• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

من سيرة السيدة "عائشة" رضىالله عنها

عائشة رضي الله عنها هي خير امرأة تزوجها النبي  بعد أكمل النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وحديثنا عنها ذو شجون، فيه عطر من شذها، وروح من ريحانها، وقبس من إيمانها، ونور من يقينها، ونفحات من فقها، ونبذة من علمها وحكمتها فهي فتاة ولدت في الإسلام بعد مولد فاطمة بنت النبي  بثمان سنين كما يذكر الذهبي في (سير أعلام النبلاء)
قالت رضي الله عنها وأرضاها: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين. يعني أنها لم تعرف أبويها إلا وهما يعتنقان الإسلام.

ومن أبوها؟! إنه أكرم رجل في الإسلام بعد رسول الله ، إنه الصديق الذي سبق إلى الإسلام فكان أول من نطق يالشهادتين من الرجال، وكان يشبه النبي  في خلقه الفاضل وسلوكه النبيل، وكان صاحبه في الغار، قد أفتاده بنفسه وماله، وأحبه أكثر من نفسه التي بين جنبيه ولازمه ملازمة الظل لصاحبه، وأخذ عنه الكثير والكثير من العلم، وكان يقتدي به في عباداته وعاداته، ولا يخرج عن سنته قيد شعرة.
وكان رضي الله عنه نسابة العرب يعرف أنساب القاصي والداني منهم، فكان يأتيه الناس من كل مكان في شبه الجزيرة العربية ليسألوه عن أنسابهم فيحيطهم علما بها ويزيدهم على ما سألوا.

وكان رضي الله عنه محكماً في الجاهلية والإسلام يحكمه العرب في الديات وغيرها من شئونهم الخاصة والعامة، وكان له ذوق رفيع في شعرهم ونثرهم وحكمهم ومكانتهم.
كان رضي الله عنه مثالاً في السخاء والجود والشجاعة والنخوة وعلو الهمة ودماثة الطبع؛ لهذا اتخذه النبي  صاحباً قبل الإسلام وبعده؛ فقد عرفه قبل أن يتزوج خديجة رضي الله عنها فلزمه واستأنس به، ووجد عنده كل ما يبتغيه الصديق من صديقه، وتحقق فيه قول علي رضي الله عنه في الصديق المخلص.

إن أخاك الحـق من كان معك ومن نصـر نفسـه لينفعـك
ومن إذا ريبُ الزمان صدَّعَك شتت فيـه شمـله ليحميــك
هذا أبوها فمن أمها؟

أنها أمﷲرومان بنت عامر الكنانية من أفضل الصحابيات خلقاً وديناً.
أحبها أبو بكر رضي الله عنهما فتزوجها بعد وفاة زوجها عبد الله بن الحارث الأسدي فولدت له عائشة وعبد الرحمن.
وكان رسول الله  راضياً معجباً بحيائها وحلمها وحسن تبعلها لزوجها فلما ماتت بالمدينة في ذي الحجة من السنة السادسة للهجرة نزل النبي  قبرها واستغفر لها وقال: (اللهم لم يخف عليك ما لقيت أم رومان فيك وفي رسولك)( ).
وأسند ابن سعد من طريق يزيد بن هارون وعفان بن مسلم ـ حديث القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: لما ذليت أم رومان في قبرها قال رسول الله  : "من سُرَّه أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان" ( ).
ونشأت عائشة رضي الله عنها بين هذين الأبوين الكريمين نشأة إسلامية فاضلة، ونهلت من أبيها وأمها خير ما لديها من علم وحكمة وفطنة وفراسة فكان عقلها يسبق سنها، كما ذكر المؤرخون وأصحاب السير.

وكان ذكاؤها المفرط يعينها على الحفظ والفقه وحسن التدبر في الكتاب والسنة؛ حتى كانت مرجعاً لأصحاب النبي  فيهما.

روى الترمذي في سننه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ما أشكل علينا أصحاب محمد  حديث قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علماً.
وسنذكر طرفاً من علمها بأمور الدين والدنيا قريباً.
* * *
وقد اصطفاها الله عز وجل زوجة لخير خلقه عليه الصلاة والسلام وأراه صورتها في المنام، ورؤيا الأنبياء حق؛ فتزوجها بوحي من ربه وإلهام من قلبه المستنير بنور الله تبارك وتعالى.

قالت رضي الله عنها: تزوجني رسول الله  حين أتاه جبريل بصورتي، وإني لجارية على خوف. فلما تزوجني، ألقى الله عليّ حياءً وأنا صغيرة.
وروى البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي  قال لعائشة رضي الله عنها: "أرتيك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهها فإذا أنت فيه، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه".

وأخرج الترمذي عن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي  فقال: "هذه زوجتك في الدنيا والآخرة".

ولما قضى الله أمراً كان مفعولاً سخر له خولة بنت حكيم لتشير عليه بخطبة سودة بنت زمعة، وخطبة عائشة في وقت واحد فرضي بذلك وأرسلها في هذه المهمة، فذهبت إلى سودة فخطبتها عليه فتزوجها ودخل بها في مكة كما أسلفنا.
وذهبت إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه والتقت بأم رومان فبشرتها بهذا الخبر السعيد؛ ففرحت به فرحاً ملك عليها شغاف قلبها، فزواج ابنتها من خير خلق الله شرف عظيم تشرئِب إليه الأعناق، وخير عميم لها ولابنتها ولزوجها ولقبيلة يتم أجمعين.
وقد أمهلت أم رومان خولة حتى يأتي زوجها أبو بكر فتخبره بهذا النبأ العظيم ليشاركها فرحتها وبهجتها، فانتظرته حتى جاء إلى بيته.
فبادرته خولة برغبة رسول الله  في مصاهرته. فقال: أو تصلح له وهي ابنة أخيه؟
فلما أخبر النبي  بما قال رضي الله عنه، قال: "أنا أخوه وهو أخي، وابنته تصلح لي".

أي أن هذه الأخوة أخوة إيمان وليست أخوة نسب.
فلما سمع أبو بكر قول النبي : إنها تصلح لي تسعد لذلك لكنه قد كان خطبها منه المُطعم بن عدي على ابنه، فقال رضي الله عنه في نفسه: والله إن رسول الله  أحب إليّ منه ومن أهل الأرض أجمعين، لكني لا أخلفُ وعداً قط. فقام إليه حتى دخل بيته. فقال: ما تقول في أمر هذه الجارية؟

فأقبل المطعم على امرأته وقال لها: ما تقولين؟ فأقبلت على أبي بكر، فقالت: لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تُدخلُه في دينك فأقبل عليه أبو بكر، فقال: ما تقول أنت؟
قال: إنها لتقول ما تسمع. فقام أبو بكر وليس في نفسه من الموعد شيء فقال لخولة بنت حكيم قولي لرسول الله  فليأت فجاء فزوجها له أبوها على بركة الله تعالى وهي بنت ست سنين أو سبع سنين على أكثر تقدير، فاجتمع لأبي بكر رضي الله عنه مع الصحبة المصاهرة فكان بذلك أسعد الناس.
وأما عائشة رضي الله عنها فقد ملكها الحياء وشعرت بالرهبة والجلال مع وافر الحب الذي ملك عليها شغاف قلبها.
ولقد كان الرسول  يأتي بيت أبيها فيكلمها وتكلمه ويداعبها أحياناً وتداعبه وقد بادلها حباً بحب.

وقد كانت تعرف معنى الزواج وتدرك حقوق الزوجية على صغرها لأن الكثير من أترابها كن يخطبن في هذا السن، وكانت أمهاتهن تعلمهن وهن في هذا السن ما يجب لهن من حقوق وما يجب عليهن نحو أزواجهن في مقابل هذه الحقوق.
ولا يهولنك ـ أيها القارئ الكريم ـ هذا العرف الذي كان سائداً في هذا العصر؛ فإن لكل عصر ظروفه وعاداته ومتطلباته.
لقد كانت الفتاة العربية تسبق سنها في إدراك شئون الحياة الخاصة والعامة لبساطتها وخلوها مما يعكر صفوها، وكان وراء هذه الفتيات من يبصرهن بالحقوق والواجبات، ويعينهن على أن تأخذ كل منهن ما لها من حقوق وتؤدي ما عليها من واجبات بالمعروف.

ولقد كان أهل الريف في مصر ـ إلى عصر قريب ـ يزوجون بناتهم في التاسعة أو العاشرة ولا يعترض عليهم أحد من العقلاء، فلا يقيسن أحد تلك العصور الماضية على هذا العصر؛ فإن القياس مع الفارق خطأ كبير.
وكان زواجه  من عائشة في مكة بعد دخوله على سودة بنت زمعة ولكن لم يدخل بها إلا في المدينة في شهر شوال بعد عودته من غزوة بدر، وكانت رضي الله عنها تحب هذا الشهر الذي دخلت فيه على خير البرية ، وتحب أن تدخل نساء أهل بيتها فيه تيمناً به.
قالت رضي الله عنها: تزوجني رسول الله  في شوال، وبنى بي في شوال.
فأي نساء رسول الله  كانت أحظى عنده مني ؟ قال عروة بن الزبير: وكانت عائشة تستحب أن تُدخل نساءها في شوال ( ).
* * *
وكان اليوم الذي بنى بها رسول الله  فيه يوماً مشهوداً التقى فيه الأحبة على وفاقٍ تام وعلى موعد جرى به القدر؛ فقد أصبح الصديق صهراً لخير الخلق  يدخل عليه في بيت ابنته متى شاء بعد الاستئذان فيستمتع بالجلوس معه في ليله ونهاره بلا تحرج أو استقبال.

وأضحت عائشة رضي الله عنها في حجر رسول الله  تنعم بعطفه وحنانه وحبه الذي يتعمق في قلبها يوماً بعد اليوم.
لقد كانت تراه من بعيد وتجالسه في بيت أبيها على خجل وتكلمه على استحياء فأضحت لباساً له وأضحى لباساً لها يسكن إليها وتسكن إليه، ويجد عندها من الأنس ما تجده عنده.

ولكن هذا الزواج لم ينسه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها؛ فقد كان يذكرها دائماً بالثناء العطر، ويدعو لها بخير الدعاء، ويرحب بمن كانت تزوره في بيتها.
إنه لم ينس يوماً من أيامها، بل ولا لحظة من اللحظات التي قضاها معها.
كيف ينسى امرأة هي أكمل نساءِ هذه الأمة خلقاً وديناً.
كيف ينساها وقد أعطته من نفسها كل شيء، وأعانته على نشر دعوته بكل ما لديها من قوة مادية ومعنوية، ورزقه الله منها الذرية، وكانت منه بمنزلة الروح من الجسد إن صح هذا التعبير، وهذا الأمر أيقظ الغيرة في قلب عائشة، ونشطها حتى برمت لما كان بقوله الرسول  في إطرائها والثناء عليها.
وهي ترى نفسها أفضل منها بالنسبة له؛ فهي فتاة بكرٌ، غضة، جميلة الصورة، بهية الطلعة، ضحوكة السن، تتميز بذكاء خارق وذكانة ( ) فذة، وحافظة واعية.
هكذا كانت ترى ولها الحق فيما ترى، لكن خفي عليها ما كانت تتميز به خديجة؛ فبين لها الرسول  من شأنها معه، حتى أسكتها.
لقد قالت له يوماً وهو يذكرها: أليس الله قد أبدلك خيراً منها يا رسول الله قال: ما ابدلني الله خيراً منها لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بنفسها ومالها ورزقني الله منها البنين ( ).

لقد لقنها درساً لا تنساه في حياتها حتى لا تعود لمثلها فتفخر على خديجة رضي الله عنها ـ وهي على ما هي من خلقٍ ودين وجمال وجلال، وعزة وعظمة شأن، ولعل أعظم ما في هذا الدرس هو محاسبة النفس، وكبح جماحها عن الغرور والمفاخرة، وتحجيم الغيرة إلى القدر الذي لا تجاوز فيه حدها؛ فتخرج عن العدل المطلوب أو تخرج عن الأخوة الإيمانية التي تقضي على الأثرة وسوء الظن، وكانت عائشة ـ رضي الله عنها تتمنى أن تسعد رسول الله  بولد تقر به عينه، أو بنت مثلها، أو تفوقها في الجمال والنجابة، والذكاء، ولكن الله عز وجل لم يقدر لها ذلك لأمر يعلمه وحكمة أرادها ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه والله هو الفعال لما يريد.
وربما كان عدم إنجابها منغصاً من أكبر المنغصات في حياتها فالمرأة الولود عند العرب كانت هي ريحانة الرياحين.

وأكبر الظن أنها كانت تغار من النساء اللاتي يَتَكَنَّيْنَ بأولادهن.
فكنَّاها الرسول  بابني أختها (عبد الله بن الزبير) ولما مات أخوها عبد الرحمن كفلت له ابنه وابنته فسعدت بهما، وأحسنت إليهما إحسان الوالدة لولدها وكان الرسول  هو الكافل لهما، وهو ولي المؤمنين جميعاً.
* * *
عرفت عائشة رضي الله عنها فضل خديجة عليها فلم تعد إلى ما كانت تقول في شأنها، وأيقنت أن المفاخرة لا محل لها، وأدركت أنها لم تكن مصيبة في قولها؛ فطوت صفحة الماضي، وأخذت نفسها بقوة الإيمان؛ لأنه هو العاصم لها ولكل مؤمن من الغل، والغيرة، والغرور وغير ذلك من الآفات التي تعكر صفو القلب وتطفئ نوره أو تضعفه.
والرسول  كان يعذرها في كثير من الأخطاء التي تقع منها سهواً أو عمداً؛ لصغر سنها ولشدة غيرتها وهي طبع في كل امرأة كما هو معلوم وكان يأخذها باللين والرحمة كما هو شأنه مع سائر نسائه، وكانت في أبي بكر رضي الله عنه حدة لعلها ورثتها منه فكان الرسول  يعرف فيها هذه الحدة فيتقيها ويخفف من قسوتها.

* * *
وما لبثت عائشة إلا قليلاً حتى تزوج الرسول  بأخريات غيرها فكان له  تسع أزواج كلهن ذوات شأن ومنزلة.

فقد تزوج الرسول  بحفصة بنت عمر ابن الخطاب، وهي شابة ذات جمال ودلال.
وتزوج بعدها أم سلمة هند بنت أبي أمية وهي أيضاً ذات حسنٍ وجمال، ثم تزوج (جويرية بنت الحارث) وهي شابة صغيرة ذات ملاحة وجمال، وتزوج (صفية بنت حيي) وهي فتاة تتميز بصفات كثيرة يحبها الرجال، وتزوج (أم حبيبة بنت أبي سفيان) زعيم مكة وقائد جيشها وتزوج زينب بنت جحش بأمر من الله تعالى وهي غاية في الجمال فأين مكانة عائشة منهن.

أقول: إن مكانتها في قلب النبي  لم يفضل واحدة عليها بل كان يفضلها عليهن في نطاق الحب ويعدل بينهن فيما سوى ذلك فكان يقول حبي يقسم بينهن: "اللهم إن هذا قَسمي فيما أملك فلا تأخذني فيما لا أملك.
ومع ذلك كانت تغار عليه منهن غيرة محمودة لا تفسد الود القائم بينهن وهي التي كانت تقول: "لله در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء".

لقد هذبها الإسلام وحدّ من غيرتها وعصبيتها وغرورها بنفسها وأحلها من ضراتها محلا كريماً فقد كن يحببنها لحب الرسول  لها، ولمكانة أبيها ولغير ذلك من الصفات التي تحملت بها.
وكل ما وقع بينهن من مظاهر الغيرة كان كسحابة صيف كما يقول: أدباء هذا العصر.
والغيرة التي لا تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم غيرة محمودة لابد من توفرها في الرجال والنساء على السواء؛ فهي وازع إلى حماية الحرمات والدفاع عن النفس والتعبير عن النخوة والأريحية.

وبدونها لا يكون الرجل رجلاً بكل ما تعنيه الكلمة ولا تكون المرأة امرأة على النحو الذي يرجوه الرجل منها فيشعر برجولته عند ظهورها من مكمنها.
لقد جرت بين عائشة وضراتها مشاكسات سجلها لهن التاريخ.

* * *
1ـ من ذلك ما رواه المحدثون وأصحاب السير عن عائشة رضي الله عنها في قصة تحريم العسل على النبي  وغيرةً من زينب بنت جحش.
وخلاصة القصة: أن زينب رضي الله عنها جاءتها عُكَّة عسل فكانت تسقيه منها إذا دخل عليها فيغيب عندها؛ فغارت منها غيرة شديدة فدبرت لذلك أمراً أفصحت عنه بنفسها فقالت: "... تواطأت أنا وحفصة أيتنا دخل عليها فلتقل له: أأكلت مغافير؟‍‍‍‍ وهي طعام من صمغ من رائحة كريهة، فلما دخل عندها رسول الله قالت: إني أجد منك ريح مغافير، قال: لا؛ ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، فلن أعود إليه".
وكان الله بكل شيء عليماً؛ فعاتب كل من تآمرت عليه في تحريم العسل عتاباً شديداً، وعاتبه على استجابته لهن في ذلك عتاب تعليم وتشريع لا عتاب تعنيف وتقريع.
وذلك في أول سورة التحريم من قوله تعالى:  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ  إلى قوله:  ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا .

وقد تقدم حديث العسل في قصة سودة بنت زمعة.
ولقد كان هذا العتاب الشديد اللهجة تهذيباً لأطباعهن، وقتلاً لفوائل الغيرة فيهن، وللسهو بهن إلى درجة تليق بهن يوصفهن أزواج خير خلق الله .
ولقد كان بهذا الدرس شأن عظيم في تزكية نفوسهن وتطهير قلوبهن من كل ما يعكر صفو الحياة بينهن ( ).
ومرت هذه السحابة بخيرها وشرها وعاد للبيت النبوي هدوؤه ورونقه، وعفا بعضهن عن بعض في شجاعة أدبية وحيوية إيمانية، وكان الرسول  أسبقهن إلى العفو والصفح الجميل.

2ـ وقد عرفت صفية بنت حيي بن أخطب بجودة الطهي، وهي في الأصل إسرائيلية من أهل خيبر، فنفست عليها السيدة عائشة هذه الإجادة ولم تكتم منها بل هي التي روتها، ومن حديثها عنها عرفناها. قالت: "ما رأيت صانعة طعام مثل صفية. صنعت لرسول الله طعاماً وهو في بيتي فأخذني +أفكل ـ أي قشعريرة ـ فارتعدت من شدة الغيرة، فكسرت الإناء ثم ندمت فقلت: يا رسول الله ما كفارة ما صنعت؟ إناء مثل إناء وطعام مثل طعام".

3ـ وكان يتجه نظرها أحياناً إلى أم سلمة؛ فتغار منها إذا لبث النبي ص عندها طويلاً فتعاتبه في ذلك وتقول: يا رسول الله، أما تشبع من أم سلمة؟‍
فيتبسم النبي  ويرضيها بكلمة تداوي داء غيرتها فتسكت على مضض.
وكانت تقول له: يا رسول الله، ألا تخبرني عنك لو أنك نزلت بعدوتين إحداهما لم ترع والأخرى قد رعيت أيهما كنت ترعى؟ قال: التي لم تُرْعَ.
قالت: فأنا ليس كأحد من نسائك، كل امرأة من نسائك قد كانت عند رجل، غيري... فتبسم النبي عليه السلام.

وكانت أم سلمة امرأة غيور أيضا، تنافسها في غيرتها على رسول الله ، فقد قالت له حين جاء يخطبها: إني امرأة غيور لا أطيق المنافسة؛ فكان يجاملها ليذهب بعض غيرتها؛ فتغار عائشة من مجاملته لها على علمها بمكانتها عنده.
4ـ (وإذا كانت أكلة أو شربة عسل تستطاب عند الزميلات أو مجاملة لإحداهن جبراً لخاطر ومداراة لغيرة ـ كما يقول العقاد ( ) ـ تثير هذه المنافسة +وتفري بهذه المؤامرة فليس من العسير أن نفهم كيف تكون الغيرة التي تثيرها الذرية المحبوبة المرقوبة حين يرزقها النبي من إحدى زوجاته وقد حرمها من سائرهن سنوات، وهو شديد الكلف بها والتطلع إليها.

تلك إذن غيرة لا تمسكها الحدود ولا تكبحها المجاملات.
وقد ثارت ثائرتها يوم ولد له عليه السلام ابنه إبراهيم من مارية القبطية، وكانت على هذه المزية التي امتازت بها جميلة بيضاء، تغار منها الزميلة لجمالها وصباحتها فوق غيرتها منها لهذه الأمومة التي تفردت بها بين تسع نظيرات.
قالت كتب السير: وغارت زوجات النبي ولا كعائشة.
لأن عائشة رضي الله عنها كانت صاحبة المكانة الأولى التي ترفعت إليها مارية بأمومتها، فهي أحق بالغيرة على تلك المكانة من سواها.
ولا ريب في حب عائشة للنبي، ولا في سرورها ورضاها بما يسره ويرضيه.
ولكننا نطالب الطبيعية الإنسانية ـ والطبيعة النسوية ـ بما يرهقها إذا نحن ترقبنا منها أن تسرّ بما يثير غيرتها، وأن تحب الرجل ثم تسَّر بما عسى أن يصرف حبها عنه، أو ينقص سهمها فيه.

فمن الطبيعي أن تسرّ المرأة بسرور الرجل لأنها تحبه.
ومن الطبيعي كذلك أن تغار من السرور الذي يحببه إلى غيرها؛ لأنها تحبّه.
وقد يفترق القلبان في لحظة من اللحظات؛ لأنهما مقتربان أشد اقترب.
وهذا الذي حدث عند مولد إبراهيم من مارية القبطية، وهي فَتِيّة جميلة رضية، يدنيها من قلب النبي شتى المزايا، وأولاها هذه المزية التي تربى على كل مزية.
فلما رأت عائشة فرح النبي الكريم بالوليد المرموق، وأحست شغف النبي به ـ جاهدت نفسها أن تغالب غيرتها فلم تقوَ على هذه المغالبة، وقال لها يوماً: انظري إلى شبهه! فلم تملك لسانها أن تقول: ما أرى شيئاً.. وربما أعجبه نموّ الوليد؛ ولفتها إلى بياضه ولحمه وترعرع جسمه، فيعز عليها أن تعجب مثل عجبه؛ لأنها هكذا كل طفل يشرب من اللبن ما يشرب إبراهيم!

وكان غضب النبي من غيرتها غضب تأديب وتهذيب، لا غضب سخط وتأنيب، فكان يعذرها فيما يمسه، ولا يعذرها فيما ينبغي أن تتوخاه أو تتحراه، أو فيما يحسن بالمرأة التي أحبها هذا الحب أن تقلع عنه وتعرف موضع الملامة فيه.
فقلما لامها في شيء يمسّه من غيرتها.
ولكنه كان لا يسكت مرة عن مؤاخذتها على فلتات هذه الغيرة التي تمس أناساً آخرين، فيؤاخذ المؤدب الرفيق، ولا يدع لها أن تعيد ما أخذها عليه.
عابت أمامه زوجته السيدة صفية، فذكرت من عيوبها أنها قصيرة فكره أن تمضي في حديثها وقال: "يا عائشة لقد قلت كلمة لو مُزِجَتْ بماءِ البحر لمزجته".
وحكت أمامه إنساناً فلم يعجبه ما يعجب الزوج المحب من هذه الفكاهة التي تسوغ وتستملح في ذوق كثيرين، ونهاها أن تحكي الناس حكاية استهزاء) أهـ.
وامتثلت أمره فلم تعد لمثلها، وهي الفتاة المطيعة لزوجها بوصفه زوجاً وبوصفه رسولاً.
ولم تكن تحاكي إنساناً لتسخر منه على الحقيقة، ولكنها فعلت ذلك لإضحاك النبي  وإضحاك من كان جالساً معه من نسائه؛ لكن الرسول المعلم أراد أن ينزهها عن مثل هذا؛ فإن ذلك الذي فعلته لو علم به المحاكي ربما يغضب، وهذا العمل في ذاته يُعَدّ نوعاً من الغيبة، وإن لم يقصد فاعله به ذلك.
 
موضوع رائع

يا ام ميمونة

موضوعكم نال أعجابنا وشكرا لكم على الطرح

نأمل منكم المزيد

جزاكم الله خيرا



سعدنا بتواجدكم
لا تحرمونا من هذه المشاركات الجميلة
والمواضيع الهادفة

سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك


====================
ملحوظة : هذا رد آلي على الموضوع
 
رد: من سيرة السيدة "عائشة" رضىالله عنها

جُزيت جنة الفردوس أم ميمونة

لاعدمناك ولا عدمنا جهدك المتميز

دام قلمك نافعا هادفا
 
أعلى