محمد صدقى الابراشى
Moderator
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
درر وفوائد منتقاة من تفسير آيات الحج في سورة البقرة ..
للعلّامة ابن عثيمين -رحمه الله-
من الآية ( 196 - 203 )
نفع الله بها وانزل علينا من رحماته وفضله وثقل بها موازيننا يوم يقوم الاشهاد
المصدر
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_17563.shtml
بسم الله الرحمن الرحيم
{)وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(البقرة:196)
التفسير:
{ 196 } قوله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله } أي ائتوا بهما تامتين؛ وهذا يشمل كمال الأفعال في الزمن المحدد، وكذلك صفة الحج، والعمرة - أن تكون موافقة تمام الموافقة لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به واللام في قوله تعالى: { لله } تفيد الإخلاص - يعني مخلصين لله عز وجل ممتثلين لأمره -.
قوله تعالى: { فإن أحصرتم } أي منعتم عن إتمامها { فما استيسر } أي فعليكم ما تيسر من الهدي؛ وزيادة الهمزة، والسين للمبالغة في تيسر الأمر؛ و{ من الهدي } أي الهدي الشرعي؛ فـ«أل» فيه للعهد الذهني؛ والهدي الشرعي هو ما كان ثنياً مما سوى الضأن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تذبحوا إلا مسنَّة إلا إن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن»(176)؛ وهذا النهي يشمل كل ما ذبح تقرباً إلى الله عز وجل من هدي، أو أضحية، أو عقيقة.
قوله تعالى: { ولا تحلقوا رؤوسكم } أي لا تزيلوها بالموسى { حتى يبلغ الهدي محله }: «محل» يحتمل أن تكون اسم زمان؛ والمعنى: حتى يصل إلى يوم حلوله - وهو يوم العيد -؛ وثبتت السنة بأن من قدّم الحلق على النحر فلا حرج عليه(177)؛ ويحتمل أن المعنى: حتى يذبح الهدي؛ وتكون الآية فيمن ساق الهدي؛ ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما بال الناس حلوا ولم تحل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر»(178).
قوله تعالى: { فمن كان منكم مريضاً } أي واحتاج إلى حلق الرأس؛ { أو به أذًى من رأسه } وهو صحيح، كما لو كان الرأس محلاً للأذى، والقمل، وما أشبه ذلك؛ { ففدية } أي فعليه فدية يفدي بها نفسه من العذاب { من صيام أو صدقة أو نسك }؛ { أو } هنا للتخيير؛ وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن «الصيام» ثلاثة أيام(179)، وأن «الصدقة» إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع(4)؛ وأما «النسك» فهو ذبح شاة(4)؛ وهذه الجملة قد حذف منها ما يدل عليه السياق؛ والتقدير: فمن كان منكم مريضاً، أو به أذًى من رأسه، فحلق رأسه فعليه فدية.
{ فإذا أمنتم } أي من العدو - يعني فأتموا الحج والعمرة - .
ثم فصّل الله عز وجل المناسك فقال: { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } أي فمن أتى بالعمرة متمتعاً بحله منها بما أحل الله له من محظورات الإحرام { إلى الحج } أي إلى ابتداء زمن الحج؛ وهو اليوم الثامن من ذي الحجة { فما استيسر من الهدي } أي فعليه ما استيسر من الهدي شكراً لله على نعمة التحلل؛ ويقال في هذه الجملة ما قيل في الجملة التي سبقت في الإحصار.
قوله تعالى: { فمن لم يجد } أي فمن لم يجد الهدي، أو ثمنه { فصيام ثلاثة أيام } أي فعليه صيام ثلاثة أيام { في الحج } أي في أثناء الحج، وفي أشهره.
قوله تعالى: { وسبعة إذا رجعتم } أي إذا رجعتم من الحج بإكمال نسكه، أو إذا رجعتم إلى أهليكم.
قوله تعالى: { تلك عشرة كاملة } للتأكيد على أن هذه الأيام العشرة وإن كانت مفرقة فهي في حكم المتتابعة.
قوله تعالى: { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام }، أي ذلك التمتع الموجب للهدي.
وقوله تعالى: { أهله }: قيل: المراد به نفسه - أي لمن لم يكن حاضراً المسجد الحرام - ؛ وقيل: المراد بـ «الأهل» سكنه الذي يسكن إليه من زوجة، وأب، وأم، وأولاد، وما أشبه ذلك؛ فيكون المعنى: ذلك لمن لم يكن سكنه حاضري المسجد الحرام؛ وهذا أصح؛ لأن التعبير بـ «الأهل» عن النفس بعيد؛ ولكن { أهله } أي الذين يسكن إليهم من زوجة، وأب، وأم، وأولاد هذا هو الواقع.
وقوله تعالى: { حاضري المسجد الحرام } المراد به مسجد مكة؛ و{ الحرام } صفة مشبهة بمعنى ذي الحرمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس»(180)؛ وحرمة المسجد الحرام معروفة من وجوه كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.
واختلف في المراد بـ{ حاضري المسجد الحرام } فقيل: هم أهل الحرم - يعني: من كانوا داخل حدود الحرم - ؛ فمن كان خارج حدود الحرم فليسوا من حاضري المسجد الحرام؛ وروي هذا عن ابن عباس، وجماعة من السلف، والخلف؛ وقيل: حاضرو المسجد الحرام أهل المواقيت، ومن دونهم؛ وعلى هذا فأهل بدر من حاضري المسجد الحرام؛ لأنهم دون المواقيت؛ وأهل جدة من حاضري المسجد الحرام؛ لأنهم دون المواقيت؛ وقيل: حاضرو المسجد الحرام أهل مكة، ومن بينهم وبين مكة دون مسافة القصر؛ وهي يومان؛ وعلى هذا فأهل جدة، وأهل بدر ليسوا من حاضري المسجد الحرام؛ وأهل بحرة - وهي بلدة دون جدة - على هذا القول يكون أهلها من حاضري المسجد الحرام؛ لأنهم داخل المسافة؛ وأهل الشرائع من حاضري المسجد الحرام؛ والأقرب القول الأول أن حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم؛ وأما من كان من غير أهل الحرم فليسوا من حاضريه؛ بل هم من محل آخر؛ وهذا هو الذي ينضبط.
قوله تعالى: { واتقوا الله } أي الزموا تقوى الله عز وجل؛ وذلك بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.
قوله تعالى: { واعلموا أن الله شديد العقاب } أي شديد المؤاخذة، والعقوبة لمن لم يتقه تبارك وتعالى؛ وسميت المؤاخذة عقاباً؛ لأنها تأتي عقب الذنب.
( يتبع )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
درر وفوائد منتقاة من تفسير آيات الحج في سورة البقرة ..
للعلّامة ابن عثيمين -رحمه الله-
من الآية ( 196 - 203 )
نفع الله بها وانزل علينا من رحماته وفضله وثقل بها موازيننا يوم يقوم الاشهاد
المصدر
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_17563.shtml
بسم الله الرحمن الرحيم
{)وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(البقرة:196)
التفسير:
{ 196 } قوله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله } أي ائتوا بهما تامتين؛ وهذا يشمل كمال الأفعال في الزمن المحدد، وكذلك صفة الحج، والعمرة - أن تكون موافقة تمام الموافقة لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به واللام في قوله تعالى: { لله } تفيد الإخلاص - يعني مخلصين لله عز وجل ممتثلين لأمره -.
قوله تعالى: { فإن أحصرتم } أي منعتم عن إتمامها { فما استيسر } أي فعليكم ما تيسر من الهدي؛ وزيادة الهمزة، والسين للمبالغة في تيسر الأمر؛ و{ من الهدي } أي الهدي الشرعي؛ فـ«أل» فيه للعهد الذهني؛ والهدي الشرعي هو ما كان ثنياً مما سوى الضأن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تذبحوا إلا مسنَّة إلا إن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن»(176)؛ وهذا النهي يشمل كل ما ذبح تقرباً إلى الله عز وجل من هدي، أو أضحية، أو عقيقة.
قوله تعالى: { ولا تحلقوا رؤوسكم } أي لا تزيلوها بالموسى { حتى يبلغ الهدي محله }: «محل» يحتمل أن تكون اسم زمان؛ والمعنى: حتى يصل إلى يوم حلوله - وهو يوم العيد -؛ وثبتت السنة بأن من قدّم الحلق على النحر فلا حرج عليه(177)؛ ويحتمل أن المعنى: حتى يذبح الهدي؛ وتكون الآية فيمن ساق الهدي؛ ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما بال الناس حلوا ولم تحل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر»(178).
قوله تعالى: { فمن كان منكم مريضاً } أي واحتاج إلى حلق الرأس؛ { أو به أذًى من رأسه } وهو صحيح، كما لو كان الرأس محلاً للأذى، والقمل، وما أشبه ذلك؛ { ففدية } أي فعليه فدية يفدي بها نفسه من العذاب { من صيام أو صدقة أو نسك }؛ { أو } هنا للتخيير؛ وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن «الصيام» ثلاثة أيام(179)، وأن «الصدقة» إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع(4)؛ وأما «النسك» فهو ذبح شاة(4)؛ وهذه الجملة قد حذف منها ما يدل عليه السياق؛ والتقدير: فمن كان منكم مريضاً، أو به أذًى من رأسه، فحلق رأسه فعليه فدية.
{ فإذا أمنتم } أي من العدو - يعني فأتموا الحج والعمرة - .
ثم فصّل الله عز وجل المناسك فقال: { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } أي فمن أتى بالعمرة متمتعاً بحله منها بما أحل الله له من محظورات الإحرام { إلى الحج } أي إلى ابتداء زمن الحج؛ وهو اليوم الثامن من ذي الحجة { فما استيسر من الهدي } أي فعليه ما استيسر من الهدي شكراً لله على نعمة التحلل؛ ويقال في هذه الجملة ما قيل في الجملة التي سبقت في الإحصار.
قوله تعالى: { فمن لم يجد } أي فمن لم يجد الهدي، أو ثمنه { فصيام ثلاثة أيام } أي فعليه صيام ثلاثة أيام { في الحج } أي في أثناء الحج، وفي أشهره.
قوله تعالى: { وسبعة إذا رجعتم } أي إذا رجعتم من الحج بإكمال نسكه، أو إذا رجعتم إلى أهليكم.
قوله تعالى: { تلك عشرة كاملة } للتأكيد على أن هذه الأيام العشرة وإن كانت مفرقة فهي في حكم المتتابعة.
قوله تعالى: { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام }، أي ذلك التمتع الموجب للهدي.
وقوله تعالى: { أهله }: قيل: المراد به نفسه - أي لمن لم يكن حاضراً المسجد الحرام - ؛ وقيل: المراد بـ «الأهل» سكنه الذي يسكن إليه من زوجة، وأب، وأم، وأولاد، وما أشبه ذلك؛ فيكون المعنى: ذلك لمن لم يكن سكنه حاضري المسجد الحرام؛ وهذا أصح؛ لأن التعبير بـ «الأهل» عن النفس بعيد؛ ولكن { أهله } أي الذين يسكن إليهم من زوجة، وأب، وأم، وأولاد هذا هو الواقع.
وقوله تعالى: { حاضري المسجد الحرام } المراد به مسجد مكة؛ و{ الحرام } صفة مشبهة بمعنى ذي الحرمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس»(180)؛ وحرمة المسجد الحرام معروفة من وجوه كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.
واختلف في المراد بـ{ حاضري المسجد الحرام } فقيل: هم أهل الحرم - يعني: من كانوا داخل حدود الحرم - ؛ فمن كان خارج حدود الحرم فليسوا من حاضري المسجد الحرام؛ وروي هذا عن ابن عباس، وجماعة من السلف، والخلف؛ وقيل: حاضرو المسجد الحرام أهل المواقيت، ومن دونهم؛ وعلى هذا فأهل بدر من حاضري المسجد الحرام؛ لأنهم دون المواقيت؛ وأهل جدة من حاضري المسجد الحرام؛ لأنهم دون المواقيت؛ وقيل: حاضرو المسجد الحرام أهل مكة، ومن بينهم وبين مكة دون مسافة القصر؛ وهي يومان؛ وعلى هذا فأهل جدة، وأهل بدر ليسوا من حاضري المسجد الحرام؛ وأهل بحرة - وهي بلدة دون جدة - على هذا القول يكون أهلها من حاضري المسجد الحرام؛ لأنهم داخل المسافة؛ وأهل الشرائع من حاضري المسجد الحرام؛ والأقرب القول الأول أن حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم؛ وأما من كان من غير أهل الحرم فليسوا من حاضريه؛ بل هم من محل آخر؛ وهذا هو الذي ينضبط.
قوله تعالى: { واتقوا الله } أي الزموا تقوى الله عز وجل؛ وذلك بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.
قوله تعالى: { واعلموا أن الله شديد العقاب } أي شديد المؤاخذة، والعقوبة لمن لم يتقه تبارك وتعالى؛ وسميت المؤاخذة عقاباً؛ لأنها تأتي عقب الذنب.
( يتبع )