دكتور أسامة
New Member
د.أسامة عطوان يكتب: نظرة في المناظرة[/color]
لست أتفق مطلقا مع من يسمي اللقاء الذي استضافت فيه المذيعة اللامعة «كريستيان أمانبور» كبيرة مراسلي «سي إن إن» الدكتور محمد البرادعي والمهندس أحمد عز مناظرة سياسية بأي حال من الأحوال، فما حدث لا يمكن أن يرقي إلي هذا المسمي أو يتفق مع أبسط قواعد المناظرات، وأعتقد أن البرادعي قد خانه التوفيق في قبول هذا اللقاء الذي أعطي فيه الفرصة لعز أن يخاطب المشاهد الأمريكي بعبارات ربط فيها بين خصمه وكل أعداء أمريكا واختزل مؤيديه في التيارات اليسارية المعادية للولايات المتحدة والممثلة لسياسة مصر في الستينيات، وكذلك الإخوان المسلمين الذين يخلط العديد من الأمريكيين بينهم وبين تنظيم القاعدة، ولم ينس عز أيضا أن يقحم اسم «أحمدي نجاد» وحزب الله ليجسد في مشروع البرادعي كل نماذج العداء للولايات المتحدة، ولهذا كان الأجدر بالرجل أن يعتذر مستنكرا إجراء مناظرة لا يستطيع إجراءها في تليفزيون بلاده.
لن أتوقف كثيرا عند إجابات الطرفين عن أسئلة المذيعة فالأهم عندي المعني من إجراء الحوار فالحزب الوطني بدأ يتعافي من صدمة البرادعي، وبدا أكثر ثقة في قدرته علي استيعاب الأمر وبات يعتقد أن عليه أن يسعي مقدما لتسويق الأحداث القادمة خارجيا، أما الداخل فليس هناك ما يدعو للقلق لأن كل الأطراف تراهن علي الشعب.. البرادعي يراهن علي استجابته وتفاعله ومشاركته وإصراره وصموده، أما النظام فيراهن علي ركوده وتعوده ورضاه بالأمر الواقع، وعلي قناعته بأن التغيير مرهون بإرادة النظام وليس بأحلام الناس وطموحهم، وطالما بقي الأمر مقصورا علي مجموعات من المثقفين وأصحاب الرأي فهو مجرد استمرار للمكلمة الدائرة التي يسمح بها النظام مضطرا ثم يعايرنا بها كثيرا.. لقد تحول البرادعي إلي ظاهرة سريعة الانتشار اجتاحت في طريقها زعماء النضال الحنجوري وقيادات المعارضة الخانعة ولم يكن ذلك لتاريخ الرجل النضالي في العمل الوطني، ولا لماضيه في معارضة النظام أو سابق عهده في الالتحام بالجماهير المطحونة، ولكنه كان تعبيرا عن اليأس من القوي والتيارات الواهية، وتجاوز منطقي للوجوه المستهلكة واستنادا عاقلا لخلفية دولية وسياسية تجعل مشروعه محل متابعة عالمية دقيقة، ولكن الشيء الأهم في رأيي أن الناس قد رشحت البرادعي لدور البطولة لأنها تبحث عن بطل ينوب عنها ويتولي أمرها ويمتلك قدرات خارقة قادرة علي تذليل كل العقبات وهزيمة كل الخصوم بينما الشعب يراقب ويترقب حذرا مكتفيا بالدعوات الصالحات وتلك هي غاية الأماني للحزب الوطني الذي يرغم استناده إلي دستور «فك وتركيب» مظبوط علي المقاس (ميخرش لا ديمقراطية ولا حرية ولا تداول سلطة) يأخذ الأمر مأخذ الجد فلا مجال مطلقا للتهاون أو الاستهتار.
لقد أصبح البرادعي مطالبا أكثر من ذي قبل بحسم موقفه من خوض الانتخابات الرئاسية القادمة، فإما أن يعلن خوضها من الآن ويبدأ في إعلان خطواته العملية التالية وإعداد كوادر فاعلة تمثل الجمعية الوطنية للتغيير في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وإما الدعوة العامة لكل القوي لمقاطعة الانتخابات البرلمانية والرئاسية مع الاستمرار في العمل الجماهيري الضاغط لتعديل الدستور وتغيير قواعد اللعبة، وفي الحالتين يبدو البرادعي في أمس الحاجة لتغيير لغة خطابه التي تخلو من التأثير النفسي القوي لدي الجماهير والتي تشعرهم بأن الرجل يترك الباب مواربا للتراجع، وأنه من الممكن أن ينسحب من المعركة قبل أن تبدأ مكتفيا بتسجيل موقف للتاريخ تاركا الألم والحسرة في النفوس والجراح النازفة والخسارة المؤكدة لكل الداعمين ليتساءل ساعتها الناس من جديد عن الحل فتسمع الإجابة نفسها الكارثية المغلوطة التي تقول: «ليس لها من دون الله كاشفة».
لقد أصبح الناس علي ثقة بأنه ليس عليهم سوي الانتظار، وأن دورهم في الفيلم هو دور الكومبارس الذي يقف علي نفس المسافة من أبطال الصراع في انتظار التصفيق للفائز أيا كان معلنين كل التأييد والولاء له، ولن يكون هناك أمل قبل أن يغير الناس هذه القناعات، أما إذا ظل البرادعي ينتظر من الناس الخطوة التالية بينما ينتظرها الناس منه، فلاشك أن الجميع ربما ينتظرون طويلا، وسنظل نلف وندور في الحلقة المفرغة نفسها، وسنظل نجري ونلهث ونتصبب عرقا فإذا بنا نمارس رياضة الجري في المكان، وسنظل نتكلم عن التغيير ونطالب به وداخلنا قناعة ببقاء الوضع كما هو عليه، وسنظل نتكلم عن الإصلاح والديمقراطية ونحن متأكدون «أن هيّ كده.. تجيبها كده.. تجيلها كده.. هي كده».
جريدة الدستور المصرية
الإثنين 3/5/2010
الإثنين 3/5/2010