويُدفن لا حرج، فلم يثبت أبداً عن النبى r أنه أمر بتوجيه الميت نحو القبلة، لم يثبت هذا، ولم يصح عن
النبى r .

بل لقد كره إمام التابعين سعيد بن المسيب ذلك وقال له جميلة : أليس الميت امرءاً مسلما. فعن زرعه بن عبد الرحمن : أنه شهد سعيد بن المسيب، فى مرضه وعنده وعنده أبو سلمة بن عبد الرحمن – من العلماء – فغَشىِ على سعيد بن المسيب – أغُمى عليه – فأمر أبو سلمة بن عبد الرحمن أن يحولوا فراش سعيد بن المسيب نحو الكعبة، وسعيد – رحمة الله عليه – فى إغمائة الموت ، فأمر أبو سلمة بن عبد الرحمن أن يحولوا فراش أبى سعيد نحو القبلة، فأفاق سعيد بن المسيب ، فوجد أنه قد وُجَّه فراشه، فقال : حولتم فراشى ؟ قالوا : نعم فنظر إلى أبى سلمة بن عبد الرحمن وقال : أراه بعلمك فقال : نعم . أنا الذى أمرتهم، فأمر سعيد بن المسيب أن يعيدوا فراشه مرة أخرى، وقال قولته الجميلة : أليس الميت امرءاً مسلماً ؟(1)

ما دام لم يثبت هذا عن الصادق المصدقون r فلا ينبغى أن نتكلف ما لم يفعله الحبيب r. ولا بأس على الإطلاق، فى أن يحضر المسلم، وفاة رجل كافر؛ ليلقنه الشهادة، لعل الله أن يرزقه الشهادة.

إن كان لك جار يهودى أو نصرانى، وسمعت أنه يحتضر، لا بأس عليك أن تٌسرع إليه بنية أن تَذكره بالإسلام وبالتوحيد، " لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم "(1)

والدليل على ذلك : ما رواه البخارى وأحمد والحاكم ، وغيرهم من حديث أنس – رضى الله عنه – قال : كان غلام يهودى يخدم النبى r فمرض الغلام، فأتاه
النبى r يعوده أى يزوره – فقعد النبى r عند رأسه وقال له r : " أسلم " أى قل لا إله إلا الله، فنظر الغلام إلى أبيه وهو رجل يهودى هو الآخر فقال الأب لولده : أطع أبا القاسم، فأسلم الغلام فخرج النبى r من عند الغلام وهو يقول : " الحمد لله الذى أنقذه من النار"(2) وصدق ربى وهو العزيز الغفار إذ يقول فى حق نبينا، وهو النبى المختار :

{ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) التوبة

وصدق ربى إذ يقول : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) الأنبياء

فهو رحمة للمؤمنين، بل ورحمة للعالمين من المشركين والمسلمين فمن آمن به فقد ُرحم فى الدنيا والآخرة، ومن كفر به فقد رُحم فى الدنيا من عذاب الله ثم بعد ذلك – إن شاء الله – ينال هذا الكافر عذابه فى الآخرة، فالامر يرجع إلى مشيئة الله تبارك وتعالى فى كل وقت، وفى كل حال.

فلما مات هذا الغلام اليهودى قال النبى r " صلوا على صاحبكم " هذا هو الحكم الأول من أحكام الجنائز بالنسبة للمحتضر.

الحكم الثانى : ما الذى يجب على أهل الميت بعد موته ؟



إذا مات وأسلم الروح لخالقها وبارئها – جل وعلا – يجب عليهم أمور، منها:

أولاً : أن يغمضوا عينيه :

إذا خرجت الروح، يتبع البصر الروح، فتدخل على المحتضر فترى عينيه مفتوحة ، تراه شاخصاً ببصره إلى أعلى.



ثانياً : أن يغطوا الميت بعد الموت :

ومن الأحكام التى تلزم من حضر الميت أيضاً: أن يغطى الميت بعد الموت بغطاء أوبثوب أو عباءة أو بأى شيء يستر جميع بدنه حتى الوجه؛ لما رواه البخارى ومسلم، من حديث عائشة – رضى الله عنها – أن رسول الله r حين تُوفى، سجى ببردة حَبْرة.

حَبّرة : بردة من برد اليمن.

سُجَّى : غطى جسده كله r.

ولم يكشف البردة إلا الصديق حينما دخل على الحبيب r بعد ما أتى من بيته بالسنح ووجد الناس يصرخون أمام المسجد النبوى، دخل الصديق على حبيبه r فوجده مسجى – أى مغطى – فكشف الغطاء عن وجهه وقبل النبى r بين عينيه قال : طِبت حياً وميتاً يارسول الله : أما الموتة التى كتبها الله عليك فقد ذُقتها ، ولا ألم عليك بعد اليوم(1)

وفى رواية حسنها شيخنا الألبانى فى " مختصر الشمائل " أن الصديق نادى على نبيه وقال : ونبياه وخليلاه (2)

فمن السنة إذا مات الميت أن يغطى جسده كله.

هذا إن مات الميت فى غير الإحرام، أى الحج والعمرة.

فإن مات الميت، وهو محرم فى حج أو عمرة، لايغطى رأسه، ولا يُغطى وجهه ؛ الحديث ابن عباس – رضى الله عنهما فى الصحيحين قال : بينما رجل واقف بعرفة، إذ وقع عن راحلته فوقصته أو فأقعصته – وطأته الناقة، فمات بمات بلباس الإحرام فقال النبى r " أغسلوا بماء وسدر وكفنوه فى ثوبته " أى فى الإزار والرداء " ولا تحنطوه" (3)

وفى رواية : " ولاتطيبوه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه " أى لا تغطوا رأسه ولا وجهه : " فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " (4)

حينما يخرج من قبره يقول أول ما يقول : لبيك اللهم لبيك وقد قلت : إن الصادق قد قال : " يبعث كل على ما مات عليه".

ثالثاً : أن يعجلوا بتجهيز الميت :



ومن هذه الأحكام أيضاً : أن يعجلوا بتجهيز الميت وإخراجه من بيته إلى المقابر، هذا من السنة أيضاً.

لا ينبغى أن يتأخر الميت ؛ ليأتى فلان من قطر وفلان من الكويت، وفلان من السعودية، وفلان من مصر، وفلان من هنا وهنالك ويغيب الميت لغير ضرورة، ولغير حاجة.

فمن السنة إذا مات الميت أن نعجل فى تجهيزه ، أى فى غسله وتكفينه ودفنه – إلا لضرورة – قال r " أسرعوا بالجنازة " وأمر الإسراع بالجنازة يحتاج إلى إسراع فيما قبل الجنازة ، كالإسراع فى التغسيل والإسراع فى التكفين والإسراع فى الدفن "أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" (1)

ومن السنة أيضاً : أن يدفن الميت فى البلد الذى توفى فيه إلا لضرورة.

ولكن هذا هو الأصل وألا ينقل من بلد إلى بلد، ما دام قد مات فى بلد مسلم ؛ لأن هذا يتنافى مع الإسراع الذى أمر به النبى r.

ففى حديث جابر بن عبد الله – رضى الله عنه – وأخرج الحديث أصحاب السنن الأربعة وأحمد فى مسنده والبيهقى بإسناد صحيح : لما كان يوم أٌحد حُمل القتلى – أى من الصحابة – ليدفنوا بالبقيع – والبقيع مسافة قريبة جداً ، فلما مات بعض أصحاب
النبى r فى معركة أحد ، وقتلوا حمل القتلى ليدفنوا فى البقيع بجوار المسجد النبوى، فأمر رسول الله r يأمركم أن تدفنوا القتلى فى مضاجعكم (1) أى فى المواضع الذى قتلوا فيه.

يقول جابر: بعدما حملت أمى أبى وخالى على ناضح لنا – دابة – لندفنهم فى البقيع فردوا ، ليس هناك حلال ولا فذلكه عقلية ولا فلسفة ، أمر أن يدفنوا فى مضاجعهم فردوا ليدفنوا مع القتلى .

قال فرجعناهما مع القتلى حيث قتلوا ، ولذلك قالت عائشة : لما أخ لها بوادى الحبشة ، فحمل من مكانه ، وددت أنه كان دفن فى مكانه – فى الحبشة – والحديث أخرجه البيهقى بسند صحيح (2)



رابعاً : أن يسددوا دينه :



ومن هذه الأحكام أيضاً : أن يبادر أهل الميت بسداد دينه ، فيجب على أهل الميت أن يسدوا الدين عن ميتهم، فإن لم يكن له مال ولم يستطع أهل المتوفى أن يسددوا الدين عليه ، وجب على الدولة أن تقضى عنه الدين؛ للحديث الذى أخرجه ابن ماجه وأحمد والبيهقى من حديث سعد بن الأطول – رضى الله عنه – أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالاً قال أخوه : فأردت أن أنفقها على عياله فقال له النبى r :

" إن أخاك محبوس بدينه أى محبوس عن الجنة – فاذهب فاقض " قال : فذهب ، فقضيت عنه، ثم جئت ، قلت : يا رسول الله ، قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينه – امرأة ادعت أن لها دينارين عند أخى لكن لم تقدم البينة على ذلك – فقال النبى r " أعطها فإنها صادقة " وفى رواية : " أعطها فإنها محقة "(1)

وفى حديث عن سمرة بن جندب، الذى أخرجه أبو داود والنسائى والحاكم، والبيهقى وغيرهم بسند صحيح : أن النبى r صلى على جنازة – وفى رواية – صلى الصبح فلما انصرف قال: " أها هنا من آل فلان أحد " فكست القوم، وكان r إذا ابتدأهم بشئ سكتوا – رضى الله عن أصحاب النبى المؤدبين – فقال ذلك مرارا ثلاثاً : " أها هنا من آل فلان أحد " لا يجيبه أحد، فقال رجل : هو ذا يارسول الله، فقام رجل يجر إزاره من مؤخرة الناس، فقال له النبى r : " مامنعك فى المرتين الأوليين أن تكون أجبتنى ؟ أما إنى لم أنواه باسمك إلا لخير إن فلانا – يقصد النبى r رجلا منهم – من آل فلان مأسور بدينه عن الجنة، فإن شئتم فافدوه – أى بسداد الدين – وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله (2)

فلو رأيت أهله ، ومن يتحرون بأمره قاموا فقضوا عنه حتى ما أجد أحداً يطلبه بشئ.

الحكم الثالث : وهو ما الذى يجوز لأهل الميت وللحضور أن يفعلوه ؟



بعض الناس يظن : أنه لا يجوز له أن يكشف وجه الميت ويقولون : بأن هذا انتهاك لحرمة الميت، هذا لا يصح، بل يجوز لمن أراد أن يكشف وجه الميت ، وان يُقبِله ، يجوز له أن يفعل ذلك، بل ويجوز له أيضاً أن يبكى على ميته.

فبعض الناس يظن إن تقبيل الميت حرام، وأن كشف وجهه حرام، وأن البكاء عليه هلع وجزع ، لا.

فعن جابر بن عبد الله – رضى الله عنهما – قال : لما قتل أبى جعلت أكشف الثوب عن وجهه، وأبكى ونهونى – أى من حولى – والنبى r لا ينهانى يقول : فجعلت عمتى فاطمة تبكى فقال النبى r " تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه" (1)

عبد الله والد جابر – رضوان الله عليه الصحابى الوحيد الذى كلمه الله كفاحاً، أخبر النبى r بذلك ولده المبارك جابر، وقال الله لعبد الله : " تمن فمن تمنى والد جابر إلا أن يرجع إلى الدنيا ليقاتل فيقتل فى سبيل الله ".

سبحان الله يقول الرسول r لفاطمة : " تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه ".

والحديث فى البخارى ومسلم وسنن النسائى والبيهقى

وعن عائشة – رضى الله عنها – قالت : أقبل أبو بكر – رضى الله عنه – على فرسه من مسكنه – بالسَنح أو البسُنحْ وهو مكان بأطراف المدينة لكن الفتح أصح عندى – حتى نزل من على فرسه، فدخل على المسجد وعمر يكلم الناس ويقول : من زعم إن رسول الله ما مات، بل ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى بن عمران وليرجعن رسول الله ليقطعن أيدى وأرجل المنافقين الذين يزعمون أنه مات. قول شديد من عمر، وجاء الصديق عمر، يصيح فى الناس بهذه الكلمات..

تقول عائشة : فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم النبى r - أى اتجه إلى النبى r - لأن النبى r مات فى حجرة عائشة ، وهو مسجى ببردة حَبْره فكشف البردة عن وجهه الأزهر الأنور بأبى هو وأمى، ثم أكب الصديق على النبى r فقبله بين عينيه ثم بكى وقال : بأبى أنت وأمى يا نبى الله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التى عليك فقد ذقتها، أو مِتها، وفى رواية : فقد مت الموتة التى لا تموت بعدها.

إذن نأخذ من هذا الحديث أن الصديق كشف عن وجه الحبيب r وقبله ولو كان النبىr قد نهى عن ذلك ما فعله الصديق. والحديث رواه البخارى والنسائى وابن حبان والبيهقى(1)

وفى الحديث الذى رواه الترمذى وصححه البيهقى (2)وغيرهما ، وله شاهد بإسناد حسن من حديث عائشة : أن النبى r دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، وعثمان بن مظعون هو أول من لُقب بالسلف الصالح، وعثمان بن مظعون ممن شهدوا بدرا والنبى r قال فى حق أهل بدر : " لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " (3)

وهو أول من دٌفن بالبقيع ، فلما مات، تقول عائشة – رضى الله عنها : كشف النبى r الغطاء عن وجهه ثم أكب عليه فقبله- يا لها من كرامة – وبكى حتى رأت الدموع النبى r - تسيل على وجنتيه (1) يا ترى على وجنتى رسول الله أم وجنتى عثمان بن مظعون – كلاهما جميل.

هناك من أهل العلم – من باب الأمانة العلمية – من ضعف هذا الحديث، لكن شيخنا الألبانى حسن الحديث بشواهده ، وعن أنس – رضى الله عنه – قال : دخلنا مع رسول الله r على أبى سيف وكان ظئراً لإبراهيم ، الظئر هو زوج مرضعة إبراهيم فأخذ رسول الله r إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه – يحتضر – فجعلت عينا رسول الله r تزرفان – يبكى النبى r بالدموع – فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله؟ فقال r : " يا بن عوف إنها رحمة " ثم اتبعها بأخرى فقال r " إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" (2) والحديث رواه البخارى ومسلم.

وعن عبد الله بن جعفر أن النبى r أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ، ثم أتاهم وقال : " لا تبكوا على أخى بعد اليوم " (3)

والحديث رواه أبو داود والنسائى ، وإسناده صحيح على شرح مسلم.

إذا لا حرج لمن إراد أن يقبل الميت بين عينه ، ولا بأس من كشف الغطاء عن وجهه ، ولا بأس إن بكى عليه ، فالبكاء رحمة ، لكن النهى عنه ، لكن المحرم أن
نقول : مايسخط ربنا – جل وعلا – وأن تدعوا بدعوى الجاهلية ، كأن تقول
المرأة ( ياجملى يا سبعى ، يامن ترزقنى ، يامن تفعل لى كذا وكذا ، لا أستطيع العيش بعدك) إلى آخر هذه الكلمات الجاهلية كأن تلطم المرأة خدها ، كأن تشق المرأة جبينها ،
أو ملابسها كل هذا لايجوز ، ولا يليق وإنما هو محرم فى دين الله.

هذا والله أسأل أن يرحم موتانا رحمة واسعة ، وأن يختم لنا ولكم جميعاً بالإيمان إنه ولى ذلك والقادر عليه ، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



(1) أخرجه مسلم فى كتاب الجنائز ، باب تلقين الموتى : لا إله إلا الله (2/916). وأبو داود فى كتاب الجنائز ، باب التلقين (3/3117)، والترمذى فى كتاب الجنائز ، باب ما جاء فى تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده (3/976)، والنسائى فى كتاب الجنائز باب تلقين الميت (4/1825) ، وأحمد فى المسند (3/3) من حديث أبى سعيد الخدرى. وأخرجه مسلم فى كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى : لاإله إلا الله (2/917) مختصراً وابن حبان فى صحيحه (719 موارد) من حديث أبى هريرة واللفظ له.

(2) أخرجه أبو داود فى كتاب الجنائز، باب فى التلقين (3/3116)، وأحمد فى سنده (5/233،247)، والحاكم فى المستدرك (1/351)، وصححه ووافقه الذهبى ، وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (6479 موارد ) من حديث أبى هريرة ، واللفظ له.

(3) أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان ، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً (1/26)، وأحمد فى مسنده (1/65،69) من حديث عثمان بن عفان.

(4) أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات مشركاً دخل الجنة (1/93)، وأحمد فى مسنده (3/391) من حديث جابر بن عبد الله.

(1) أخرجه أحمد فى ممسنده (3/314)، والحاكم فى المستدرك (4/313) وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبى ، وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (6543) ، والصحيحة (283).

(1) أخرجه مسلم فى كتاب الجنائز ، باب ما يقال عند المريض والميت (2/919)، وأبو داود فى كتاب الجنائز ، باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام (3/3115) ، والترمذى فى كتاب الجنائز ، باب ما جاء فى تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده (3/977)، وابن ماجه فى كتاب الجنائز ، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر (1/447)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/384، 4/56).

(1) أخرجه أحمد فى مسنده (3/152 / 154)، وأبو يعلى فى مسنده (6/3512). وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/305) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(1) أخرجه ابن أبى شبية فى مصنفه (3ص 126،127 ح 6،8).

(1) هو جزء من حديث طويل : أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد، باب دعاء النبى r الناس إلى الإسلام والنبوة (6/2942) ومسلم فى كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل على ابن أبى طالب رضى الله عنه (4/2406).

(2) أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبى فمات هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبى الإسلام (3/1356) وأبو داود فى كتاب الجنائز، باب فى عيادة الذمى (3/3095)، والحاكم فى المستدرك (1/363).

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج فى أكفانه (3/ 1242)، ومسلم فى كتاب قول النبى r لو كنت متخذاً خليلاً " (7 /3667)، ومسلم فى كتاب الجنائز، باب تسمية الميت (2/ 943) مختصراً . وأحمد فى مسنده (6/117).

(2) أخرجه الترمذى فى الشمائل (ح 392) ، وأحمد فى مسنده (6 / 31).

(3) أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز ، باب الكفن فى ثوبين (3/1265) ، ومسلم فى كتاب الحج ، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات (2/1206)

(4) أخرجه البخارى فى كتاب جزاء الصيد ، باب المحرم يموت بعرفة (4/1850) . ومسلم فى كتاب الحج ، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات (2/99)

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة (3/1315). ومسلم فى كتاب الجنائز ، باب الإسراع بالجنازة (2/944). وأبو داود فى كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة (3/3181). والترمذى فى كتاب الجنائز، باب ما جاء فى الإسراع بالجنازة (3/ 8015) . وابن ماجه فى كتاب الجنائز باب ما جاء فى شهود الجنائز (1/1477).

(1) أخرجه أبو داود فى كتاب الجنائز، باب فى الميت يحمل من أرض إلى أرض(3/3165)، والنسائى فى كتاب الجنائز ، باب أين يدفن الشهيد ؟ (4/2003) والترمذى فى كتاب الجهاد، باب ما جاء فى دفن القتلى فى مقتله (4/1717)، وابن ماجه فى كتاب الجنائز ، باب ما جاء فى الصلاة على الشهيد ودفنهم (1/1526)، وأحمد فى مسنده (3/297) والبيهقى فى السن الكيرى (4/57)، وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (3503).

(2) أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى (4/57) ، وابن عساكر فى تاريخ مدينة دمشق (35/39).

(1) أخرجه ابن ماجه فى كتاب الصدقات، باب أداء الدين عن الميت (2/2433) ، وأحمد فى مسنده (4/136 ، 5/7) ، والبيهقى فى السنن الكبرى (10 /142). وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (1550).

(2) أخرجه أبو داود فى كتاب البيوع ، باب فى التشديد فى الدين (3/3341)، والنسائى فى كتاب البيوع، باب التغليظ فى الدين (7/4699)، والحاكم فى المستدرك (2/25)، وصححه ، ووافقه الذهبى ، والبيهقى فى السنن الكبرى (6/49).

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج فى أكفانه (3/1244)، ومسلم فى كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام ، والد جابر – رضى الله تعالى عنهما (4/130) ، والنسائى فى كتاب الجنائز ، باب تسجية الميت (4/1841) والبيهقى فى السنن الكبرى (3/407).

(1) سبق تخريجه .

(2) أخرجه أبو داود فى كتاب الجنائز، باب فى تقبيل الميت (3/3163)، والترمذى فى كتاب الجنائز ، باب ما جاء فى تقبيل المبت (3 / 989) ، وابن ماجه فى كتاب الجنائز، باب ما جاء فى تقبيل الميت ( 1/1456) ، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/361).

(3) أخرجه البخارى فى كتاب المغازى، باب فضل من شهد بدراً (7/3983)، ومسلم فى كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أهل بدر رضى الله عنهم ، وقصة حاطب بن أبى بلتعة (4/2494) ، وأبو داود فى كتاب الجهاد ، باب فى حكم الجاسوس إذا كان مسلماً (3/2650)، والترمذى فى كتاب تفسير القرآن ، باب ومن سورة الممتحنة (5/3305)، وأحمد فى مسنده (1/80).

(1) أخرجه أبو داود فى كتاب الجنائز ، باب فى تقبيل الميت (3/3163) والترمذى فى كتاب الجنائز ، باب ما جاء فى تقبيل الميت (3/989) وابن ماجه فى كتاب الجنائز ، باب ما جاء فى تقبيل الميت (1/14560) والبيهقى الكبرى (3/361).

(2) أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز ، باب قول النبى r " إنا بك لمحزنون " (3/1303) ومسلم فى كتاب فضائل الصحابة، باب رحمته r الصبيان والهيال، وتواضعه ، وفضل ذلك (4/2315).

(3) أخرجه أبو داود فى كتاب الترجل، باب فى حلق الرأس (4/ 4192) ، والنسائى فى كتاب الزينة ، باب حلق رؤوس الصبيان (8/5242) ، وأحمد فى مسنده (1/ 204) وقال الألبانى فى المشكاة : إسناده صحيح.
 
علامات حسن الخاتمة للشيخ محمد حسان

بسم الله الرحمن الرحيم



علامات حسن الخاتمة وثناء الناس على الميت



تكلمت عن : النعى المشروع أو النعى الجائز، وعما يحرم على أقارب المتوفى أن يفعلوا، وسأتحدث الآن عن العلامات التى إن ظهرت على الميت، فهى علامات تبشر له بخير.

أول هذه العلامات : نطقه بلا إله إلا الله :

فالموفق والمسدد هو الذى ينطق بالشهادة قبل موته، وأرجو بداية أن نعلم أن النطق بالشهادة عند الموت ليس أمرا ميسوراً إلا لمن يسر الله له وعليه، فلا تظن أن النطق بالشهادة سيكون كنطقك بالشهادة على ما أنت عليه الآن، وإنما يثبت فى هذه اللحظات – لحظات السكرات والكربات يثبت فى هذه اللحظات أهل الإيمان برب الأرض والسماوات {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} (27) إبراهيم فأعظم علامات حسن الخاتمة : أن ينطق الميت أو المحتضر قبل موته كلمة : لا إله إلا الله.

قال r كما فى الحديث الذى رواه الحاكم فى المستدرك وغيره، بسند حسنه شيخنا الألبانى – رحمه الله تعالى – من حديث معاذ بن جبل – رضى الله عنه – أن النبى r قال : " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "(1)

والسؤال الآن : من الذى يوفق للنطق بلا إله إلا الله ؟

والجواب : فى كلمات مختصرة، يوفقه للنطق بشهادة التوحيد هو من عاش طوال حياته على التوحيد.

قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله : لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شىء مات عليه، ومن مات على شىء بعث عليه.

الذى يتوفى على التوحيد هو من عاش على التوحيد، هو من عاش على التوحيد للتوحيد ، فلا يوفق ولا ينطق بكلمة التوحيد إلا موحد نطق بالتوحيد فى الدنيا، وعاشه عيشة عملية ، وعاش من أجله، نذر نفسه وحياته للتوحيد.

فعدل الله يقتضى أن من عاش على لا إله إلا الله بمقتضياتها، فحقق معناها ومقتضاها وامتثل أمرها، واجتنب نهيها ووقف عند حدودها يقتضى عدل الله أن يموت هذا الموحد على هذه الكلمة التى أشربها، وعاش لها، ومن أجلها.

قال النبى r كما فى صحيح مسلم: " من مات على شىء بعث عليه "(1) فالموحد يموت على التوحيد، ويبعث على التوحيد ، ويبعث على التوحيد ، حشر فى مزرة الموحدين، تحت راية إمام الموحدين، وقدوة المحققين وسيد النبيين r فإن عشت على شيء مت على ذلك الشيء، وإن عشت على طاعة مت على ذات الطاعة، وبعثت عليها، ومن عاش على معصية مات على ذات المعصية، وبعث على ذات المعصية.

رجل كان مدمنا للغناء عاشقا للغناء، كارها للقرآن، فالقرآن والغناء لا يجتمعان فى قلب، حبك للغناء وحبك للقرآن لا يجتمعان، لابد وأن يطرد أحد الحبين الآخر، إما أن يطرد حب القرآن حب الغناء من قلبك، وإم أن يطرد حب الغناء حب القرآن من قلبك، لا يلتقيان: حب الغناء مع حب القرآن، ولا يلتقى صوت الرحمن مع صوت الشيطان.

فكان هذا الرجل من مدينة المنصورة، مدمنا للغناء، لم يدخل بيت من بيوت الله فيما نعلم حكاية عن أولاده لم يصل، ولما حضرته الوفاة كان صوت أم كلثوم لا زال يغنى والملائكة فى بيته ، وملك الموت عند رأسه، يحتضر والغناء فى البيت.

الأخ الذى يسكن فى الدور الذى يليه أخ من أخواننا الملتزمين، طالما ذكره الرجل لا يتذكر، فلما سمع الغناء وهو يعلم أن الرجل يحتضر، ذهب إليه يقول: فبكيت وقلت لأولاده. اتقوا الله، أبوكم يحتضر، ولا زلتم تضعون الغناء.

يقول : فأسرع أحد أبنائه وأخذ شريط العناء من الكاسيت، ووضع شريط القرآن، يقسم بالله أن الرجل بعد لحظات أفاق من السكرة، أفاق وكشف الغطاء عن وجهه فسمع القرآن فقال لا ، لا أخرجوا القرآن، وضعوا الغناء؛ لأنه ينعش قلبى.

القرآن ثقيل على قلبه، ورضى الله عثمان بن عفان حين قال : والله لو ظهرت قلوبنا ماشبعنا من كلام ربنا – لو ظهر القلب ما شبعت من كلام الرب.

شتان شتان بين قلب إن أطال الإمام القراءة شعر بالضيق والألم والحسرة وتمنى أن لوصرف الإمام، وقال : أقصر واقطع القراءة، وبين قلب لا يشعر بالأنس ولا باللذة ولا بالسعادة ولا بالراحة ولا بالانشراح ولا بالطمأنينة ؛ إلا وهو يسمع كلام الله تعالى، يقول عبد الله بن مسعود : وعند سماع القرآن وفى أوقات الخلوة لم يجد قلبك بقلب فإنه لا قلب لك ، فالقلب الذى يحب القرآن يسمو على حب القرآن. فهذا الرجل مدمن للغناء، وكان فمات على الغناء، وكان آخر كلام يردد ويسمعه كلام مرتبط بالغناء وحبه.

أخشى أن يكون قلبك قد أشرب بحب الكرة، أخشى أن يكون قلبك قد أشرب بحب المسلسلات والأفلام، احذر فإنك ستموت على ما تعلق قلبك به، وستحشر على ما تعلق قلبك بهم. يقول بن مسعود – رضى الله عنه : لو قام رجل يعبد الله سبعين سنة بين الركن والمقام فى بيت الله يحشر يوم القيامة مع من يحب. هذا أثر يخلع القلب.

تجلس أمام الممثلين والممثلات وقلبك معلق بهذا، السقوط والانحدار وتضيع من عمرك الساعات الطويلة أمام سفاسف الأمور التى لا يحبها العزيز الغفور.

ففى الحديث الذى رواه أبو نعيم والطبرانى فى الكبير من حديث الحسين بن على – رضى الله عنهما – أن النبى r قال : "إن الله تعال يحب معالى الأمور وأشرافها ويكره سفسافها" (1)حديث عجيب وحسنه شيخنا الألبانى. قلبه صاحب همة عالية، لا تعلق قلبك بسفاسف الأمور، وعلق قلبك بمعالى الأمور.

وهذا رجل آخر تقابله امرأة فى الطريق تسأله عن حمام منجاب – مكان تتجمل وتتزين فيه النساء – فنظر الرجل إلى المرأة فوقعت المرأة فى قلبه – اللهم نجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن – فأشار الرجل إلى باب داره وقال : هذا هو حمام منجاب، فدخلت المرأة إلى الدار، فلما وجدت أنها قد وقعت فى فخ المعصية أرادت أن تزين له المعصية لتهرب. فقالت : هلا أتيتنا بالشراب والطعام لنقضى ليلة ممتعة، فخرج الرجل هائماً على وجهه فى الشوارع والطرقات، وأحضر إلى ما لذ وما طاب، فلما عاد إلى البيت وجدها قد هربت وخرجت إلى حالها فخرج يبحث عنها هائما على وجهه فى الشوارع والطرقات وهو يقول :

يارب قائله يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب

وكان يردد هذه الكلمات فلما نام على فراش الموت ذهبوا ليذكروه بلا إله إلا الله فرد عليهم بقوله :

يارب قائله يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب

وقد مات على ذلك.

وهذه امرأة أخرى كانت تعمل راقصة وظيفتها الرقص ، وكانت تجرى بروفة لرقصة معينة فى فيلتها بالقاهرة وجارها رجل مسلم، يقول : عانيت أشد المعاناة من الطبل والزمر طوال الليل، وشكوت ولم يجبنى أحد، فمثل هذا لا يجاب.

يقول : وفى ليلة من الليالى سمعت صراخاً وعويلاً ، فظننت أن البيت المقابل لى قد حدث فيه شيء، فدخلت فرأيت الفرقة كاملة، ورأيت المرأة ببدلة الرقص العارية تجرى حركة معينة فتميل برأسها من ناحية الظهر على حجر الرجل الذى يضرب على الطبلة أو الرق، فسقطت فى حجره، ثم على الأرض، ووجدوا الحركة قد توقفت، فذهبوا إلليها ليحركوها فوجدوا روحها قد فارقت جسدها، وهى ترقص.

نماذج كثيرة، وفى المقابل يموت الشيخ كشك – رحمه الله – وهو راكع بين يدى الله – جل وعلا – ويموت شاب أمريكى من أصل أسبانى ذكرت قصته قبل ذلك، وهو ساجد بين يدى الله، وتموت أخت مسلمة من السويس كانت تركب سفينة سالم إكسبريس التى غرقت – وهى مشهورة – يقول زوجها – وأنا أعرفه يقص على قصتها – فيقول: والله يا شيخ محمد لما شعرت أن السفينة تغرق قالت : انتظر حتى أرتدى النقاب، أى نقاب ؟! السفينة تغرق . قالت : والله لن أخرج إلا بنقابى حتى إن مت ألقى الله على طاعة، يقول : وأنا أصرخ فيها ما استجابت فلبست النقاب، والجلباب، ولبست غطاء الكفين، وخرجت.

يقول : وكنت على سطح السفينة فوفقت بجوارى وتعلقت فى وقالت : أستحلفك بالله هل أنت راض عنى ؟ قال : نعم ، نعم الزوجة. فقالت : أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمج رسول الله، وأرجو الله أن يجمعنى بك فى جنات النعيم.

يقول : ولم أرها بعد ذلك، إنها الخواتيم، ورسول الله r : قال : " إنما الأعمال بالخواتيم " (1) اللهم ارزقنا حسن الخاتمة بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

لا تغتر بعمل ، ولا تغتر بعلم، ولا عبادة ، ولا طاعة، فإنما الأعمال بالخواتيم، والنبى r يقول : " إن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس فيسبق عليه الكتاب فيعمل أهل النار، فيدخلها. وإن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار فيما يبدو الناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " وفى لفظ :" فإنما الأعمال بالخواتيم ".

روى الإمام أحمد فى مسنده بسند صحيح عن طلحة بن عبيد الله – رضى الله عنه قال رأى عمر بن الخطاب – رضى الله عنه طلحة بن عبيد الله –رضى الله عنه – ثقيلاً – أى عند الموت عند الاحتضار – فقال رضى الله عنه : مالك يا طلحة لعلك ساءك أو ساءتك امرأة بنى فلان، يقصد زوجته أو امرأة أخرى، عمر يقوله : لعلك ساءتك امرأة بنى فلان أو امرأة عمك، فقال طلحة : لا لا وأثنى على أبى بكر.

ثم قال طلحة : إلا إنى سمعت حديثاً من رسول الله r ما منعنى أن أسأله عنه إلا القدرة عليه، حتى مات سمعته يقول r " إنى لا أعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ونفس الله عنه كربته " قال عمر : تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر النبى r بها عمه عند موته ؟ قال : يا عم قل : لا إله إلا الله . قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة ".

فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبى أمية لعم النبى أبى طالب : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ أى هل ستترك دين عبد المطلب دين آبائك وأجدادك قال أبو طالب : لا، بل على ملة عبد المطلب فخرج النبى r من عنده وهو يقول : " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فنزل عليه قول الله تعالى : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (113) التوبة

إنها كلمة التوحيد، كلمة : لا إله إلا الله.

قال طلحة لعمر : صدقت ، صدقت (1) هى، والله هى، كلمة التوحيد.

فالعلامة الأولى من علامات حسن الخاتمة ، أسأل الله أن يرزقنا حسنها هى: أن يوفق المحتضر للنطق بلا إله إلا الله عند الموت.

العلامة الثانية : عرق ورشح الجبين :

وهى علامة يظنها كثير من الناس من علامات السوء، وهى من علامات حسن الخاتمة ألا وهى : عرق ورشح الجبين، وإذا مات المؤمن برشح الجبين، ينام على فراش الموت فيعرق جبينه ويتصبب جبينه عرقاً، هذه من علامات حسن الخاتمة.

ففى الحديث الذى رواه أحمد والنسائى والترمذى وغيرهم بسند حين واللفظ لأحمد من حديث بريدة – رضى الله عنه – أنه كان بخراسان فعاد أخا له وهو مريض فوجده فى الموت وإذا هو يعرق جبينه بريدة : الله أكبر، سمعت رسول الله وهو يقول " موت المؤمن بعرق الجبين " (1)والنبىr كان جبينه الأزهر الأنور عند الموت يتصبب عرقا وكانت عائشة قد أحضرت له ركوة – إناء فيه ماء فكان النبى r يمد يده الشريفة فى الإناء ويمسح العرق من على جبينه الأزهر الأنور، وهو يقول : " لا إله إلا الله إن للموت لسكرات " هذا لفظ الصحيحين ولفظ أحمد : " لا إله إلا الله إن للموت لسكرات اللهم هون على سكرات الموت "(2)

المصطفى r مات برشح الجبين، بعرق الجبين وهو الذى قال : " موت المؤمن بعرق الجبين ".

فإن وجدت الرجل على فراش الموت يرشح جبينه ويتصبب، فهذه إن شاء الله من علامات حسن الخاتمة .

هذه كلها علامات ليس بالضرورة، أن تتوفر كلها فى شخص واحد إن وفق لعلامة واحدة من هذه العلامات فهى علامة خير إن شاء الله.

العلامة الثالثة : الموت ليلة الجمعة :

علامة جميلة لا دخل فيها للمرء ، وإنما هى محض فضل الله على المؤمن ، ألا
وهى : أن يموت ليلة الجمعة أو نهار الجمعة هذا محض فضل الله على العبد.

روى الإمام أحمد فى مسنده، والحديث قال عنه شيخنا الألبانى – رحمه الله : حسن أو صحيح بمجموع طرقه من حديث أنس وجابر – رضى الله عنهما – أن النبى r قال: " ما من مسلم وهذا قيد لابد منه – يموت يوم القيامة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر "(1)

يوم الجمعة : نهار الجمعة، ليلة الجمعة أى الخميس ليلاً. ولا تصدقوا الأفاكين والكذابين الذين يريدون للأمة الآن ألا تخشى القبر وألا تستعد للقبر، وهذا هو الهدف المراد من هذه الدندنة الخبيثة على إنكار عذاب القبر، ونعيمه هذا هو الهدف، هم لا يريدون لنا أن نشتغل بالقبر، وألا نستعد للقبر ولا أن نخشى القبر، ومن لا يستعد للقبر فرط فى العمل، فالقبر فيه فتنة، وفيه نعيم ونحن نكذب كل الكاذبين والأفاكين، ولو حصلوا على مئات الشهادات، ونصدق كلام نبى رب الأرض والسموات، قال : r

" ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر" .

العلامة الرابعة : من علامات حسن الخاتمة رزقنا الله حسنها : الاستشهاد فى ساحة القتال :

قال الله تعالى : {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}169 /171 آل عمران . قال r " للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له فى أول دفعه من دمه، ويرى مقعده فى الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع فى سبعين إنساناً من أقاربه" (1). الجزء الخاص بالشفاعة، كأنه مرتبط بقول للنبى r " ويزوج أو يرى مقعده فى الجنة "؛ لأنه لم ينال هذه الدرجة إ لا أن دخل الجنة، فالشاهد أن الرجل إن مات فى ميدان القتال، والله تبارك وتعالى يعلم من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا.

وقد بينت قبل ذلك أننا لا نحكم لأحد بشهادة حتى ولو مات فى مدان القتال، وإنما الذى يعلم منه هذا هو الله، ولا نقول الشهيد فلان أو فلان ، ولو مات فى ميدان القتال، لا نقول الشهيد حسن البنا، ولا نقول الشهيد سيد قطب، ولا الشهيد الإمام أحمد، ولا ابن تيمية، وإنما نقول : نرجو الله – عز وجل – أن يكونوا عنده فى الشهداء.

ولا تحكم لأحد بجنة أو بنار أو بشهادة؛ لأن الرجل قد يموت فى ميدان القتال خلف النبى r ، وهو من أهل النار ، وقد أخبرنا النبى المختار r بذلك.

والحديث فى الصحيحين من حديث سهل بن سعد : رأى الصحابة رجلاً أبلى فى أرض المعركة بلاءً حسنا، فقال الصحابة : ما أبلى اليوم أحد مثلما أبلى فلان لا يدع شاذة ولا فاذه، إلا تبعها بسيفه قال النبى r " هو فى النار " فقال رجل : لآتينكم بخبره يقول : فتبعت الرجل ، فأصيب بسهم، فلم يتحمل الألم، فوضع رمحه على الأرض، واتكأ بصدره على سن رمحه فقتل نفسه، فعاد الرجل إلى النبى r يقول : أشهد أنك رسول الله، قال : " وما ذاك " قال : قلت فى الرجل كذا وكذا ، وقال الصحابة كذا وكذا وتبعه فرأيته فعل كذا وكذا فقال النبى r : " أشهد أنى رسول الله r "(1)

إذاً الشهيد الذى قاتل لتكون كلمة الله هى العليا، وسقط فى ميدان القتال، وهو صادق يغفر الله له ذنوبه مع أول قطرة من دمه، ويرى مقعده فى الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حليه الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب

أرسل هذه الرسالة الرقراقة الإمام المجاهد العلم عبد الله المبارك لزاهد، وتقى وعابد الحرمين الفضيل بن عياض أرسل إليه بهذه الرسالة الرقراقة، رقة دماء الشهداء، أرسل إليه من ساحة الوغى وميدان البطولة والشرف، تلك الساحة التى تصمت فيه الألسنة الطويلة، وتخطب فيها السيوف والرماح، على منابر الرقاب ، يرسل من هنالك عبد الله بن المبارك لعابد الحرمين الفضيل ابن عياض ويقول :

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا


لعلمت أنك فى العبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه


فنحورنا بمائنا تتخضب

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا


رهج السنابك والغبار الأطيب

من كان يتعب خيله فى باطل


فخيولنا يوم الكريهة تتعب

ولقد أتانا من مقال نبينا


قول صحيح صادق لا يكذب

لا يستوى غبار خيل الله فى


أنف امرىء ودخان نار تلهب

هذا كتاب الله ينطق بيننا


ليس الشهيد بميت لا يكذب

اللهم ارزقنا الشهادة فى سبيلك " فمن سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" (1)

فمن لم يتيسر له الخروج إلى الجهاد الآن، وحيل بينه، وبين الشيشان، وحالت الطواغيت المجرمون بينه وبين فلسطين، إن علم الله – عز وجل – منه الصدق فى طلب الشهادة، كتبه عنده فى الشهداء، ولو مات فى بيته.

فالحديث فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة – رضى الله عنه – وقد ذكرته آنفا

" من سأل الله الشهادة بصدق بلغة الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" (2)

العلامة الخامسة : الموت للغزاة، أو لمن خرج فى سبيل الله:

من مات ، وقد خرج فى سبيل الله – تبارك وتعالى – خرج غازياً، خرج داعياً، خرج آمرا بالمعروف، ناهياً عن المنكر فى سبيل الله.

فالنبى r يقول : " من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله "(1)

قال r : " ما تعدون الشهيد فيكم ؟ " الشهيد عندكم من هو ؟ من الشهيد ؟ قالوا : يا رسول الله من قتل فى سبيل الله فهو شهيد، فقال r :" إن شهداء أمتى إذا قليل "

إذا كان الشهيد عندكم هو الذى سيموت فقط فى الميدان هل هذا فقط هو الشهيد؟ الأمة قليل، قالوا : فمن هم يا رسول الله ؟ قال : " من قتل فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى الطاعون فهو شهيد، ومن مات فى البطن فهو شهيد، والغريق شهيد " (2)

هؤلاء هم شهداء الأمة : الذى يموت فى ميدان القتال شهيد، والذى يموت فى سبيل الله شهيد، والذى يموت فى الجهاد، والذى يموت فى الدعوة إلى الله، والذى يموت فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهذا كله فى سبيل الله وهو شهيد.

ومن مات فى الطاعون، رجل ابتلى بمرض الطاعون فمات وهو مسلم فهو شهيد.

ورجل مات فى البطن – يعنى فى مرض من أمراض الجهاز الهضمى- أى رجل ابتلى بمرض فى بطنه فمات، هذا عند الله شهيد، والغريق شهيد، كل هؤلاء المسلمين.

وفى الحديث الذى رواه أبو داود قال r : " من فضل – يعنى : خرج – فى سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد، أو وقصه فرسه فهو شهيد أو بعيره أو لدغته هامة، أو مات على فراشه بأى حتف شاء الله فإنه شهيد وإن له الجنة "(1)

وفى مسند أحمد ومعجم الطبرانى الكبير بسند حسنه شيخنا الألبانى – رحمه الله تعالى – قال r : " يأتى الشهداء والمتوفون بالطاعون فيقول أصحاب الطاعون : نحن شهداء فيقال : انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشهداء تسيل دما كريح المسك فهم شهداء ، فيذهبون إليهم فيجدونهم كذلك " (2)نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الشهادة فى سبيله.

ومنن هذه العلامات : الموت بالغرق والهدم، إن من مات صابراً فهو شهيد، أو من مات وهو على إسلامه فى حالة من هاتين الحالتين فهو شهيد.

قال r كما فى الصحيحين : " الشهداء خمسة : المطعون الذى – هو مرض بالطاعون – والمبطون – يعنى من مات بمرض فى بطنه هذا شهيد – والغرق وصاحب الهدم – يعنى من سقط عليه بناء – والشهيد فى سبيل الله" (1)

من هذه العلامات وهى بشارة لكل امرأة مسلمة تموت وهى تلد أو تضع ولدها أو حتى بعد الوضع فى النفاس، فمن علامات حسن الخاتمة إن ماتت المرأة فى نفاسها بسبب ولدها انظر لفضل الله على هذه الأمة، فى الحديث الذى رواه أحمد والدرامى وصحح إسناده شيخنا الألبانى- رحمه الله تعالى- من حديث عبادة بن الصامت أن النبى r عاد عبد الله بن رواحة، أى زاره وهو مريض فما تحوز له عن فراشه أى ما تنحى له عبادة عن فراشه فقال : " أتدرى من شهداء أمتى ؟ " قالوا : قتل المسلم شهادة قال r " إن شهداء أمتى إذن لقليل، قتل المسلم شهادة، والطاعون شهادة، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة –اسمع هذه العبارة الجميلة – يجرها ولدها بسرره إلى الجنة هذه كرامة" (2).

أيضاً من العلامات : الموت بداء السل قال r: " القتل فى سبيل الله شهادة ، والنفساء شهادة، والحرق شهادة والغرق شهادة والسل شهادة، والبطن شهادة "(3) والحديث رواه الطبرانى فى الأوسط وقال شيخنا الألبانى – رحمه الله : وفيه مندل بن على، وهو متكلم فيه وقد وثق قلت – والكلام للشيخ الألبانى – رحمه الله : ولكن يشهد له

حديث راشد بن حبيش الذى سبق الإشارة إليه فى علامة من العلامات السابقة، ورجاله موثوقون وحسنه المنذرى وله شاهد آخر فى المجتمع أى عند الهيثمى.

أيضاً من هذه العلامات : الموت فى سبيل الله، فى حال الرباط فى سبيل الله،
قال r كما فى صحيح مسلم وغيره : " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذى كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتَّان "(1)

وفى لفظ فى زيادة عند الإمام الطبرانى قال r : " وبعث يوم القيامة شهيداً " هذا هو المرابط فى سبيل الله.

وقال r كما فى سنن أبى داود والترمذى بسند صححه الألبانى : " كل مين يختم على عمله إلا الذى مات مرابطاً فى سبيل الله، فإنه ينمَّى له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر " (2)

هناك حديث عن النبى r قال : " إذمات ابن آدام انقطع عمله إلا من ثلاث " (3)

وأنا أظن أنه لابد من ذكر هذا الحديث فهو قيد لهذا الحديث المطلق، ولا شك أن الجمهور على وجوب حمل المطلق على المقيد، إذا اتفقا فى الحكم، والسبب.

العلامة الأخيرة من علامات حسن الخاتمة : الموت على عمل صالح :

ففى مسند أحمد بسند صحيح فى حديث حذيفة من أن النبى r قال : " من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ، وختم لها بها دخل الجنة، ومن صام يوما ابتغاء وجه الله، وختم له به دخل الجنة ، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله وختم له به دخل الجنة"(1)

أى عمل طاعة من الطاعات، توفق إلى هذا العمل وتموت على هذا العمل فهذه علامة من علامات حسن الخاتمة قالr " إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله " قيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : " يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه" (2)

هذه أعظم علامات حسن الخاتمة ، فشتان شتان بين رجل يموت على طاعة وبين رجل يموت على معصية .

قال الحافظ ابن كثير : لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، نسأل الله أن يتوفانا جميعاً على طاعته، وأن يرزقنا وإياكم التوبة، قبل الموت، ونظق الشهادة عند الموت، والجنة بعد الموت إنه على كل شيئ قدير. أكتفى بهذا القدر فى باب علامات حسن الخاتمة ، لأنتقل إلى حكم آخر من هذه الأحكام ألا وهو :

ثناء الناس على الميت :

الثناء بالخير على الميت من المسلمين الصادقين، ليس من المنافقين. الشهادة المعتبرة من المسلمين الصادقين، والشهادة بالخير والثناء بالخير على ميت المسلمين الصادقين.

وأقل المسلمين اثنان، لو شهد اثنان فقط من جيرانه، أو من معارفه من ذوى الصلاح. هذه الشهادة وهذا الثناء بالخير، يوجب للميت الجنة – هذا الحكم شديد جداً، وهناك من الأدلة عن الصادق المصدوق – وانظر : أولهم اثنان، تصور لو شهد اثنان بالخير والثناء الحسن فهو من أهل الجنة.

عن أنس – رضى الله عنه – والحديث فى الصحيحين وغيرهما قال: مروا بجنازة على النبىr فأثنوا عليها خيراً، فقال المصطفى r : " وجبت " ومروا بجنازة أخرى فأثنوا عليها شرا فقال r " وجبت " قال عمر : يا رسول الله ما وجبت ؟ قالr " أما الأولى أثنيتم عليها عليها خيراً، فوجبت لها الجنة، وأما الثانية أثنيتم عليها شراً فوجبت لها النار، فأنتم شهداء الله فى الأرض "(1)

شيخنا الألبانى – رحمه الله – ذكر بعض الروايات والزيادات فى هذه الرواية، ذكر زيادات رائعة جميلة : من بين هذه الزيادات قال : وفى رواية : " والمؤمنون شهداء الله فى الأرض " قال تعالى فى سورة مريم : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (96) مريم.

قال ابن عباس : أى محبة فى قلوب عباده المؤمنين، الود لا يقذف إلا فى قلب مؤمن. المنافقون يبغضون المؤمنين، خذ هذه القاعدة : لا يبغض المؤمن إلا منافق، والدليل : قال r والحديث فى صحيح البخارى ومسلم : " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " (2)

قال الإمام الخطابى – رحمه الله : نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر فى الفتح قال : فالمؤمن يحنَّ للمؤمن ، والمنافق يحنًَّ للمنافق.

ذكر ابن القيم لطيفة عجيبة من لطائف القلوب: لو دخل مؤمن مجلساً لا يعرف فيه أحد، تراه يحن إلى أحد الجلوس، فيقرب منه، ويجلس إلى جواره هكذا يحدث ، تقابل أخاً تقول له: أين رأيتك كأنى أعرفك قبل ذلك، وتجد هناك رباط أرواح ورباط قلوب، ثم تجد واحداً دون أن تكلمه أو تسمعه أو يعاملك أنا لست مسترح لهذا الرجل ده، فإن دخل المجلس يحن للمؤمن إلى المؤمن، ولو دخل منافق لجلس إلى جوار منافق.

هذه أرواح " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف".

لم يقل : الأجساد {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} نجد الذى يدافع عن المؤمنين مؤمن، والذى يشن الحرب على المؤمنين ، وعلى الدعاة والعلماء الصادقين، منافق خبيث مريض القلب، انظر إلى حذيفة أمين سر النبىr يقول : لو خلت الأرض من المنافقين لاستوحشتم فى الطرقات.

ومعنى ذلك أن الأرض إذا نظفت من المنافقين نخاف أن نمشى فى الشارع، وشعرت أنه ليس هناك أحد غيرك، وتسير وحدك هذا دليل على كثرة المنافقين، وقلة المؤمنين لو خلت الأرض من المنافقين وهلكوا لاستوحشتم فى الطرقات، النفاق خبيث، هذا يهودى هذا فاسق معروف إنما المنافق يدخل بيتك يكلمك، سيتكلم بلسانك، يلبس زيك ولبسك مثلما قال النبى r " رجال من جلدتنا ويتكلومون بألسنتنا" (1)

حيدر الفاسق المجرم الخبيث – خذ كل كلمات اللغة ومترادفات اللغة – يظهر فى جريدة ومجلة قذرة نجسة، تعزف على وتر الدعارة على أنه المبدع حيدر حيدر مبدع؟ الذى يصف القرآن بأنه خراء، وبأن النبى r زير النساء، ويصف رب العزة بأنه فنان فاشل مبدع ؟ شىء غريب هذا مبدع ؟ المرتد الخبيث يسب رب العزة ، الذات الإلهية أصبح مبدعاً.

ولم لا ونحن فى زمن الإبداع فى الكفر ، والردة صار المرتد الخبيث مبدعاً، وصار الداعية مضطهداً متهماً يُتكلم فيه، وتُجرح صورته، ويُنتهك عرضه.

لكن على أى حال ذكرت لبعض إخواننا من الدعاة هذا هو منهج الدعوة والدعاة، وهذا هو طريق الأنبياء ائتونى بنبى لم يُبْتَل من أول آدم إلى محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

لم يبعث الله نبياً واحداً من الأنبياء والرسل إلا وقد تعرض للابتلاء الذى تنوء بحمله الجبال الرواسى هذا هو منهج الدعوة والدعاة.

النبى محمد r سيد الأنبياء، وأشرف الأنبياء، وخير الأنبياء، اتهم بالجنون، وبالسحر، وبالنساء، اتهم بالكهانة، واتهم بالشعر، وطرد ، ووضعت النجاسة على ظهره، ووضع التراب على رأسه، واتُهم فى طهارة بيته، وهو الطاهر الذى فاضت طهارته على العالمين، فيمن ؟ فى عائشة – رضى الله عنها – التى أحبها من كل قلبه النبى r.

فحينما تقام الحرب على الدعاة وعلى المؤمنين من المنافقين فهذا أمر طبيعى، بل أنا أقول كما ذكرت لأحد إخوانى من الدعاة، أرجو الله – عز وجل – أن تكون هذه شهادة؛ لقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ {وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ} 29/32المطففين

المجرمون يشيرون إلى المؤمنين بالضلال : { أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (56) النمل.

هذا منطق التحلل والفجور فى كل زمان ومكان؛ لأنهم يريدون الفسق والدعارة والانحلال والزنا، ولا يريدون للطهر وأهله أن تكون لهم كلمة.

النبى r يقول : " أنتم شهداء الله على الأرض " قال : " المؤمنون شهداء الله على الأرض" (1)

وهناك رواية جميلة جداً ذكرها الشيخ – رحمه الله – قال وفى الرواية : " إن ملائكة تنطق على ألسنة بنى آدم بما فى المرء من الخير والشر"

فى الحقيقة لأول مرة أقف على هذه الراوية، وكنت أظن ضعفها، فتعجبت لهذه الرواية : " إن الملائكة تنطق على ألسنة بنى آدم بما فى المرء من الخير والشر" نسأل الله أن سيترنا بستره الجميل.

عن أبى الأسود قال : أتيت المدينة وقد وقع بها مرض، وهم يموتون موتاً ذريعاً، فجلست إلى عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – فمرت جنازة، فأثنى خيراً أو فأُثْنىَ
فقال : عمر وجبت. فقلت : ما وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت كما قال
النبى r أسمع – ماذا قال النبى r " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة " قلنا: وثلاثة يا رسول الله ؟ قال : " وثلاثة " قلنا : " واثنان " قالت : " واثنان " قال الصحابة : ثم لم نسأله فى الواحد r وليتهم سألوه r (1)

قال r : " ما من مسلم يموت، يموت فيشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين – أى المقربين منهم – أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً "(2)

يا الله حديثاً عجيب جداً وقد صحح الحديث شيخنا الألبانى رحمه الله تعالى- فى مسند أحمد ومستدرك الحاكم وقال :صحح على شرط مسلم ووافقه الذهبى وله شاهد من حديث أبى هريرة.

" ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً إلا قال الله تعالى : " قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون ".

انظر إلى فضل رب العزة على المسلمين وعلى الموحدين، انظر إلى ستر الملك ليس فى الدنيا فقط بل وفى الآخرة .

حديث النجوى فى الصحيحين من حديث ابن عمر أنه r قال r : " يُدْنَى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع رب العزة عليه – أى على المؤمن – كنفه.

والكنف فى اللغة حتى لا تقول أنى أؤول الصفات لا الكنف فى اللغة : الستر والرحمة : " ويقرره بذنوبه فيقول الرب للعبد : عبدى لقد علمت كذا يوم كذا وكذا وعملت كذا وكذا يوم كذا وكذا فيقول المؤمن لربه سبحانه : رب أعرف رب أعرف فيقول الرب سبحانه: ولكنى سترتها عليك فى الدنيا وأغفرها لك اليوم " (3)

أنظر الفضل اللهم استرنا بسترك الجميل واغفر لنا الذنوب يا علام الغيوب فهذا من فضل الله على هذه الأمة.

أيضاً إذا اتفق عدد كبير جداً من المسلمين على الثناء بالخير على مسلم، فأظن أن هذا من باب أولى، أولى أن هذا الرجل قريب من الله وله المكانة الكريمة عند الله تعالى أليس كذلك ؟ إن كان النبى r قد قال بشهادة أربعة فمن باب أولى أن يشهد لهذا المتوفى عدد كبير من الصالحين ، وهذا من باب الحرص، أن يحرص المسلمون من هذا الباب على أن يحضر الجنازات أكبر عدد من المؤمنين ، ومن الصالحين، فيما نظنهم من أهل الصلاح ونحن نحكم على الظواهر، أما البواطن فعلمها عند من يعلم السر وأخفى.

لكن كنت أود أن أقف مع موقف، أو أمر يفعله بعض الناس فى المساجد الآن فهما مقلوباً منهم لهذه الأحاديث التى ذكرت.

إذا مات الميت وصليت عليه الجنازة، قام الإمام والتفت إلى الناس وقال : ما تشهدون فيه؟ ما تقولون فيه ؟ هذه بدعة قبيحة منكرة ليس المراد بكلام النبى r هذا، أبداً – وإنما المراد به : أن تصير سيرة الرجل حسنة بين الناس، فإذا ما توفى انطلقت الألسنة بالثناء عليه، بالخير حينما تسمع عن فلان أنه مات، لا إله إلا الله رحمه الله، كان لا يترك الجماعة فى المسجد، وكان محسناً لليتامى، والفقراء، رحمه الله كان متواضعاً، رحمه الله، كان خيرا رحمه الله ، كان كذا وكذا.

فلان مات، أجحمه الله ارتاح الناس من شره، لا إله إلا الله، تدبر هذه كلمات أولى تنفعل بها الألسنة، بما تحمله القلوب، هذا هو المراد.

وليس المراد بأن يأتى الرجل، ثم تأتى مجموعة من المقربين، ما تقولون فيه؟ كان وكان وكان ، وكان يطعم الطير فى السماء، والسمك فى الماء، وهو أبخل أهل الأرض، ليست هذه شهادة هذا كذب على كذب، إنما المراد الشهادة : انفعال الألسنة انفعالية تلقائية، لما تحمله القلوب والصدور من الثناء والخير، لفلان ابن فلان.

ووالله لا يوفق إلى هذا الخير، إلا من وفقه الله ابتداءً لأن هذا رزق ، لا يستطيع أن تلعب على أوتار النفاق طيلة عمرك لا تستطيع ، يمكن أن ينافق المرء شهراً، شهرين، سنة سنتين يوقول ابن القيم – من باب بركة العلم أن ننسب القول لأهله- فأقول والكلام لابن القيم رحمه الله : يأبى الله إلا أن يفضح المنافقين فى الدنيا قبل الآخرة على صفحات وجوههم، وفى زلات ألسنتهم.

وأنا أضيف كلمة لابن القيم من باب فقه الواقع، الكلام لابن القيم وأضيف عليها كلمة : يأبى الله إلا أن يفضح المنافقين فى الدنيا قبل الآخرة على صفحات وجوههم، وفى زلات ألسنتهم، وفى كلمات أقلامهم الثالثة نحن محتاجون إليها المنافق هذا اليوم يملأ قلمه بالنفاق، ويطفح القلم نفاقاً مركباً مسطراً فى سطور مظلمة، سوداء؛ ليسب الصحابة، ليست السنة، ليسب رب العزة والجلال، نفاق أكبر لا تظن أنه من النفاق الأصغر، هذا نفاق أكبر. قال الله تعالى : " { قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } 65 ، 66 التوبة

وقال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (57) الأحزاب فالمنافق يأبى الله إلا أن يفضحه، فالإنسان لا يطيق أن يلعب على أوتار النفاق طيلة حياته، لا. مستحيل لابد أن يظهر نفاقه.

اسمع ماذا يقول النبى r حديث جميل قال r : " من سمَّع سمعًّ الله به، ومن رآى رآى الله به "(1)

يعنى تعمل من أجل السمعة ومن أجل الرياء ، سيظهر الله عز وجل – سريرتك وسيجعلها علانية، هذا عدل الله، هذا أمر قدرى وشرعى ، وهذه حقيقة ثابتة قدراً وشرعاً، ألا وهى معاقبة الإنسان بضد قصده، وسمعة ورياء، ستجد العكس، تجتهد وتبتغى الإخلاص من الله، ستجد الخير هذه سنة.

اللهم ارزقنا الإخلاص فى القول والعمل، وجنبنا السمعة والرياء، ولا تجعل فى أقولنا ولا فى أعمالنا لا للشيطان ولا للنفس ولا للهوى حظاً ولا نصيباً يارب الأرض والسماء.

وقال r " ما من عبد إلا وله صيت فى السماء " رجل فقير لكن له وجاهة وله مكانة، وهو فقير له عزة له كرامة، فالنبى r يقول : " ما من عبد إلا وله صيت فى السماء، فإن كان صيته فى السماء حسنا وضع فى الأرض، وإن كان صيته فى السماء سيئا وضع فى الأرض " (2)

الحديث جميل والألسنة لا تلهج بالثناء ولا بالذم جزافا، لا والله .

فنسأل الله – عز وجل – أن يستر علينا فى الدنيا والآخرة بستره الجميل، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

أكتفى بهذا القدر ، لأواصل بإذنه تعالى فى الفصل المقبل أحكام الجنائز، وأسأل الله – جل وعلا – أن يختم لنا ولكم بالإيمان وأن يرزقنا جميعاً وإياكم قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة وبعد الموت جنة ونعيماً ورضواناً.



(1) أخرجه أحمد فى مسنده (5/233)، وأبو داود فى كتاب الجنائز، باب فى التلقين (3/ 2116)، والحاكم فى المستدرك (1/351)، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبى، وصححه الألبانى الجامع (6479).

(1) أخرجه مسلم فى كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات (2/ 1206 / 93) من حديث ابن عباس بلفظ: فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً " واللفظ المذكور سبق تخريجه ص13.

(1) أخرجه الطبرانى فى الكبير (3/131) (2894)، والقضاعى فى مسند الشهاب (1076)، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/188) : " وفيه خالد بن إلياس ضعفه أحمد وابن معين والبخارى والنسائى، وبقية رجاله ثقات". وفى الباب عن ابن عباس، وسهل بن سعد، وجابر بن عبد الله، ولذلك صححه الألبانى فى صحيح الجامع (1890)، وفى الصحيحة (1378).

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق، باب الأعمال بالخواتيم ومايخاف منها (11/6493)، والبخارى فى كتاب القدر، باب العمل بالخواتيم (11/6607)، وأحمد فى مسنده (5/335)، والقضاعى فى مسنده الشهاب (2/1176).

(1) أخرجه أحمد فى مسنده (1/161)، ومسلم فى كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لك يشرع فى النزع وهو الغرغرة(1/24).

(1) أخرجه أحمد فى مسنده (5/257)، والترمذى فى كتاب الجنائز، باب ما جاء أن المؤمن يموت بعرق الجبين (3/982)، والنسائى فى كتاب الجنائز، باب علامة موت المؤمن (4/1872)، وابن ماجه فى كتاب الجنائز، باب ما جاء فى المؤمن يؤجر فى النزع (1/1452)، وصححه الألبانى فى الجامع (1665).

(2) أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق ، باب سكرات الموت (11/6510)، والترمذى فى كتاب الجنائز، باب ما جاء فى التشديد عند الموت (3/978)، وأحمد فى مسنده (6/70).

(1) أخرجه أحمد فى مسنده (2/169)، والترمذى فى كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن مات يوم الجمعة (3/1074) عن ابن عمرو ، وأخرجه أبو نعيم فى الحلية (3/155)عن جابر وأخرجه أو يعلى فى مسنده (7/4113)، وحسنة الألبانى فى صحيح الجامع (5773).

(1) أخرجه الترمذى فى كتاب فضائل الجهاد ، باب فى ثواب الشهيد (4/1663)، وابن ماجه فى كتاب الجهاد، باب فضل الشهادة فى سبيل الله (2/2799)، وصححه الألبانى فى المشكاة (3834).

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد، باب لا يقول فلان شهيد (7/2898)، ومسلم فى كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشىء عذب به فى النار (1/112).

(1) أنظر : التخريج القادم.

(2) أخرجه مسلم فى كتاب الإمارة ، باب استجاب طلب الشهادة فى سبيل الله تعالى (3/1909)، وأبو داود فى كتاب الصلاة، باب فى الاستغفار (2/1520)، والترمذى فى كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء فيمن سأل الشهادة (4/1653) ، وابن ماجه فى الجهاد، باب القتال فى سبيل الله سبحانه وتعالى (2/2797)، وأحمد فى مسنده (5/277).

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد، باب من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا (6/2810)، ومسلم فى كتاب الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله هى العليا (3/2517، 2518)، والترمذى فى كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا (4/1646)، والنسائى فى كتاب الجهاد ، باب من قاتل لتكون لتكون كلمة الله هى العليا (6/3136)، وابن ماجه فى كتاب الجهاد، باب الجهاد، باب النية فى القتال (2/2783).

(2) أخرجه مسلم فى كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء (3/1915)، وأحمد فى مسنده (2/310)، وعبد الرازق فى مصنفه (5/9574).

(1) أخرجه أبو داود فى كتاب الجهاد، باب فيمن مات غازيا (3/2499) والطبرانى فى الكبير (3/3418)، والبهيقى فى السنن الكبرى (9/166)، والحاكم فى المستدرك (2/78)، وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع (6413).

(2) أخرجه أحمد فى مسنده (4/185)، والطبرانى فى الكبير (17/292)، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/314) : وفيه إسماعيل بن عباس وفيه كلام وحديثه عن أهل الشام مقبول وهذا منه، وأخرجه النسائى فى كتاب الجهاد ، باب مسألة الشهادة (6/3164)، وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع (8046).

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد، باب الشهادة سبع سوى القتل (6/2829)، ومسلم فى كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء (3/1914)، والترمذى فى كتاب الجنائز، باب ما جاء فى الشهداء من هم (3/106.3)، وأحمد فى مسنده (2/335، 533).

(2) أخرجه أحمد فى مسنده (5/314)، والدرامى فى سنته (2/2414)، وابن أبى شبية فى مصنفه (4ص 587ح 170)، وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (4438).

(3) أخرجه الطبرانى فى الأوسط (ح 3910)، وأحمد فى مسنده (3/489)، وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع (4439).







(1) أخرجه مسلم فى كتاب الإمارة، باب فضل الرباط فى سبيل الله – عز وجل (3/1913)، وأحمد فى مسنده (5/440)، والطبرانى فى الكبير (6/6179).

(2) أخرجه أبو داود فى كتاب الجهاد، باب فى فضل الرباط (3/2500) والترمذى فى كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء فى فضل من مات مرابطاً (4/ 1622)، والحاكم فى المستدرك (2/144)، وقال الحاك : حديث صحيح على شرط الشيخين ، وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (4562).

(3) أخرجه مسلم فى كتاب الوصية ، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (3/1631) وأبو داود فى كتاب الوصايا، باب ما جاء فى الصدقة على الميت (3/2880)، والترمذى فى كتاب الأحكام، باب فى الوقف (3/1376) ، والنسائى فى كتاب الوصايا ، باب فضل الصدقة عن المت (6/3653)، وأحمد فى مسنده (2/372).

(1) أخرجه أحمد فى مسنده (5/ 391)، وقال ا لهيثمى فى مجمع الزوائد (7/215): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير عثمان بن مسلم النبى وهو ثقه.

(2) أخرجه الترمذى فى كتاب القدر، باب ما جاء أن الله كتب كناباً لأهل الجنة وأهل النار (4/2142)، وأحمد فى مسنده (3/106)، وابن حبان فى صحيحه (1/278) إحسان والحاكم فى المستدرك (1/340)، وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (305).

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت (3/1367)، ومسلم فى كتاب الجنائز، باب فيمن يثنى عليه خيراً أو شر من الموتى (2/949)، وأحمد فى مسنده (3/186).

(2) أخرجه البخارى فى كتاب الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة (6/3336)، وأخرجه مسلم فى كتاب البر والصلة، باب الأرواح جنود مجندة (4/2638).

(1) أخرجه البخارى فى الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماع (13/7084). ومسلم فى كتاب الإمارة ، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفى كل حال (3/ 1847) وابن ماجه فى الفتن ، باب فى العزلة (2/3979).

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الشهادات، باب تعديل كم يجوز ؟ (5/2642).

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت (3/1059)، والنسائى فى كتاب الجنائز ، باب الثناء (4/1933)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/75).

(2) أخرجه أحمد فى مسنده (3/242)، والحاكم فى المستدرك (1/378)، وأبو نعيم فى الحلية (9/252). وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبى.

(3) أخرجه البخارى فى كتاب المظالم، باب قوله تعالى :" ألا لعنة الله على الظالمين " (5/2441)، ومسلم فى كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (4/2768)، وابن ماجه فى كتاب المقدمة، باب فيما أنكرت الجهيمة (1/183).

(1) أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق، باب الرياء والسمعة (11/6499)، ومسلم فى كتاب الزهد، باب من أشرك فى عمله غير الله (4/2987)، وأحمد فى مسنده (5/45). والطبرانى فى الكبير (2/1700) ، والحميدى فى مسنده (1/778).

(2) أخرجه البرار فى مسنده (3/45)، وابن عدى فى الكامل (2/163)، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/271): رواه البرار ورجاله رجال الصحيح غير الحسن بن عرفة وهو ثقة
 
6 الغفلة للشيخ محمد حسان

بسم الله الرحمن الرحيم

الغفلة



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]



يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]



أما بعد



فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .



فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً.
حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..



أحبتي في الله :

" الغفلة "

هذا هو عنوان لقاءنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم وكعادتنا فسوف نركز الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان الهام في العناصر التالية :

أولاً: التهالك على الدنيا والغفلة عن الآخرة

ثانياً: الإستخفاف بأوامر الله ورسوله

ثالثاً: الغفلة عن الغاية

وأخيراً: ففروا إلى الله



فأعرني قلبك وسمعك فإن هذا الموضوع في هذه الأيام من الأهمية بمكان والله أسأل أن يجعلني وإياكم جميعاً ممن يستمعون القلب فيتبعون أحسنه، وأن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الموحدين وعز الإسلام والمسلمين أنه ولي ذلك والقادر عليه .



أولاً: التهالك على الدنيا والغفلة عن الآخرة

قال تعالى اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ ما يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ الأنبياء : 1

كلمات تهز الغافلين هزاً... الحساب يقترب وهم في غفلة!! والآيات تتلى، ولكنهم معرضون ، لأنهم في اللهو والباطل والملزات والمتاع الزائل غارقون .

" لاهية قلوبهم " والقلب الغافل اللاهي عن الله صاحبه في ضنك وشقاء ولو كان في نعيم ورخاء ، فالشقاء ثمرة الضلال ، والضنك ثمرة الإعراض قال تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى طه 124

فالشقاء ثمرة الضلال ، والضنك ثمرة الإعراض

أيها الأحبة : أليس عجيباً أن يعرض المسلم عن الله ؟!

أيها الأحبة : أليس عجيباً أن يقضي المسلم جُلَ عمره في غفلة عن مولاه ؟!

لا تزيده نِعمَ الله عليه إلا إعراضاً وعصياناً وضلالاً ، ولا يزيده حلم الله عليه ، وستر الله عليه إلا تمادياً واستخفافاً وإعراضاً فمن الناس من يغتر بنعم الله عليه ، ويظن أن الله عز وجل ما أنعم عليه بهذه النعم إلا لأن الله يحبه ، ولولا أنه أهل لهذه النعم ما أنعم الله بها عليه ، مع أنه مقيم على المعاصي ، مقصر في الطاعات ، ونسى هذا المسكين أن هذا استدراك له من رب العالمين ، كما قال سيد النبيين في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد والبيهقي في الشُعب وغيرهما وحسنه الحافظ العراقي وصححه الشيخ الألباني من حديث عقبة بن عامر أنه قال

(( إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد ما يُحِب ُ وهو مقيم على معاصيه : فاعلم فإنما ذلك منه استدراج )) (1)

ثم قرأ المصطفى قول الله جل وعلا فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الأنعام 44 -45

ومن الناس من يغتر بحلم الله عليه ، يظلم خلق الله وعباد الله ، يصد الناس عن سبيل الله وعن دعوة الله ، يرتكب المعاصي والذنوب ولكن الله عز وجل يمهله فلا يأخذه بذنوبه ، لا يؤاخذه بِجُرِْمه !! فيظن هذا المسكين أن المعصية حقيرة وأن الذنب هين !! ولو كان الذنب عظيماً عتد الله لأخذه الله بهذا الذنب في الدنيا ولًَعجَل له العقوبة !! ونسى هذا المسكين أن الله جل وعلا يمهل ولا يهمل كما في الصحيحين من حديث أبي موسى أن النبي قال (( إن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وقرأ المصطفى قول الله جل وعلا " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " هود : 102(2)

ومن الناس من ينصرف بكُلَيته إلى الدنيا ، ويكرس لها كل وقته وجهده وفكره... بل ويجعلها كل همه ويتفانى في السعى لها ولو على حساب الآخرة !!

ومع ذلك فقد يقولون : إنا نحسن الظن بالله ، ولو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل .

وهذا الصنف من الناس لا يعرف لله طريقاً .. لا يعرف لله سبيلا ً ، إذذا ما ذكر تذكر ...!! وإذا نُصحَ ما انتصح !! وإذا دَلَهَ صادق أمين على طريق الله سَخَرِ به !! واستهزأ منه وكأن الأمر لا يعنيه !!

فكل همه الدنيا... كل غايته الدنيا... انصرف بكل طاقة إلى الحياة ، فهى معبوده الذي يتوجه إليه بخالص العمل ، وبخالص العبادة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

مع أنه لن يحصل من الدنيا إلا ماقدر الملك له قال المصطفى وصححه الألباني بشواهده في الصحيحة من حديث أنس ومن حديث ابن عباس ومن حديث زيد بن ثابت وغيرهم أن النبي قال(( من كانت الدنيا همَه فرق الله عليه أمره وجعل فَقره بين عينيه وفرقَ الله شمْلَه ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدر له ومن كانت الآخرة همه جمع الله غناه في قلبه وجمع الله عليه شمْلَه ، وأتته الدنيا وهي راغمة )). (3)

ألم يقل الحق جل وعلاَ : وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب الطلاق :2

ألم يقل الحق جل وعلاَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ الأعراف :96

ألم يقل الحق جل وعلاَ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ما لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا نوح :10

ما لكم لا توحدون الله حق توحيده؟! ما لكم لا تعبدون الله حق عبادته ؟! ما لكم لا تعرفون الله حق معرفته ؟! ما لكم لا تجلَون الله حق جلالته ؟!!

وقد حذر الله جل وعلا من التهالك على الدنيا والغفلة عن الآخرة تحذيراً شديداً فقال سبحانه : أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ

شغلتكم الدنيا وصرفكم نعيمها الزائل فلم تنتبهوا إلا وأنتم في المقابر قد عاينتم الحقائق كلها .

وفي التعبير القرآني بكلمة زرتم إشارة لطيفةُ إلى أن الميت في قبره ما هو إلا زائر وحتماً ستنهي مدة هذه الزيارة ولو طالت ليخرج هذا الزائر من القبر ليرجع مرة أخرى إلى الله جل وعلا ليقف بين يديه ليرى ما قدمت يداه في كتاب عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى .

قال تعالى وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا الكهف : 45 - 49



تذكر وقوفوك يوم العرض عُريانا


مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا

والنار تلهبُ من غيظ ومن حنقٍ


على العصاة ِ ورب العرش غضبانا

إقرأ كتابك يا عبدُ على مهلً


فهل ترى حرفاً غير ما كانا

فلما قرأت ولم تنكر قراءته


وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا

نادى الجليل خذوه يا ملائكتي


وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا

المشركون غدا في النار يلتهبون


والموحدون بدار الخلد سكانا



قال تعالى إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يونس : 7

هل سمعت هذه الآية؟ هذا قرآن يتلى !

من رضى بالدنيا واطمأن بها ولها ، محالُ أن يرجوا لقاء الله ... محالُ أن يفكر في لقاء الله .. لماذا؟!

لأته رضى بالحياة الدنيا واطمأن بها .. عمَرَ دنياه وخرَب أخراه !!

فهو يكره أن بنتقل من العمران إلى الخراب .

هل يقبل أحد منا أن يترك العمارة والعمران لينتقل ليعيش في الخراب والصحراء؟! مُحَال!!

عَمَرنا الدنيا وخَرًبنا الآخرة ، ولذا فنحن نخشى الموت ونكره الموت ، لأننا نكره أن ننتقل من العمران إلى الخراب .

قال تعالى إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يونس : 7

يشرب الإنسان ويَعِبُ من كؤوس الدنيا كما يشتهي ، فًيُفَرَط في أمور الآخرة ويتغافل عن كل شئ يذكره بها .. لا يفكر في الآخرة .. بل إذا سمع آية تتلى خاف وغلق أذنيه ! إذا سمع شريط محاضرة أو موعظة خاف وأغلق الكاسيت !

يخشى أن يفتضح أمام نفسه ، يخشى أن تعري نفسه أمام نفسه ، فهو لا يريد أن يسمع لله موعظة ، ولا يريد أن يسمع لله أمراً ، ولا يريد أن يجتنب لله نهياً ولا يريد أن يقف لله عز وجل عند حَدَ !!

فيا أيها الغافلون، بل ويا أيها الطائعون :

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ الحديد 20

هذا كلام ربنا جل وعلا وقد بين المصطفى هذه الحقائق بعد ما جلاِها وبينها لنا القرآن فالقرآن يؤكد أن من غفل عن الله ومن نسي الله أنساه الله نفسه .

قال جلا وعلا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ *وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ الحشر 18 – 20



وقال تعالى نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ التوبة : 67

فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

نسأل الله أن يستر علينا وعليكم في الدنيا والآخرة .

الرسول يؤكد لنا هذه المعاني أيها الأحباب ويبين لنا حقيقة الدنيا حتى لا نتخذ الدنيا غاية يقول المصطفى كما في الصحيحين من حديث عمر بن عوف الأنصاري :

(( ما الفقر أخشى عليكم وكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بُسطَت على من كان قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم )) (4)

وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال (( إن الدنيا خضرة وحلوة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء )) (5)

وفي سنن الترمذي أن النبي قال :

(( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء )) (6)

وفي صحيح مسلم من حديث أنس يقول رسول الله :

(( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فَيُصبْغ في النار صبغة ويقال له هل رأيت نعيماً قط ؟ فيقول لا وعزتك ما رأيت نعيماً قط ويؤتى بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة قيقال له هل رأيت بؤساً قط فيقول لا وعزتك ما رأيت يؤساً قط )) (7)

الله أكبر – أنساه نعيم الجنة كل شقاء ، والآخر أنساه العذاب والجحيم كل نعيم !!

يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ هود : 105 : 108

اللهم اجعلنا من أهل السعادة ولا تجعلنا بفضلك ورحمتك لا بأعمالنا من أهل الشقاوة إنك ولي ذلك والقادر عليه يارب العالمين .

أيها الحبيب الكريم : من أجل ذلك كان يوصي النبي أصحابه والمؤمنين الصادقين من بعدهم بهذه الوصية فيقول لابن عمر رضي الله عنهما والحديث في البخاري (( يا ابن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) وكان ابن عمر يقول (( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك (8)

إن لله عــــبــاداً فُطَنَا


طلَلقوا الدنيا وخافوا الفِتَنَا

نظروا فيها فلما علمـــوا


أنها ليست لحيً وطنـا

جعلوها لُجَــــة واتخذوا


صالح الأعمال فيها سفنا



أيها الحبيب الكريم إنني أرجو لا تفهم هذه الآيات وهذه الأحاديث فهماً خاطئاً فنحن لا نريد بذلك أن ينصرف الناس عن الدنيا ، كلا .. بل إن الإسلام دين عمل ودين جدً ودين بطولة ، وكذلك لا نريد أيضاً أن ينغمس الناس في الدنيا على حساب الآخرة لا إفراطاً ولا تفريطاً .. بل إن الإسلام دين ودنيا .

فهذا رسول الله يقول في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :

(( اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنُيَايَ التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر ))(9)

انظر إلى هذا الجمع البديع بين الدين والدنيا .

فالدنيا مزرعة للآخرة ، وكل ذمٍ واردٍ في القرآن والسنة في حق الدنيا لا ينصب أبداً على زمانها أو مكانها أو ما فيها من خيرات ونعيم فزمانها الذي هو الليل والنهار قد جعله الله خلفة لمن أراد أن يذكر أو أرادوا شكوراً .

ومكانها الذي هو الأرض قد جعلها الله عز وجل مسكنا لبني آدم وما فيها من خيرات ونعيم ، من سماء ، وأشجار ، وأنهار ، وكنوز وبحار أنما هى نِعَم الله عز وجل على عباده

إذن ما هو الذم الوارد في حق الدنيا ؟! ما تفسيره؟! وما تفصيله؟!

الجواب أيها الأحباب : أن الذم الوارد في حق الدنيا في القرآن والسنة كما ذَكَرْت ببعضه آنفاً ينصب على كل ما يُرتكب فيها من معاصي لا ترضي الله جل وعلا ...

فالعاقل اللبيب هو الذي يعرف حقيقة هذه الدنيا ويجعل الدنيا مزرعة للآخرة كما قال عي بن طالب رضي الله عنه :

الدنيا دار صدِقٍ لمن صَدَقَهَا ، ودار غنى لمن تزود عنها ، ودار نعيم لمن فهم عنها فهى مهبط وحي الله وفيها مصلى أنبياءه وهى متجر أولياءه ربحوا فيها الرحمة وكسبوا فيها الجنة .

لابد من معرفة هذه الحقيقة لأن كثيراً من إخواننا حينما يتحدثون عن الدنيا يُشعرون كل صاحب نعمة في الدنيا أنه قد سقط وذَلَإلى الهاوية !! هذا كلام غير دقبق !!

إننا نركز الآن على جزئية خطيرة حًذٌر منها الله جل وعلا في القرآن ألا وهى (( رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها )) غفل عن الآخرة !!

نسى القبر!!ونسى الموت!! ونسى العرض على الله!!ونسى الوقوف بين يدي الله!! ونسي الميزان!!ونسي الصحف!!ونسي الجنة والنار!!

فتراه هائماً على وجه يأكل ويتمتع ويشرب وهو ينتسب إلى غلإسلام ولكنه لا يمتثل للإسلام أمراً ولم يجتنب للإسلام نهيا ولم يقف للإسلام عند حد قال الله جل وعلا :

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ الأعراف : 179

هذا هو الصنف الذي وصفه الله عز وجل بأته أضل من الأنعام بنص القرآن أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ .

له عين ولكنه لايرى بها !! له أذن ولكنه لا يسمع بها !! له قلب ولكنه لا يفقه به !! فهو لا ينظر بعينه إلاَ إلى الحرام !! ولا سمع بأذنه إلاً الحرام !! ولا يفكر ولا يفقه بقلبه إلا من غير الرحيم الرحمن وعن غير سيد ولد عدنان !!

يا مسلمون: كم من الناس الآن ينتسب إلى الإسلام وهو في غفلة ، يكاد القلب أن يتمزق ويتقطع !! لا يكاد يعرف شيئاً عن الدين ، لا يكاد ينتسب إلى الدين أبداً .

إن ذُكًر ما تذكر !! بل ربما يهزئ بك أو ربما يسخر منك .

إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ

وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ المطففين 29-31

فاذكر نفسي وإياكم أيها الأخيار الكرام بأن المال ظل زائل ، وبأن المنصب إلى زوال ، فالكرسي الذي تجلس عليه الآن أيها الحبيب جلس عليه قبلك المئات.. بل الألوف.. بل الملايين.. وسيجلس عليه من بعدك الألوف !! بل الملايين .. وسيجلس عليه من بعدك الألوف!! بل الملايين فأستحلفك بالله أن يقودك هذا الكرسي إلى الجنة ، إياك .. إياك أن يقودك هذا الكرسي إلى النار !!

فإن الكرسي زائل وإن المنصب فانٍ ، وإن المال ذاهب .

المال ظل زائل وعارية مسترجعة والدنيا مهما طالت فهى قصيرة ومهما عظمت فهى حقيرة لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر ، فاتخذ الدنيا مزرعة للآخرة ولا تنسى الآخرة أبداً .

مثل لنفسك أيها المغرور


يوم القيامة والسماء تمور

إذا كورت شمسُ النهار وأُدنيت


حتى على رأسِ العبادِ تسير

وإذا النجوم تساقطت وتناثرت


وتبدلت بعض الضياء كدور

وإذا الجبال تقلعت بأصولها


فرأيتها مثل السحاب تسير

وإذا الوحوش لدى القيامة


وتقول للأملاك أين نسير

وإذا العشار تعطلت وتخربت


خلت الديار فما بها معمور

وإذا الجليل طوى السماء بيمينه


طيى السجل كتابه المنشور

وإذا الجليل طوى السماء بيمينه


طي السجل كتابه المنشور

وإذا الصحائف نشرت وتطايرت


وتهتكت للعالمين ستور

وإذا الجنين بأمه متعلقُ


يخشى القصاصَ وقلبه مذعور

هذا بلا ذنبً يخافُ جنايةً


كيف الُمصِرُ على الذنوب دهور

وإذا الجحيم تسعرت نيرانها


ولها على أهل الذنوب زفير

وإذا الجحيم تسعرت نيرانها


ولها على أهل الذنوب زفير

وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت


لفتى على طول البلاد صبور



وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ الزمر68 -69

أيها الأحباب الكرام : أذكر نفسي وإياكم وأسأل اله جل وعلا أن يجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولى الألباب .

وأكتفي بهذا القدر لأعرج سريعاً على بقية العناصر في كلمات موجزة وأسأل الله أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال وأقول قولي هذا واستفر الله لي ولكم ...



الخطبة الثانية

أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله اللهم صلي وسلم وزذ وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستنى بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .

أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام

ثانياً " الإستخفاف بأوامر الله ورسوله



من أبشع صور الغفلة أن يستخف رجل ينتسب للإسلام أو إمرأة لا تنتسب للإسلام لأمر الله ورسوله ، فإذا قلت له : إن الله عز وجل يأمرك بالصلاة في وقتها .. الله عز وجل يريد أن تخلص له العبادة كاملة .. الله عز وجل يأمرك أن تُذعن لشرعه .. الله عز وجل يأمرك يا أختاه بالحجاب الشرعي ، رأيته يستخف بأمر الله ، بل يرد عليك قائلاً : إني مشغول ولا أجد عندي وقت !!!

هذا واقع كلنا يعرفه كثير من المسلمين ، يسمع الآذان وهو في مكتبه أو وظيفته أو في تجارته وكأنه ما سمع شيئاً وكأن الأمر لا يعنيه .

يا أختاه الحجاب فرض .. فتقولك أريد أن أقتنع أولاً !!

استخفاف بأوامر الله عز وجل وأوامر المصطفى ورب العزة جل وعلا يقول لحبيبه المصطفى ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا الجاثية 18

أمرُ من الله تعالى للمصطفى وإلى المؤمنين الصادقين " ثم جعلناك على شريعة من الأمر " .

واختزال الشريعة في الحدود أمرٌ ينبغي أن يترفع عنه كل من يحترم عقله ونفسه ، فما الحدود إلا باب من أبواب المعاملات ، وما المعاملات إلا قسم من أقسام الشريعة بمفهومها الشامل لأننا إذا ما تحدثنا عن الشريعة يخرج علينا على الفور من يقول : تريدون أن تقطعوا الأيدي ؟! تريدون أن ترجموا الزناة ؟! تريدون كذا وكذا ؟!! تتعطشون لشرب الدماء وسفك الدماء؟!

أبدأ... إطلاقاً بل لابد أن نَعِي أن إقامة الحدود للا بد له من ضوابط ، سفهُ أن تقطع يد سارق وهو لا يجد لقمة وتَعَرض َ للتلف والهلاك...

لابد أن نفهم الدين... الإسلام دين عدل وإنصاف الإسلام دين يصلح البشرية في كل زمان ومكان ، لا أقول صالح لكل زمان ومكان بل يصلح كل زمان ومكان ، لأنه دين الله .

الإنسان الذي يشرع لبني جنسه إنسانُ محكوم من ناحية الزمان والمكان ، محكوم بضعفه.. محكوم بفقره ... محكوم بشهواته .. محكوم بهواه ... فإن رأى الإنسان في مكان لن يرى ما في غيره .. وإن عاش الإنسان زماناً لن يعيش زماناً آخر، ومن ثم يأتي تشريعه قاصراً ضيقاً أما تشريع الحق فهو تشريع الخالق الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .

لماذا لا نذهب لمنهج خالق الإنسان لنعلم ما يسعده وما يشقيه ؟!

ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الجاثية 18

فالمؤمن الصادق يسمع هذا الأمر ويمتثل وشعاره " سمعنا وأطعنا " .

أمرك بالتوحيد : سمعنا وأطعنا ، أمرك بالصلاة : سمعنا وأطعنا

أمرك يا أختاه بالحجاب : سمعنا وأطعنا ؟، أمرك بالإنفاق في سبيل الله سمعنا وأطعنا .

كل أوامر الله ، وكل نواهي الله ، وكل حدود الله ، المؤمن الصادق يقف أمامها بالسمع والطاعة :

إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ النور 51 - 52

قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ الحجرات : 1-2

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : إذا كان مجرد رفع الصوت على النبي يُحِبِطُ العمل فكيف بمن قَدًم عقله ورأيه وسياسته على قول الله وقول رسول الله ؟! تدبر هذا جيداً .

بل أنا أقول : فكيق بمن رمى شريعة الله وسنة رسول الله بالجمود والرجعية والقصور وعدم قدرتها وعدم مسايرتها لِمَدنَيَةِ القرن العشرين ؟

رفع الصوت يحبط العمل ... فما بالك بمن يرمي شريعة الله ورسول الله بالقصور والجمود والتخلف والرجعية وعدم قدرتها لمسايرة روح هذه المدينة !!

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا النساء 60 – 61

فالذي يسمع ويطيع هو المؤمن .. والذي يصد هو المنافق بنص القرآن أسأل الله أن يحفظني وإياكم من التفلق وأن يجعلني وإياكم جميعاً من المؤمنين الصادقين وأتضرع إليه أن يرد الأمة إلى شريعته رداً جميلاً أنه ولي ذلك والقادر عليه .

ثالثاً : الغفلة عن الغاية

أيها الوالد الكريم .. أيها الأخ الكريم .. أيها الإبن العزيز .. أيتها الأخت الفاضلة :

إننا مخلوقون لغاية لا بد أن نعيها وأن عيش لها من أجلها وألا نتغافل عنها أبداً ما هى ؟

قال تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ الذاريات 56 -57

هذه هى الغاية التي من أجلها خلقت ، ... ورد في الأثر الإلهي عن رب العزة أنه قال (( .. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئا..يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما نقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) (10)

وقال جل وعلا وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فاعرف الغاية .

والعبادة لا تقتصر على الصلاة والزكاة والصيام والحج ، بل إن العبادة إسم جامع لكل ما يحب الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة .

وأخيراً : ففروا إلى الله

والفرار نوعان : فرار السعداء وفرار الأشقياء

وفرار السعداء : هو الفرار إلى الله .

وفرار الأشقياء : هو الفرار من الله

ومع ذلك فلن تفر منه أبدلً فلا ملجأ منه إلا إليه !! أين تذهبون ؟!

يا نفس قد أزف الرحيل


وأظلَك الخَطْبُ الجليلٌ

فتأهبي يا نفسٌ لا يلعب


بكِ الأمل الطويلُ

فلتنزلن بمنزلٍ


ينسى الخليل به الخليلُ

وليركبن عليك فيه


من الثرى ُثقِلُ ثقيلٌ

قرن الفناء بنا جميعاً


فلا يبقى العزيز ولا الذليلُ

عد إلى الله أيها الحبيب ... يا من أشركت !! يا من عصيت !! يا من وقعت في كبائر الذنوب.!! يا من وقعت في عمل قول لوط.!! يا من ضيعت الصلاة.!! يا من ضيعت الزكاة.!! يا من عققت الوالدين .!! يا من ارتكبت الكبائر .!! عد إلى الله واطرق بابه فمحالُ – محالُ أن تطرق الباب وأن يغلق الباب في وجهك قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الزمر 53

وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

أل عمران : 133 -135

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ التحريم 8

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين .

اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع المبارك ذنباً إلا غفرته .

اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع المبارك ذنباً إلا غفرته .. ولا مريضاً إلا شفيته ، ولا ديناً إلا قضيته ، ولا هماً إلا فجرته ولا ميتا لنا إلا رحمته ، ولا عاصياً بيننا إلا شرحت صدره وهديته ولا طائعاً معنا إلا زدته وثبته .

اللهم لا تتخلى عنا بذنوبنا ، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، لا إله لنا سواك فندعوه ولا رب لنا غيرك فنرجوه .

يا منقذ الغرقى .. ويا منجي الهلكى .. ويا سامع كل نجوى .. يا عظيم الإحسان .. يا دائم المعروف .

اللهم اغفر ذنبنا.. اللهم استر عيبنا.. اللهم فرج كربنا.. اللهم اكشف همنا.. اللهم أَذل غمنا .

اللهم اختم بالصالحات أعمالنا ، اللهم لا تجعل الدنيا أكير همنا ولا مبلغ علمنا وبلغنا مما يرضيك آمالنا ..

اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر .

اللهم آت نفوسنا تقواها وذَكَها أنت خير من زكًاها أنت وليها ومولاها .

اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا واجعل أرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا .

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأعلى بفضلك كلمة الحق والدين .

اللهم احمل المسلمين الحفاة واكسوا المسلمين العراة ، وأطعم المسلمين الجياع .

اللهم اجعل بلدنا مصر واحة الأمن والأمان ، اللهم لا تحرم مصر من الأمن والأمان .

اللهم اجعل مصر سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .

اللهم ارفع عن مصر الغلاء والبلاء والوباء برحمتك يا أرحم الراحمين .

اللهم لا ترحم مصر من التوحيد والموحدين .

اللهم وفق ولاة الأمر إلى كل ما تحبه وترضاه برحمتك يا أرحم الراحمين .

اللهم استرنا ولا تفضحنا وأكرمنا ولا تهنا وكن لنا ولا تكن علينا وإن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونيين ، ولا مفرطين ولا مضيعين ولا مغيرين ولا مبدلين برحمتك يا أرحم الراحمين .

أيها الخيار الكرام:

هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني أنا ومن الشيطان والله ورسوله منه براء ، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون به إلى الجنة ويُلقى به في جهنم وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وأقم الصلاة .

(1) رواه أحمد والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني في الصحيحة رقم ( 414 ) وهو في صحيح الجامع حديث رقم ( 561 ) .

(2) أخرجه البخاري (267/8 ) في التفسير باب قوله " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد " ومسلم رقم ( 2583 ) في البر والصلة والآداب ، باب تحريم الظلم ، والترمذي رقم ( 3109 ) في التفسير باب ومن سورة هود ، وأخرجه ابن ماجة رقم ( 4018 ) في الفتن باب العقوبات .

(3) رواه الترمذي رقم ( 2467 ) في صفة القيامة ، باب رقم 31 وصححه الألباني في الصحيحة رقم ( 949 ) .

(4) أخرجه البخاري (208/11 ) في الرقائق ، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، وفي الجهاد باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب ، وفي المغازي باب شهود الملائكة بدراً ، وأخرجه مسلم رقم ( 2961 ) في الرقاق ، والترمذي رقم ( 2464 ) في صفة القيامة ، باب خوف الرسول على أمته أن تبسط لهم الدنيا .

(5) رواه مسلم رقم ( 2742 ) في الذكر باب أكثر أهل الجنة الفقراء ، والترمذي رقم ( 2192 ) في جملة حديثه عن الفتن ورواه ابن ماجة رقم ( 4000 ) في الفتن باب فتنة النساء .

(6) أخرجه الترمذي رقم ( 2321 ) في الزهد ، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل ، ورواه ابن ماجة رقم ( 2410 ) في الزهد ، باب مثل الدنيا وهو حديث حسن .

(7) أخرجه مسلم رقم ( 28907 ) في المنافقين ، باب صبغ أشدهم بؤساً في الجنة .

(8) رواه البخاري أخرجه البخاري (199 /11 -200 ) في الرقاق ، باب قول النبي " كن في الدنيا كأنك غريب " والترمذي رقم ( 2334 ) في الزهد باب ما جاء في قصر الأمل .

(9) رواه مسلم رقم ( 3427 ، 3428 ) في الدعوات ، باب ما يقول إذا رأى المبتلى ورواه أيضاً ابن ماجة من حديث ابن عمر والبزار والطبراني في الصغير من حديث أبي هريرة وحسن اسناده المنذري في الترغيب والترهيب .

(10) رواه مسلم رقم ( 2577 ) في البر والصلة ، باب تحريم الظلم ، والترمذي رقم ( 2497 ) في صفة القيامة ، باب رقم ( 49 )
 
موضوع رائع

يا على كيدهم

موضوعكم نال أعجابنا وشكرا لكم على الطرح

نأمل منكم المزيد

جزاكم الله خيرا



سعدنا بتواجدكم
لا تحرمونا من هذه المشاركات الجميلة
والمواضيع الهادفة

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك


====================
ملحوظة : هذا رد آلي على الموضوع
 
رد: خطب مكتوبة للشيخ محمد حسان 1 حبيبة رسول الله

 
رد: خطب مكتوبة للشيخ محمد حسان 1 حبيبة رسول الله

من أعظم أسباب الهداية أيضا المجاهدة:

قال تعالى:

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت/69]

والمجاهدة للنفس أربع مراتب:

المرتبة الأولى: مجاهدة النفس على تعلم الحق، والهدى.

المرتبة الثانية: مجاهدة النفس على العمل بما تعلمت.

المرتبة الثالثة: مجاهدة النفس على الدعوة إلى الحق والهدى.

المرتبة الرابعة: مجاهدة النفس على الصبر على الأذى والبلاء.​
 
7 ظهور الفتن للشيخ محمد حسان

بسم الله الرحمن الرحيم

ظهور الفتن



إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.

أما بعد :

فحياكم الله جميعا أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا، وأسأل الله الكريم – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك ومولاه ..

ولا زلنا بحول الله وطوله نواصل دروس العقيدة لمعهد إعداد الدعاة ولا زال الحديث ممتداً عن أركان الإيمان بالله – جل وعلا – فنحن ما فارقنا دروس العقيدة.

ونحن الليلة على موعد مع الدرس السادس من دروس الإيمان بالله واليوم الآخر، وتكلمت في المحاضرة الماضية عن علامات الساعة الصغرى التي وقعت وانقضت وانتهت.

ونحن الليلة إن شاء الله – تعالى – على موعد مع العلامات الصغرى التي وقعت ولا زالت، ومن الجائز أن يتكرر وقوعها قبل أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذه العلامات التي سأشرع في الحديث عنها الليلة إن شاء الله تعالى، وقد يطول حديثنا في هذا القسم من العلامات الصغرى ، إذ إنني سأتعرض في حديثي عن الفتن والملاحم، التي أخبر عنها الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى r والتي لا يعرفها كثير من أبناء الأمة الآن.

أول هذه العلامات التي وقعت ولا زالت وستكرر، أول هذه العلامات كما أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى r. ظهور الفتن هذه أول علامة من العلامات الصغرى التي أخبر النبي r عن وقوعها ، فوقعت ولما تنقض بعد، ولا زلنا نرى من هذه الفتن في كل يوم أنواعاً وأشكالا، نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه على كل شيء قدير.

قال ابن منظور في ((لسان العرب)): الفتن جمع فتنة، الفتن جمع فتنة وهي الابتلاء والامتحان والاختبار ، ثم كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه، ثم انطلقت على كل مكروه، أو آيل إلى مكروه كالإثم والكفر والقتل والتحريق وغير ذلك من الأمور المكروهة هذا هو التأصيل اللغوي لمعنى كلمة الفتن .

وقد أخبر النبي r أن من أشراط الساعة ظهور الفتن العظيمة، التي يلتبس فيها الحق بالباطل فتزلزل هذه الفتن الإيمان في القلوب، حتى يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، كلما ظهرت فتنة من الفتن قال المؤمن: هذه مهلكتي، هذه الفتنة مهلكتي، ثم تنكشف فيظهر غير هذه الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف فتظهر فتنة جارية أخرى، وهكذا لا تزال الفتن تظهر إلى قيام الساعة كما أخبر الصادق r.

ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي r قال: ((بادروا بالأعمال)) ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم)) أي: تقدموا بالأعمال الصالحة بين يدي الفتن التي ستكون كقطع الليل المظلم ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً)) ((يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا))(1).

ها نحن الآن نرى مصداق كلام النبي r، فكم من أناس يبيعون دينهم، بعرض من الدنيا حقير، من أجل كرسي في مجلس الشعب، أو كرسي في مجلس شورى، أو كرسي في منصب من المناصب، أو وظيفة من الوظائف ، ربما لا يتورع الرجل أن يكذب، وأن ينافق وأن يخادع، وأن يماليء ، وأن ينافق بل وأن ينفق كل ما يملك، للوصول لهذه الغاية فإذا ما وصل إلى الغاية التي أراد تنكر لجل وعوده إن لم أقل : لكل وعوده التي وعد الناس بها .

فالناخب يكذب على ناخبيه ، المرشح يكذب على ناخبيه ، والحاكم يكذب على محكوميه، والعالم – إلا من رحم ربي – قد يزل فْي الكذب فيزور الفتاوى العرجاء ، لذوي السلطان ، وهكذا – ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمناً، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)).

ولذا حذر النبي r من فتنة الدنيا كما في الصحيحين من حديث عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أنه r قال : (( والله ما الفقر أخشى عليكم والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم )) ([1]).

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، وأبو داود في سننه وابن ماجه كذا في السنن والحاكم في المستدرك ، وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبي والألباني من حديث أبي موسى الأشعري أن الحبيب النبي r قال: ((إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً القاعد فيها)) – أي : في هذه الفتن – ((خير من القائم ، القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة فإن دُخِل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم))([2]) – أي : الذي قُتل.

وفي الحديث الذي رواه البخاري من حديث أم سلمة زوج النبي r رضوان الله عليها قالت : استيقظ رسول الله r ليلة فزعاً – في ليلة أم سلمة استيقظ النبي ليلة من لياليها فزعاً وهو يقول : (( سبحان الله ! سبحان الله ! ماذا أنزل الله من الخزائن ؟ وماذا أنزل الله من الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ - أي من يوقظ زوجات النبي الطاهرات – من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ لكي يصلين فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة))([3]).

استيقظ الني r وهو يقول: (( سبحان الله ماذا أنزل الله من الفتن)) رأى النبي r في هذه الليلة الفتن الكثيرة التي وصفها كأنها كقطع الليل الأسود ، المظلم لذا فهو يأمر أو يريد أن يوقظ نساءه – رضوان الله عليهن– ليصلين لله – جل وعلا – ثم قال: ((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) .

وذكر الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – أقوالاً كثيرة في تفسير هذه الكلمة الأخيرة ((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة )) فقال (( رب كاسية في الدنيا وهي عارية في الآخرة )) أي تلبس لباساً ضيقاً أي تلبس ثياباً شفافة، تظهر هذه الثياب عورتها، إما بضيقها وإما بشفافيتها هذه يظهر الله – جل وعلا – عورتها في الآخرة، جزاءً وفاقاً لإظهارها لعورتها في الدنيا.

وأنتم تعلمون الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة انه r قال: ((صنفان من أمتي من أهل النار )) – أرجو أن تنتبه المسلمات إلى هذا الحديث – يقول النبي r : (( صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما بعد )) وهذه أيضا من معجزات النبي r الخالدة ومن علامات الساعة كما سأبين إن شاء الله – تعالى .

((صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس)) وأنتم ترون الآن السياط التي تصنع من أذيال البقر وأذناب البقر ! ليلهب بها الظالمون والطغاة ظهور كثير من الناس من المظلومين والمؤمنين في السجون، هنا وهنالك ((رجال معهم سياط كأذناب البقر ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها – أي وإن ريح الجنة – ليوجد من مسيرة كذا وكذا ))([4])

فالنبي r يقول: ((رب كاسية في الدنيا بالنعم وهي عارية عن شكر المنعم – تبارك وتعالى.

وهناك من يقول : رُب كاسية في الدنيا بالثياب لغناها ، ولكنها عارية من الثياب يوم القيامة، لتجردها في الدنيا من العمل الصالح ، الذي تكسي بفضله عند الله في الآخرة.

إذن يقول النبي – عليه الصلاة والسلام: ((سبحان الله ! سبحان الله ! ماذا أنزل الله من الخزائن ؟ وماذا أنزل الله من الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ - أي من يوقظ زوجات النبي الطاهرات – من يوقظ صواحب الحجيرات ؟ لكي يصلين)) ثم قال (( رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة )) نسأل الله أن يستر نساءنا في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك ومولاه .

وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما قال – تدبر هذا الحديث – نادى منادي رسول الله r : الصلاة جامعة، الصلاة جامعة – وإذا نادى المنادي بهذا النداء ، يعلم أصحاب النبي r إن أمراً قد وقع وأن النبي r يريد أن يخبر بشيء قد تمن ، أو بتشريع قد نزل فنادى المنادي: الصلاة جامعة ، الصلاة جامعة.

يقول عبد الله بن عمرو : فاجتمعنا لرسول الله r فقال – بأبي هو وأمي: ((إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم)) تدبر كلام النبي r ((إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها)) فخير القرون قرن النبي r ثم الذي يليه ثم الذي يليه.

يقول – عليه الصلاة والسلام: ((وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء ، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها ، وتجيء الفتنة وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضا)) ([5]).

يا إلهي !! تعبير نبوي في غاية البلاغة، والله كأن النبي r يجسد فتن هذا الواقع المعصر – ((فيرقق بعضها بعضا)) ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أنه قد تقع الفتنة العظيمة التى تخلع القلوب وتصيب المؤمن بالذهول، فسرعان ما تقع فتنة أخرى أعصف، فتنسي الفتنة الثانية الفتنة الأولى، فيرقق بعضها بعضا، فينظر المسلم إلى الفتنة الجديدة، إلى هولها وفظاعتها ، وبشاعتها ، فيرى أن الفتنة الأولى ، التى سبقت ما هي إلا بسيطة، ورقيقة إلى جوار الفتنة الجديدة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تدبر كلام النبي r الذي يقول: ((وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء الفتنة وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه)) أي: هذه مهلكتي هذه مهلكتي اسمع ((فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليهم )).

يقول الله – جل وعلا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [آل عمران/102] .

أي في ظل هذه الفتن يجب عليك أن تجدد الإيمان أن تجدد الإيمان ، فإن الإيمان يخلق فإن الإيمان يضعف كما في الحديث الذي رواه الطبراني في ((معجمه الكبير)) والحاكم في ((المستدرك)) من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه الألباني أن النبي r قال : (( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب – أي كما يبلى الثوب- فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ))([6]).

فالأمر يحتاج في ظل هذه الفتن – كما سنبين إن شاء الله – تعالى – إلى أن يجدد الإنسان المسلم إيمانه بالله – جل وعلا – وباليوم الآخر وأن يتعوذ بالله من شر هذه الفتن ما ظهر منها وما بطن .

يقول النبي r : (( فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليهم ))([7]).

وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أن النبي r قال: ((من الفتن ثلاث لا يذرن شيئاً)) وفي لفظ ((لا يكدن يذرن شيئا ومنهن)) يعني: النبي r يبين أن الفتن منها ما هو كبير وضخم ، ومنها ما هو صغير ((ثلاث لا يكدن يذرن شيئا ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار))([8]) يبقى الفتن متدرجة منها ما هو شديد ، ومنها ما هو كرياح الصيف ، ومنها ما هو صغير

ولذلك أخبر النبي r أن الفتن قد تشتد ، وأن البلاء قد يزيد ، لدرجة أن يتمنى العبد المؤمن ، إذا مر على قبر رجل من الصالحين ، يتمنى العبد المسلم ، أن لو كان مكانه كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم يقول النبي r - بل ورواه أيضا الإمام البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم من حديث أبي هريرة : (( لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل على قبر الرجل فيقول : ياليتني كنت مكانه ؟ )) ([9]).

ألم نسمع هذه الكلمة مراراً وتكراراً من كثير من الناس ، يتمنى كثير من الناس من شدة الفتن والبلاء – نسأل الله – عز وجل – أن يختم لنا ولكم بالصالحات .

مع أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حذر أن يتمنى أو نهى أن يتمنى العبد الموت لضر وقع به ([10]).

والجمع بين الحديثين – إذ لا تعارض أبداً – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتمنى العبد الموت من الله – عز وجل – من باب القنوط أو اليأس أو الإحباط من الحياة وإنما لا حرج أن يقول العبد (( اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي )) نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإيمان .

والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يتمنى العبد الموت من الله عز وجل من باب القنوط أو اليأس أو الإحباط ، من الحياة وإنما لا حرج أن يقول العبد: (( اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي ، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي )) ([11]) نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإيمان .

إذن أيها الأحبة الكرام : هذه أحاديث ذكرتها تبين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بين أن ظهور الفتن من أشراط وعلامات الساعة ومن أكثر الفتن التي ظهرت في المسلمين ، وتعوذ النبي r منها ، بل وبين مصدرها كانت من المشرق ، قف لتقف على عظمة النبي محمد r وعلى أنه لا ينطق عن الهوى ، قف مع هذه اللقطة المهمة .

أقول: معظم الفتن التي بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقوعها ، بين أنها ستقع في المشرق أو ستخرج من المشرق فقال – عليه الصلاة والسلام – كما في الحديث الذي رواه مسلم من حديث ابن عمر ورواه البخاري أيضاً يقول النبي – عليه الصلاة والسلام – وهو يستقبل المشرق: (( ألا إن الفتنة ها هنا ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان )) .

حديث رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر: ((ألا إن الفتنة ها هنا )) ويشير النبي r إلى جهة المشرق ((ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان ))([12]).

ويقول – عليه الصلاة والسلام – كما في رواية مسلم: (( رأس الكفر من ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان )) يعني : من المشرق .

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي r دعا فقال : (( اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا ، اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا )) قال رجل من القوم : يا رسول الله ، وفي عراقنا ؟ تدبر، وفي عراقنا ؟ فقال الني عليه الصلاة والسلام : (( إن بها قرن الشيطان وتهيّج الفتن وإن الجفاء بالمشرق))([13]).

((إن بها قرن الشيطان وتهيّج الفتن وإن الجفاء بالمشرق )) .

وهذا الحديث رواه الطبراني ورواة هذا الحديث ثقات ورواته ثقات قال عليه الصلاة والسلام : (( إن بها قرن الشيطان وتهيّج الفتن وإن الجفاء بالمشرق )) .

قال ابن حجر : وأول الفتن كان منبعها من قبِل المشرق، تدبر! لتقف على صدق من لا ينطق عن الهوى r يقول ابن حجر: وأول الفتن كان منبعها من المشرق، فكان ذلك سبباً لفرقة المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع، نشأت من تلك الجهة.

فمن العراق ظهر الخوارج – تدبر ! لتقف على بداية الفتن، كما قال النبي r - من العراق ظهرت الخوارج، ظهر الشيعة والروافض، وظهرت الباطنية والقدرية، كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، هذه فتنة عاصفة والقدرية والمعتزلة، الفتنة العاصفة التي ابتلي فيها الأئمة ، كانت في العراق، وأكثر مقالات الكفر كان منشؤها من المشرق من جهة الشرق يعني من جهة الفرس، من جهة الصين، من جهة روسيا هذا هو المشرق، وأكثر الفتن ، وأكثر مقالات الكفر، التي بدأت وخرجت، خرجت من جهة المشرق، كما قال الصادق الذي لا ينطق عن الهوى .

فمن جهة الفرس المجوس، خرجت كل فرق الكفر والضلال كالزرداشتية، والقاديانية، والبهائية، والهندوسية، والبوذية، كل هذه الفرق من فرق الكفر والضلال خرجت من جهة المشرق كما قال النبي – عليه الصلاة والسلام .

وأيضا ظهر التتار في القرن السابع الهجري، كان ظهور التتار من قبل المشرق وقد حدث على أيديهم من الدمار والقتل ما تعلمونه ، حتى وصلت برك الدماء في بلاد المشرق المسلم العربي في بلاد العراق ، في بغداد على وجه التحديد ، وصلت برك الدماء وأكوام الأشلاء إلى منتصف ساق الخيول ، من كثرة القتل والدم ، ومنعت صلاة الجماعة في بلاد العراق أربعين يوماً ، لا يستطيع أحد أن يخرج من بيته ، ليصلي الجماعة في المسجد.

فتن وإلى يومنا هذا لا يزال المشرق منبع كل فتنة ، لنعلم أن النبي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فالشيوعية الملحد في المشرق والصين ، الشيوعية التي تهدد الأرض في المشرق والفاتيكان وكل فرق الضلال وكل فرق الكفر ى زالت إلى يومنا هذا من قبل المشرق وتخرج ابتداء من المشرق كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

وأحاديث الفتن أيها الأحبة كثيرة كثيرة جدا ، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، والنبي r قد حذر الأمة من هذه الفتن وأخبر أن هذه الأمة ستصاب بهذه الفتن وهذا البلاء العظيم ، وليس هناك عاصم يا إخوة من كل هذه الفتن ، كما سأفرد لهذا محاضرة مستقلة بإذن الله – تعالى – وأنا أتكلم في آخر محاضرة عن الفتن ، لأن الحديث طويل جدا – سأفرد محاضرة للنجاة من هذه الفتن ، أسأل الله – عز وجل – أن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

وبالجملة أقول : لا عاصم أبدا من هذه الفتن إلا الإيمان بالله – جل وعلا – إلا الإيمان بالله – جل وعلا – وباليوم الآخر ولزوم جماعة المسلمين من أهل السنة ، ولو كانوا قلة والابتعاد عن الفتن والتعوذ منها ، كما قال النبي – عليه الصلاة والسلام: ((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن تعوذا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)).

والحديث رواه مسلم من حديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال عليه الصلاة والسلام : (( تعوذا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ))(1) .

وكان النبي r يتعوذ في صلاته من فتنة المحيا وفتنة الممات ومن فتنة المسيح الدجال(2) وهي أعصف وأخطر فتنة سيتعرض لها من يعيش في الأرض في هذه اللحظات التي يخرج فيها الدجال والعياذ بالله يقول النبي عليه الصلاة والسلام – كما في رواية الطبراني عن عصمة بن قيس وهو صاحب للنبي عليه الصلاة والسلام : أنه كان يتعوذ في صلاته من فتنة المغرب ، ومن فتنة المشرق ، وكان يتعوذ من فتنة المشرق ، فسئل النبي r يوما كيف فتنة المغرب يا رسول الله ؟

اسمع لتجمع بين الفتنتين (أحسن حد يُخْرج أمريكا من الفتنة وهي أم الفتنة الآن) يقول: النبي عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ من فتنة المشرق فقيل له: فكيف فتنة المغرب يا رسول الله ؟ قال: ((تلك أعظم وأعظم)) وفي لفظ ((تلك أعظم وأطم تلك أعظم وأطم ))(3) .

وأظنكم ترون الآن صدق كلام النبي r الذي لا ينطق عن الهوى ، وربما تتضح الصورة أكثر ، وأنا أتحدث عن الملاحم إن شاء الله – تعالى .

وعن زيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة عن أبي الرباب ، وصاحب له أنهما سمعا أبا ذر – رضي الله عنه – يدعو الله – عز وجل – ويتعوذ في صلاة صلاها فأطال قيامها وأطال ركوعها ، وأطال سجودها فلما أنهى أبو ذر الصلاة قال : فسألناه مم تعوذت ؟ وفيم دعوت ؟ فقال : تعوذت بالله من يوم البلاء ويوم العورة أن يدركني ، قلنا : وما ذاك ؟ ما يوم البلاء وما يوم العورة ؟ فقال أبو ذر – رضي الله عنه : أما يوم البلاء فتلتقي فئتان مسلمتان ، أو فئتان من المسلمين – فيقتل بعضهم بعضا ( وقع ولا لأ ؟ ) فتنة علي ومعاوية رضي الله عنهما ، وعن جميع أصحاب النبي r وغفر الله لنا ولهم وجمعنا معهم في جنة النعيم ، وتجاوز عنا وعنهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

سأل رجل خبيث عالماً من العلماء يوماً عن الفتنة بين علي ومعاوية – رضي الله عنهما – وقد فصلت ذلك في شريطي : عثمان وعلي رضي الله عنهما ، وبينت أنه لا يجوز لمسلم ، أو أي أحد أن يتكلم في أصحاب النبي r إلا بشروط ، وهذا من أعظم ما أؤصله لكم الآن أيها الأحبة الكرام هذا من أغلى ما أذكره في محاضرة الليلة .

أقول: إن الحديث عن أصحاب النبي r يتطلب : صفاء في العقيدة وإخلاصا في النية وأمانة في النقل ودقة في الفهم ، ونظرة فاحصة ومدققة لأراجيف المغرضين والكذابين والوضاعين .

قف على هذه الأصول، فهي من أنفس ما أعلمه الليلة، لإخواننا وأحبائنا الطلاب.

إن الحديث عن أصحاب النبي r يتطلب: صفاء في العقيدة وإخلاصا في النية وأمانة في النقل ودقة في الفهم ، ونظرة فاحصة ومدققة لأراجيف المغرضين والكذابين والوضاعين .

فسأل خبيث عالماً من العلماء عن الفتنة بين علي ومعاوية فقال له: يا أخي إن أخطأ معاوية ، فإن عليا كريم ، وإن رب علي ومعاوية لغفور رحيم إن أخطأ معاوية ، فإن عليا كريم ، وإن رب علي ومعاوية لغفور .

ولله در الذهبي إذ يقول : تلك فتنة ، نعم فتنة بكل المقاييس – فتنة سلمت منها أيدينا فلتسلم منها ألستنا وعند الله تجتمع الخصوم نسأل الله – عز وجل – أن يغفر لنا ولهم وأن يجمعنا بهم في جنة النعيم .

فأبو ذر يقول : يوم البلاء فئتان من المسلمين ، يقتل بعضهم بعضا ، وأما يوم العورة فإن نساء من المسلمات يسبين فيكشف عن سوقهن ، فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها فدعوت الله ألا يدركني هذا الزمان(1) .

ولعلكما تدركانه ، هكذا يقول أبو ذر لصاحبيه – رضوان الله عليهم جميعا .

وأقول: لقد وقع ما خشيه أبو ذر من يوم العورة ، فلقد كشفت الآن عورات المسلمات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وأنتم ترون المسلمات قد انطلقن في الشوارع هائمات، وقد كشفت المرأة التي تنتمي إلى الإسلام عن صدرها، وعن شعرها، وعن ساقيها، وعن ذراعيها كشفت عن فتنتها ، وعن عورتها، كشفت عن ساقيها كما قال أبو ذر رضوان الله عليه – بل زكما قال أبو ذر: فأيتهن كانت أعظم، كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها وقع ورب الكعبة ما قاله أبو ذر كيف وأين ؟! .

ألم تقرؤوا أيها الأحبة وتسمعوا عن حفلات اختيار ملكات جمال العالم ؟ ألم تختر ملكة جمال العالم بمثل هذه المواصفات التي ذكر؟ ينظر إلى كل تفاصيل جسدها، ثم تقدم من تنال النصيب الأوفر من هذه المواصفات، وكذلك في حفلات عروض الأزياء.

ولم أبعد النجعة، بل إننا نرى ذلك في شوارعنا وطرقاتنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، نسأل الله أن يرد المسلمات إلى الحق ردا جميلا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

فهذه – ورب الكعبة – أيام العورة على حقيقتها كما قال أبو ذر – رضي الله عنه وأرضاه – فإننا نرى عورات المسلمات بل نرى عورات المسلمات المغلظة ، نرى العورات المغلظة على الشواطىء العارية ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي r قال : (( اللهم لا يدركني زمان أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العليم ولا يستحيون من الحليم قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب )) .

وصف عجيب ، والحديث رواه الحاكم في ((المستدرك)) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، يقول النبي – عليه الصلاة والسلام : (( اللهم لا يدركني زمان أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العليم ولا يستحيون من الحليم قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب ))([14])

وإن جل الأمة الآن لا يتبعون العلماء ، بل يتبعون السفهاء ، بل يتبعون الروبيضات ، يتبعون الروبيضات الذين أخبر عنهم النبي r كما في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد في مسنده ، والحاكم في ((مستدركه)) من حديث أبي هريرة ، قال – عليه الصلاة والسلام : (( سيأتي على الناس سنوات خداعات ، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الروبيضة )) قيل : من الروبيضة يا رسول الله ؟ قال : (( الرجل التافه يتكلم في أمر العامة )) ([15]).

هذا هو الذي يتكلم الآن، الروبيضة، فالأمة لا تتبع الآن العلماء بل تتبع السفهاء، بل تكُرم السفهاء ، ما لو أقاموا لله شرعاً لأقاموا عليهم الحد، والله تكرم الأمة الآن من يجب أن يقام عليهم الحد ، هذا واقع أليم ، لا تتبع الأمة العلماء، ولا تستحي من أهل العلم أبداً قلوبهم قلوب الأعاجم ، قلوب الغرب ألسنتهم ألسنة الغرب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ويزداد الأمر خطراً يا شباب ، إذا علمنا أن النبي r قد أخبر أن الفتن تُعرض على القلوب ، وهذا مكمن الخطر ، أن الفتن تعرض على القلوب ، كما في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أن النبي r قال : (( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين : قلب أسود مربادا كالكوز مجخياً لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض)) ([16]) .

اللهم اجعلنا من أصحاب هذه القلوب البيضاء التقية النقية التي لا تضرها الفتن ما دامت السماوات والأرض برحمتك يا أرحم الراحمين .

يقول ابن مسعود – رضي الله عنه وأرضاه : أخاف عليكم فتناً كأنها الليل – تدبر – أخاف عليكم فتنا كأنها الليل يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه – يا الله !! أخاف عليكم فتنا كأنها الليل يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه ، إيه ورب الكعبة / كم من قلوب ماتت الآن في الصدور ، كما تموت الأبدان وأصحابها لا يشعرون ، يموت القلب تحجب الفتن القلوب عن أنوار الإيمان عن علام الغيوب {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ{14} كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}[المطففين/14] .

يقول : أخاف عليكم فتنا كأنها الليل من سوادها وظلامها ، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه والعياذ بالله تنكت الفتنة في القلب ، إن تشرب القلب الفتنة تنكت في القلب نكتة سوداء ، فإن لم يتب العبد إلى الله ويرجع يتشرب قلبه فتنة أخرى تزيد بقعة السواد في قلبه ، فإن لم يرجع إلى الله – جل وعلا – بالتوبة والأوبة تعرض على قلبه فتنة ثالثة ، فيشربها القلب فتزيد بقعة السواد وهكذا ، حتى يحجب سواد الفتن نور الإيمان في القلوب كما قال النبي r في الحديث الذي ذكرت مرارا وهو حديث صحيح رواه أبو نعيم والديلمي وصححه الألباني من حديث علي رضي الله عنه – أن الحبيب النبي r قال : (( ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر فبينما القمر مضيء فعلته سحابة فأظلم ، فإذا تجلت عنه أضاء القمر في كبد السماء ينير ، فإذا تحركت سحابة كثيفة وحالت بين القمر وبين الأرض حجبت السحابة نور القمر عن الأرض ))(1).

كذلك القلب يا إخوة إذا تكون الران في القلب وإذا تكاثفتت سحب المعصية والذنوب على القلب ، حجبت هذه السحب الكثيفة المظلمة نور الإيمان في القلوب ، فإن تاب العبد إلى علام الغيوب وعاد إلى الله – جل وعلا – ورجع انقشعت تلك السحب أنقشعت سحب المعصية بماذا ؟ بالتوبة فيجع القلب يرجع الإيمان في القلب إلى حالته من النور والتلألؤ والإشراق .

أيها الأحبة الكرام : سأكتفي بهذا القدر لأعاود الحديث إن شاء الله تعالى في اللقاء المقبل عن الفتن مع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وجزاكم الله خيرا .

(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن ( 186،118) ، والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم (2495) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح )) ، وأحمد في المسند (2/523،304) ، وابن حبان في صحيحه في كتاب الفتن باب فيما يكون من الفتن (1868) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي ، باب 12 رقم (4015) ، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق ، باب أوله (2961/6) .

(2) [صحيح] : أخرجه أبو داود في كتاب الفتن والملاحم ، باب في النهي عن السعي في الفتنة (4259) ، والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء في اتخاذ سيف من خشب في الفتنة (2204) ، وابن ماجه في كتاب ، باب التثبيت في الفتنة (3961) ، وأحمد في المسند (4/408) ، والحاكم في المستدرك (3/525) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه (7069) ، والترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم (2196) .

(1) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة ، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات (2128/125) ، وأحمد في المسند (2/440،356) .

(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة ، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول (1844/47،46) ، وأبو داود في كتاب الفتن والملاحم ، باب ذكر الفتن ودلائلها (4248) مختصراً ، والنسائي في كتاب البيعة ، باب ذكر ما على من بايع الإمام وأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه (4202) ، وابن ماجه في كتاب الفتن ، باب ما يكون من الفتن (3956) ،ـ وأحمد في المسند (2/161) .

(1) {صحيح} : أخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان (1/4) ، وقال : (( حديث لم يخرج في الصحيحين ، ورواته مصريون ثقات ووافقه الذهبي ، والطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (1/52) ، وقال الهيثمي : (( وإسناده حسن )) .

(2) انظر التخريج السابق .

(3) أخرجه مسلم في كتاب الفتن ، باب إخبار النبي r فيما يكون إلى قيام الساعة (2891/22) .

(4) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور (7115) ، ومسلم في كتاب الفتن ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ، فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء (157/54،53) ، وأحمد في المسند (2/530) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب الدعاء بالموت والحياة (6351) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب تمني كراهة الموت لضر نزل به (2680/10) ، وأبو داود في كتاب الجنائز باب كراهية تمني الموت (3108) ، والترمذي في كتاب الجنائز ، باب ما جاء في النهي عن التمني للموت (971) ، والنسائي في كتاب الجنائز ، باب تمني الموت (1820) ، وابن ماجه في كتاب الزهد باب ذكر الموت والاستعداد له (4265) ، وأحمد في المسند (3/103) من حديث أنس بن مالك .

(2) انظر التخريج السابق .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب قول النبي r : (( الفتنة من قبل المشرق )) (7093) ، ومسلم في كتاب الفتن ، باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان (2905/45-50) ، وأحمد في المسند (2/111،92) .

(2) [صحيح] : أخرجه الطبراني في الكبير (12/85) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/227) ، وقال : (( رواه الطبراني في الكبير رواته ثقات )) .

(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (2867/67) .

(2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان ، باب الدعاء قبل السلام (832) ، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب ما يستعاذ منه في الصلاة (589/129) ، وأبو داود في كتاب الصلاة ، باب الدعاء في الصلاة (880) ، والنسائي في كتاب السهو ، باب التعوذ في الصلاة باب 64(1308) ، وأحمد في المسند (6/201،89) كلهم من حديث عائشة – رضي الله عنها .

(3) – [صحيح] : أخرجه الطبراني في الكبير (17/187) من حديث عصمة بن قيس السلمي ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/220) ، وقال : (( رواه الطبراني ، ورجاله ثقات )) .

(1) أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب (1/161)

(1) أخرجه أحمد في المسند (5/340) ، وذكره المنذري فب الترغيب والترهيب (1/65) ، وقال : (( رواه أحمد وفي إسناده ابن لهيعة )) ، والديلمي في الفردوس (2009) ، وانظر : مجمع الزوائد (1/183) من حديث سهل بن سعد الساعدي ، وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الفتن والملاحم (4/555) ، وقال : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ، والبيهقي في شعب الإيمان (7740) من حديث أبي هريرة .

(2) [حسن] أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن ، باب شدة الزمان (4036) ، وفي الزوائد : (( في إسناده إسحاق بن أبي الفرات ، وقال الذهبي في الكاشف : مجهول : وقيل : منكر . وذكره ابن حبان في الثقات )) ، وأحمد في المسند (2/338،291) ، والحاكم في المستدرك في كتاب الفتن والملاحم (4/512) ، وقال : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي )) .

(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ، وإنه يأرز بين المسجدين (144/231) ، وأحمد في المسند (5/405،386) .

(1) [ صحيح] : أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (2/196) ، والديلمي في الفردوس (4/6173) .
 
8 كلمات فى الرقائق للشيخ محمد حسان

بسم الله الرحمن الرحيم


كلمات في الرقائق



إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
آل عمران102

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب71،70 ]

أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

ثم أما بعد ..

فحياكم الله جميعا أيها الأخوة الفضلاء وأيتها الأخوات الفاضلات ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك ومولاه ..







أحبتي في الله : كلمات في الرقائق :

هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الأغر المبارك ، فقد ألح عليّ كثير من إخواننا إلحاحا شديدا بعد سنوات طويلة ، هجرنا فيها التذكير بالرقائق ، أن أذكر نفسي وإخواني بكلمات رقراقة ، نرجو أن ترق بها قلوبنا ، وأن تدمع عيوننا وأن يذهب الله بها قسوة قلوبنا ، لا لاسيما ونحن نعيش الآن عصراً ، طغت فيه الماديات والشهوات ، وانحرف فيه كثير من الناس عن رب الأرض والسماوات ، وقست فيه القلوب وتراكمت فيه الذنوب على الذنوب وقل فيه الخوف من علام الغيوب . فما أحوجنا في مثل هذا الزمن الذي طغت فيه فتن الشهوات والشبهات ، إلى أن نتذكر هذه الكلمات التي تذكرنا بالآخرة ، في زمن قل فيه من يتذكر الآخرة ، أسأل الله أن أكون من أهل الآخرة ، فالحياة تمضي مسرعة ومعظم أهلها في غفلة عما هو آت .

نعم ! أرحام تدفع ، وأرض تبلع ، مثلهم في ذلك كمثل أمواج البحر المتلاحقة، كلما انكسرت على الشط تبعتهم موجة وموجة ، مثلهم في ذلك كمثل ماء نهر متدفق، فالماء الذي تراه اللحظة يختلف نمام الاختلاف عن الماء الذي وقعت عليه عينك قبل لحظة.

الحياة على ظهر الأرض موقوتة محدودة بأجل ، ثم تأتي نهايتها حتماً ، فيموت الصالحون، ويموت الطالحون، يموت المجاهدون المستعلون بالعقيدة ، ويموت القاعدون المستذلون للعبيد ، يموت أصحاب الأهداف الكبيرة ، والاهتمامات العالية ، ويموت التافهون الحريصون على الحياة ، بأي ثمن يموت الجبناء الذين يحرصون على الحياة بأية صورة ، ويموت الشرفاء الذين يأبون الضيم ويكرهون الذل الكل يموت { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } [ الرحمن /27،26] .

إنها الحقيقة التي تصبغ الحياة البشرية كلها ، بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض ، إنها الحقيقة التي تعلن على مدى الزمان والمكان ، في أذن كل سامع، وعقل كل مفكر ، أنه لا بقاء إلا للحي الذي لا يموت ، إنها الحقيقة التي تسربل بها طوعاً أو كرهاً – العصاة والطائعون ، وشرب كأسها الأنبياء والمرسلون .



كل باك فسيُبكى
وكل مدخور سيفُنى
ليس غير الله يبقى






وكل ناع فسينُعى
وكل مذكور سينُسى
من علا فالله أعلى

قال – جل وعلا: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق/19] والحق أنك تموت والله حي لا يموت والحق أنك ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران { ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } أي ذلك ما كنت منه تهرب وتفر ، وتجري تحيد إلى الطبيب ، إذا جاءك المرض خوفاً من الموت ، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع ، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ .

ثم ماذا أيها القوي ، أيها الذكي العبقري ، يا أيها الكبير ، يا أيها الأمير ، يا أيها الوزير ، يا أيها الغني ، يا أيها الفقير .

دع عنك ما قد فات في زمن الصبا
لم ينسه الملكان حسن نسيته
والروح منك وديعة أودعتها
وغرور دنياك التي تسعى لها
الليل فاعلم والنهار كلاهما






واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
ستردها بالرغم منك وتسلب
دار حقيقتها متاع يذهب
أنفاسنا فيهما تعد وتحسب

وصدق ربي إذ يقول: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ{26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ{27} وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ{28} وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ{29} إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة/30،26] ويُفتح سجلك أبها اللاهي ، ويفتح كتابك أبها الغافل عن لقاء ربك وإذا به {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى{31} وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [ القيامة /32،31] تدبر {كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ{26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } .

قال ابن عباس – رضي الله عنهما – أي : من يرقى بروحه من ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب : قال قتادة : { كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ{26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } أي : من يبذل له الرقية ، من يبذل له الطب والعلاج ، انظر إليه وهو على فراش الموت ، وقد التف الأطباء من حوله ، وداروا بل وحار الأطباء في أمره ، وحاروا انظر إليه وهو من هو ، صاحب المنصب ، صاحب الجاه ، صاحب السلطان ، صاحب الأموال ، صاحب الوزارة ، صاحب الملك ، شحب وجهه وتجعد جلده وبردت أطرافه ، وبدأ يشعر على فراش الموت بزمهرير قارس ، يزحف إلى أنامل يديه وقدميه .

يحاول جاهداً أن يحرك شفتيه بكلمة التوحيد ، فيشعر أن الشفتين كالجبل لا يريد أن يتزحزح إلا لمن يسر الله له النطق بلا إله إلا الله ، فإذا أفاق في لحظة من لحظات الصحوات بين السكرات والكربات ، ووعى ما حوله نظر إلى الأطباء تارة ، بل ونظر إلى أهله تارة ، وقال بهم بلسان الحال وأحياناً بلسان المقال : يا أولادي يا أحبابي لا تتركوني وحدي ولا تفردوني في لحدي لا تتركوني ، أنا أبوكم ، أنا أخوكم ، أنا حبيبكم ، أنا ، أنا الذي بنيت لكم القصور ، أنا الذي عمرت لكم الدور ، أنا الذي نميت لكم التجارة ، أنا صاحب الأموال ، أنا صاحب الجاه والسلطان ، من منكم يزيد في عمري ساعة ، أو ساعتين ؟ وهنا يعلو صوت الحق : { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ{83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ{84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ{85} فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ{86} تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الواقعة/83-87] .

من يستطيع أن يزيد في عمره ساعة أو ساعتين ؟ لا أحد {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس/49] إذاًَ حان الأجل المحدد الذي حدده الله جل وعلا .

لما نام هارون الرشيد على فراش الموت بعد ما كان يخاطب السحابة في كبد السماء ويقول لها : أيتها السحابة في أي مكان شئت فأمطري فسوف يحمل إلينا خراجك، إن شاء الله تعالى .

لما نام على فراش الموت بكى وقال: ما أغنى عني ماليه ، هلك عنى سلطانيه ، أريد أن أرى قبري الذي سأدفن فيه فحملوا هارون إلى القبر فنظر هارون إلى القبر ، وبكى ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: يا من لا يزول ملكه ، ارحم من قد زال ملكه ، يا من لا يزول ملكه ، ارحم من قد زال ملكه.

في صحيح البخاري وغيره أن النبي r أوصى عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما – وقال : (( كن في الدنيا كأنك غريب )) .. أيها الغريب تذكر وصية رسول الله r : (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) .

وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك (1) .

أيها اللبيب

إن لله عبادا فطنا
نظروا فيها لما علموا
جعلوها لجة واتخذوا






طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
أنها ليست لحي وطنا
صالح الأعمال فيها صفنا

فالدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار نجاة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها ، فهي مصلى أنبياء الله ، ومتجر أولياء الله ربحوا فيها الرحمة ، واكتسبوا فيها الجنة ، وبعد الموت بعث .

{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [التغابن/7] بعد الموت حياة بزخية لا يعلم حقيقتها إلا رب البرية ، ولا ينبغي أن تعمل عقلك في الحكم على هذه الحياة ، لأنها حياة لم يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل .

قال ابن القيم : إن الله – تعالى – خلق الدور الثلاثة : دار الدنيا ودار البرزخ ، ودار القرار : وجعل الله الحياة في دار الدنيا تسري على الأبدان والأرواح تبعاً لها ، وجعل الله الأحكام في دار البرزخ ، تسري على الأرواح والأبدان تبعاً لها ، وجعل الأحكام في دار القرار تسري على الأرواح والأبدان معاً .

فسر المسألة في حياة البرزخ أنم نور القبر وناره وسعة قبره وضيقه ليس من جنس نور الدنيا ونار الدنيا ، وليس من جنس سعة وضيق الدنيا .

وقد ترى الرجلين في فراش واحد في حياتنا الدنيا يستيقظ أحدهما ، وتبدو عليه معالم وآثار النعيم ويقول لك : لقد كنت مع النبي r الليلة الماضية ، أو يقول : قد رأيتني الليلة الماضية في الجنة ورأيت كذا وكذا ، تبدو عليه آثار النعيم ويستيقظ الآخر في ذات الفراش وعليه آثار العذاب والآلام ويقول : إنه والعياذ بالله قد عاين جهنم أو رأى كذا وكذا ، أو رأى كابوساً ، كاد يخنق أنفاسه .

الرجلان في فراش واحد الأول في نعيم والآخر في آلام وعذاب ، لا يشعر أحدهما(1) بالآخر ، هذا في عالم الدنيا فما يحدث في عالم البرزخ أعجب من كل ذلك بكثير ، فكل ما دار ببالك ، فحياة البرزخ بخلاف ذلك ، لا يعلم حقيقته ملك مقرب ولا نبي مرسل .

ونحن ندين الله – جل وعلا – بأن حياة البرزخ إما أن يحيا أصحابها في نعيم دائم، إلى يوم القيامة ، إما أن يعيش أصحابها في عذاب لا يعلم وقته إلا الله، نسأل الله أن يجعلنا من أهل النعيم في الدنيا والآخرة .

وبعد البرزخ بعث ، لا تستكثر الأمر على الله ، فالله – جل وعلا – على كل شيء قدير، أمره – جل وعلا – بين الكاف والنون: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس/82] .

روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أنه r قال: ((كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضرته الوفاة قال لبنيه: يا أولادي إذا مت فحرقوني ، حتى إذا صرت فحما فاسحقوني، فإذا كان يوم ريح عاصف فاذروني)) .

وفي لفظ في الصحيح : (( فأذروا نصفي في البر ونصفي في البحر فإن قدر علىّ ربي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحدا من العالمين )) قال رسول الله r: (( فلما مات فعل به بنوه ذلك فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر الله البر فجمع ما فيه ثم قال الله له : كن فإذا هو رجل قائم بين يديه – جل وعلا – فقال له ربنا : ما حملك على ذلك ؟ قال مخافتك يارب )) وفي لفظ: ((خشيتك يارب وأنت أعلم)) قال النبي r: ((فغفر الله له بذلك)) .

الله – جل وعلا – قادر على أن يبعثك ، لأنه خلقك ولم تك شيئا .

روى البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي r قال: (( قال الله تعالى – في الحديث القدسي : كذبني ابن آدم ، ولم يكن له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك أما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني – قال – وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته ، أما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد )) ([1]).

وقد ضرب الله لنا بعض الأمثلة في القرآن على البعث بعد الموت فهذا العاصي العاص بن وائل الذي جاء بعظام بالية ، يفتتها يوما بين يديه أمام رسول الله r وهو يقول: يا محمد أتزعم أن ربك يحي هذه بعد ما صارت رميما فقال له النبي r: ((نعم يميتك ثم يبعثك ثم يدخلك جهنم)) فنزل قول الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ{78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [ يس / 77-79] الآيات .

فبعد البرزخ بعث ، وآه من البعث ومشهده ! فبعد البعث حشر إلى أرض ستقف عليها لتحاسب بين يدي الحق – جل وعلا .

تدبر قول الصادق الذي لا ينطق عن الهوىr كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما: ((يبعث كل عبد على ما مات عليه)) فمن مات على طاعة بعث يوم القيامة على ذات الطاعة ومن مات على معصية بعث يوم القيامة على ذات المعصية (( يبعث كل عبد على ما مات عليه )) ([2])فمنهم من يبعث والنور يشرق من وجهه ، ومن يمينه ومن بين يديه ، اللهم اجعلنا من أهل الأنوار : { يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التحريم/8].

قال ابن مسعود – والأثر رواه أحمد في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي وابن مردويه وغيرهم: منهم من يكون نوره كالجبل، ومنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم من يكون نوره كالرجل القائم ، ومنهم من يكون نوره على إبهامه، يوقد مرة ويطفأ مرة، ومنهم من تحيط به الظلمة من كل ناحية ([3]).

قال – جل وعلا: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ{13} يُنَادُونَهُمْ} [الحديد/14،13] . أي ينادون أهل الأنوار ، ينادي أهل الظلمات أهل الأنوار . أي ينادي أهل النفاق ، أهل الإيمان {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } أي : ألم نكن معكم نشهد الجمعات ؟ ألم نحضر معكم الجماعات ؟ ألم نشهد معكم الغزوات ؟ { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } فتنتم أنفسكم بالشرك أو النفاق {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ } أي بالإيمان ولأهله {وَارْتَبْتُمْ } أي تشككتم في وعد الله ورسوله {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ } [ الحديد /14] .

فمنهم من تحيط به الظلمة من كل ناحية ، نسأل الله – جل وعلا – إلا يحرمنا نوراً في الدنيا والآخرة ، اللهم لا تحرمنا النور ، يوم تقسم الأنوار برحمتك يا عزيز يا غفار.

ومنهم من يبعث من قبره وهو يقول لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك، إلى أين ؟ أنت في أرض المحشر ، ولست في أرض عرفة من هذا ؟ هذا الذي مات في الحج والعمرة بملابس الإحرام .

وحديثه في الصحيحين من حديث ابن عباس قال r: ((فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا)) ([4]).

ومنهم من يبعث ينبعث منه دم، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، من هؤلاء؟ هؤلاء الشهداء في سبيل الله والحديث في الصحيحين ([5]).

ومنهم من يبعث وهو لا يقوى على القيام ، إذا وقف وقع على الأرض ، وإذا وقع وأراد أن يستوي على الأرض تلبط في الأرض يمنة ويسرة ، لا يستطيع قياماً ولا جلوساً ، منظر يخلع القلوب من هذا ؟ هذا آكل الربا .

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا } لا ، لا ، قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة/275] .

ومنهم من يبعث ، ترى مجموعة من الأطفال يجرونه جراً ويدفعونه دفعاً ، ليقدموه في أرض المحشر ليوقفوه بين يدي الله عز وجل من هذا ؟ ومن هؤلاء ؟ هذا آكل أموال اليتامى ، وهؤلاء هم اليتامى يدفعونه دفعاً ليوقفوه بين يدي الله : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [النساء/10] .

ومنهم من يبعث وكأس الخمر في يده ، مات وكأس الخمر في يده فيبعث وكأس الخمر في يده ، من أين جاء ؟ الله أعلم . ومنهم من يبعث وقد سرق في الدنيا تراه يمشي في أرض المحشر ، وهو يحمل بيضة سرقها أو يحمل دجاجة ، أو يحمل شاة أو ناقة أو يحمل بنكا ، أو يحمل أمة ، فهناك من سرق بنكا ، وهناك من سرق أمة ، يبعث يوم القيامة ، وهو يحمل ما سرق ، إن لم يتب إلى الله قال – جل وعلا : { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [آل عمران/161] .

تصور هذه المشاهد التي تخلع القلوب ، ونحن نقص حقيقتها ، كيف لو عايناها ؟ كيف لو شاهدناها ، ولا تتصور أن الخلق سيبعثون بثياب ، أو بمراكز أو بمناصب، كلا.

قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كما في الصحيحين من حديث عائشة: ((يحشر الناس حفاة عراة غرلا )) ((حفاة)) نعرف معنى اللفظة ، من لا يلبس في قدميه نعلا ((عراة)) من لا يحمل على بدنه ثوباً ، ((غرلا)) حتى هذا ((غرلا)): جمع أغرل والأغرل هو الصبي قبل ختانه، حتى هذه القطعة التى قطعت يوم ختانك ترد إليك، قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء/104] (( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا)) .

قالت عائشة – تلك الزهرة التي تفتحت في بستان الحياء : يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟!! فقال لها رسول الله r : (( يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك لكل أمريء منهم يومئذ شأن يغنيه))(1) .

أقسم بالله لو تدبرتها لطاش عقلك، أقسم بالله لو تدبرتها لارتجف فؤادك تصور زحاماً خانقاً من رجال عراة ونساء عراة، ومع ذلك لا يلتفت رجل إلى امرأة، ولا تلتفت امرأة إلى رجل، تصور الهول الذي نزل بالقلوب، فأنسى البشر جميعها هذا المشهد العاري ((الأمر أشد من أن يهمهم ذلك لكل أمريء منهم يومئذ شأن يغنيه)) .

قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم : (( يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفاً مشاة ، وصنفاً ركباناً ، وصنفاً على وجوههم ))([6]) أما الركبان فهم أهل التقى اللهم اجعلنا من المتقين {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً{85} وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} [مريم/86،85] { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} [مريم /85] { وَفْداً } أي: ركبانا، التقي التقي الذي وحد الرب العلي ، وتابع في الدنيا حبيبه النبي.

ربما لم يجد دراجة في الدنيا ، ليركبها من شدة فقره ، بل ربما والله لا يجد حماراً ليركبه من شدة فقره، هذا يوم القيامة إذا بعث الناس وحشر الناس، لا يمشي على قدميه في أرض المحشر خطوة واحدة، بل يرى ملائكة الله– جل وعلا– قد أعدت له ركوبة من ركوب الآخرة، لا يعلم حقيقتها وعظمتها وجمالها إلا من أعدها ، وهيأها – جل وعلا – فيركب المؤمن التقي ويحشر إلى الرب العلي ، ليظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

وصنف يحشر على قدميه في أرض المحشر ، وقد دنت الشمس من الرؤوس والزحام وحده يكاد يخنق الأنفاس بل ويكاد العرق أن يغرق كل الناس .

فمنهم من يقوم والعرق قد وصل إلى كعبيه ، ومنهم من بلغ العرق وسطه، ومنهم من ألجمه العرق إلجاماً ، ومنهم من يصل العرق إلى أذنيه ، يغرق الناس في عرقهم، فالشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل ، كما في صحيح مسلم من حديث المقداد بن الأسود قال رسول الله r: (( تُدنى الشمس من الرؤوس بمقدار ميل)) ([7]) قال سليم بن عامر: والله ما أدري أهو الميل المسافة المعروفة أم الميل الذي تكتحل به العيون ، تكون الشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل، ولولا أن الله قدر ألا نموت بعد الموت، لمتنا جميعا من حرارة الشمس، لصهرت الشمس رؤوسنا وعظامنا، ورب الكعبة في هذا المشهد الرهيب، يُحشر صنف إلى الله على الأقدام.

وانظر إلى الصنف الثالث الذي يخلع القلب، تصور وأنت تمشي وأنت عار ترى صنفاً يركب إلى جوارك، وترى صنفا يمشي، وترى صنفا يمشي على وجهه ويديه.

تخيل معي يا أخي: ترى صنفاً يحشر على وجهه ، رجلاه إلى أعلى ووجهه إلى أسفل كيف ذلك ؟! سئل النبي r في ذلك، والحديث في الصحيحين من حديث أنس قيل: يا رسول كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ قال r: ((أليس الذي أمشاه في الدنيا على قدمين قادرا على أن يمشيه يوم القيامة على وجهه )) ([8]) قال قتادة: قلت: بلى وعزة ربنا .

وأنا أقول بلسانكم جميعا : بلى وعزة ربنا إنه لقادر تدبر معي قول ربي: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء/97] سنحشر على أرض تختلف عن هذه الأرض، وستقف للحساب على أرض ليست هي هذه الأرض: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم48] .

تصور البشرية كلها من لدن آدم إلى آخر رجل تقوم عليه الساعة، تصور البشرية كلها، وهي تقف في أرض المحشر في أرض بيضاء نقية، كقرص نقي أي: بيضاء كبياض الدقيق الذي نخل من الغش والنخال، أرض بيضاء لم يعص ربنا عليها ولم يرتكب ذنب عليها، يحشر الخلق جميعا عليها للسؤال بين يدي الكبير المتعال – جل وعلا.

تصور معي هذه المشاهد التي تخلع القلوب، لنستعد من الآن للقاء علام الغيوب، بالتوبة والأوبة، والعمل الصالح، كما سأذكر في نهاية اللقاء إن شاء الله تعالى، فالذكرى لا تنفع إلا من وحد الله ولا تنفع إلا من حقق الإيمان بالله قال الله – عز وجل: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات/55] . اللهم اجعلنا من المؤمنين الصادقين الذي ينتفعون بالذكر ، برحمتك يا أرحم الراحمين .

تقف البشرية كلها وقد انقادت لهذا الداعي الذي بعث من قبل الله، ليقودها كلها إلى أرض حددها الله يتبع الكل هذا الداعي، من الملائكة لا يلتفت أحد، ولا يتخلف أحد، لا غني ، ولا فقير ، ولا حاكم، ولا محكوم، الكل عار أمام ربي: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً{108} يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً{109} يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً{110} وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} [ طه/108-111] .

تقف البشرية كلها في خشوع وصمت، لا يتكلم أحد، إلا بعد أن يأذن له الرحمن، ولا يشفع أحد إلا بعد إذن الرحمن، فيشفع سيد الخلق وحبيب الحق r يشفع في القضاء، وللرسول r عدة شفاعات لا يتسع الوقت لسردها .

يشفع في القضاء ويقبل الله شفاعة إمام الأنبياء r ويتنزل الحق تنزيلا يليق بكماله وجلاله، للقضاء بين عباده، ويوضع كرسي الملك حيث شاء بالكيفية، التي شاء بعد ما تتنزل ملائكة السماوات السبع ، لتحيط الملائكة بالبشرية كلها من كل ناحية ويتنزل الملك.

قال–جل وعلا: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ} [البقرة/210] قال الله– عز وجل: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{69} وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [ الزمر/70،69] قال الله–عز وجل: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} وجاء ربك مجيئاً يليق بجلاله {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر/22].

أحاطت الملائكة صفا بعد صف بالخلائق كلها ، من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة .

ويبدأ الحساب بالعرض على الملك الوهاب ، ويبدأ بالعرض على الله – جل وعلا – وذلك بتطاير الكتب ، يطير كل كتاب إلى صاحبه ، فمنهم من يأخذ كتابه بيمينه – اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك – ومنهم من يأخذ بشماله .

ترى صنفاً تنادي عليه الملائكة أين فلان ابن فلان من هذا ؟ اسمي ؟ ماذا تريدون يا ملائكة الله ؟ أقبل للعرض على الله – جل وعلا – أقبل للقيام بين الحق – تبارك وتعالى – فتتقدم على رؤوس الخلائق ، وقد قرع النداء قلبك ، فارتعدت فرائصك ، واضطربت جوارحك ، وأنت تسير في ذل وانكسار ، لتقف بين يدي العزيز الغفار ، والملك القهار .

إن كنت من المؤمنين الصادقين فربك رب العالمين منه حتى يضع رب العزة عليه كنفه . والكنف في اللغة : الستر والرحمة ويقرره بذنوبه فيقول الرب للمؤمن : عبدي قد فعلت كذا قلنا يوم كذا وكذا فصحيفتك لا تخفي شيئا فكم من بلية ، قد كنت أخفيتها ، أظهرها الله لك وأبداها ، وكم من معصية قد كنت نسيتها ، ذكرك الله إياها {عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [طه/52] {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [الزلزلة/8،7].

يذكرك الله بكل شيء فيقول الرب للعبد المؤمن : قد فعلت كذا وكذا يوم كذا وكذا فيقول المؤمن : ربي أعرف ، ربي أعرف ، فيقول الحق - جل جلاله : لكنني سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم (1) ...

فيعطيه صحيفة حسناته ويقال له : اذهب إلى الجنة فينطلق وكتابه بيمينه ، وقد فاز فوزاً لا خسران بعده ، وسعد سعادة لا شقاء بعدها أبداً انطلق لإخوانه لأقرانه من أهل الإيمان ، انظروا شاركوني الفرحة والسعادة هذا كتابي بيميني {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } [الحاقة/19-24] .

أما إن كانت الأخرى – أعاذنا الله وإياكم من الأخرى – يعطيه الله كتابه بشماله ويقال: انطلق إلى أين ؟ إلى أمك الهاوية {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ{10} نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة/11،10] {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} خُذُوهُ فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ{32} إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ{33} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{34} فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ{35} وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ{36} لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ } [ الحاقة/25-37].

روى البخاري ومسلم من حديث عائشة، أن النبي r قال: ((من نوقش الحساب يوم القيامة عُذّب)) . قالت عائشة: يا رسول الله أليس الله يقول: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ{7} فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق/8،7] ؟ قال: ((ليس ذلك الحساب إنما ذلك العرض فمن نوقش الحساب يوم القيامة عذب )) ([9]).

وسط هذا الهول ينادي الله تبارك وتعالى على طائفة من أمة الحبيب المصطفي r لتنطلق مباشرة إلى الجنة من غير حساب ، ولا عذاب – اللهم اجعلنا منهم يارب .

روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: (( يدخل الجنة من أمتي يوم القيامة زمرة تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر([10]) هؤلاء إلى الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب)) .

روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس قال r: ((عرضت عليّ الأمم – أي ليلة المعراج كما في رواية للترمذي بسند حسن ((عرضت عليّ الأمم – فرأيت النبي ومعه الرهط ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان، ورأيت النبي وليس معه أحد وبينا أنا كذلك إذا رفع لي سواد عظيم)) أي: رأى النبي r سواداً عظيماً في طريقه إلى الجنة فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وهذه كرامة لنبي الله موسى ((هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم وقيل لي: انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم وقيل لي : هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ))(1) .

وفي رواية الإمام أحمد وسنن البيهقي بسند حسنه الحافظ ابن حجر وصححه الألباني بمجموع طرقه ، من حديث أبي هريرة أن النبي r قال: (( سألت ربي – عز وجل – فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا على صورة القمر ليلة البدر فازددت ربي – عز وجل – فزادني مع كل ألف سبعين ألفا )) قال: ((ثم يحثي ربي بكفه ثلاث حثوات)) فكبر عمر بن الخطاب وقال: الله أكبر فقال المصطفى r ((وإن السبعين ألفا الأول يشفعهم الله في آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم وإني لأرجو أن تكون أمتي أدنى الحثوات الأواخر ))(2) .

يا لها من كرامة أن تنطلق إلى الجنة في هذا الهول بغير حساب، وبلا سابقة عذاب، اللهم اجعلنا من هؤلاء السعداء بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

وبعد الحساب ميزان، بعد كل هذا ميزان ونحن نؤمن بميزان له كفتان وله لسان لا يعلم قدره وحقيقته إلا الله {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ{6} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{7} وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ{8} فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ{9} وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ{10} نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة/6-11]، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء/47]، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ } كلا، كلا إنما هو ميزان واحد، وإنما اللفظ جمع على اعتبار ما يوضع في الميزان لا على اعتبار الميزان ذاته .

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فمن أهل العلم من قال: يوضع في الميزان الأعمال والأعمال كثيرة وهنا شكك بعض أهل التشكيك ، وقالوا: كيف توضع الأعمال في الميزان والأعمال جواهر وليست أعراضاً تُوزن ؟ كيف يُوزن التسبيح ؟ كيف تُوزن الصلاة كيف يُوزن التوحيد ؟ كيف يُوزن الذكر .

والجواب: أن الله– جل وعلا– قادر على أن يحول الجواهر إلى أعراض والأعراض إلى جواهر توضع في الميزان يوم القيامة بحسب الحسنات والسيئات .

ففي الصحيحين أن النبي r قال: ((كلمتان خفيفتان حبيبتان للرحمن ثقيلتان في الميزان – هما – سبحان الله وبحمد سبحان الله العظيم )) ([11]) .

وفي صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعتن أن النبي r قال: ((يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله – اللهم اجعلنا من أهل القرآن العاملين به - يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وسورة آل عمران كأنهما غمامتان – أو غيايتان أو غيابتان أو فرقان أو حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة)) ([12]).

فالأعمال جواهر يحولها الله إلى أعراض توضع في الميزان بحسب الحسنات والسيئات، ومن أهل العلم من قال: يوضع في الميزان العامل نفسه، العامل ذاته واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم وغيره أن النبي r قال – والحديث في الصحيحين وغيرهما أنه – صلى الله عليه وآله وسلم – قال : (( يؤتى بالرجل السمين العظيم يوم القيامة ، فلا يزن عند الله جناح بعوضة )) .. فلا يزن عند الله جناح ذبابة ثم قال: ((اقرأوا إن شئتم قوله تعالى : {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً }(1) [الكهف/105])) .

واستدلوا بما رواه أحمد وغيره بسند صحيح أن عبد الله بن مسعود صعد يوما على شجرة أراك/ ليجني سواكاً فجعلت تكفؤه فضحك القوم فقال النبي r: ((مم تضحكون؟)) قالوا: من دقة ساقيه يا رسول الله ، فقال المصطفى r: ((والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان بوم القيامة من جبل أحد ))(2).

ومن أهل العلم من قال: بل يوضع في الميزان الصحف، صحف الأعمال واستدلوا عل ذلك بما رواه أحمد والطبراني وابن حبان والبيهقي والحاكم وغيرهم بسند صحيح من حديث أبي هريرة أنه r قال : (( إن الله يستخلص رجلا من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق وينشر على تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر فيقول له : أفلك عذر ؟ فيقول : لا ، يارب فيقال : أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب فيقال : احضر تعال وزنك لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله فيقول العبد : يارب ما هذه البطاقة إلى هذه السجلات ؟! قال احضر وزنك لا ظلم عليك اليوم ، قال : فتوضع السجلات في كفة وتوضع البطاقة في كفة )) قال المصطفى r : (( فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فإنه لا يثقل مع اسم الله شيء))(3).

وأرى أنه لا تعارض بين الأقوال فلا حرج أن يوضع في الميزان العبد العامل ، والصحف والأعمال كل ذلك يوضع في الميزان .

قال القرطبي : الحساب لتقرير الأعمال ، والميزان لبيان مقدارها ، ليجازي الله العباد بحسبها .

وبعد الميزان صراط ، والصراط : جسر يضرب على متن جهنم – نتعرف عليه في عجالة بعد الاستراحة ، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ..
يا أيها الأحبة: وبعد الميزان صراط: جسر يضرب على متن جهنم كهذه القنطرة التي ضربت على متن هذه الترعة {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً{71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } [ مريم/72،71]. سئل النبي r عن الصراط أو عن الجسركما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد ([13]) عن النبي r: ((دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك ، تكون بنجد فيها شويكة يقال لها: السعدان ، فيمر المؤمنون)) أو مذلة أي مواطن تذل عليه الأقدام ، إلا من ثبت الله قدميه اللهم ثبت أقدامنا على الصراط، ((فيمر عليه المؤمنون كالطود وكالبرق وكالريح ، وكالطير ، وكأجاويد الخيل والركاب)) كالفارس الذي يركب جواده ((فناج مسلم)) اجعلنا يا سيدي منهم ((ومخدوش مرسل ، ومكدوس في نار جهنم)) فعلى الصراط الكلاليب: جمع كلوب، وخطاطيف: جمع خطاف، وحسك: نوع من أنواع الشوك يشبه الخطاف.

أرجو أن تتصور معي أن هذه الكلاليب والخطاطيف والحسك تعرف بأمر ربها من تخطف إلى جهنم ، ومن تسمح له أن يمر إلى الجنة ، عليه خطاطيف وكلاليب ، وحسك وبعد الصراط قنطرة قد لا يعرف عنها كثير من المسلمين أي شيء .

وحديث القنطرة في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن الحبيب النبي r قال: (( إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار ، فيتقاصون مظالم كانت بينهم حتى إذا هذبوا ونقوا أذن الله لهم بدخول الجنة )) قال : (( فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى – أي : أعرف – بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا ))(1). يعني : سينطلق المؤمنون بعد هذا القصاص ، كل إلى مكانه في الجنة لا يسأل عن بيته في الجنة ملكاً مقربا ولا نبي مرسلا ، لأن الله عرفه منزله في الجنة كما سينطلق هذا الجمع الآن بعد قليل كل فرد إلى بيته لن تسأل عن بيتك أحدا من الناس .

لا أريد أن أتوقف عن النار ، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار ، فالطعام في النار نار ، والشراب في النار نار ، والثياب في النار نار .

طعام أهل النار زقوم وضريع وغسلين، فإذا تأججت النار في البطون استغاثوا وسألوا ربهم أن يغيثهم بماء فأغاثهم {بِمَاء كَالْمُهْلِ} أي: كالزيت الذي يغلي {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف/29]. حتى الثياب تفصل لهم في النار من نار قال – جل وعلا:{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ{19} يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ{20} وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج/19-21] فيستغيث أهل النار بخزنة جهنم {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ{49} قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } [ غافر/50،49].

فيتذكر أهل النار مالكا خازن النار: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} يريدون أن يقضي الله عليهم حتى لا يتعرضون لهذا العذاب {قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} [الزخرف/77] فيتذكر أهل النار إخوة لهم دخلوا الجنة ، كانوا معهم في الدنيا فينادي أهل النار على هؤلاء الموحدين : {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ{50} الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [الأعراف/51،50] فيستغيث أهل النار بالعزيز الغفار والواحد القهار ، {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ{106} رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ{107} قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون/ 106- 108].

هذا رد ربك .

أما الجنة اللهم – اجعلنا من أهلها – ففيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعن ، ولا خطر على قلب بشر لن أستهل بآيات ، ولا بأحاديث فالوقت لا يتسع لذلك ، لكن اسمح لي أن اذكر حديثا واحداً يبين فيه نبينا الصادق منزلة أدنى رجل في الجنة ، وتصور أنت بعد ذلك نعيم الجنة .

وحديث هذا الرجل في حديث مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي r قال: (( سأل موسى بن عمران )) على نبينا وعليه الصلاة والسلام ((سأل ربه عز وجل وقال: يارب ما أدنى أهل الجنة منزلا ؟ فقال الرب جل وعلا لموسى: ذاك رجل يجيء فيقال له: ادخل الجنة فينطلق ثم يعود إلى الله ويقول: يارب قد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم)).

يعني: لا مكان لي في الجنة ، الجنة مشغولة شغلت كل الأماكن فيها يقول الرب جل وعلا: أترضى أن يكون لك ملكك في الجنة كملك ملك من ملوك الدنيا .

وقد لا نعرف نحن جميعا ملك من ملوك الدنيا (( فيقول العبد للرب: رضيت يارب رضيت)) أن يكون ملكي في الجنة كملك ملك من ملوك الدنيا رضيت يارب ((فيقول الرب – جل وعلا )) وفقط ، لأن الذي يكلمه الكريم ((لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فيقول العبد في المرة الخامسة: رضيت يارب فيقول الرب جل جلاله: لك ذلك وعشرة أمثاله معك قال موسى: يارب هذا أدنى أهل الجنة منزلة فما أعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين غرست كرامتهم بيدى وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ))(1) .

أيها الحبيب اللبيب: هل ستتوب؟ هل ستتوب الآن؟ هل ستتوبين الآن بعد كل هذه الكلمات الرقراقة من كلام ربي وكلام نبينا r هل ستتوب؟ هل ستحقق التوحيد؟ هل ستحافظ على الصلاة؟ هل ستحافظ على أكل الحلال؟ هل ستحقق من الآن بر والديك؟ هل ستحسن من اليوم إلى جيرانك في البيت وإلى جيرانك في الوظيقة والعمل ؟ هل ستتخلى من اليوم عن أكل الربا ؟ هل سترد حقوق اليتامى اليوم إليهم ؟ هل سترجع اليوم إلى جارك الذي آذيته ، لتعتذر له ؟ هل سترجع في الصباح الباكر إلى موظفك أو مرؤوسك في العمل ؟ لتعتذر له بعد أن ظلمته ؟ هل سترد الحقوق إلى أهلها ؟ هل ستلبسين الحجاب أيتها المسلمة ؟ هل سنكف وآسفاه ، إن دعينا بعد كل هذا إلى التوبة ، وما أجبنا ، واحسرتاه إن دعينا بعد كل هذه الكلمات إلى التوبة ، وما أنبنا .

يا نادما على الذنوب أين أثر ندمك ؟ يا نادما على الذنوب أين أثر ندمك ؟

أين بكاؤك على زلة قدمك ؟ هيا الآن قبل أن ترجع إلى البيت ، عاهد ربك .

وأنت أيها المسلم يا من تستمع إلى عبر شريط الكاسيت ، هيا الآن قبل أن تغلق الكاسيت والجهاز ، عاهد ربك اللحظة على التوبة ، على الإنابة ، على الأوبة ، ارجع مهما كانت معاصيك ، مهما عظمت ذنوبك ، اقرع باب الملك بقلبك ، فإن أبواب الملوك لا تقرع بالأظافر ، كيف وأنت تطالب الآن بقرع باب ملك الملوك – جل جلاله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر/53] .

واعلم أن الله سيفرح بتوبتك وأوبتك ، وهو الغنى عن العالمين ، لا تنفعه الطاعة ، ولا تضره المعصية .

الآن، الآن عاهد ربك على تحقيق التوحيد، على المحافظة على الصلوات، على المحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغير منكر والدعوة إلى الله بأي وسيلة من الوسائل، عاهد ربك على أن تكون عبدا يعيش في الدنيا، وقلبه معلق بالآخرة, عاهد ربك على أن تكون بعد هذا اللقاء إنسانا مختلفا تمام الاختلاف .

فالتوبة التوبة : هي العودة من المعصية إلى الطاعة ، هي العودة عن كل ما يغضب الله إلى كل ما يرضي الله - سبحانه وتعالى .

أيها الشاب الحبيب اللبيب ، أيها الوالد الكريم ، أيتها الأم الكريمة ، أيتها الأخت الفاضلة ، أذكر نفسي والمسلمين جميعا بالعودة إلى الله – عز وجل – فالدنيا مهما طالت، فهي قصيرة ومهما عظمت فهي حقيرة ، لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر .

ليس معنى ذلك أننا ننادي على المسلمين أن يتركوا الدنيا ، كلا كلا إنما قلت في ثنايا اللقاء : الدنيا دار صدق فيها من صدقها ، ودار نجاة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها فهي مصلى الأنبياء ، ومتجر أولياء الله ، ربحوا فيها الرحمة واكتسبوا فيها الجنة.

هذا وما كان من توفيق ، فمن الله وحده ، وما كان من خطأ أو سهو ، أو نسيان فمني ومن الشيطان ، وأعوذ بالله أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ، ويلقى به في النار ، ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه وأقم الصلاة .



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



(1) [صحيح] : أخرجه البخاري في كتاب الرقائق ، باب قول النبي r : (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))(6461). والترمذي في كتاب الزهد ، باب ما جاء في قصر الأمل (2233) ، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1157) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب (54) ، رقم (3481) ، ومسلم في كتاب التوبة ، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (2756/26،25) ، والنسائي في كتاب الجنائز ، باب أرواح المؤمنين وغيرهم (2078) ، وابن ماجه في كتاب الزهد ، باب ذكر التوبة (4255) ، وأحمد في المسند (2/269) من حديث أبي هريرة ، وأخرجه مسلم في كتاب التوبة ، باب سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (2757/27) ، وأحمد في المسند (3/17،13) من حديث أبي سعيد الخدري .

(2) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، باب الله الصمد (4975،4974) ، والنسائي في كتاب الجنائز ، باب أرواح المؤمنين وغيرهم (2077) ، وأحمد في المسند ( 2/300) .

(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى ، عند الموت (2878/83) ، وأحمد في المسند (3/336،331) .

(2) أخرجه الحاكم في المستدرك (2/478) ، وصححه ووافقه الذهبي وابن جرير في التفسير (27/223) ، وابن أبي شيبة في المصنف (7/107) ، وابن كثير في التفسير (1/56) والسيوطي في الدر المنثور (852) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والحاكم وصححه .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز ، باب الحنوط للميت(1266) ، وباب كيف يكفن المحرم (1268،1267) ، ومسلم في كتاب الحج ، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات (1206/93-98) .

(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير ، باب من يجرح في سبيل الله (1876/103-106) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقائق ، باب الحشر (6527) ، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب فناء الدنيا ، وبيان الحشر يوم القيامة (2859/56) ، وابن ماجه في كتاب الزهد ، باب ذكر البعث (4276) .

(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب صفة يوم القيامة ، أعاننا الله على أهوالها (2864/62) .

(2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق ، باب الحشر (6523) ، ومسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب يحشر الكافر على وجهه (2806/54).

(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق ، باب الحشر (6523) ، ومسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب يحشر الكافر على وجهه (2806/54) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ، باب كلام الرب – عز وجل – يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم (7514) ، ومسلم في كتاب التوبة ، باب قبول توبة القاتل ، وإن كثر قتله (2768/52) ، وأحمد في المسند (2/105،74) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق ، باب من نوقش الحساب عذب (6536) ، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2876/80،79) ، وأحمد في المسند (6/127،91) .

(2) أخرجه البخاري في الرقاق ، باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب بغير حساب (6542) ، ومسلم في كتاب الإيمان ، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب (216/369) ، وأحمد في المسند (2/400) .

(1) أخرجه البخاري في الرقاق ، باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب بغير حساب (6541) ، ومسلم في كتاب الإيمان ، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب (220/375،374) .

(2) أخرجه أحمد في المسند (2/359) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/404) وقال : (( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح )) . وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/473) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب فضل التسبيح (6406) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء (2694/31) .

(2) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين ، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (805/253) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، باب {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} الآية (4729) ، ومسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم باب صفة القيامة والجنة والنار (2785/18) من حديث أبي هريرة والآية من سورة الكهف رقم (105) .

(2) [صحيح] : أخرجه أحمد في المسند (1/421) ، والطبراني في الكبير (11/153) .

(3) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان ، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله (2639) وقال : هذا حديث حسن غريب ، وابن ماجه في كتاب الزهد ، باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة (4300) ، وأحمد في المسند (2/213) من حديث عبد الله ابن عمرو – رضي الله عنه .

(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب معرفة طريق الرؤية (183/302) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب المظالم باب قصاص المظالم (2440) ، وأحمد في المسند (3/94) .

(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (189/312) . جميعا عن الغيبة والنميمة ؟ هل سنجدد التوبة والآوبة إلى الله ونقول قولة السابقين {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }[البقرة/285]
 
9 قذف المحصنات الغافلات المؤمنات للشيخ محمد حسان

بسم الله الرحمن الرحيم

قذف المحصنات الغافلات المؤمنات

إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
آل عمران102.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[الأحزاب71،70 ]

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.

أحبتي في الله ......

هذا هو لقاءنا الأخير مع السبع الموبقات التي حذر منها النبي r في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال: (( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟

قال ((الشرك بالله، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكلُ مال اليتيم، وأكلُ الربا، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات))(1).

ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة الأخيرة ألا وهي

قذف المحصنات الغافلات المؤمنات

وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في العناصر التالية.

أولاً : المعنى اللغوي.

ثانياً : شروط القذف وبما يثبت؟

ثالثاً : حكم القذف وعقوبته في الدنيا والآخرة.

رابعاً : نموذج من القذف البشع.

وأخيراً : صور مشرقة.

فأعيروني القلوب والأسماع، فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان .

أولاً : المعنى اللغوي.

جاء في لسان العرب لابن منظور :

القذف هو : الرمي والسَّب

ومعناه هنا : رمي المرأة بالزنا أو ما كان في معناه .

والمحصنات : جمع محصنة وهي المرأة المتزوجة .

والُمحْنَةُ ، والُحْصِنةُ كذلك : هي المرأة العفيفة البعيدة عن الريبة والشك .

والغافلات : من الغفلة ، وهي الترك والسهو .

والغافلات: هن البريئات الطوايا المطمئنات النفس لأنهن لم يفعلن شيئا يحذرونه، ويخفن منه.

ثانياً : شروط القذف وبما يثبت .

إن القذف لا يصبح جريمة تستحق الجلد إلا بشروط منها ما يجب توفره في القاذف ومنها ما يجب توفره في المقذوف ، ومنها ما يجب توفره في الشيء المقذوف به.



الشروط التي يجب توفرها في القاذف وهي :

*: العقل والبلوغ والاختيار .

وهذه الشروط هي أصل التكليف فإذا كان القاذف مجنوناً أو صغيراً أو مُكْرها فلا حد عليه . لقول النبي r في الحديث الذي رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والحاكم وغيرهم من حديث عليّ وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع أنه r قال : (( رُفِعَ القلمُ عن ثلاث ، عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ))

وفي لفظ ((عن المعتوه حتى يعقل)) ([1])

ولقوله r في الحديث الذي رواه الطبري عن ثوبان وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع أنه r قال : ((رُفِعَ)) ، وفي لفظ ((وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .)) ([2])

الشروط التي يجب توفرها في المقذوف وهي :

· العقل

· البلوغ (أيضاً) فلا يحد من قذف الصغير أو الصغيرة ، ولكن الإمام مالك رحمه الله يقول : إذا قذف بنتا قبل البلوغ ولكنها من الممكن أن يزنى بها والعياذ بها ، فإنه يستحق الحد لأنه قد يفسد عليها مستقبلها ويؤذي أهلها .

ولكن جمهور العلماء قالوا يَزر ، ولا حد عليه

· الإسلام : أي أن يكون المقذوف مسلماً

· العفة : أي يكون المقذوف عفيفاً بريئاً من فعل الفاحشة التي رمي بها .

· الحرية : أي أن يكون المقذوف حراً وإن كان قذف الحر للعبد محرماً .

لما رواه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص أنه r قال :

((من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قاتل )) ([3])

ولما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ، وهذا لفظ البخاري في كتاب الحدود أنه r قال :

(( من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جُلِدَ يوم القيامة إلا أن يكون كما قال )) ([4])

الشوط التي يجب توفرها في المقذوف به وهي :

التصريح بالزنا أو التعريض الظاهر الذي يفهم منه القذف ويستوي في ذلك القول والكتابة.

ويثبت حد القذف بأحد أمرين

* إما بإقرار القاذف نفسه .

* أو بشهادة الشهود عليه .

ثالثاً : حكم القذف وعقوبته في الدنيا والآخرة .

أحبتي في الله :

إن الإسلام منهج حياة متكامل لا يقوم أساسا على العقوبة ، إنما يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة ، وتحقيق الضمانات والوقاية .

ثم يعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ بهذه الأسباب الميسرة والضمانات الأمنية ليتمرغ في أحوال المعصية طائعاً مختاراً أو غير مضطر

ومن ثم يشدد الإسلام في عقوبة القذف جزافا هذا التشديد ويتوعد عليها بأشد الوعيد ، لأن ترك الألسنة تلقي التهم جزافا بدون بينة أو دليل بترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقذف بتلك التهمة النكراء ، ثم يمضي آمنا مطمئنا فتصبح الجماعة وتمسي ، وإذا أعراضها مجرحة وسمعتها ملوثة

وإذا كل فرد فيها متهم ومهدد بالاتهام !!

وإذا كل زوج فيها يشك في زوجه !!

وكل رجل فيها يشك في أصله !!

وكل بيت فيها مهدد بالانهيار !!

وهي حالة من الشك ، والقلق والريبة لا تطاق !! ([5])

ومن هنا ..... صيانة للأعراض وحماية للمجتمع ، شدد الإسلام في عقوبة القذف .

وأوجب عل القاذف إذا لم يقم البنية ثلاثة أحكام وهي :

الأول : أن يجلد ثمانين جلدة .

الثاني : أن ترد شهادته أبدا .

الثالث : أن يصبح فاسقاً ليس بعدل لا عند الله ولا عن الناس وهذا كلام متفق عليه بين العلماء ، ما لم يتب القاذف إلى الله جل وعلا .

وهذه الأحكام الثلاثة نصت عليها آية محكمة واحدة من سورة النور قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{4} إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور 5،4] .

أخرج أحمد وعبد الرزاق وأبو داود ، وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن مردوية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

لما نزلت هذه الآية قال سعد بن عبادة سيد الأنصار رضي الله عنه أهكذا أنزلت
يا رسول الله ؟!

فقال رسول الله r :

((يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقوله سيدكم ؟))

فقالوا : يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور ، والله ما تزوج امرأة قط إلا لكرا ، وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منَّا على أن يتزوجها من شدة غيرته .

فقال سعد بن عبادة رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني لأعلم أنها الحق، وأنها من الله ، ولكني تعجبت أني لو وجدت (لُكاعّا) – أي امرأة – قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى يأتي بأربعة شهداء فوالله لا آتي بهم إلا وقد قضى حاجته ))(1)

وفي رواية البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال :

(( لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فبلغ ذلك رسول الله r فقال: أتعجبون من غيرة سعد ؟ والله لأنا أغير منه والله أغير مني ، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ))(2)

وبالفعل لم يلبثوا إلا يسيرا ، وقد وقع ما ذكره سعد بن عبادة رضي الله عنه .

ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ، وأحمد من غيرهم من حديث ابن عباس رضي الله عنها قال :

فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشاءً فوجد عند امرأته رجلا يزني بها يقال له شريك بن سحماء فرأى هلال بن أمية بعينيه ، وسمع بإذنيه فلم يهيجه، حتى أصبح فغدا على رسول الله فقال : يا رسول الله ، إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني !!

فكره رسول الله ما جاء واشتد عليه واجتمعت عليه الأنصار ، وقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة .

وهكذا أيها الأحبة قذف هلال بن أمية زوجته عند النبي r بشريك بن سمحاء .

فقال النبي r : (( البينة أو حد ظهرك )).

فقال هلال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة ؟

فجعل النبي يقول : (( البينة ، أو حد ظهرك ))

فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبريء ظهري من الحدِّ! يقول ابن عباس : فوالله إن رسول الله يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله الوحي، وكان إذا نزل الوحي عرفوا ذلك فأمسكوا حتى فرغ من الوحي .

فنزل قول الله تعالى(*) :{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ{6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ{7} عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ{8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ{9} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } [النور: 6-10].

فَسُرِّيَ عن رسول الله وقال :

((أبشر يا هلال فلقد جعل الله لك فرجا ومخرجا)) فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي عز وجل فقال رسول الله : ((أرسلوا إليها )) فجاءت .

فتلا النبي r عليهما الآيات فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا .

فقال هلال : والله يا رسول الله لقد صدقت .

فقالت زوجته : كذب

فقال رسول الله : (( لاعنوا بينهما ))

فقيل لهلال : اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين .

فلما كانت الخامسة : قيل يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة عليك العذاب .

فقال هلال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها .

فشهد في الخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين .

ثم قيل للمرأة إشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين .

وقيل لها عند الخامسة : اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة عليك العذابك .

فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف .

ثم قالت : والله لا أفضح قومي .

فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين !! .

فَفَرَّق رسول الله r بينهما وقضى بأن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها .

ثم قال رسول الله: ((إن جاءت به (أي ولدها) أكحلُ العينين سابغ الألْيَتَيْن خَدَلَّج الساقين فهو لشريك بن سحماء))

فجاءت به كذلك .

فقال رسول الله : (( لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن )) ([6])

وثبت أيضاً في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي أن آيات اللعان نزلت في عُويمر العجلاني .

ويتبين لنا أيها الأحبة أن اللعان بمنزلة البينة للرجل الذي رأى مع امرأته رجلاً ولا يمكنه أن يأتي بالبينة .

ويترتب على اللعان الأحكام التالية :

أولاً : الفرقة بين الرجل وزوجته .

ثانياً : تحرم عليه تحريماً أبدياً .

ثالثاً : ينتفي عنه النسب فلا ينسب الولد إليه .

رابعاً : يسقط عنه حد القذف .

خامساً : وجب على المرأة الرجم .

فإذا لا عنت الزوجة أيضاً وشهدت أربع شهادات بالله أن زوجها لمن الكاذبين ثم قالت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان زوجها من الصادقين فيما رماها به .

فإنه لا يتعلق بلعانها إلا حكم واحد وهو سقوط الحد عنها .

هذا هو حكم القذف . وهذه هي عقوبة القاذف في الدنيا .

أما عقوبته في الآخرة فإنها والله لقاسية يقول الله عز وجل :

{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{23} يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{24} يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور : 23-25]

رابعاً : نموذج من القذف البشع

من هذه النماذج البشعة ما حدث للطاهرة العفيفة .. الحصان الرزان الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها !!

وتعالوا بنا أيها الأحباب نستمع إلى القصة كما ترويها أمنا أم المؤمنين عائشة تقول رضي الله عنها وأرضاها :

كان رسول الله r إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه .قالت : فأقرع بيننا في غزاة غزاها ، فخرج سهمي فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه .

فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار وفي رواية : جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه .

وأقبل الرهط الذي كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوا على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن ولم يغشهن اللحم وإنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا .

فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس فيه أحد فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت. وكان صفوان ابن المعطل السلمي ثم الذكواني عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني .

وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهه بجلبابي والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه .

وهوى حتى أناخ راحلته فوطيء عليها يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش قالت : فهلك من هلك في شأني وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول.

والحديث بطوله رواه البخاري ومسلم وغيرهما .

وفي بعض الروايات أن عبد الله بن أبي سلول لما رأى صفوان بن المعطل رضي الله عنه جاء مقبلاً يجر الراحلة بهودج أم المؤمنين رضي الله عنها .

قال رأس النفاق : من هذا ؟

قالوا : أم المؤمنين عائشة ،

فقال رأس النفاق : والله ما نجت منه ولا نجا منها !!

ثم قال – وبئس ما قال – امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها .

يا لها من قولة خبيثة .. يا لها من قولة شديدة آثمة وطير المنافق هذه القولة وتناولتها عصابات النفاق .. وسقط في الهاوية بعض المسلمين ولاكت ألسنتهم هذه الفرية المرعبة!!

وماجت المدينة المطهرة بهذا الخبر الأليم شهراً كاملا!!

الله أكبر ... رسول الله يرمى في طهارة فراشه وهو الطاهر الذي فاضت طهارته على العالمين !!

رسول الله يرمى في صيانة حرمته وهو القائم على صيانة الحرمات في أمته!!

ها هو رسول الله يرمى في كل شيء حين يرمى في عائشة !!

يرمى في فراشه !! يرمى في شرفه !! يرمى في قلبه !! يرمى في رسالته !!

ولحكمة يعلمها اللطيف الخبير العليم يدع الله هذا الأمر شهراً كاملاً لا تنزل فيه آية على رسول الله r !!

ورسول الله r يتألم آلاماً تنوء الجبال الراسيات بحملها .

وها هي عائشة الصديقة ترمى في أعز ما تعتز به أي امرأة !!

ترمى في شرفها وهي التي ترتبت في العش الطاهر الرفيع !!

ترمى في إيمانها وهي الزهرة التي تفتحت في حقل الإسلام وبستان الوحي !! وعلى
يد مَنْ؟!

على يد سيد البشر محمد r .

وها هو أبو بكر الصديق يحطمه الألم وهو يرمى في عرضه !!

وفي من ؟! في ابنته زوج رسول الله r صاحبه وحبيبه ونبيه ورسوله الذي آمن به وصدقه.

ولكنه الصابر المحتسب القوي على آلامه وجراحه .

فيقول بمرارة مريرة :

والله ما رمينا بهذا في الجاهلية أفنرمى به في الإسلام !!

وها هو الصحابي الجليل الطيب الطاهر المجاهد في سبيل الله صفوان بن المعطل يرمى بخيانة نبيه في زوجه !!

فيرمى بذلك في إسلامه وفي أمانته وفي شرفه !!

الله أكبر ... إنها خطورة الكلمة !!

ونعود إلى أمنا أم المؤمنين الصديقة الطاهرة الشريفة العفيفة عائشة رضي الله عنها عندما علمت أن الناس تلكموا غيها وفي عرضها

تقول : فقلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟! أي بالإفك .

قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي

فدعا رسول الله r علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استبلث الوحي([7]) يشيرهما في فراق أهله .

قالت : فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم

فقال أسامة : هم أهلك ([8])يا رسول الله ولا نعلمن والله إلا خيراً .

وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير([9])

قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أظن أن البكاء فالق كبدي .

قالت فبينما أبواي جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي .

فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله r فسلم ثم جلس .

قالت : ولم يجلس عندي من يوم قيل ما قيل ؟

وقد مكث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء .

قالت فتشهد رسول الله r حين جلس ثم قال :

((أما بعد يا عائشة إنه قد بلغني عنك كذا كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله – عز وجل – وإن كنت قد ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إن أذنب واعترف بذنبه وتاب إلى الله ، تاب الله عليه )) ([10])

فلما قضى رسول الله r مقالته قلص دمعي حتى ما أحس عنه قطرة فقلت لأبي أجب عني رسول الله r فيما قال !!

قال : والله يا ابنتي ما أدري ما أقول لرسول الله r .

فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله فيما قال .

قالت : والله يا ابنتي ما أدري ما أقول لرسول الله r .

قالت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن

فقلت : إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث الناس به حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به لئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترف لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال :

{وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف/18] .

ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببرائتي .

ولكن والله ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحياً يتلى ، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري .

ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله r في النوم رؤيا يبرئني الله بها قالت : فوالله
ما رام([11]) رسول الله r مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله على نبيه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء([12]) حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي أنزل عليه .

قالت فَسُرِّ عن رسول الله r وهو يضحك وكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي : يا عائشة احمدي الله .

ومن الرواة من قال : أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك

فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله r .

فقلت : لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل برءتي فأنزل الله عز وجل.{إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ{11} لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ{12} لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{13} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{14} إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ{15} وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{16} يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{17} وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{18} إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }([13])[ النور / 11- 19] .

في مقابل هذه الصورة القاتمة البشعة (صورة الإفك) نرى هذه الصورة المشرقة الوضيئة.

إنه الفتى الذي لم يجاوز العاشرة من عمره إلا قليلاً .

إنه عمير بن سعد الذي مات أبوه وتزوجت أمه برجل ثري يقال له : الجلاس بن سويد الذي أحب عميراً حباً شديداً .

وفي السنة التاسعة للهجرة أمر النبي r المسلمين أن يستعدوا ويتجهزوا لغزوة تبوك وتسابق المؤمنون الصادقون وتكاسل المنافقون وذهب الفتى المؤمن عمير بن سعد ليقص على الجلاس ما رأى وما سمع من المؤمنين الصادقين الذين راحوا يبذلون كل ما يملكون لرسول الله r .

وإذ بالجلاس ينطق بعبارة تخرجه من الإسلام دفعة واحدة وتدخله في الكفر من أوسع أبوابه فلقد قال الجلاس لعمير : إن كان محمد صادقاً فيما يدعيه فنحن شر من الحمير !!!

فالتفت الفتى المؤمن عمير بن سعد إلى الجلاس وقال :

والله ما كان على ظهر الأرض أحد بعد رسول الله r أحب إليّ منك فأنت آثر الناس عندي وأجلهم على ولقد قلت مقالة إن ذكرتها فضحتك وإن أخفيتها خُنْتُ أمانتي وأهلكت نفسي وديني وقد عزمت على أن أمضي إلى رسول الله r وأخبره بما قلت فكن على بينة من أمرك . ومشى عمير بن سعد وأخبر النبي r بما سمع من الجلاس بن سويد . فاستبقاه الرسول r عنده وأرسل أحد أصحابه ليدعو له الجلاس فجاء الجلاس وحيا النبي r وجلس بين يديه .

فقال له النبي r : ما مقالة سمعها منك عمير بن سعد ؟!

وذكر له النبي ما قال . فقال الجلاس : كذب على يا رسول الله وافترى !! فما تفوهت بشيء من ذلك وإني أحلف بالله أني ما قلت شيئا مما نقله لك عمير !! والتفت الرسول r إلى عمير فرأى وجهه وقد احتقن بالدم والدموع تنحدر مدراراً من عينيه فتتساقط على خديه وصدره ، وهو يقول : اللهم أنزل على نبيك بيان ما تكلمت به واستجاب الله دعوة هذا الفتى المؤمن فغشيت رسول الله السكينة فعرفوا أنه الوحي فلزموا أماكنهم وسكنت جوارحهم ولاذوا بالصمت ، وتعلقت أبصارهم بالنبي r يتلو قول الله عز وجل :

{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}[التوبة:74]

فارتعد الجلاس من هول ما سمع ، وظل يصرخ : بل أتوب يا رسول الله !! بل أتوب يا رسول الله !! صدق عمير يا رسول الله وكنت من الكاذبين !!

وهنا توجه النبي r إلى الفتى البار .... إلى الفتى الصادق عمير بن سعد ودموع الفرح تبلل وجهه المشرق بنور الإيمان ، فمد الرسول الكريم يده الشريفة إلى أذن عمير وأمسكها برفق وقال : وفت أذنك ما سمعت وصدقك ربك يا عمير (1)

أسأل الله جل وعلا أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.



الدعاء





(1) رواه البخاري رقم (2766) في الوصايا ، باب قول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} ، وفي الطب ، باب الشرك والسحر من الموبقات ، وفي المحاربين ، باب رمي المحصنات ، ومسلم رقم (89) في الإيمان باب بيان الكبائر وأكبرها ، وأبو داود رقم (2874) في الوصايا ، باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم والنسائي (257/6) في الوصايا ، باب اجتناب أكل مال اليتيم .





(1) رواه أبو داود رقم (4401،4400،4399) في الحدود ، باب في المجنون يسرق أو يصيب أحدا ، واسناد حسن ، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع رقم (3513) .

(2) رواه الطبراني ، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع (3515) ، والإرواء (82) .

(1) رواه مسلم رقم (1660) في الإيمان ، باب التغليظ على من قذف مملوكه بالزنى ، وأبو داود رقم (5165) في الأدب ، باب في حق المملوك ، والترمذي رقم (1940) في البر والصلة ، باب النهي عن ضرب الخدم وشتمهم .

(2) رواه البخاري رقم (6858) في الحدود ، باب قذف العبيد .

(1) الظلال (2490/4) .

(1) رواه مسلم رقم (1498) في اللهان في فاتحته ، والموطأ (737/2) في الأقشية ، باب القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلا ، وأبو داود رقم (4532) في الديات ، باب فيمن وجد مع أهله رجل أيقتله ؟

(2) رواه البخاري رقم (6846) في المحاربين ، باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله ، وفي التوحيد ، باب لا شخص أغير من الله ، ورواه أيضاً تعليقا (279/9) في النكاح ، باب الغيرة ، ومسلم رقم (1499) في اللعان في فاتحته .

(*) قال الحافظ أبن حجر فى فتح البارى :

كذا فى هذه الرواية أن آيات اللعان نزلت على قصة هلال بن أمية ، وفى حديث سعد الماضى (4749) أنها نزلت فى عويمر ، ولفظة فجاء عويمر فقال يا رسول الله ، رجل وجد مع أمرأته رجلا أيقتله فتقتلونه ، أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله r : فد أنزل الله فيك وفى صاحبتك فأمرهما بالملاعنة.

وقد أخلف الأئمة فى هذا الموضوع : فمنهم من رجح أنها نزلت فى شأن عويمر ، فمنهم من رجح أنها نزلت فى شأن هلال ، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجئ عويمر أيضا فنزلت فى شأنهما معا فى وقت واحد.

وقد جنح النووى إلى هذا ، وسبقه الخطيب فقال : لعلهما اتفق كونهما جاءا فى وقت واحد .

ثم قال الحافظ : ولا مانع أن تعدد القصص ويتحد النزول ، ويحتمل أن النزول سبق بسبب هلال ، فلما جاء عويمر ولم يكن يعلم بما وقع لهلال أعلمه النبى r بالحكم، ولهذا قال فى قصة هلال "فنزل جبريل" وفى قصة عويمر "قد نزل الله فيك" فيؤول قوله قد أنزل الله فيك أى وفيمن كان مثلك ، وأما قوله لعويمر:"وقد أنزل فيك وفى صاحبتك" فمنعناه ما نزل من قصة هلال ، ويؤيد أنه فى حديث أنس عن أبى يعلى قال :"أول لعان كان فى الإسلام أن شريك بن سمحاء قذفه هلال بن أمية بأمرأته . أ. هـ [فتح البارى /8 4. 3 ، 5 .3 ط دار الريان للتراث بالقاهرة].

(1) رواه البخارى رقم (4747) فى التفسير سورة النور، باب "ويدرأ عنها العذاب" وفى الشهادات ، باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة، وفى الطلاق ، باب يبدأ الرجل بالتلاعن ، وأبو داود رقم (2254) فى الطلاق ، باب فى اللمعان والترمذى رقم (3178) فى التفسير باب ومن سورة النور.

(2) قال الحافظ فى الفتح : فوله استلبث الوحى بالرفع أى طال لبث نزوله وبالنصب أى أستبطأ النبى r نزول الوحى.

(2) قال الحافظ فى الفتح : هم أهلك أى العفيفة اللائقة بك ، وإطلاق الأهل على الزوجة شائع.

(3) قال الكرمانى : وإنما قال على رضى الله عنه ذلك تسهيلا للأمر على رسول الله r وإزالة لما هو ملتبس به، وتخفيفا لما شاهد فيه ، لا عداوة لها حاشاهم عن ذلك.

(4) قال الداودى أمرها بالاعتراف ولم يندبها إلى الكتمان ، للفرق بين أزواج النبى r.

= وغيرهن فيجب على أزواجه الاعتراف بما يقع منهن ، ولا يكتمنه إياه ، لأانه لا يحل لنبى إمساك من يفع منها ذلك بخلاف نساء الناس فإنهن يندبن إلى الشر.

(2) مارام : ما فارق .

(3) البرحاء : هى شدة الحمى.

(1) رواه البخارى رقم (2661) فى الشهادات باب تعديل النساء بعضهن بعضا ، ورواه أيضا فى الجهاد ، وفى المغازى ، وفى التفسير وفى الاعتصام وفى التوحيد ، ورواه مسلم رقم (2270) فى التوبة باب حديث الإفك ، وقبول توبة القاذف ، والترمذى رقم (3179) فى التفسير باب ، ومن سورة النور، والنسائى (163/1 ، 164) فى الطهارة ، باب بدء التيمم.

(1) ذكره السيوطي في الدر المنثور مختصرا وعزاه إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن أبي شيبة ، وابن إسحاق وغيرهم ، انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/371) ط . دار التراث بالقاهرة .
 
10 التوالى يوم الزحف للشيخ محمد حسان

بسم الله الرحمن الرحيم

التولي يوم الزحف

إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[الأحزاب71،70 ]

أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

أحبتي في الله ......

هذا هو لقاءنا السابع مع السبع الموبقات التي حذر منها النبي r في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال:

(( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟

قال (( الشرك بالله ، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ مال اليتيم ، وأكلُ الربا ، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات ))(1) .

ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة السادسة ألا وهي التولي يوم الزحف والتولي كما قال ابن منظور في لسان العرب في مادة ولى . وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في العناصر التالية :

أولاً : المعنى اللغوي .

ثانياً : تشريع الجهاد في الإسلام والهدف منه .

ثالثاً : فضل الجهاد .

رابعاً : وجوب الثبات أثناء الزحف .

خامساً : التولي يوم الزحف كبيرة من الكبائر .

وأخيراً : لا عزاء إلا بالجهاد .

فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان .

أولاً : المعنى اللغوي لقوله r والتولي يوم الزحف .

قال ابن منظور في لسان العرب (1) في مادة ولى

ولى الشيء ، وتولى أي أدبر ، ودنى عنه أي أعرض عنه ، وقد تكون التولية إقبالا كما في قوله تعالى :

{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:144]

أي أقبل بوجهك نحوه .

وقد تكون التولية إعراضا وانصرافا ، وإدبارا كما في قوله تعالى :

{ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [التوبة:25]

فالتولي يوم الزحف هو الإعراض والإدبار والفرار أمام العدو في ساحة الجهاد .

جاء في لسان العرب لابن منظور في مادة ولى وزحف .

إن التولي : هو الإدبار والإعراض والانصراف .

والزحف هو الشيء رويدا أي ببطء فالجيش الزاحف هو الذي يرى كثرته كأنه يزحف ويمشي ببطء لأنه يتحرك ككتلة واحدة وكجسم واحد .

وعليه فالتولي يوم الزحف : هو الإعراض والانصراف والإدبار والفرار أمام العدو من أرض المعركة .

ثانياً : تشريع الجهاد في الإسلام والهدف منه .

لقد أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق ، وأمره أن يدعو الناس جميعا لهذا الدين وخاطبه بقوله جل وعلا :{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:1-4]

فقام النبي r في ذات الله أتم قيام وشمر عن ساعده ودعا إلى الله ليلا ونهارا وسراً وجهراً إلى أن نزل عليه قول الله عز وجل :

{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } [الحجر:94]

فصدع بأمر الله فدعا إلى الله الصغير والكبير ، والحر والعبد والذكر والأنثى والأحمر والأسود .

فأبرقت قريش وأرعدت وأرغت وأزيدت ودقت طبول الحرب وأوعدت .

فلما اشتد الإيذاء والبلاء أمر النبي أصحابه أن يهاجروا إلى أرض الحبشة مرتين .

وتضاعف الإيذاء والابتلاء ومع هذا لم يأذن الله لرسوله بأن يقابل السيئة بالسيئة ، أو أن يواجه الأذى بالأذى ، أو أن يحارب هؤلاء الذين يحاربون الله ورسوله ، ويفتنوا المؤمنين والمؤمنات بل أمره بالعفو والصفح كما قال تعالى : {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } [الطور:48]

{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [الزخرف:89]

{فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [الحجر:85]

{قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الجاثية:14]

{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } [المؤمنون:96]

وتتابع الأذى والاضطهاد حتى بلغ ذروته بتدبير مؤامرة حقيرة لاغتيال رسول الله r فاضطر النبي r إلى الهجرة من مكة إلى المدينة ، وأمر أصحابه بالهجرة إليها بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة المباركة .

فلما استقر رسول الله r بالمدينة وأيده بنصره بعبادة المؤمنين من الأنصار الأبرار والمهاجرين الأطهار ، وأَلََّفَ الله بين القلوب ، وبذلوا نفوسهم دونه ، وقدموا محبته على محبة الآباء ، والأبناء ، والأزواج والأموال .

وهنا رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة وشمروا لهم عن ساق العداوة ، والمحاربة ، وأحاطوا بهم من كل ناحية .

وهنا أذن الله لمؤمنين في القتال ، ولم يفرضه عليهم دفاعا عن النفس ، وتأمينا للدعوة فقال تعالى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{40} الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } [الحج :39-41]

وفي السنة الثانية من الهجرة فرض الله القتال بقوله تعالى :

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة:216]

وقال تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{11} يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{12} وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ{13} } [الصف :10-13]

والله إنها لتجارة رابحة ، ولم لا ؟! وقد علق الله عليها مغفرة الذنوب ، والنصر في الدنيا والنجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة .

وبعد هذه التجارة الرابحة يأتي هذا العقد الجليل والوعد الكريم الذي أودعه الله جل وعلا أفضل كتبه المنزلة وهي التوراة والإنجيل ، والقرآن ويا له والله من عقد ما أعظم خطره ، وأجل قدره فالله جل وعلا هو المشتري والثمن جنات النعيم .

أما السلعة فهي الجهاد في سبيل الله ، بالأنفس والأموال .

فلما رأى التجار عظمة المشتري ، وقدر الثمن وجلالة قدر من جرى عقد
التبايع على يديه ، ومقدار الكتاب الذي أثبت فيه هذا العقد عرفوا أن للسلعة قدرا
وشأنا ، ليس لغيرها من السلع فرأوا أن من الخسران الكبير أن يبيعوها بثمن بخس
دراهم معدودة .

فعقدوا مع المشتري بيعة الرضا والرضوان .

فقال سبحانه : {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة:111]

فلما تم العقد وسلم الفائزون المفلحون السلعة الغالية أي أنفسهم وأموالهم قيل لهم : قد صارت أنفسكم وأموالكم لنا ، والآن قد رددناها عليكم أوفر وأكرم وأعظم ما كانت فقال سبحانه :

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }[آل عمران:169]

ثم بين إمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين شرف الجهاد وفضله فقال كما في الحديث الذي رواه البخاري وأحمد من حديث أبي هريرة أن النبي r قال : (( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة .(1)

وفي حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي r قال لأبي سعيد : (( من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولاً وجبت له الجنة فعجب لها أبو سعيد فقال : أعدها علي يا رسول الله ففعل ، ثم قال رسول الله : وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، قال : وما هي يا رسول الله ، قال : الجهاد في سبيل الله ))(1) (انظر زاد المعاد 78/3)

وفي الحديث الذي رواه البخاري وأحمد من حديث أبي عبس عبد الرحمن بن صير أن النبي قال : (( من أغَبَّرتْ قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النار ))(2)

وعن محمد بن المنكدر قال : مر سلمان الفارسي على شرحبيل بن السمط وهو في مرابط له ، وقد شق المقام عليه ، وعلى أكثر الصحابة فقال لهم سلمان : ألا أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله r ؟

قالوا : بلى .

قال سمعته يقول : (( رباط يوم وليلة في سبيل الله أفضل – أو قال : خير – من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عَمَلُهُ الذي كان يعملُهُ ، وأُجرِيَ عليه رزقُهُو وأَمِنَ الفتَّانَ ))(3)

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أـن النبي r قال : (( والذي نفسي بيده لا يُكْلَمُ أحد في سبيل الله – والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله – إلا جاء يوم القيامة اللَوْنُ لَوْنُ الدم والرَّيحُ ريح المسْك)) ([1])

وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أن النبي r قال : (( إن أرواح الشهداء في جوف طير خُضر ، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى ملك القناديل ، فاطَّلعَ إليهم ربُّهُمُ اطَّلاعةً فقال : هل تشتهون شيئاً ؟ فقالوا : أي شيء نشتهي ؟ ونحن نَسْرَحُ من الجنة حيث شئنا . ففعل ذلك ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يُتْرَكُوا من أن يُسأَلوُا قالوا : يارب ! أن تَرُدَّ أرواحنا في أجسادنا حتى نُقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا )) ([2])

ولذلك قال النبي لجابر بن عبد الله : (( ألا أخبرك ما قاله الله لأبيك )) قال بلى ، قال : (( ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وكلم أباك كفاحا )) فقال : يا عبدي تمن علي أعطك ، قال يارب تحييني فأقتل فيك ثانية ، فقال : إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون ، قال : يارب فأبغ من ورائي ، فأنزل الله تعالى : {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران:169]

ومن أجل هذا كله ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي r قال : (( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق )) ([3])

وأكتفي بهذا القدر من الأحاديث وإلا فهي كثيرة .

وأختم بهذه الأبيات المعبرة التي تبين شرف الجهاد وفضله .

والتي أرسل بها الإمام المجاهد العلم عبد الله بن المبارك لأخيه القانت الزاهد الورع عابد الحرمين الفضيل بن عياض يذكره فيها بشرف الجهاد في سبيل الله فيقول :

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
من كان يخضبُ خده بدموعه
أو كان يتعب خيله في باطل
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
ولقد أتانا من مقال نبينا
لا يستوي غبار خيل الله في
هذا كتاب الله ينطق بيننا






لعلمت أنك في العبادة تلعب
فنحورنا بدمائنا تتخضب
فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
وهج السنابك والغبار الأطيب
قول صحيح صادق لا يكذب
أنف امريء ودخان نار تلهب
ليس الشهيد بميت لا يكذب

رابعاً : وجوب الثبات في الجهاد

ولما كان هذا هو شرف الجهاد وفضله أمر الله جل وعلا بالثبات أثناء الزحف للقاء الكفار والمشركين .

لأن قلب المؤمن ينبغي أن يكون راسخاً ثابتاً لا تهزمه في الأرض قوة ما دام موصولا بالله القوي العزيز : {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }[يوسف:21]

ويجب أن يكون هذا القلبُ كذلك على يقين أن الآجال بيد الله وأن واهب الحياة هو الله ، وأنه إلى الله إن عاش حياً إلى الله إن كتبت له الشهادة ، ومن ثم جاء هذا الأمر الرباني الكريم بالثبات والصبر والذكر ، والذل لله والطاعة وعدم الكبر ، وعدم التنازع فقال سبحانه :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ{45} وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{46} وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال :45-47]

فهذه هي العوامل الحقيقية للنصر :

· الثبات عند لقاء العدو .

· كثرة الذكر لله عز وجل .

· الطاعة لله والرسول r

· البعد عن النزاع والخلاف .

· الصبر على تكاليف المعركة .

· الحذر من البطر والرئاء والبغي .

واستحباب الصحبُ الكرام الذين رباهم سيد الأنام عليه الصلاة والسلام لهذا الأمر الرباني الكريم وضربوا أروع الأمثلة في الثبات في ساحة الوغي وميدان البطولة والشرف حينما تصمت الألسنة الطويلة ، وتخطب السيوف والرماح على منابر الرقاب ، وأكتفي بهذا المشهد الكريم لأنس بن النضر الذي صرخ في الناس يوم أحد لما أشيع الخبر بأن رسول الله قد مات ، وبدأ الجيش ينسحب راجعا إلى المدينة معتقدا أن أمر هذا الدين قد انتهى .

قام أنس ليقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين .

ثن تقدم فلقيه سعد بن معاذ فقال : أين يا أبا عمرو فقال أنس : واهاً لريح الجنة يا سعد ، إني أجده دون أحد ، ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل فما عرف حتى عرفته أخته ببنانه وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورميته بسهم !! والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أنس(1)

خامساً : التولي يوم الزحف كبيرة من الكبائر

وبعد هذا الأمر بالثبات يأتي الأمر بعدم الفرار إلا في حالتين اثنتين وإلا فإن الفرار من أرض المعركة كبيرة من كبائر الذنوب تستحق غضب الله ونار جهنم والعياذ بالله .

فقال سبحانه وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ{15} وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال : 16،15]

والتحرف : هو ترك الموقف أو المكان إلى موقف أو مكان أصلح أو أفضل للانطلاق منه على العدو مرة أخرى وهذا من خُدع الحرب ومكائدها .

والتحيز : هو الانضمام إلى فئة أخري لمعاونتهم أو لطلب العون منهم .

وهكذا دلت الآية على أن من فر من موقع إلى موقع آخر لمعاودة القتال أو مريداً إلى فئة أخرى من المسلمين فإنه لا يكون داخلا في هذا الوعيد الشديد اللاحق بالفارين من الزحف .

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الفرار من الزحف ليس كبيرة من الكبائر .

واحتجوا لذلك بأن الآية نزلت في أهل بدر خاصة .

وزعم بعضهم أن الآية منسوخة بقوله تعالى :

{الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} [الأنفال :66]

فأجاز هؤلاء الفرار إذا زاد عدد الأعداء عن الضعف .

ولكن جمهور أهل العلم ذهبوا إلى أن محكمة عامة كما يقول الإمام ابن جرير الطبري رحمة الله تعالى :

وأولى التأولين عندي قول من قال : حكم الآية محكم ، وأنها نزلت في أهل بدر وحكمها ثابت في جميع المؤمنين .

وأن الله حرم على المؤمنين إذا لقوا العدو أن يولوهم الأدبار منهزمين إلا لتحرف لقتال ، أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام .

وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف للقتال منهزما بغير نية إحدى هاتين الخصلتين اللتين أباح الله التولية بهما ، فقد استوجب من الله وعيده إلا أن يتفضل عليه بعفوه .

وذكر الحافظ ابن كثير بأن الآية نزلت في أهل بدر ، ولكن هذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراماً على غير أهل بدر ، وإن كان سبب نزولها فيهم كما دل عليه حديث أبي هريرة من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير .

وأخيراً : لا عزاء إلا بالجهاد .

والله ما ضعفت الأمة وذلت وهانت إلا يوم أن ضيعت الجهاد الذي أمرها به لتعيش حميدة أو لتلقى الله شهيدة سعيدة .

والله ما ضاعت الأمة إلا يوم أن ضيعت الجهاد الذي جعله النبي r ذروة سنام هذا الدين.

وقد حرص أعداؤنا على أن يحولوا بين الأمة وبين الجهاد !!

وحاولوا بشتى الطرق على ألا نربي الأجيال المسلمة على روح الجهاد ، ولا على سير الأبطال المجاهدين لتظل الأمة ذليلة كسيرة مبعثرة كالغنم في الليلة الشاتية الممطرة .

وبالفعل لقد تضاءل كثيراً مفهوم الجهاد في حس المسلمين يوما بعد يوم حتى صارت الدعوة إلى الجهاد تقابل بشيء من الفتور البارد الشديد .

بل لا أكون مغاليا إن قلت حتى صارت الدعوة إلى الجهاد تقابل بشيء من الإنكار الشديد .

والحمد لله فقد أثبتت الأيام عمليا أن مجلس الأمن وهيئة الأمم وجميع المحافل لن تعيد للأمة المكلومة حقوقها ، ولن تعيد لمن يذبحون تذبيح الخراف دماءهم ، ولن ترد لهذه الأمة هويتها وكرامتها وسيادتها .

بل لا سبيل لذلك على الإطلاق إلا باحياء روح الجهاد في الأمة بتخليص النفوس ابتداء من الركون إلى هذا الوحل ، والخلود إلى هذا التراب والطين .

وقد شخص النبي الداء تشخيصا دقيقا وحدد الدواء كذلك تحديدا دقيقا ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وغيره من حديث ثوبان أنه r قال : (( يوشك الأمم أن تداعى عليكم ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها )) فقال قائل : من قلة نحن يومئذ ؟ قال : (( بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن )) قيل : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : (( حب الدنيا وكراهية الموت ))(1)

وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد ، وأبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : (( إذا تبايعتم بالعينة ، ورضيتم بالزرع وتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد في سبيل الله سَّلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ))(2)

أسأل الله العظيم أن يرفع علم الجهاد ، ويقمع أهل الزيغ والفساد وإنه ولي ذلك والقادر عليه

.......................... الدعاء

(1) رواه البخاري رقم (2766) في الوصايا ، باب قول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} ، وفي الطب ، باب الشرك والسحر من الموبقات ، وفي المحاربين ، باب رمي المحصنات ، ومسلم رقم (89) في الإيمان باب بيان الكبائر وأكبرها ، وأبو داود رقم (2874) في الوصايا ، باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم والنسائي (257/6) في الوصايا ، باب اجتناب أكل مال اليتيم .

(1) لسان العرب لابن منظور [414/15] .

(1) رواه البخاري رقم (2790) ، في الجهاد باب درجات المجاهدين في سبيل الله ، وفي التوحيد ، باب وكان عرشه على الماء ، وهروب العرش العظيم .

(1) رواه مسلم رقم (1884) في الإمارة ، باب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهدين في الجنة من الدرجات والنسائي (19/20،6) في الجهاد ، باب درجة المجاهدين في سبيل الله .

(2) رواه البخاري رقم (907) في الجمعة ، باب المشي إلى الجمعة ، وقول الله جل ذكره :{ َاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ، ومن قال السعي والعمل والذهب ، وفي الجهاد ، باب من غبرت قدماه في سبيل الله ، والترمذي رقم (1632) في فضائل الجهاد ، باب ما جاء في فضل من اغبرت قدماه في سبيل الله والنسائي (14/6) في الجهاد ، باب ثواب من أغبرت قدماه في سبيل الله .

(3) رواه مسلم رقم(1913) في الإمارة ، باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل ، والترمذي رقم (1665) في فضائل الجهاد ، باب ما جاء في فضل الرباط ، والنسائي (39/6) في الجهاد ، باب فضل الرباط ، وإسناده صحيح ، وقال الترمذي حسن صحيح .



(1) رواه البخاري رقم (2803) في الجهاد ، باب من يجرح في سبيل الله ، ومسلم رقم (1876) في الإمارة ، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله ، والموطأ (461/2) في الجهاد ، باب الشهداء في سبيل الله ، والترمذي رقم (1656) في فضل الجهاد ، باب ما جاء فيمن يكلم في سبيل الله ، والنسائي (28/6) في الجهاد ، باب من كلم في سبيل الله .

(2) رواه مسلم رقم (1887) فى الإمارة ، باب بيان أرواح الشهداء فى الجنة أنهم أحياء عند ربهم يرزقون.

(3) رواه مسلم رقم (1910) في الإمارة ، باب ذم من مات ولم يغز ، ولم يحدث نفسه بالغزو ، وأبو داود رقم (2502) في الجهاد ، باب كراهية ترك الغزو ، والنسائي (6/8) في الجهاد باب التشديد في ترك الجهاد ، وأخرجه أحمد في مسنده (3/374) .

(1) رواه البخاري رقم (2805) في الجهاد والسير ، باب قول الله عز وجل : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب:23]، ومسلم رقم (1903) من حديث أنس بن مالك في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد

(1) رواه أبو داود رقم (4297) في الملاحم باب في تداعي الأمم على الإسلام ، وفي سنده أبو عبد السلام صالح بن رستم الهامشي وهو مجهول ، ولكن رواه أحمد 278/5 من طريق آخر وسنده قوي ، وصححه شيخنا الألباني حفظه الله في الصحيحة .

(2) رواه أبو داود رقم (3462) في البيوع باب في النهي عن العينة ، وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة رقم (11) .
 
موضوع رائع

يا على كيدهم

موضوعكم نال أعجابنا وشكرا لكم على الطرح

نأمل منكم المزيد

جزاكم الله خيرا



سعدنا بتواجدكم
لا تحرمونا من هذه المشاركات الجميلة
والمواضيع الهادفة

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك


====================
ملحوظة : هذا رد آلي على الموضوع
 
11 قتل النفس التي حرم الله للشيخ محمد حسان

بسم الله الرحمن الرحيم

قتل النفس التي حرم الله



إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[الأحزاب71،70 ]

أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .


أحبتي في الله ......

هذا هو لقاءنا الرابع مع السبع الموبقات التي حذر منها النبي r في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال:

(( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟

قال (( الشرك بالله ، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ مال اليتيم ، وأكلُ الربا ، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات ))(1) .

ونحن اليوم على موعد مع الكبيرة الثالثة في هذا الحديث ألا وهي قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق .

ونظراً لطول الموضوع فسوف أركز حديثي مع حضراتكم في العناصر التالية :

أولاً : حرمة النفس والدماء عند الله جل وعلا .

ثانياً : حكم من قتل نفسه فمات منتحراً .

ثالثاً : حكم القتل الخطأ .

رابعاً : هل للقاتل المتعمد توبة ؟

أولاً : حرمة النفس والدماء عند الله جل وعلا .

أحبتي في الله :

إن الله عز وجل قد كرم هذا الإنسان تكريماً كبيراً .

خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه .

وأرسل له الرسل ليأخذوا بيديه إلى الحق وأنزل من أجله شريعة محكمة تضمن له السعادة في الدنيا والآخرة .

وهي المنهج الحق المستقيم الذي يصون الإنسان من الزيغ والانحراف ويحفظه من مزالق الشر ونوازع الهوى .

وهي المورد العذب الزلال والمعين الكريم الفياض الذي يشفي صدره ويُحي نفسه ويروى عقله ويحفظُ بدنه .

ومن أجل هذا فقد ضمنت الشريعة المحكمة جميع الحقوق التي تكرم وتسمو بهذا الإنسان وفي طليعة هذه الحقوق حقُ الحياة ...

وهو حق كبير لا يحل لأحد أن ينتهك حرمته أو أن يستبيح حماه .

بل لقد جعل الإسلام قتل النفس كبيرة .

كبيرة تأتي بعد كبيرة الشرك بالله عز وجل كما قال الله عز وجل في وصف عباد الرحمن .

وليس لأحد البته أن يسلب هذه الحياة إلا خالقها سبحانه وتعالى أو بأمر منه في نطاق الحدود التي شرعها لخلقه وهو سبحانه عليم بهم خبير بما يصلحهم ويفسدهم إذ يقول سبحانه : {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك:14]

والعليم اللطيف الخبير جل وعلا يحرم قتل النفس إلا بالحق فيقول سبحانه : {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [ الأنعام:14]

ويقول رسوله r : (( وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق )) .

وهذا الحق الذي يبيح قتل النفس محدد واضح لا غموض فيه ..

وليس متروكاً للرأي ولا متأثراً بالهوى .

وقد حدد النبي r في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي r قال : (( لا يحلُ دمُ امريء مسلمٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفسُ بالنفسُ ، والثيب الزاني ، التارك لدينه المفارقُ للجماعة ))(1)

فأما الحالة الأولى : فهي القصاص العادل الذي وإن قتل نفساً فقد ضمن الحياة
للمجتمع نفسه .

كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى
الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ{178} وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
[ البقرة :178-179]

نعم .. حياةٌ بردع هؤلاء الذين يفكرون مجرد تفكير في الاعتداء على الناس .

وحياةٌ بكفَّ أهل المقتول عن الثأر قد لا يقف عند القاتل بل يتعداه إلى أهله ممن لا ذنب لهم ولا جريرة .

وحياة يأمن فيها كل فرد على نفسه لأنه يعلم يقيناً أن هناك قصاصاً عادلاً ينتظر كل من يتعدى حدود الله .

أما الحالة الثانية : التي يجوز فيها القتلُ وبالرجم فهي للثيب الزاني الذي رزقه اللهُ الحلال الطيب فراح يرتعُ في مستنقع الرذيلة العفن .

والحالة الثالثة : التي يجوز فيها القتلُ تكون لمن ترك دينه وارتد بعد أن منَّ الله به عليه .

فالردة بالإجماع سبب لإباحة دم المسلم .

يقول النبي r في الحديث الذي رواه البخاري وأحمد عن ابن عباس: ((من بَّل دينه فاقتلوه))(1)

هذه هي الحالات الثلاث التي تبيح قتل المسلم على يد ولي الأمر المسلم أو من
ينوب عنه .

أما فيما عدا هذه الحالات فإنه لا يجوز أبداً قتل النفس بل إن الأمر جد خطير وكيف لا وقد قال جل وعلا : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }[النساء:93]

وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله r : (( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً )) . قال : فقال ابن عمر : إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفكُ الدم الحرام بغير حِلَّه (2)

وفي سنن النسائي من حديث معاوية رضي الله عنه أن النبي r قال : (( كلُ ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمداً ، أو الرجل يموت كافراً )) (3)

وفي الحديث الذي رواه أبو داود من حديث أبي الدرداء ورواه الحاكم والنسائي وأحمد من حديث معاوية وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع أن النبي قال :

(( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً أو قتل مؤمناً متعمداً ))(4)

وفي الحديث الذي رواه النسائي من حديث بريده رضي الله عنه أن النبي r قال : (( قتلُ المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )) ([1])

الله أكبر .... فكم يكون عظيماً عند الخالق زوال الدنيا على قدر عظمتها .

فإذا علمنا أن قتل المؤمن أعظم من زوال الدنيا علمنا خطورة وفظاعة القتل العمد بما لا يمكن للغة البشر أن تصفه وقد جمعه من أوتي جوامع الكلم في هذا اللفظ الوجيز .

وفي الحديث الذي رواه النسائي والبخاري في التاريخ وصححه الألباني من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي أن النبي r قال : (( من أمَّنَ رجلاً على دمه فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافراً )) ([2])

عن عبيد الله بن عدي أن المقداد بن عمرو الكندي – وكان حليفاً لبني زهرة وكان ممن شهد بدراً مع النبي r - أخبره أنه قال لرسول الله r : أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فاقتتلنا ، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ، ثم لاذ مني بشجرة ، فقال : أسلمت لله ، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ فقال رسول الله r : لا تقتله فقال : يا رسول الله قطع إحدى يدي ، ثم قال ذلك بعد ما قطعها ، فقال رسول الله r : (( لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال )) ([3])

وقام النبي r في حجة الوداع يبين حرمة هذه الدماء فيقول والحديث في الصحيحين من حديث ابن أبي بكرة (( أي شهر هذا؟ )) قلنا الله ورسوله أعلم . وهذا من أدب الصحابة رضي الله عنهم ، قال فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : (( أليس البلدة ؟ قلنا : بلى ، قال : فأي يوم هذا ؟ )) قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت ، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس يوم النحر )) قلنا : بلى يا رسول الله قال : (( فإن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم فلا ترجعوا بعدي كفاراً أو ضلالاً يضرب يعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب ))(1)

ولحرمة هذه الدماء عند الله جل وعلا وأنها ليست رخيصة بسفكها من شاء وقت شاء بل هي عظيمة عند الله جل وعلا .

ولذا فإن أول ما يُقضى فيه يوم القيامة هو الدماء .

كما في الصحيح وغيرهما أن النبي r قال : (( أولُ ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة في الدماء ))(2)

ولا منافاة بين هذا وبين قوله (( أول ما يحاسب به العبدُ الصلاة )) (3)

فهذا حق بينه وبين الله والدماء حق العباد .

وقد ورد عند النسائي وأبو داود من حديث ابن مسعود بلفظ (( أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس الدماء ))(4)

ولذلك قال علي بن أبي طالب كما في صحيح البخاري (( أنا أول من يجثو يوم القيامة بين يدي الرحمن جل وعلا للخصومة )) ([4])

يريد قصته في مبارزته هو وصاحبه يوم بدر وفيهم نزل قول الله تعالى {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } [ الحج:19]

فإذا قامت القيامة وقام الناس جميعاً لرب العالمين ووقفوا في أرض المحشر حفاة عراةَّ غُرلا ([5])وقد دنت الشمس من الرؤوس وتصبب العرق على قدر الأعمال وزفرت جهنم وزمجرت وقد جيء لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ([6]) وتطايرت الصحف ونصبت الموازين ونودي عليك .

فقرع النداء قلبك وارتعدت فرائصك واضطربت جوارحك وتغير لونك وطار قلبك وجاءت الملائكة الموكلة بسوقك إلى الله تعالى .

حتى إذا ما وقفت بين يدي ملك الملوك وجبار السموات والأرض أخذت صحيفتك هذه الصحيفة التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة !!

فانتبه ... يُنادى عليك أيها القاتلُ المجرم يا من سفكت دماء الموحدين المؤمنين فتأتي فرداً عارياً لا سلطان لك ، ولا مال معك ، لتفتدي به وقد أحاط بك من كل ناحية من قتلتهم في الدنيا وقد تعلقوا به وأوداجهم [أي عروق أعناقهم] تشخب [أي تسيل] دماً ويقولون لله جل وعلا سل هذا القاتل فيم قتلنا كما في سنن النسائي من حديث ابن عباس وهو حديث حسن قال سمعت النبي يقول : (( يجيء المقتول متعلقاً بالقاتل تشخب [تسيل] أوداجه دما ، فيقول : أي رب سل هذا فيم قتلني ؟ )) وفي رواية (( يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ، ناصيته ورأسه بيده ، وأوداجه تشخب دماً ، يقول : يا رب ، قتلني هذا ، حتى يدنيه من العرش ، قال : فذكروا لابن عباس التوبة فتلا هذه الآية {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً} قال : وما نُسِخَت هذه الآية ولا بدلت ، وأنى له التوبة ؟ ))(1)

الله أكبر .....

تذكر وقوفك يوم العرض عريانا
والنار تلهب من غيظ ومن حنق
اقرأ كتابك يا عبد على مهلٍ
فلما قرأت ولم تنكر قراءته فلما
نادى الجليل خذوه يا ملائكتي
المشركون غداً في النار يلتهبوا






مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
على العصاة ورب العرش غضبانا
فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا
وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا
وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا
والموحدون في دار الخلد سكانا

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء:47]

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي r قال لأصحابه يوماً (( أتدرون من
المفلس ؟)) قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، قال : (( إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا فَيُعْطَى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يُقْضَي ما عليه ، أُخذ من خطاياهم ثم طرح في النار ))(2)




ثانياً : حكم من قتل نفسه فمات منتحراً

أحبتي في الله :

ولم ينتف هذا الوعيد الرهيب في حق من قتل نفسه منتحراً والعياذ بالله بل هو خالد في النار لما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي r قال :

((من تردى من جبل (أي ألقى بنفسه) فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساهُ في نار جهنم خالداً فيها أبداً ، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً )) ([7])

وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن رسول الله التقى هو والمشركون فاقتتلو ، فلما مال النبي r إلى عسكره ، ومال الآخرون إلى عسكرهم ، وفي أصحاب رسول الله رجل لا يدع لهم شاذَّة ولا فاذَّة إلا اتبعها يضربها بسيفه – فقالوا ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان ، فقال رسول الله r : (( أما إنه من أهل النار )) .

فقال رجل من القوم : أنا صاحبه أبداً .

قال فخرج معه كلما وقف معه ، وإذا أسرع أسرع معه ، قال : فجُرِحََ الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فوضع سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله فقال : أشهد أنه رسول الله .

قال : (( وما ذاك ؟ )) .

فقال : الرجلُ الذي ذكرت آنفاً أنه من أهل النار ، فأعظم الناس ذلك ، فقلت : أنا لكم به فخرجت في طلبه حتى جرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت ، فوضع سيفه بالأرض وذُبَابَه بين ثدييه ( ذبابة السيف : طرف رأسه) ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله عند ذلك :

(( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدوا للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدوا للناس وهو من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتيم ))(1)

وفي رواية أخرى في الصحيحين عن أبي هريرة قال : فلما أُخبر النبي أن الرجل قتل نفسه كبر النبي وقال : (( أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالاً فنادى في الناس أنه لن يدخل الجنة إلا نفسٌ مسلمة وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الكافر ))(2)

ثالثاً : حكم القتل الخطأ

وقد بينه الله جل وعلا في سورة النساء بقوله :

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } [النساء:92]

فالحالة الأولى : أن يقع القتل على مؤمن أهله مؤمنون في دار الإسلام .

وفي هذه الحالة يجب تحرير رقبة مؤمنة وديةٌ تسلمُ إلى أهل القتيل فأما تحرير الرقبة المؤمنة فهو تعويض للمجتمع المسلم عن قتل نفس بعنق نفس مؤمنة أخرى .

وأما الدية فتسكين لثائرة نفوس أهل القتيل وشراٌْ لخواطرهم بعد ما فجعوا في قتيلهم وتعويض لهم عن بعض ما فقدوه إلا أن يصدَّقوا ويتنازلوا عن هذا الحق تسامحاً
وتعاطفاً . أ. هـ([8])

الحالة الثانية : أن يقع القتل على مؤمن وأهله محاربون للإسلام في دار الحرب .

وفي هذه الحالة يجب تحرير رقبة مؤمنة لتعويض النفس المؤمنة التي قتلت لكن لا يجوز دفع الدية لقوم القتيل المحاربين حتى لا يستعينوا بها على قتال المسلمين ، إذا لا مكان ولا مجال هنا لاسترضاء أهل القتيل لأنهم محاربون وأعداء للإسلام والمسلمين .

أما الحالة الثالثة : فهي أن يقع القتل على مؤمن أو على غير مؤمن قومه معاهدون أي لهم عهد هدنة أو عهد ذمة .

وفي هذه الحالة يجب أن تدفع الدية إلى أهله المعاهدين ولو لم يكن القتيل مؤمناً لأن عهدهم مع المؤمنين يجعل دماءهم مصونة كدماء المسلمين ويجب أيضاً على القاتل أن يعتق رقبة مؤمنة .

هذه هي أحكام القتل الخطأ .

وكان من الواجب عليّ أن أفصل الحديث في أحكام الدية ومقدارها ولكن لا يتسع الوقت لهذا فليراجعه من شاء في كتاب الجنايات والديات من كتب الفقه لعلمائنا الكرام جزاهم الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .

وأخيراً : هل للقاتل المتعمد توبة ؟

اختلف العلماء في هذه المسألة فلقد روى البخاري عن سعيد بن جبير قال : اختلف أهل الكوفة فَرَحَلْتُ فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال هذه الآية { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً ....... } هي آخر ما ترك وما نسخها شيء .

وفي رواية النسائي يقول سعيد قرأت عليه آية الفرقان {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ } [الفرقان:68]

قال هذه مكية نسختها آية مدنية .

وذهب أهل السنة وما عليه المحققون من علماء السلف أن القاتل المتعمد إن تاب تاب الله عليه لأن الأخذ بظاهر آية النساء ومن يقتل مؤمنا متعمداً ليس بأولى من الأخذ بظاهر قوله تعالى { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ } [ هود : 114]

وقوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [ الشورى : 25]

وقوله تعالى : {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } [ النساء :48]

ثم إن الجمع بين آية النساء وآية الفرقان ممكن فلا نسخ ولا تعارض وذلك بحمل الحكم المطلق في آية النساء على الحكم المقيد في آية الفرقان لا سيما وقد اتفقا في الحكم والسبب فيكون معناه : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } [النساء:93]

{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } [ الفرقان : 70]

وأما الأحاديث التي تذكر هذا أيضاً فهي كثيرة منها ما رواه البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت وليه أن النبي قال :

(( تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، فمن وفَىَّ منكم فأجره على الله ، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه ، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه )) (1)

وكذلك حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين عن النبي r قال : (( كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ؟ فدٌل على راهب ، فأتاه ، فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفساً ، فهل له من توبة ؟ فقال : لا ، فقتله ، فكمل به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض ؟ فدُل على رجل عالم ، فقال : إنه قتل مائة نفس ، فهل له من توبة ؟ فقال : نعم ، ومن يحول بينه وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا ، فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك ، فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا نصَفَ الطريق ، أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائباً ، مقبلا إلى الله ، وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم ، فقال : قيسوا مابين الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة )) ([9])

وأخيراً قال علماؤنا من قتل مؤمناً متعمداً فتاب تاب الله عليه أما إن لم يتب وأصر على الذنب حتى وافى ربه على الكفر بشؤم المعاصي

{فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } [النساء:93]



اللهم اغفر ذنبنا

................. الدعاء



(1) رواه البخاري رقم (2766) في الوصايا ، باب قول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} ، ومسلم رقم (89) في الإيمان ، باب بيان الكبائر وأكبرها ، وأبو داود رقم (2874) في الوصايا ، باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم ، والنسائي (6/257) في الوصايا ، باب اجتناب أكل مال اليتيم .



(1) رواه البخاري رقم (6878) في الديات ، باب قول الله تعالى : (( النفس بالنفس ، والعين بالعين )) ومسلم رقم (1676) في القيامة ، باب ما يباح به دم المسلم ، وأبو داود رقم (4352) في الحدود ، باب الحكم فيمن ارتد والترمذي رقم (1402) في الديات ، باب لا يحل دم امريء إلا بإحدى ثلاث ، والنسائي (7/91،90) في تحريم الدم باب ذكر ما يحل به دم المسلم ، وفي القسامة ، باب القيود .

(1) أخرجه البخاري رقم (6922) في استتابة المرتدين ، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابهم في الجهاد ، باب لا يعذب بعذاب الله ، والترمذي رقم (1458) في الحدود ، باب ما جاء في المرتد ، وأبو داود رقم (4351) في الحدود ، باب الحكم فيمن ارتد ، والنسائي (7/105،104) في تحريم الدم ، باب الحكم في المرتد ، وأخرجه أيضاً أحمد في المسند (1/282) .

(2) رواه البخاري رقم (6863،6862) في الديات في فاتحته .

(3) أخرجه النسائي (7/81) في تحريم الدم في فاتحته وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة(511) وهو في صحيح الجامع (4524) صحيح .

(4) رواه أبو داود رقم (4270) في الفتح ، باب في تعظيم قتل المؤمن وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع رقم (4524) والصحيحة رقم (511).

(1) رواه النسائي (7/18) في تحريم الدم ، باب تعظيم الدم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (4361) .

(2) رواه البخاري معلقاً والنسائي وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع رقم (6103) .

(3) رواه البخاري رقم (6865) في الديات في فاتحته ، وفي المغازي ، باب شهود الملائكة بدراً ومسلم رقم (95) في الإيمان ، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال : لا إله إلا الله ، وأبو داود رقم (2644) في الجهاد ، باب على ما يقاتل المشركون ؟

(1) رواه البخاري رقم (1741) في الحج باب الخطبة أيام منى وفي الأضاحي رقم (5550) باب من قال : الأضحى يوم النحر وفي التفسير رقم (4662) باب تفسير سورة براءة ، وفي بدء الخلق رقم (3179) باب ما جاء في سبع أرضين ، وفي الفتن (7078) باب لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، وأخرجه مسلم رقم (1679) في القسامة ، باب تحريم الدماء ، وأبو داود رقم (1947) في الحج باب الأشهر الحرام .

(2) رواه البخاري رقم (6864) في الديات في فاتحته ، وفي الرقاق ، باب القصاص يوم القيامة ومسلم رقم (1678) في القسامة ، باب المجازاة بالدماء في الآخرة ، والترمذي رقم (1396) في الديات ، باب الحكم في الدماء ، والنسائي (8317) في تحريم الدم ، باب تعظيم الدم .

(3) رواه أبو داود رقم (865،864) في الصلاة باب قول النبي r (( كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه )) وهو صحيح الجامع (2571) .

(4) صححه شيخنا الألباني في الصحيحة 1748 وصحيح الجامع (2572) .

(1) رواه البخاري رقم (4744) في تفسير سورة الحج باب {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} وفي المغازي باب دعاء النبي rعلى كفار قريش ، و (7/231) في قصة غزوة بدر .

(2) رواه البخاري رقم (6527) في الرقاق ، باب الحشر ، ومسلم رقم (2859) في الجنة ، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة ، والنسائي (4/114) في الجنائز ، باب البعث .

(3) رواه مسلم رقم (2842) في صفة الجنة ، باب من شدة حر نار جهنم ، والترمذي رقم (2576) في صفة جهنم ، باب ما جاء في صفة النار .

(1) رواه الترمذي رقم (3032) في التفسير ، باب ومن سورة النساء ، والنسائي (7/87،85) في تحريم الدم باب تعظيم الدم ، وإسناده قوي ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وأخرجه أحمد رقم (2142) ، (2283) ، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع (8031) .

(2) رواه مسلم رقم (2581) في البر ، باب تحرير الظلم ، والترمذي رقم (2420) في صفة القيامة ، باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص .

(1) رواه البخاري رقم (5778) في الطب ، باب شرب السم والدواء به وما يخاف منه ، ومسلم رقم (109) في الإيمان باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه ، والترمذي رقم (2044) ، (3045) في الطب، باب فيمن قتل نفسه بسم أو غيره والنسائي (4/67،66) في الجنائز ، باب ترك الصلاة على من قتل نفسه ، وأبو داود رقم (3872) في الطب ، باب في الأدوية المكروهة .

(1) رواه البخاري رقم (6606) في القدر ، باب العمل بالخواتيم ، وفي الجهاد ، باب لا يقول : فلان شهيد ، وفي المغازي ، باب غزوة خيبر ، وفي الرقاق باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها ، ومسلم رقم (112) في الإيمان ، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه .

(2) رواه البخاري رقم (3062) في الجهاد ، باب إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ، وفي المغازي ، باب غزوة خيبر وفي القدر ، باب العمل بالخواتيم ، ومسلم رقم 11 في الإيمان ، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه .

(2) الظلال (2/736).

(1) رواه البخاري رقم (18) في الإيمان ، باب علامة الإيمان حب الأنصار ومسلم رقم (1709) في الحدود ، باب الحدود كفارات لأهلها والترمذي رقم (1439) في الحدود ، باب الحدود كفارة لأهلها ، والنسائي (7/147) في البيعة على فراق المشرك .

(1) رواه البخاري رقم (3470) في الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائي ، ومسلم رقم (2766) في التوبة ، باب توبة القاتل
 
موضوع رائع

يا على كيدهم

موضوعكم نال أعجابنا وشكرا لكم على الطرح

نأمل منكم المزيد

جزاكم الله خيرا



سعدنا بتواجدكم
لا تحرمونا من هذه المشاركات الجميلة
والمواضيع الهادفة

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك


====================
ملحوظة : هذا رد آلي على الموضوع
 
موضوع رائع

يا على كيدهم

موضوعكم نال أعجابنا وشكرا لكم على الطرح

نأمل منكم المزيد

جزاكم الله خيرا



سعدنا بتواجدكم
لا تحرمونا من هذه المشاركات الجميلة
والمواضيع الهادفة

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك


====================
ملحوظة : هذا رد آلي على الموضوع
 
موضوع رائع

يا على كيدهم

موضوعكم نال أعجابنا وشكرا لكم على الطرح

نأمل منكم المزيد

جزاكم الله خيرا



سعدنا بتواجدكم
لا تحرمونا من هذه المشاركات الجميلة
والمواضيع الهادفة

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك


====================
ملحوظة : هذا رد آلي على الموضوع
 
موضوع رائع

يا على كيدهم

موضوعكم نال أعجابنا وشكرا لكم على الطرح

نأمل منكم المزيد

جزاكم الله خيرا



سعدنا بتواجدكم
لا تحرمونا من هذه المشاركات الجميلة
والمواضيع الهادفة

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك


====================
ملحوظة : هذا رد آلي على الموضوع
 
رد: خطب مكتوبة للشيخ محمد حسان 1 حبيبة رسول الله

السحر وعلاجه


بسم الله الرحمن الرحيم

السحر وعلاجه

إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
آل عمران102

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[الأحزاب71،70 ]

أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

أحبتي في الله ......

هذا هو لقاءنا الثالث مع السبع الموبقات التي حذر منها النبي r في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي r قال:

(( اجتنبوا السبع الموبقات )) . قالوا : يا رسول الله وما هُنَّ ؟

قال (( الشرك بالله ، والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكلُ مال اليتيم ، وأكلُ الربا ، والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات ))(1).

ولازال حديثنا عن السحر وأحكامه .

ولقد تحدثنا في اللقاء الماضي عن السحر لغة واصطلاحاً وعن حقيقة السحر وأنواعه ثم أجبنا على سؤال هام ألا وهو هل سُحر النبي r "! ونحن اليوم على موعد مع العنصرين الآخرين من هذا الموضوع وهما حكمُ السحر وحدُّ الساحر .

وأخيراً : علاج السحر والوقاية منه .

أما عن حكم السحر .

فقد قال الحافظ ابن حجر :

وقد دلت آية البقرة وهي قول الله تعالى :

{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [البقرة:102]

على أن السحركفرٌ ومتعلمة كافرُ أي الساحر وهو واضح في بعض الأنواع وهو التعبُد للشياطين أو للكواكب وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكَّفر به أصلاً.

وهنا يثور سؤال خطير وهو : من الذي كفَّر سليمانَ ولماذا ؟

وأود أن أتوقف قليلاً مع آيات السحر في سورة البقرة باعتبارها العمدةُ في الأحكام التي تتعلق بالسحر ولأن بعض كتب التفسير قد شحنت بكثير من الأخبار الموضوعة المكذوبة في تفسير هذه الآيات .

وسببُ نزول هذه الآيات أن الله تعالى أنزل إلى بني إسرائيل شريعة مباركة طيبة هي شريعة التوراة فتركوها ونبذوها وإشتغلوا بالسحر الذي يعبدّهم للشيطان .

فلما جاءتهم الشريعة الغراء التي أنزلها الله على رسوله محمد r استمروا على ضلالهم في إتباع السحر والإعراض عن الشريعة وزعموا أن نبي الله سليمان إنما سُخرت له الجن والإنس والطير بالسحر فأنزل الله هذه الآيات ذاماً لهم مبيناًَ كفرهم وضلالهم مبرئاً عبده ونبيه سليمان مما رماه به أهل الضلال والبهتان .

وذكر ابن الجوزي في زاد المسير قولاً عن ابن إسحاق في سبب نزولها فقال : إنه لما ذكر سليمان في القرآن قالت يهود المدينة ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داود كان نبياً ؟ والله ما كان إلا ساحراً فنزلت الآية .

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني (1) :

اختلف في المراد بالآية فقيل إن سليمان كان قد جمع كتب السحر والكهانة فدفنها تحت كرسيه فلم يكن أحد من الشياطين ليستطيع أن يدنو من الكرسي فلما مات سليمان وذهبت العلماء الذين يعرفون الأمر جاءهم الشيطان في صورة إنسان فقال لليهود هل أدلكم على كنز سليمان الذي لا نظير له ؟!

قالوا : نعم .

قال : فأحضروا تحت الكرسي فحضروا فوجدوا تلك الكتب .

فقال لهم : إن سليمان كان يضبط الجن والإنس بهذا فَفَشَا بينهم أن سليمان كان ساحراً.

فلما نزل القرآن يذكر سليمان في الأنبياء أنكرت اليهود ذلك وقالوا ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داود كان نبياً ؟ والله ما كان إلا ساحراً ، فنزلت هذه الآية .

والأثر أخرجه الطبري وغيره عن السُدى ومن طريق سعيد بن جبير نحوه بسند صحيح ومن طريق عمران بن الحارث عن ابن عباس موصولاٍ بمعناه .

وأما ما ذكره أهل الأخبار ونقله المفسرون في قصة هاروت وماروت وما روى عن علي وابن عباس وغيرهما فهذا كله من كذب اليهود وافترائهم وبم يُنقل في هذا خبرُ صحيحُ عن رسول الله r .

يقول الحافظ ابن كثير: ([1])

والأحاديث والآثار الواردة في قصة هاروت وماروت حاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل فيها حديثُ مرفوع صحيحُ متصلُ الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى .

وظاهر سياق القرآن هو إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال .

وأما تعليمُ الملكين السحرَ للناس بصريح النص القرآني فهذا من باب الفتنة والاختبار والابتلاء .

ولله أن يختبر عباده بما يشاء وقد خلق الله إبليس الذي هو أصلُ الشر كله ونهى العباد عن متابعته وحذر منه واختبر جيش طالوت بعدم الشرب من النهر والملكان ليسا بعاصيينّ لله في حال تعليمهما السحر للناس بل هما مطيعان لله ، وذلك أنهما مكلفان بهذا من الله تعالى ابتلاءً واختباراً من الله لعباده .

والخلاصة أن الآية قد دلت على أن السحر كفر وأن الساحر كافر وهذا بلا خوف متعلق بالسحر الحقيقي الذي يعتمد فيه الساحر على الكفر بالله العظيم والاستعانة بعبادة الجن والشياطين والنجوم والكواكب وكلما ازداد الساحر كفراً أو شركاً ازداد الجني والشيطان له طاعة .

ويقول حافظ حكمي في المعرج :

وقد عُلم أن السحر لا يُعمل إلا مع كفر بالله وهذا معلوم من سبب نزول الآية .

ويقول الإمام النووي رحمه الله تعالى :

عملُ السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع وقد عدَّه النبي r من السبع الموبقات ومنه ما يكون كفراً ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا .

وقال القرطبي : قال أهل الصناعة إن السحر لا يتم إلا مع الكفر والشرك أو التعظيم للشيطان فالسحر إذن دال على الكفر على هذا التقدير .

وقال صاحب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد :

(( لما كان السحر من أنواع الشرك إذ لا يتأتى السحر بدون الشرك أدخله المصنف في كتاب التوحيد ليبين ذلك تحذيراً )) ، كما ذكر غيره من أنواع الشرك .

وقال ابن عابدين :

ولعل ما نُقل عن الأصحاب أي القول بكفر الساحر مبني على أن السحر لا يتم إلا بما هو كفر كما يفيده قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}

ومن ثم كان حدَّ الساحر في الإسلام هو القتل .

وفي سنن أبي داود عن بجالة بن عَبَدَه قال :

كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة (1) .

بجالة بن عبدة هو التميمي العنبري تابعي ثقة .

(( حد الساحر ضربه بالسيف )) فهو حديث ضعيف

وبهذا القول قال مالك وأحمد وأبو حنيفة وقال من الصحابة عمرو ثمان وابن عمر وحفصه وغيرهم .

ولم ير الشافعي القتل للساحر بمجرد السحر إلا من عمل سحره ما يبلغ الكفر وهو رواية عن أحمد بن حنبل أيضاً .

وقد يسأل الآن سائل ويقول فلماذا لم يقتل النبي r لبيد بن الأعصم الذي سحره والجواب أن النبي r كان بينه وبين يهود عهدُّ فلو قتله لنقضيه مع كل ما أظهروه من كيد للمسلمين وطعن فيهم وفي دينهم حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ومن المعلوم أن لبيد بن الأعصم كان حليفاً ليهود وكان مناقضاً كما ثبت في الرواية الصحيحة في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أما حكمُ ساحرِ أهل الكتاب فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم قتل ساحر أهل الكتاب إلا إذا قتل بسحره .

أما الإمام أبو حنيفة فقد قال بوجوب قتل ساحر أهل الكتاب ولم يفرق بينه وبين الساحر المسلم .

وخالف أبو حنيفة الأئمة الثلاثة : أيضاً في حكم المرأة الساحرة بأنها لا تقتل ، أما هم فقالوا بوجوب قتلها ولم يفرقوا بين الرجل والمرأة لعدم وجود الدليل الذي يفرق بينهما .

وقد اختلف العلماء في توبة الساحر هل تقبل أو لا تقبل ؟!

والصحيح إن شاء الله تعالى أنه لم يسد باب التوبة على أحد من خلقه على الإطلاق بل أن المشرك لو تاب تاب الله عليه .

وقد أخبرنا القرآن أن سحرة فرعون كفروا بالله عز وجل وتابوا إلى الله وقبل توبتهم .



أحبتي في الله :

هذا عن حكم السحر وحدِّ الساحر .

فماذا عن حكم من يذهبُ إلى السحرة والعرافين والكهان :

والجواب من رسول الله r ففي صحيح مسلم من حديث حفصه رضي الله عنها أن النبي r قال: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء ( وفي لفظ أحمد ) فصدقه بما يقول، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً([2])

وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي وصححه شيخنا الألباني في الإرواء من حديث أبي هريرة أن النبي r قال: ((من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد r))([3]).

قال صاحب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد : وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدق العراف أو الكاهن بأي وجه كان .

وفي الحديث الذي رواه البزار بإسناد جيد كما قال الحافظ في الفتح ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن وهذا لفظ رواية البزار عن عمران بن حصين أن النبي r قال :

(( ليس منا من تطيّر أو تطيّر له أو تكهن أو تُكُهِّن له أو تسحر أو سُحر له ومن أنى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد r)) ([4]).

قال صاحب فتح المجيد : قوله : ليس منا ( فيه : وعيد شديد يدل على أن هذه الأمور من الكبائر.

فمن هو العراف ومن هو الكاهن ؟

قال البغوي :

العراف هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن العراف اسمُ للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق .

وقال الإمام أحمد :العرافة طَرف من السحر والساحر .

وقال أبو السعادات : العراف هو المنجم .

أما الكاهن فهو الذي يَّدعي علم الغيب .

وهنا يثور في الصدر سؤال قد يستحي صاحبه أن يسأل عنه ألا وهو ولكن بعض هؤلاء العرَّافين والكُهَّان قد يخبرون عن شيء فيكون صحيحاً ويقع كما أخبروا تماماً فما تفسير هذا ؟

ونقول بقد سئل رسول الله هذا السؤال ففي صحيح مسلم من حديث عائشة قالت سأل أُناس رسول الله عن الكهان .

فقال لهم رسول الله r : (( ليسوا بشيء ))

قالوا : يا رسول الله فإنهم يحدثونا أحياناً الشيء يكون حقاً ؟

فقال رسول الله r: ((تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها ، وفي رواية – فيقرها في أذُن وليه قرَّ الدجاجة [أي يرددها في أذن الكاهن] فيخلطون فيها مائة كذبة))(1) .

أحبتي في الله :

ليس يظن أحد أن التنجيم والكهانة والسحر أمر مقصور على بلاد العرب المسلمين كلا !! بل هو أمر منتشر في أكثر الدول .

ولقد نشرت جريدة المسلمون في عددها الخامس بعد المائتين أن الرئيس الأمريكي ريجان وزوجته كانا يستعينان بالمنجمة ((جوان كويجلي)) في تحديد جدول الأعمال واتخاذ بعض القرارات .

وكان الرئيس الاندونيسي (سوهارتو) يجتمع بانتظام بالروحانيين والمشعوذين وكان أحدهم يُقيم بصفة مستمرة في قصر الرئاسة .

واستشار الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان قارئاُ للطالع في انتخابات الرئاسة لعام 1984

ومن أطرف ما ذكرته الجريدة أن الخواجات أخيراً صمموا جهازاً في حجم الآلة الحاسبة وأطلقوا عليه اسم العراف الالكتروني وتقوم فكرته على وجود دورة بيولوجية ودورة نفسية وأخرى عصبية تبدأ بمولد الإنسان فإذا أدخلت تاريخ ميلادك يقوم العراف الالكتروني بحساب ثلاث دورات لك .

إحداها تعين كل يوماً والأخرى كل شهر والأخيرة متغيرة ويحدد لك بناء على ذلك التكامل العصبي والاستقرار الذهني بحيث تستطيع اتخاذ القرارات الهامة وأموراً أخرى كثيرة يحددها لك الدجال الإلكتروني !!!

وأخيراً نحني جباهنا ذلاً وشكراً لله جل وعلا أن جعلنا موحدين نعلم يقيناً أن الأمر كله لله وأن الملك لله وأنه لا يقع شيء في هذا الكون كله إلا بأمره وتحت سمعه وبصره بل وما من ورقة تسقط من شجرة في هذا الكون كله إلا بعلمه جلا وعلا .

قال تعالى : {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [الأنعام:59].

نعلم يقيناً أنه لا تستطيع قوة على ظهر الأرض أن تضر ولا تنفع إلا بإذن الله جل وعلا .

والأصل في هذا كله قول الله جل وعلا والنص يريح القلوب المطمئنة ويطمئن النفوس الحائرة .

قالا تعالى : {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ} [البقرة:102]

الله أكبر ... ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

ولو اجتمع سحرة أهل الأرض لا يستطيعون أن يؤثروا بسحرهم في مخلوق إلا بإذن الله .

فوجَّه قلبك إلى ملك الملوك وجبار السموات والأرض وتوكل عليه وثق به فهو المرتجي والملاذ ولا حول ولا قوة إلا به .

من توكل عليه كفاه ومن اعتصم به نجاه ومن فوض إليه الأمر هداه

قال تعالى : {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}

وقال تعالى : {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}

يا صاحب الهم إن الهم منفرج ..... ابشر بخير فإن الفارج الله .

ومن أجمل ما قاله الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه القيم تلبيس إبليس قال حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه : ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا ؟

قال التلميذ : أجاهده .

قال الشيخ : فإن عاد؟! قال : أجاهده .

قال الشيخ : فإن عاد؟! قال : أجاهده .

فقال الشيخ : هذا يطول يا بني ولكن إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور فماذا تصنع ؟

قال : أجاهده قال : يا بني هذا أمر يطول ، استعن برب الغنم يكفك كلابه .

فاستعن بالله أيها الحبيب والجأ إليه فهذا هو الحصن الحصين والملاذ المكين ولما كان الله هو خالقنا فتحصن به هو الذي يعلم ضعفنا وعجزنا فقد تفض علينا بحصون وحروز ولكننا كثيراً ما نغفل عن الدواء إلا إذا حل بنا الداء فهيا إلى الحصون التي نتقي بها شر السحر والسحرة .

وذلكم بعد جلسة الاستراحة وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

أحبتي في الله :

إن أعظم طريق للوقاية من السحر ومس الجن وربط الرجل عن زوجته ما يلي :

أولا : تحقيق التوحيد لله العزيز الحميد وإخلاص العبودية لله جل وعلا والتوكل عليه تبارك وتعالى .

فقلب الموحد قد أشرق فيه مصباح التوحيد وأزهر فيه نور الإيمان ومن ثم خرج منه الخوف من كل أحد إلا من الله جل وعلا .

بل لا ينفرد بالمحبة والخوف إلا الله .

صاحب هذا القلب كما يقول ابن تيمية : في جنة وهو في الدنيا .. في جنة وهو في البرزخ ... في جنة وهو في الآخرة .

إن قوة الإيمان في القلب تضعف الشيطان وكلما زاد إيمان العبد وأخلص العبادة لله ضعف تسلط الشيطان عليه .

فها هو فاروق الأمة عمر رضي اله عنه كان الشيطان يهرب منه كما جاء في البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : استأذن عمرُ على النبي r وعنده نسوة من قريش يكلمنه – وفي رواية : يسألنه ويستكثرنه – عاليةً أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر قمن يَبتَدْرِنَ الحجاب ، فأذن له النبي r فدخل عمر والنبي r يضحك .

فقال عمر : أضحك الله سنك (*) بأبي أنت وأمي ما أضحكك ؟ قال (( عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )) .

قال عمر : فأنت يا رسول الله لأحق أن يهبن ، ثم قال عمر : أي عدوات أنفسهن ، أتهبنني ولا تهبن النبي r ؟

قلن : نعم ، أنت أفظ وأغلظ من النبي r .

فقال رسول الله r: (( إيه يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجا إلا سلك فجاً غير فجك (1) )) .

والفج : المسلك والطريق فالشيطان يهرب ويفر حتى من الطريق الذي يسير فيه عمر هرباً من قوة إيمانه رضي الله عنه .

وساق ابن الجوزي في كتابه القيم تلبيس إبليس قصة تبين ما نقول بوضوح .

قال: كانت شجرة تُعبد من دون الله فجاء إليها رجل فقال : لأقطعن هذه الشجرة فجاء ليقطعها غضباً لله فلقيه إبليس في صورة إنسان فقال : ما تريد ؟

قال : أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله .

قال : إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها ؟

قال : لأقطعنها ، فقال له الشيطان : هل لك فيما هو خير لك !! لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك !!

قال : فمن أين لي بذلك ؟

قال : أنا لك .

فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئاً ، فقام غضباً ليقطعها فتمثل له الشيطان في صورته وقال : ما تريد ؟

قال : أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى .

قال : كذبت مالك إلى ذلك سبيل .

فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد أن يقتله ، قال : أتدري من أنا ؟ أنا الشيطان جئت أول مرة غضباً لله فلم يكن لي عليك سبيل ، فخدعتك بالدينارين فتركتها ، فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك !!

فتدبر يا عبد الله !!

قال تعالى :{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{99} إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ{100} [النحل :99-100]

فإن الشيطان لا سلطان له عليهم فقال سبحانه : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [ الحجر :42]

ثانيا : كثرة ذكر الله جل وعلا

فالذكر يضعف الشيطان ويقوي الإيمان ويرضي الرحمن وهو الركن الركين والحصن الحصين الذي يتحصن به الإنسان من الشيطان الرجيم .

وفي حديث الحارث الأشعري الطويل وهو حديث صحيح أن النبي r قال: ((.. وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين أحرز نفسه منهم وكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله عز وجل ))(1)

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه أن الحبيب النبي قال: (( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت ))(2)

ثالثاً : قراءة سورة البقرة

ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي قال: (( .... لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة))(3)

رابعاً : قراءة آية الكرسي إذا أويت إلى فراشك

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله r بحفظ زكاة رمضان فأتاني أتٍ فجعل يحثوا من الطعام فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله r فقال: إني محتاج وعلىّ عيالٌ ولي حاجة شديدة قال: فخليتُ عنه فأصبحتُ فقال النبي r: (( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ )).

قال : قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله .

قال : (( أما إنه قد كذبك وسيعود )) .

فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله r إنه سيعود فرصدته فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله r .

قال دعني فإني محتاج وعليّ عيال ، لا أعود .

فرحمته فخليت سبيله فأصبحت .

فقال لي رسول الله r : (( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك ؟ )) .

قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله .

قال : (( أما قد كذبك وسيعود )) .

فرصدته الثالثة فجعل يحثو من الطعام فأخذته .

فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله r وهذا آخر ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود.

قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها .

قلت ما هن ؟

قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (({اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ})) حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح .

فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله r : ((ما فعل أسيرك البارحة ؟ )).

قلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله .

قال : (( ما هي ؟ ))

قلت قال لي، إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكان أحرص شيء على الخير فقال النبي r: (( أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب مُذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ قال: لا قال: ((ذاك شيطان))(1) .

خامساً : قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة .

من قوله تعالى : {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ} إلى آخر السورة .

ففي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود أن النبي r قال: ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه )) (2)

أي من كل شر وسوء من الشياطين .

سادساً : قراءة المعوذات

ففي البخاري عن عائشة أن النبي كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما : {قل هو الله أحد} وقل : {أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس } ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات (3).

وعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال : خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة فطلبنا رسول الله r يصلي لنا فأدركته فقال : (( قل فَلَمْ)) أقل شيئاً . ثم قال : ((قل)) فلم أقل شيئاً ، قال ((قل)) فقلت : ما أقول ؟ قال: (( قل هو الله أحد ، والمعوذتين ، حين تمسي وتصبح ثلاث مرات يكفيك من كل شيء ))([5])

وفي رواية (( ما تعوذ الناس بأفضل منها )) وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: بينا أنا أقود برسول الله r راحلته في غزوة إذ قال: (( يا عقبة قل )) فاستمعت ، ثم قال (( يا عقبة قل )) فاستمعت ، فقالها الثالثة : فقلت : ما أقول ؟ فقال : (( قل هو الله أحد)) فقرأ السورة حتى ختمها ، ثم قرأ (( قل أعوذ برب الفلق )) وقرأت معه حتى ختمها ثم قرأ: ((قل أعوذ برب الناس )) فقرأت معه حتى ختمها ثم قال: (( ما تعوذ بمثلهن أحدٌ)) ([6]).

سابعاً : روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي r قال :

(( من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومُحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ))([7]).

وأخيراً روى البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي r قال: (( من تصبَّحَ سبعُ تمرات عجوة لم تُضره لك اليوم سمُّ ولا سحر)) ([8])وفي رواية ((من تمر العالية)) وهي في المدينة .

هذه هي الحصون والحروز التي يتقي بها الإنسان من السحر والمس والربط بإذن
الله جل وعلا .

فما هو علاج من سُحِرَ فعلاً :

أولاً : لابد أن يحافظ على هذه الأذكار التي ذكرناها آنفاً .

ثانياً : حلَّ السحر من المسحور بالرقية الشرعية كما قال ابن القيم .

الأولُ: حلُ السحر بسحر مثله وهذا هو الذي من عمل الشيطان فيتقرب الناشر والنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور. [وهذه من عمل الشيطان بلا شك]

أما النوع الثاني : هو النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات المباحة فهذا جائز .

هذا ما رواه مسلم أن النبي r قال : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه )) ([9])

وفيه أيضاً قال : (( اعرضوا على رقاكم ولا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك )) ([10]).

وفي صحيح البخاري عن قتادة قلت اسعيد بن المسيب رجل به طبُّ أي سحر أو يؤخذ عن امرأته (أي يربط) أيحلُّ عنه أو يٌنْشر ؟

قال : لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح ، فأما ما ينفع فلم يُنه عنه )) ([11])

وفي مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز أنه قال : من علاج السحر بعد وقوعه وهو علاج نافع بإذن الله للرجل إذا حُبس عن جماع أهله .

ثم قال الشيخ ابن باز أن يأخذ سبعُ ورقات من السدر الأخضر ويدقها بحجر أو نحوه ويجعلها في إناء ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل ويقرأ فيها: ((آية الكرسي)) ((وقل يا أيها الكافرون)) و ((قل هو الله أحد)) و ((قل أعوذ برب الفلق)) و ((قل أعوذ برب الناس)) .

وأن يقرأ آيات السحر في سورة الأعراف وهي قوله سبحانه :

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ{117} فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{118} فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ{119} [الأعراف : 117:119].

والآيات في سورة يونس وهي قوله سبحانه : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ{79} فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ{80} فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ{81} وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{82} [ يونس :79:82].

والآيات التي في سورة طه : {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى{65} قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى{66} فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى{67} قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى{68} وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{69} } [طه :65:69]

يقول الشيخ ابن باز :

بعد قراءة ما ذكر في الماء يشربُ ثلاث مرات ويغتسل بالباقي وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول إن شاء الله .

الدعاء

(1) رواه البخاري رقم (2766) في الوصايا ، باب قول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} ، وفي الطب ، باب الشرك والسحر من الموبقات ، وفي المحاربين ، باب رمي المحصنات ، ومسلم رقم (89) في الإيمان باب بيان الكبائر وأكبرها ، وأبو داود رقم (2874) في الوصايا ، باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم والنسائي (257/6) في الوصايا ، باب اجتناب أكل مال اليتيم .



(1) انظر فتح الباري للحافظ ابن حجر (10/223) ط دار المعرفة بيروت

(1) تفسير القرآن لابن كثير : (1/248) .

(1) رواه أبو داود رقم(3043) في الخراج والإمارة باب في أخذ الجزية من المجوس وأخرجه أحمد في مسنده (1/191،190) .

(1) رواه مسلم رقم (2230) في السلام باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان .

(2) رواه أحمد والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وصححه شيخنا الألباني في الأرواء رقم (2006) وهو صحيح الجامع (5942).

(3) قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريج زاد المعاد : أخرجه أحمد (2/429) من حديث أبي هريرة وإسناده صحيح وصححه الحاكم (1/8) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5435) .

(1) رواه البخاري رقم (5762) في الطب ، باب الكهانة ، وفي الأدب ، باب قول الرجل للشيء : ليس بشيء وفي التوحيد ، باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم ، ومسلم رقم 2228) في السلام ، باب تحريم الكهانة وإيتان الكهان .

(*) قال الحافظ في الفتح : لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك ، بل لازمه وهو السرور ، أو نفى ضد لازمه وهو الحزن .

(1) رواه البخاري(7/37) في فضائل أصحاب النبي r ، باب عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وفي بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده ، وفي الأدب ، باب التبسم والضحك ، ومسلم رقم (2396) في فضائل الصحابه ، باب من فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

(1) رواه الترمذي رقم (2767 في الأمثال ، باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب وهو كما قال وأخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم في المستدرك وصححه شيخنا الألباني في صحيح الترغيب (553) وصحيح الجامع
(1724) .

(2) رواه البخاري رقم (6407) في الدعوات ، باب فضل ذكر الله عز وجل ، ومسلم رقم (779) في صفة المسافرين ، باب استحباب صلاة النافلة في بيته .

(3) رواه مسلم رقم (780) في صلاة المسافرين ، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد ، والترمذي رقم (2880) في ثواب القرآن ، باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي .

(1) رواه البخاري رقم (2311) في الوكالة ، باب إذا وكَّلَ رجلاً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز . وأورده الهيثمي في ((مجمع الزوائد))(10/118،117) من حديث أبي بن كعب وقال : رواه الطبراني ورجاله ثقات .

(2) رواه البخاري (9/50) في فضائل القرآن ، باب فضل سورة البقرة ، وباب من لم ير بأساً أن يقول : سورة البقرة ، وباب في كم يقرأ القرآن ، وفي المغازي ، باب شهود الملائكة بدراً ، ومسلم رقم (808) في صلاة المسافرين ، باب فضل فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ، والترمذي رقم (2884) في ثواب القرآن ، وأبو داود رقم (1397) في الصلاة ، باب تحزيب القرآن .

(3) رواه البخاري رقم (5748) في الطب باب النفث في الرقية ، وأبو داود رقم (5056) والترمذي (5/3402) .

(1) رواه النسائي (8/251،250) في الاستعاذة في فاتحته ، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع (4406) .

(2) رواه مسلم رقم (814) في صلاة المسافرين ، باب فضل قراءة المعوذتين ، والترمذي رقم (2904)،(2905) في ثواب القرآن ، باب ما جاء في المعوذتين، وأبو داود رقم (1462) في الصلاة، باب في المعوذتين ، والنسائي (2/158) في افتتاح الصلاة ، باب القراءة في فاتحته ، ورواه أيضاً أحمد في المسند (4/201،158،155،153،152،151،150،144) .

(3) رواه البخاري رقم (6403) في الدعوات ، باب فضل التهليل ، وفي بدء الخلق ، باب صفة إبليس ، ومسلم رقم (2691) في الذكر ، باب فضل التهليل والتسبيح ، والموطأ (1/206) في القرآن ، باب في ذكر الله تبارك وتعالى ، والترمذي رقم (3464) في الدعوات باب رقم (61) .

(4) رواه البخاري رقم (5769،5768) في الطب باب الدواء بالعجوة للسحر .

(2) رواه مسلم رقم (2199) في السلام ، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة .

(3) رواه مسلم رقم (2200) في السلام ، باب لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك ، وأبو داود رقم (3886) في الطب ، باب ما جاء في الرقي .

(4) رواه البخاري معلقاً في الطب ، باب هل يستخرج السحر ؟
 
أعلى