• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

لوبي التوريث في وثائق " ويكيليكس "

في وثيقة مهمة نشرها موقع "ويكيليكس" موجهة من السفير الأمريكي بالقاهرة سابقا "فرانسيس ريتشاردوني" إلى وزارة الخارجية الأمريكية تشتمل على تحليل واف عن خلافة الرئيس مبارك والأشخاص المحتملين لحكم مصر من بعده ، لفت انتباهي عبارة في التحليل الذي بعث به السفير تقول حرفيا (يرى كثير من صفوة المصريين خلافة جمال لوالده إيجابية، حيث قد يخدم استمرار الوضع الراهن أعمالهم ومصالحهم السياسية) .

عندما يقول السفير الأمريكي في القاهرة هذا الكلام فإنه لا يهجص ولا يتكلم بطريقة المقاهي المصرية الشهيرة ، كما لا يمكن أن يكون قد استقى هذه المعلومة الدقيقة من استطلاع صحف مصرية ، قومية أو مستقلة ، لأن أحدا في تلك الصحف لا يجرؤ على أن يبوح بذلك المعنى في سفور ووضوح ، والمؤكد أن السفير الأمريكي استقى تلك المعلومات من النخبة المصرية المقربة نفسها ، وهذا ما يكشف لنا ـ في جانب منه ـ أهمية وخطورة تلك اللقاءات التي تتم بين الديبلوماسيين الأمريكيين وبين رجال مال وأعمال ورجال سياسة ورجال إعلام وباحثين وأكاديميين ، خاصة وأن "الثرثرة" التي تعرفها تلك اللقاءات تكون مشحونة بقدر كبير من المعلومات التي تدخل في "المساحات المشبوهة" .

كما أن تلك الرؤية والقاعدة التي قالها السفير الأمريكي لا يمكن أن تكون مستقاة من شخص واحد أو مصدر واحد ، وإنما هي "رؤية" لتيار ، استنبطها من مجمل جلسات ولقاءات وحوارات أعطته انطباعا بأن هناك نخبة في مصر أسماها "الصفوة" بما يعني أنها تمثل مواقع اقتصادية أو سياسية أو برلمانية أو إعلامية أو أكاديمية أو بحثية مهمة للغاية ومتماسة مع أعلى هرم السلطة ، وأن هذه الصفوة تعتقد أن المجيء بجمال مبارك رئيسا للجمهورية خلف والده هدف مهم يسعون لتحقيقه ، وأن هذا الهدف يحقق لهم مكاسب سياسية واقتصادية ، حسب نص تحليل السفير الأمريكي ، بمعنى أنه يحمي ما حققوه والنفوذ والمكاسب التي وصلوا إليها ، وهي الرؤية التي تضع أيدينا لأول مرة بوضوح كاف على حقيقة وجود "لوبي" للتوريث ، يدافع عنه كقضية شخصية لها أولوية ، ليس لمجرد شخص جمال مبارك كقيمة إيجابية لمصر ومستقبلها ومصالحها ، وإنما كقيمة إيجابية لمصالح هذا اللوبي الشخصية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ، وهو ما يعني بالمقابل أن هناك إدراكا لدى تلك "الصفوة" بأن فشل مشروع التوريث وضياعه يعني ضياعا مباشرا لهم هم أنفسهم ومصالحهم .

إذن مصر لا تواجه طموحا شخصيا من نجل الرئيس ، وإنما تواجه ـ في الحقيقة ـ تحالفا واسعا ومتعاضدا من أصحاب المصالح الاقتصادية والسياسية والإعلامية والبرلمانية الذين اختطفوا مصر طوال العقدين الأخيرين واستولوا على مقاليد الأمور فيها ومفاتيح كنوزها ، وحقق بعضهم طفرات مالية هائلة بالمليارات من منح أراضي وتسهيلات بنكية ورعاية خاصة تم التخديم عليها من مؤسسات الدولة المالية والاقتصادية ، كما حقق آخرون حضورا ونفوذا وثروات من الهيمنة على الأدوات البرلمانية وإدارتها وحمايتها وتخريج انحرافاتها بالصورة المطلوبة ، كما حقق غيرهم نفوذا وثروات من البيزنس السياسي والحزبي ، كما حقق غيرهم ثروات ضخمة ونفوذا لا يحلمون به من تمكينهم من مؤسسات إعلامية صحفية أوتليفزيونية رسمية تمثل لهم الدجاجة التي تبيض ذهبا كل يوم ، كل هؤلاء يمثلون "لوبي" التوريث ، الذي يعتبر نجاح مشروع التوريث مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم على المستوى الشخصي ، يدافعون عنه دفاعهم عن قوتهم وقوت أولادهم ومستقبلهم ومصالحهم ونفوذهم وكراسيهم .

ومن الطبيعي أن تلك "الصفوة" يقتلها القلق من توابع فشل مشروع التوريث ، وأن يتم انتقال السلطة إلى قيادة جديدة لا يؤمن جانبها ، بل قد تضع تلك القيادة الجديدة في سلم أولوياتها ، وكجزء من مشروعها للمصالحة مع الشعب ، تصفية حساب مع أقطاب ذلك اللوبي ، فينتهي بعضهم خلف قضبان السجون ، وتتشتت بقيتهم في "المهارب" بين عواصم الدنيا ، وبدون أدنى شك ، فإن مثل هذا الهاجس لا يمكن أن يغيب عن خواطرهم .

بقيت الإشارة إلى أن رسالة "ريتشاردوني" كتبت ـ حسب الوثيقة ـ في منتصف عام 2007 ، ونحن الآن على أبواب العام 2011 ، وأعتقد أن ثلاث سنوات ونصف تقريبا فعلت الطموح ، وصعدت جهود "الصفوة" لدعم مشروع التوريث ، وقد لاحظ كثيرون أن لهجة الدفاع عن "احتمالية" التوريث أصبحت أكثر سخونة هذه الأيام ، والتسريبات أصبحت لا تتحرج من العلن والصراحة ، كما أن الاستحقاق اقترب من مرحلة مفارق الطرق .
 
أعلى