• مرحبا بكم

    تم تطوير شبكة ومنتديات الجميزه للتماشى مع التطور الحقيقي للمواقع الالكترونيه وبهدف تسهيل التصفح على زوارنا واعضائنا الكرام لذلك تم التطوير وسيتم ارسال اشعار لكل الاعضاء على بريدهم الالكترونى لإعلامهم بان تم تطوير المنتدى

ألف ليلة وليلة

رد: ألف ليلة وليلة

๑۩۞۩๑ الليلة 17 ๑۩۞

أنواع الاقلام عند السلف

قال ابن القيم رحمه الله:

الأقلام متفاوتة في الرتب؛ فأعلاها وأجلها قدراً: قلم القدر السابق الذي كتب الله به مقادير الخلائق، كما في سنن أبي داود، عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: « إن أول ما خلق الله القلم فقال له : اكتب قال : يا رب وما أكتب ؟ قال : أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ».

القلم الثاني: قلم الوحي وهو الذي يكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله، وأصحاب هذا القلم هم الحكام على العالم، والعالَم خدم لهم، وإليهم الحل والعقد، والأقلام كلها خدم لأقلامهم، وقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام: فهذه الأقلام هي التي تكتب ما يوحيه الله تبارك وتعالى من الأمور التي يدبر بها أمر العالم العلوي والسفلي.

والقلم الثالث: قلم التوقيع عن الله ورسوله؛ وهو قلم الفقهاء والمفتين، وهذا القلم أيضا حاكم غير محكوم عليه، فإليه التحاكم في الدماء والأموال والفروج والحقوق، وأصحابه مخبرون عن الله بحكمه الذي حكم به بين عباده، وأصحابه حكام وملوك على أرباب الأقلام وأقلام العالم خدم لهذا القلم.

القلم الرابع: قلم طب الأبدان التي تحفظ بها صحتها الموجودة، وترد إليها صحتها المفقودة، وتدفع به عنها آفاتها وعوارضها المضادة لصحتها، وهذا القلم أنفع الأقلام بعد قلم طب الأديان، وحاجة الناس إلى أهله تلتحق بالضرورة.

القلم الخامس: التوقيع عن الملوك ونوابهم وسياسة الملك، ولهذا كان أصحابه أعز أصحاب الأقلام، والمشاركون للملوك في تدبير الدول، فإن صلحت أقلامهم صلحت المملكة، وإن فسدت أقلامهم فسدت المملكة، وهم وسائط بين الملوك ورعاياهم.

القلم السادس: قلم الحساب وهو القلم الذي تضبط به الأموال مستخرجها ومصروفها ومقاديرها، وهو قلم الأرزاق وهو قلم الكم المتصل والمنفصل؛ الذي تضبط به المقادير وما بينها من التفاوت والتناسب، ومبناه على الصدق والعدل، فإذا كذب هذا القلم وظلم فسد أمر المملكة.

القلم السابع: قلم الحكم الذي تثبت به الحقوق، وتنفذ به القضايا، وتراق به الدماء، وتؤخذ به الأموال والحقوق من اليد العادية فترد إلى اليد المحقة، ويثبت به الإنسان وتنقطع به الخصومات، وبين هذا القلم وقلم التوقيع عن الله عموم وخصوص فهذا له النفوذ واللزوم وذاك له العموم والشمول، وهو قلم قائم بالصدق فيما يثبته، وبالعدل فيما يمضيه وينفذه.

القلم الثامن: قلم الشهادة وهو القلم الذي تحفظ به الحقوق، وتصان عن الإضاعة، وتحول بين الفاجر وإنكاره، ويصدق الصادق، ويكذب الكاذب، ويشهد للمحق بحقه، وعلى المبطل بباطله، وهو الأمين على الدماء والفروج والأموال والأنساب والحقوق، ومتى خان هذا القلم فسد العالم أعظم فساد، وباستقامته يستقيم أمر العالم، ومبناه على العلم وعدم الكتمان.

القلم التاسع: قلم التعبير وهو كاتب وحي المنام وتفسيره وتعبيره وما أريد منه، وهو قلم شريف جليل مترجم للوحي المنامي، كاشف له، وهو من الأقلام التي تصلح للدنيا والدين، وهو يعتمد طهارة صاحبه ونزاهته وأمانته، وتحريه للصدق والطرائق الحميدة والمناهج السديدة، مع علم راسخ، وصفاء باطن، وحسن مؤيد بالنور الإلهي، ومعرفة بأحوال الخلق وهيئاتهم وسيرهم، وهو من ألطف الأقلام وأعمها جولانا، وأوسعها تصرفا، وأشدها تشبثا بسائر الموجودات: علويها وسفليها وبالماضي والحال والمستقبل فتصرف هذا القلم في المنام هو محل ولايته وكرسي مملكته وسلطانه.

القلم العاشر: قلم تواريخ العالم ووقائعه وهو القلم الذي تضبط به الحوادث، وتنقل من أمة إلى أمة، ومن قرن إلى قرن، فيحصر ما مضى من العالم وحوادثه في الخيال، وينقشه في النفس حتى كأن السامع يرى ذلك ويشهده، فهو قلم المعاد الروحاني، وهذا القلم قلم العجائب؛ فإنه يعيد لك العالم في صورة الخيال فتراه بقلبك وتشاهد ببصيرتك.

القلم الحادي عشر: قلم اللغة وتفاصيلها من شرح المعاني ألفاظها، ونحوها وتصريفها، وأسرار تراكيبها، وما يتبع ذلك من أحوالها ووجوهها وأنواع دلالتها على المعاني وكيفية الدلالة، وهو قلم التعبير عن المعاني باختيار أحسن الألفاظ وأعذبها وأسهلها وأوضحها، وهذا القلم واسع التصرف جدا بحسب سعة الألفاظ وكثرة مجاريها وتنوعها.

القلم الثاني عشر: القلم الجامع وهو قلم الرد على المبطلين، ورفع سنة المحقين، وكشف أباطيل المبطلين، على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم وتهافتهم، وخروجهم عن الحق، ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم، وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال، وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، وعدو لكل مخالف للرسل، فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن.
 
رد: ألف ليلة وليلة

๑۩۞۩๑ الليلة 18 ๑۩۞

فوائـــــــــــد الذنـــــــــــــــــوب

قال ابن القيم -رحمه الله-

من فوائد الذنوب

مشاهدة حكمة الله في أقضيته وأقداره التي يجريها على عباده باختياراتهم وإراداتهم هي من ألطف ما تكلم فيه الناس وأدقِّهِ وأغمضِهِ.

وفي ذلك حِكَمٌ لا يعلمها إلا الحكيمُ العليمُ سبحانه، ونحن نشير إلى بعضها:

فمنها: أنه سبحانه يُحِبُّ التَّوابينَ، حتى إنه من محبته لهم يفرح بتوبة أحدهم أعظم من فرح الواحد براحلته التي عليها طعامهُ وشرابهُ في الأرض الدَّوَّيَّةِ المُهلِكَةِ إذا فقدها وأيِسَ منها(1)، وليس في أنواع الفرح أكملُ ولا أعظمُ من هذا الفرح ولولا المحبة التامة للتوبة ولأهلها لم يحصل هذا الفرح.
_____________
(1) كما رواه مسلم (2744) عن أبن مسعود. والدَّوَّية: المفازةُ الخالية.
ومن المعلوم أن وجود المسبب بدون سببه مُمتنعٌ، وهل يوجدُ ملزومٌ بدون لازمه، أو غايةٌ بدون وسيلتها؟!.

وهذا معنى قول بعض العارفين: ولو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم المخلوقات عليه.

فالتوبة هي غاية كمال كل آدمي، وإنَّما كان كمالُ أبيهم بها، فكم بين حالة وقد قيل له:{ إِنَّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } وبين قوله:{ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } فالحالُ الأَوَّلُ حالُ أكلٍ وشربٍ وتمتُّعٍ، والحالُ الأخرى حالُ اجتباءٍ واصطفاءٍ وهدايةٍ، فيا بُعْدَ ما بينهما! ولمّا كان كمالُهُ بالتَّوبَةِ كانَ كمالُ بنيهِ أيضاً بها، كما قال تعالى:{ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا }[الأحزاب:73].

فكمالُ الآدميِّ في هذه الدَّارِ بالتَّوبَةِ النَّصُوحِ، وفي الآخرَةِ بالنَّجاةِ منَ النَّارِ ودخولِ الجنَّةِ، وهذا الكمالُ مُرتَّبٌ على كمالهِ الأوَّل.

والمقصودُ أنَّهُ سبحانهُ لِمحبَّتِه التَّوبَةَ وفَرَحِة بها يَقْضي على عبدهِ بالذَّنبِ، ثمَّ إِنْ كانَ ممَّن سَبَقَتْ له الحسنى قضى لهُ بالتَّوبَة، وإنْ كان ممَّن غلبت عليه الشقاوةُ أقامَ عليه حُجَّةَ عَدلِهِ وعاقَبَةُ بذنبه.

ومنها: أنه سبحانه يحب أن يتفضل عليهم، ويُتِمَّ عليهم نِعَمَهُ، ويُريهم مواقع برَّهِ وكرمهِ، فلمحبَّتهِ الإِفضالَ والإِنعامَ يُنَوَّعُهُ عليهم أعظم الأنواع وأكثرها في سائر الوجوه الظاهرةِ والباطنةِ.

ومن أعظم أنواع الإحسانِ والبرَّ أن يُحسِنَ إلى من أساءَ، ويعفو عمَّن ظلم، ويغفرَ لمن أذنب، ويتوب على من تاب إليه، ويقبل عُذر من اعتذر إليه.

وقد ندب عبادهُ إلى هذه الشِّيم الفاضلة والأفعال الحميدة - وهو أولى بها منهم وأحقَّ - وكان لهُ في تقدير أسبابها من الحِكَمِ والعواقب الحميدة ما يبهرُ العقولَ، فسبحانه وبحمده.

ومنها: انَّهُ سبحانهُ لهُ الأسماءُ الحُسنى، ولكلِّ اسمٍ من أسمائهِ أثرٌ من الآثار في الخلق والأمر، فلو لم يكن في عباده من يُخْطِيءُ ويُذنبُ ليتوب عليه ويغفر لهُ ويعفو عنهُ لن يظهر اثرُ أسمائهِ الغفور والعفوَّ والحليم والتَّواب وما جَرى مجراها.

ومنها: أنَّه سبحانهُ يُعرِّفُ عبادهُ عزَّهُ في قضائه وقدره ونفوذ مشيئته، وجريان حكمته، وأنَّه لا محيص للعبد عمَّا قضاهُ عليه ولا مفرَّ له منه، بل هو في قبضة مالكه وسيَّده، وأنَّه عبدُهُ وابنُ عبدهِ وابنُ أمتهِ، ناصيتهُ بيدهِ، ماضٍ فيه حكمهُ، عدلٌ فيه قضاؤهُ.

ومنها: أنَّه يُعَرِّفُ العبد حاجتَهُ إلى حفظه له ومعونته وصيانته، وأنَّه كالوليد الطَّفلِ؛ في حاجته إلى من يحفظُهُ ويصونُهُ، فإن لم يحفظهُ مولاهُ الحقُّ ويصونهُ ويعينهُ فهو هالكٌ ولا بدَّ، وقد مَدَّتِ الشياطينُ أيديها إليه من كل جانبٍ تُريدُ تمزيق حاله كلَّهِ، وإفسادَ شأنهِ كلَّهِ، وأنَّ مولاهُ وسيِّدَهُ إن وكَلَهُ إلى نفسه وكَلَهُ إلى ضَيْعَةٍ وعَجزٍ وذنبٍ وخطيئةٍ وتفريطٍ، فهلاكُهُ أدنى إليه من شِراكِ نعلهِ.

فقد أجمع العلماءُ باللهِ على أنَّ التَّوفيقَ أن لا يَكِلَ اللهُ العَبدَ إلى نفسه، وأجمعوا على أنَّ الخِذْلانَ أن يُخلَّيَ بينهُ وبين نفسه.

ومنها: انه سبحانه يستجلب من عبده بذلك ما هو من أعظم أسباب السعادة له؛ من استعاذته واستعانته به من شر نفسه، وكيد عدوه، ومن أنواع الدعاء والتضرع والابتهال والإنابة والفاقة والمحبة والرجاء والخوف، وأنواع من كمالات العبد تبلغ نحو المئة، ومنها مالا تدركه العبارة، وإنما يدرك بوجوده فيحصل للروح بذلك قرب خاص لم يكن يحصل بدون هذه الأسباب، ويجد العبد من نفسه كأنه ملقىً على باب مولاه بعد أن كان نائياً عنه، وهذا الذي أثمر له: {إن الله يحبُّ التوابين}، وهو ثمرة "لله أفرح بتوبة عبده...".

وأسرار هذا الوجه يضيق عنها القلب واللسان.

فكم بين عبادةِ مُدلِّ صاحبُها على ربه بعبادته، شامخٌ بأنفه؛ كلما طُلب منه أوصاف العبد قامت صور تلك الأعمال في نفسه، فحجبته عن معبوده وإلهه، وبين عبادة من قد كسر الذُل قلبه كل الكسرِ، وأحرق ما فيه من الرعونات والحماقات والخيالات، فهو لا يرى نفسه إلا مُسيئاً، كما لا يرى ربه - إلا مُحسناً، فهو لا يرضى أن يرى نفسه طرفة عين قد كسر ازدراؤه على نفسه قلبه، وذلل لسانه وجوارحه، وطأطأ منه ما ارتفع من غيره، فقلبه واقف بين يدي ربه وقوف ناكس الرأس خاشع خاضع غاضَّ البصر خاشع الصوت هادئ الحركات، قد سجد بين يديه سجدةً إلى الممات، فلو لم يكن من ثمرة ذلك القضاء والقدر إلا هذا وحده لكفى به حكمةً، والله المستعان.

ومنها: أنه سبحانه يستخرج بذلك من عبده تمام عبوديته؛ فإن تمام العبودية هو بتكميل مقام الذل والانقياد، وأكمل الخلق عبودية أكملهم ذلاًّ لله وانقياداً وطاعةً، والعبد ذليل لمولاه الحق بكل وجه من وجوه الذل؛ فهو ذليل لعزه، وذليل لقهره، وذليل لربوبيته فيه وتصرفه، وذليل لإحسانه إليه وإنعامه عليه، فإن من أحسن إليك فقد استعبدك، وصار قلبك معبداً له وذليلا تعبد له لحاجته إليه على مدى الأنفاس في جلب كل ما ينفعه ودفع كل ما يضره.

وهنا نوعان من أنواع التذلل والتعبد، لهما اثر عجيب يقتضيان من صاحبهما من الطاعة والفوز مالا يقتضيه غيرهما:

أحدهما: ذُل المحبة، وهذا نوع آخر غير ما تقدم، وهو خاصة المحبة ولبها، بل روحها وقوامها وحقيقتها، وهو المراد على الحقيقة من العبد لو فطن، وهذا يستخرج من قلب المحب من أنواع التقرب والتودد والتملق والإيثار والرضا والحمد والشكر والصبر والتندم وتحمل العظائم مالا يستخرجه الخوف وحده، ولا الرجاء وحده، كما قال بعض الصحابة: إنه ليستخرج محبته من قلبي من طاعته مالا يستخرجه خوفه، أو كما قال؛ فهذا ذلُّ المحبين.

الثاني: ذلُّ المعصية؛ فإذا أنضاف هذا إلى هذا هناك فنيت الرسوم، وتلاشت الأنفس، واضمحلت القلوب، وبطلت الدعاوى جملة، وذهبت الرعونات، وطاحت الشطحات، ومحيي من القلب واللسان: أنا وأنا، واستراح المسكين من شكاوى الصدود والإعراض والهجر وتجرد الشهود، فلم يبق إلا شهود العز والجلال الشهود المحض الذي تفرد به ذو الجلال والإكرام الذي لا يشاركه أحد من خلقه في ذرة من ذراته، وشهود الذل والفقر المحض من جميع الوجوه بكل اعتبار، فيشهد غاية ذله وانكساره، وعزة محبوبه وجلاله، وعظمته وقدرته وغناه.

فإذا تجرد له هذان الشهودان ولم يبق ذرَّةٌ من ذرات الذُّل والفقر والضرورة إلى ربه إلا شاهدها فيه بالفعل، وقد شهد مقابلها هناك، فلله أي مقام أقيم فيه هذا القلب إذ ذاك؟ وأي قرب حظي به؟ وأي نعيم أدركه؟ وأي روح باشره؟

فتأمل الآن موقع الكسرة التي حصلت له بالمعصية في هذا الموطن ما أعجبها! وما أعظم موقعها!

كيف جاءت فمحقت من نفسه الدعاوي والرعونات وأنواع الأماني الباطلة، ثم أوجبت له الحياء والخجل من صالح ما عمل، ثم أوجبت له استكثار قليل ما يرد عليه من ربه - لعلمه بأن قدره اصغر من ذلك، وأنه لا يستحقه - واستقلال أمثال الجبال من عمله الصالح بأن سيئاته وذنوبه تحتاج من المكفرات والماحيات إلى أعظم من هذا، فهو لا يزال محسناً وعند نفسه المسيء المذنب منكسراً ذليلاً خاضعاً، لا يرتفع له رأس، ولا ينقام له صدر، وإنما ساقه إلى هذا الذل - والذي أورثه إياه - مباشرة الذنب، فأي شيء انفع له من هذا الدواء؟!

لعل عتبك محمودٌ عواقبهُ .... وربما صحَّت الأجسام بالعِلَلِ

ونكتةُ هذا الوجه أن العبد متى شهد صلاحهُ واستقامتهُ شمخ بأنفه وتعاظمت نفسه، وظن أنه... وأنه... فإذا اُبتلى بالذنب تصاغرت إليه نفسه، وذل وخضع وتيقن أنه... وأنه... .


ومنها: أن العبد يعرف حقيقة نفسه، وأنها الظالمة، وان ما صدر منها من شر فقد صدر من أهله ومعدنه، إذ الجهل والظلم منبع الشر كله، وأن كل ما فيها من خير وعلم وهدى وإنابةٍ وتقوىً فهو من ربها تعالى، هو الذي زكَّاها به، وأعطاها إيَّاه، لا منها، فإذا لم يشأ تزكية العبد تركه مع دواعي ظلمه وجهله، فهو تعالى الذي يُزكِّى من يشاءُ من النفوس، فتزكو وتأتي بأنواع الخير والبر، ويترك تزكية من يشاء منها فتأتي بأنواع الشر والخبث.

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :" اللهم آت نفسي تقواها، وزكَّها أنت خير من زكَّاها أنت وليَّها ومولاها"(3).

_______________
(3)رواه مسلم(2722) من حديث زيد بن أرقم.
فإذا ابتلى اللهُ العبدَ بالذنب عرف نفسه ونقصها، فرُتِّبَ له على ذلك التعريف حِكَمٌ ومصالح عديدة،

منها انه يأنف من نقصها ويجتهد في كمالها.

ومنها أنه يعلم فقرها دائما إلى من يتولاها ويحفظها.

ومنها: تعريفه سبحانه عبده سعة حلمه، وكرمهُ في ستره عليه، وأنه لو شاء لعاجله على الذنب ولهتكه بين عباده، فلم يطب له معهم عيش أبداً، ولكن جلله بستره، وغشَّاهُ بحلمه، وقيَّض له من يحفظه وهو في حالته تلك، بل كان شاهداً وهو يبارزه بالمعاصي والآثام، وهو مع ذلك يحرسه بعينه التي لا تنام.

وقد جاء في بعض الآثار:" يقول الله تعالى: أنا الجواد الكريم، من أعظم مني جوداً وكرماً، عبادي يبارزونني بالعظائم وأنا أكلوهم في منازلهم"؛ فأي حلم أعظم من هذا الحلم؟! وأي كرم أوسع من هذا الكرم؟!

فلولا حلمهُ وكرمهُ ومغفرتهُ لما استقرت السمواتُ والارضُ في أماكنها.

وتأمل قوله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }[فاطر:41]، هذه الآيةُ تقتضي الحلم والمغفرة، فلولا حلمه ومغفرته لزالتا عن اماكنهما، ومن هذا قوله تعالى :{ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا }[مريم:90].

ومنها: تعريفه عبده أنه لا سبيل له إلى النجاة إلا بعفوه ومغفرته، وأنه رهينٌ بحقه، فإن لم يتغمَّدهُ بعفوه ومغفرته و إلا فهو من الهالكين لا محالة، فليس أحدٌ من خلقه إلا وهو محتاجٌ إلى عفوه ومغفرته، كما هو مُحتاجٌ إلى فضله ورحمته.

ومنها: تعريفه عبده كرمه سبحانه في قبول توبته ومغفرته له على ظُلمه وإساءته، فهو الذي جاد عليه بأن وفقه للتوبة، وألهمه إياها، ثم قبلها منه فتاب عليه أولاً وآخراً، فتوبة العبد محفوفةٌ بتوبة قبلها عليه من الله إذْناً وتوفيقاً ، وتوبةٍ ثانيةٍ منه عليه قبولاً ورضاً، فله الفضل في التوبة والكرم أولاً وآخراً لا إله إلا هو.

ومنها: إقامة حجة عدله على عبده ليعلم العبد أن لله عليه الحُجة البالغة، فإذا أصابهُ ما أصابهُ من المكروه فلا يقال: أنَّى هذا؟ ولا: من أين أتيت؟ ولا: بأيَّ ذنب أصبتُ؟ فما أصاب العبد من مصيبة قط - دقيقة ولا جليلة - إلا بما كسبت يداهُ وما يعفو الله عنه أكثر، وما نزل بلاءٌ قط إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة.

ولهذا وضع الله المصائب والبلايا والمحن رحمةً بين عباده يُكفِّرُ بها من خطاياهم، فهي من أعظم نعمه عليهم وإن كرهتها أنفسهم، ولا يدري العبد أي النعمتين عليه أعظم: نعمته عليه فيما يكرهُ؟ أو نعمته عليه فيما يحب؟

و"ما يصيبُ المؤمن من همٍّ ولا وصب ولا أذىً حتى الشوكة يُشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه" (4)، وإذا كان للذنوب عقوبات - ولا بد – فكل ما عوقب به العبد من ذلك قبل الموت خير له مما بعده وأيسر وأسهل بكثير.

_____________
(4) رواه- بنحوه – مسلم (2573)(52) عن أبي سعيد وأبي هريرة .
ومنها: أن يُعامل العبد بني جنسه في إساءتهم إليه وزلاتهم معه بما يحب أن يعامله الله به في إساءته وزلاته وذنوبه؛ فإن الجزاء من جنس العمل؛ فمن عفى عفى الله عنه، ومن سامح أخاه في إساءته إليه سامحه الله في إساءته، ومن أغضى وتجاوز تجاوز الله عنه، ومن استقصى استقصى الله عليه.

ولا تنس حال الذي قبضت الملائكة روحه، فقيل له: هل عملت خيراً؟ هل عملت حسنة؟ قال: ما اعلمه، قيل: تذكَّر، قال: كنت أُبايعُ الناس فكنت أُنْظِرُ المُوسرَ وأتجاوز عن المُعسر، أو قال: كنت آمرُ فتياني أن يتجاوزوا في السِّكَّةِ فقال الله: نحن أحق بذلك منك، وتجاوز الله عنه (5).
______________
(5) رواه البخاري (1971)ومسلم(1560) عن حذيفة، بنحوه.
فالله عز وجل يُعاملُ العبد في ذنوبه بمثل ما يُعاملُ به العبد الناس في ذنوبهم.

فإذا عرف العبد ذلك كان في ابتلائه بالذنوب من الحكم والفوائد ما هو انفع الأشياء له.

ومنها: انه إذا عرف هذا فأحسن إلى من أساء إليه، ولم يقابله بإساءته إساءة مثلها تعرض بذلك لمثلها من ربه تعالى، وأنه سبحانه يُقابل أساءته وذنوبه بإحسانه، كما كان هو يُقابل بذلك إساءة الخلق إليه، والله أوسعُ فضلاً وأكرمُ، وأجزلُ عطاءً، فمن أحب أن يقابل الله إساءته بالإحسان فليقابل هو إساءة الناس إليه بالإحسان، ومن علم أن الذنوب والإساءة لازمة للإنسان لم تعْظُم عنده إساءة الناس إليه.

فليتأمل هو حاله مع الله، كيف هي؟ مع فرط إحسانه إليه وحاجته هو إلى ربه، وهو هكذا له.

فإذا كان العبد هكذا لربه فكيف يُنكرُ أن يكون الناس له بتلك المنزلة؟!

ومنها: انه يقيم معاذيرُ الخلائق، وتتَّسع رحمته لهم، ويزول عنه ذلك الحصر والضيق والانحراف وأكل بعضه بعضاً، ويستريح العُصاةُ من دعائه عليهم، وقنوته عليهم، وسؤال الله أن يخسف بهم الأرض ويسلط عليهم البلاء؛ فإنه حينئذ يرى نفسه واحداً منهم، فهو يسأل الله لهم ما يسأله لنفسه، وإذا دعا لنفسه بالتوبة والمغفرة أدخلهم معه؛ فيرجو لهم فوق ما يرجو لنفسه، ويخاف على نفسه أكثر مما يخاف عليهم، فأين هذا من حاله الأولى وهو ناظر إليهم بعين الاحتقار والازدراء لا يجد في قلبه رحمةً لهم ولا دعوة، ولا يرجو لهم نجاةً؟ فالذنب في حق مثل هذا من أعظم أسباب رحمته، مع هذا فيُقيمُ أمر الله فيهم طاعةً لله ورحمةً بهم وإحساناً إليهم إذ هو عين مصلحتهم، لا غلظةً ولا قُوةً ولا فظاظة.

ومنها: أن يخلع صولة الطاعة من قلبه، وينزع عنه رداء الكبر والعظمة الذي ليس له، ويلبس ردءا الذل والانكسار والفقر والفاقة، فلو دامت تلك الصَّولةُ والعزَّة في قلبه لخيف عليه ما هو من أعظم الآفات كما في الحديث:" لو لم تُذنبوا لخفتُ عليكم ما هو أشدُّ من ذلك؛ العُجْبَ"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فكم بين آثار العُجْبِ والكبر وصولة الطاعة وبين آثار الذل والانكسار! كما قيل: يا آدم لا تجزع من كأس ذُلٍّ كانت سبب كيسك، فقد استخرج منك داء العُجْبِ، وأُلْبستَ رداء العبودية! يا آدم لا تجزع من قولي لك: اُخرج منها، فلك خلقتُها، ولكن انزل إلى دار المجاهدة وابذر بذر العبودية، فإذا كَمُلَ الزرع واستحصد فتعال فاستوفه.

لا يوحشنَّك ذاك العَتْبُ إنِّ لهُ .... لُطفاً يُريك الرِّضا في حالة الغضب

فبينما هو لابسٌ ثوب الإذلال الذي لا يليقُ بمثله تداركه ربُّهُ برحمته، فنزعهُ عنه، وألبسهُ ثوب الذُّلِّ الذي لا يليق بالعبد غيرهُ فما لبس العبد ثوباً أكمل عليه ولا أحسن ولا أبهى من ثوب العبودية، وهو ثوب المذلَّة الذي لا عزَّ له بغيره.

ومنها: إن لله عز وجل على القلوب أنواعاً من العبودية؛ من الخشية والخوف والإشفاق وتوابعها؛ من المحبة والإنابة وابتغاء الوسيلة إليه وتوابعها.

وهذه العبوديات لها أسبابٌ تهيجها وتبعث عليها، فكل ما قيَّضه الربُّ تعالى لعبده من الأسباب الباعثة على ذلك المهيجة له فهو من أسباب رحمته له، ورُبَّ ذنبٍ قد هاج لصاحبه من الخوف والإشفاق والوجل والإنابة والمحبة والإيثار والفرار إلى الله مالا يهيجهُ له كثير من الطاعات!

وكم من ذنب كان سبباً لاستقامة العبد وفراره إلى الله وبُعده عن طرق الغيِّ! وهو بمنزلة من خلط فأحس بسوء مزاجهِ، وكان عنده أخلاطٌ مزمنةٌ قاتلةٌ وهو لا يشعر بها، فشرب دواءً أزال تلك الأخلاط العفنة التي لو دامت لترامت به إلى الفساد والعطب، وان من تبلغ رحمته ولطفه وبرُّهُ بعبده هذا المبلغ وما هو أعجبُ وألطفُ منهُ لحقيقٌ بان يكون الحبُّ كلُّهُ له، والطَّاعاتُ كلُّها له، وأن يُذكر فلا يُنسى، ويُطاعَ فلا يُعصى ويُشكر فلا يُكفر.

ومنها: أنه يعرِّف العبدُ مقدار نعمته مُعافاته وفضله في توفيقه له وحفظه إياه؛ فإنه من تربَّى في العافية لا يعلمُ ما يُقاسيه المُبتلى، ولا يعرف مقدار النعمة، فلو عرف أهلُ طاعة الله أنَّهُم هم المُنعَمُ عليهم في الحقيقة، وأن لله عليهم من الشُّكر أضعاف ما على غيرهم - وإن توسَّدوا التُّراب ومضغوا الحصى - فهم أهلُ النَّعمة المُطلقة، وأن من خلَّى الله بينهُ وبين معاصيه فقد سقط من عينه، وهان عليه، وان ذلك ليس من كرامته على ربه - وان وسَّع الله عليه في الدنيا ومد له من أسبابها - فإنهم أهل الابتلاء على الحقيقة.

فإذا طالبت العبد نفسُهُ بما تُطالبهُ من الحُظوظ والاقسام وأرتهُ انه في بليَّةُ وضائقةٍ تدَارَكَهُ الله برحمته، وابتلاهُ ببعض الذنوب، فرأى ما كان فيه من المُعافاة والنَّعمة، وأنه لا نسبة لما كان فيه من النعم إلى ما طلبتهُ نفسه من الحُظوظ، فحينئذٍ يكونُ أكثرُ أمانيه وآماله العود إلى حالة وان يُمتعهُ الله بعافيته.

ومنها: أن التَّوبة تُوجبُ للتائب آثاراً عجيبةً من المعاملة التي لا تحصلُ بدونها، فتُوجبُ لهُ من المحبة والرقة واللطف وشكر الله وحمده والرضا عنه عبوديات أُخر، فإنه إذا تاب إلى الله قَبِلَ الله توبته فرتب له على ذلك القبول أنواعاً من النعم لا يهتدي العبدُ لتفاصيلها، بل يزالُ يتقلَّبُ في بركتها وآثارها ما لم يُنقضها ويُفسدها.

ومنها: أن الله سبحانه يُحبَّهُ ويفرحُ بتوبته أعظم فرح؛ وقد تقرر أن الجزاء من جنس العمل؛ فلا ينسى الفرحة التي يظفرُ بها عند التوبة النصوح.

وتأمل كيف تجدُ القلب حياً فرحاً وأنت لا تدري سبب ذلك الفرح ما هو، وهذا أمرٌ لا يُحسُّ به إلا حيُّ القلب، وأما ميَّتُ القلب فإنما يجدُ الفرح عند ظفره بالذنب، ولا يعرفُ فرحاً غيره.

فوازن إذاً بين هذين الفرحين، وانظر ما يُعقبُه فرحُ الظَّفر بالذنب من أنواع الأحزان والهُموم ولغُموم والمصائب؛ فمن يشتري فرحةَ ساعةً بغمِّ الأبد؟

و انظر ما يُعقبُهُ فرحُ الظفر بالطاعة والتوبة النصُوح من الانشراح الدائم، والنعيم، وطيب العيش، ووازن بين هذا وهذا، ثم اختر ما يليق بك ويناسبُك! وكلٌّ يعملُ على شاكلته، وكلُّ امرئٍ يصبو إلى ما يُناسبُه.

ومنها: انه إذا شهد ذُنوبهُ ومعاصيهُ وتفريطهُ في حقِّ ربه استكثر القليل من نعم ربه عليه، ولا قليل منه؛ لعلمه أن الواصل إليه فيها كثيرٌ على مُسيءٍ مثله، واستقلَّ الكثير من عمله لعلمه بأن الذي ينبغي أن يغسل به نجاستهُ وأوضارهُ وأوساخه أضعافُ ما يأتي به، فهو دائماً مستقلٌ لعلمه كائنا ما كان، مستكثرٌ لنعمة الله عليه وإن دقَّت.

وقد تقدم التَّنبيهُ على هذا الوجه، وهو من ألطف الوجوه، فعليك بمُراعاته، فله تأثيرٌ عجيبٌ.

ولو لم يكن في فوائد الذنب إلا هذا لكفى به، فأين حالُ هذا من حال من لا يرى لله عليه نعمة إلا ويرى أنه كان ينبغي أن يُعطي ما هو فوقها وأجلَّ منها! وانُّهُ لا يقدر أن يتكلم؟ وكيف يُعاندُ القدر وهو مظلومٌ مع الربِّ لا يُنصفهُ ولا يُعطيه مرتبتهُ، بل هو مُغرىً بُمعاندته لفضله وكماله، وأنه كان ينبغي له أن ينال الثُّريَّا ويطأ بأخمصهِ هُنالك، ولكنَّهُ مظلومٌ مبخوسُ الحظَّ!

وهذا الضَّربُ من ابغض الخلق إلى الله، وأشدهم مقتاً عندهُ، وحكمةُ الله تقتضي أنهم لا يزالون في سفالٍ، فهم بين عتبٍ على الخالق، وشكوى لهُ، وذُلٍّ لخلقه، وحاجة إليهم، وخدمةٍ لهم، أشغلُ الناس قلوباً بأرباب الولايات والمناصب، ينتظرون ما يقذفون به إليهم من عظامهم وغُسالة أيديهم وأوساخهم، وأفرغُ الناس قلوباً عن معاملة الله، والانقطاع إليه، والتلذذ بمُناجاته، والطُّمأنينة بذكره، وقُرِّة العين بخشيته والرضاء به.

فعياذاً بالله من زوال نعمته وتحوُّل عافيته، وفجأة نقمته، ومن جميع سخطه.

ومنها: أن الذنب يُوجبُ لصاحبه التقُّيظَ والتَّحرُّز من مصائد عدوَّه ومكامنه، ومن أين يدخُلُ عليه اللصوص والقُطَّاع ومكامنهم، ومن أين يخرجون عليه، وفي أي وقت يخرجون، فهو قد استعدَّ لهم وتأهب، وعرف بماذا يستدفعُ شرهم وكيدهم فلو أنه مرَّ عليهم على غرة وطمأنينه لم يأمن أن يظفروا به ويجتاحوه جملةً.

ومنها: أنَّ القلب يكونُ ذاهلاً عن عدوه مُعرضاً عنه، مشتغلاً ببعض مهماته، فإذا أصابهُ سهمٌ من عدوه استُجمعت له قوته وحاسته وحميته، وطلب بثأره إن كان قلبه حُراً كريماً، كالرجل الشجاع إذا جُرح؛ فإنه لا يقومُ له شيءٌ، بل تراه بعدها هائجاً طالباً مقداماً، والقلب الجبان المهين إذا جرح كالرجل الضعيف المهين إذا جرح ولَّى هارباً والجراحاتُ في أكتافه، وكذلك الأسد إذا جرح فإنه لا يُطاق.

فلا خير فيمن لا مُروءة له بطلب أخذ ثأره من أعدى عدوه، فما شيءٌ أشفى للقلب من أخذه بثأره من عدوه، ولا عدوَّ أعدى له من الشيطان، فإن كان قلبه من قلوب الرجال المتسابقين في حلبة المجد جد في اخذ الثأر، وغاظ عدوه كل الغيظ، وأضناه، كما جاء عن بعض السلف: إن المؤمن ليُنضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيرهُ في سفره.

ومنها: أن مثل هذا يصيرُ كالطبيب ينتفع به المرضى في علاجهم ودوائهم، والطبيب الذي عرف المرض مباشرة وعرف دواءهُ وعلاجه أحذقُ واخبرُ من الطبيب الذي إنما عرفه وصفاً، هذا في أمراض الأبدان؛ وكذلك في أمراض القلوب وأدوائها، وهذا معنى قول بعض الصوفية: اعرفُ الناس بالآفات أكثرهم آفاتٍ!

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما تُنقضُ عُرى الإسلام عُروة عُروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية.

ولهذا كان الصحابة أعرف الأمة بالإسلام وتفاصيله، وأبوابه وطرقه، وأشد الناس رغبةً فيه، ومحبة له، وجهاداً لأعدائه، وتكلُّماً بأعلامه، وتحذيراً من خلافهِ؛ لكمال علمهم بضدَّه، فجاءهم الإسلامُ كل خصلة منه مضادة لكل خصلةٍ مما كانوا عليه، فازدادوا له معرفةً وحبَّاً، وفيه جهاداً؛ بمعرفتهم بضدَّه، وذلك بمنزلة من كان في حصرٍ شديدٍ وضيقٍ ومرضٍ وفقرٍ وخوفٍ ووحشةٍ، فقيَّض الله له من نقلهُ منه إلى فضاءٍ وسعةٍ وأمنٍ وعافيةٍ وغنىً وبهجةٍ ومسرَّةٍ، فإنه يزدادُ سُرورُهُ وغبطتهُ ومحبتهُ بما نقل إليه بحسب معرفته بما كان فيه.

وليس حالُ هذا كمن ولد في الأمن والعافية والغنى والسرور، فإنه لم يشعر بغيره، وربَّما قُيَّضت له أسبابٌ تخرجهُ عن ذلك إلى ضدَّه وهو لا يشعر، وربَّما ظن أن كثيراً من أسباب الهلاك والعَطَبِ تُفضي به إلى السلامة والأمن والعافية، فيكونُ هلاكهُ على يدي نفسه وهو لا يشعر.

وما أكثر هذا الضَّرب من الناس! فإذا عرف الضَّدَّين، وعلم مباينة الطرفين، وعرف أسباب الهلاك على التفصيل كان أحرى أن تدُوم له النعمة ما لم يؤثر أسباب زوالها على علم، وفي مثل هذا قال القائل:

عرفتُ الشرَّ لا لِلشرَّ لكن لتوقِّيهِ .... ومن لا يعرفُ الشرَّ من الناس يقع فيه

وهذه حالُ المؤمن! يكون فطناً حاذقاً، أعرف الناس بالشرَّ، وأبعدهم منه، فإذا تكلَّم في الشرَّ وأسبابه ظننته من شر الناس، فإذا خالطته وعرفت طويَّتهُ رأيتهُ من أبرَّ الناس.

والمقصود أن من بُلىَ بالآفات صار من أعرف الناس بطُرُقِها، وأمكنه أن يَسُدَّها على نفسه وعلى من استنصحهُ من الناس ومن لم يستنصحهُ.

ومنها: انه سبحانه يُذيقُ عبده ألم الحجاب عنه والبعد وزوال ذلك الأُنس والقُرب؛ ليمتحن عبده، فإن أقام على الرضا بهذه الحال ولم يجد نفسه تطالبُهُ حالها الأول مع الله بل اطمأنت وسكنَتْ إلى غيره: عَلِمَ انه لا يصلُحُ، فوضعه في مرتبته التي تليق به، وإن استغاث استغاثة الملهوف وتفلق تفلق المكروب، ودعا دعاء المضطر، وعلم أنه قد فأتتهُ حياتهُ حقاً فهو يهتف بربه أن يرد عليه حياتهُ ويعيد عليه مالا حياة له بدونه: علم أنه موضع لما أُهل له، فرد عليه أحوج ما هو إليه، فعظمت به فرحته، وكمُلت به لذته، وتمت به نعمته، واتصل به سروره، وعلم حينئذ مقدارهُ فعض عليه بالنواجذ وثنى عليه الخناصر، وكان حاله كحال ذلك الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المُهلكة إذا وجدها بعد مُعاينة الهلاك.

فما أعظم موقع ذلك الوجدان عنده!

ولله أسرارٌ وحكمٌ ومُنبَّهاتٌ وتعريفاتٌ لا تنالها عقولُ البشر.

فَقُل لِغَليظِ القلبِ وَيْحَكَ ليسَ ذا .... بِعشّك فادْرُجْ طالباً عُشَّكَ البالي
ولا تَـكُ مِمَّن مدَّ باعاً إلى جَنَىً .... فَقَصَّرَ عـنهُ قالَ ذا ليسَ بالحالي
فالعبدُ إذا بُلى بعد الأنس بالوحشة، وبعد القُرب بنار البعاد اشتاقت نفسُه إلى لذَّةِ تلك المُعاملةِ، فحنَّت وأنَّت وتصدَّعت وتعرَّضت لنفحات من ليس لها منهُ عوضٌ أبداً، ولا سيَّما إذا تذكرت بِرَّهُ ولُطفه وحنانه وقُربَهُ، فإن هذه الذكرى تمنعُها القرار وتهيَّج منها البلابل، كما قال القائل- وقد فاته طواف الوادع فركب الأخطار ورجع إليه-:

ولَمَّا تَذكَّرْتُ المنازلَ بالحِمى .... ولمَ يُقْضَ لي تَسليمةُ المُتزوَّدِ
تَيَقَّنْتُ أنَّ العَيشَ ليسَ بِنافعي .... إذا أنا لَم انظُر إليها بموعـدِ
وإن استمر إعراضُها ولم تحن إلى معهدها الأول، ولم تُحِسَّ بفاقتها الشديدة وضرورتها إلى مراجعة قُرْبِها من ربها؛ فهي ممن إذا غاب لم يُطلب، وإذا ابق لم يُسترجع، وإذا جنى لم يُستَعتَبْ.

وهذه هي النُّفوسُ التي لم تُؤهَّل لما هنالك.

وبحسب المعرض هذا الحرمانُ، فإنَّهُ يكفيه، وذلك ذنبٌ عقابهُ فيه.

ومنها: أن الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الإنسان، وهاتان القوَّتان فيه بمنزلة صفاته الذاتية، لا ينفكُّ عنهما، وبهما وقعت المحِنَةُ و الابتلاءُ، وعُرِّض لنيل الدرجات العُلى، واللَّحاق بالرَّفيق الأعلى، والهُبوط إلى أسفل سافلين.

فهاتان القوَّتان لا يدعان العبد حتى يُنيلانه منازل الأبرار أو يضعانه تحت أقدام الأشرار، ولن يجعل الله من شهوتُهُ مصروفة إلى ما أعد له في دار النعيم، وغضبُهُ حميَّةٌ لله ولكتابه ولرسوله ولدينه، كمن جعل شهوتُهُ مصروفةٌ في هواه وأمانيه العاجلة، وغضبُهُ مقصورٌ على حظه، ولو انْتُهِكَ محارمُ الله وحدوده وعطلت شرائعه وسننه بعد أن يكون هو ملحوظاً بعين الاحترام والتعظيم والتوقير ونفوذ الكلمة!

وهذه حالُ أكثر الرؤساء - أعاذنا الله منها - فلن يجعل الله هذين الصنفين في دارٍ واحدةٍ، فهذا ركض بشهوته وغضبه إلى أعلى علَّيَّين، وهذا هوى بهما إلى أسفل سافلين.

والمقصود أن تركيب الإنسان على هذا الوجه هو غاية الحكمة، ولا بد أن يقتضي كل واحد من القوَّتين أثره، فلا بدَّ من وقوع الذنب والمخالفات والمعاصي، فلا بد من ترتب آثار هاتين القوتين عليهما، ولو لم يخلقا في الإنسان لم يكن إنسانا، بل كان ملكا، فالترتب من موجبات الإنسانية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" كل بني آدم خطاءٌ وخير الخطائين التوابون"(6)، فأما من اكتنفته العصمة، وضُربت عليه سُرادِقاتُ الحفظ فهم أقل أفراد النوع الإنساني، وهم خلاصته ولبه.
___________
(6) رواه أحمد(3/244) عن أنس بسند حسن
ومنها: أن الله سبحانه إذا أراد بعبده خيرا أنساه رؤية طاعاته، ورفعها من قلبه ولسانه، فإذا ابتُلى بالذنب جعله نُصْبَ عينيه، ونسى طاعاته، وجعل همَّهُ كله بذنبه، فلا يزالُ ذنبه أمامه إن قام أو قعد أو غدا أو راح، فيكون هذا عين الرحمة في حقه، كما قال بعض السلف:" إن العبد ليعمل الذنب فيدخُلُ به الجنَّة، ويعملُ الحسنة فيدخلُ بها النار، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: يعملُ الخطيئة فلا تزال نُصب عينيه كلما ذكرها بكى وندم وتاب"، واستغفر وتضرع، وأناب إلى الله، وذل له وانكسر، وعمل لها أعمالاً فتكون سبب الرحمة في حقه، ويعملُ الحسنة فلا تزالُ نُصْبَ عينيه يمُنُّ بها ويراها ويعتدُّها على ربه وعلى الخلق، ويتكبر بها، ويتعجب من الناس كيف لا يُعظّمونهُ ويُكرمونهُ ويُجلُّونهُ عليها، فلا تزالُ هذه الأمور به حتى تقوى عليه آثارها، فتدخله النار.

فعلامة السعادة أن تكون حسناتُ العبد خلف ظهره، وسيئاتهُ نُصْبَ عينيه.

وعلامة الشقاوة أن يجعل حسناته نُصْبَ عينيه وسيئاته خلف ظهره، والله المستعان.

ومنها: أن شُهود العبد ذنوبه وخطاياه توجب له أن لا يرى لنفسه على أحد فضلا، ولا له على أحد حقا، فإنه يشهد عيوب نفسه وذنوبه، فلا يظن أنه خير من مسلم يؤمن بالله ورسوله، ويُحرم ما حرم الله ورسوله، وإذا شهد ذلك من نفسه لم يَرَ لها على الناس حقوقاً من الإكرم يتقاضاهم إياها ويذمهم على ترك القيام بها، فإنها عنده أخس قدراً وأقل قيمة من أن يكون له بها على عباد الله حقوق يجب عليهم مراعاتها، أوله –لأجلهِ - فضلٌ يستحقُّ أن يُكرم ويعظم ويقدم لأجله، فيرى أن من سلم عليه أو لقيه بوجه منبسط فقد أحسن إليه، وبذل له مالا يستحقه، فاستراح هذا في نفسه، وأراح الناس من شكايته وغضبه على الوجود وأهله، فما أطيب عيشه! وما انعم باله! وما اقر عينه!

وأين هذا ممن لا يزال عاتبا على الخلق، شاكيا ترك قيامهم بحقه، ساخطا عليهم، وهم عليه أسخط؟!

فسبحان من بهرت حكمته عقول العالمين .

ومنها: أنه ويوجب له الإمساك عن عيوب الناس والفكر فيها؛ فإنه في شغل بعيب نفسه، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وويلٌ لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس.

هذا من علامة الشقاوة، كما أن الأول من أمارات السعادة.

ومنها: أنه إذا وقع في الذنب شهد نفسه مثل إخوانه الخطائين، وشهد أن المصيبة واحدةٌ، والجميع مشتركون في الحاجة - بل في الضرورة - إلى مغفرة الله وعفوه ورحمته، فكما يحب أن يستغفر له أخوه المسلم ،كذلك هو أيضا ينبغي أن يستغفر لأخيه المسلم، فيصير هجيراه(7): رب اغفر لي ولوالديَّ وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات.
___________
(7) دأبة وعادته.
وسمعتُ شيخنا يذكره، وذكر فيه فضلاً عظيماً لا أحفظه، وربما كان من جملة أوراده التي لا يُخل بها، وسمعته يقول: إن جعله بين السجدتين جائز، فإذا شهد العبد أن إخوانه مصابون بمثل ما أُصيب به محتاجون إلى ما هو محتاجٌ إليه لم يمتنع من مساعدتهم إلا لفرط جهله بمغفرة الله وفضله، وحقيق بهذا أن لا يساعد فإن الجزاء من جنس العمل.

وقد قال بعض السلف: إن الله لما عتب على الملائكة بسبب قولهم:{ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ }[البقرة:30]، وامتحن هاروت وماروت بما امتحنهما به جعلت الملائكة بعد ذلك تستغفر لبني آدم وتدعو الله لهم.

ومنها: أنه إذا شهد نفسه مع ربه مسيئاً خاطئاً مفرطاً، مع فرط إحسان الله إليه في كل طرفة عين، وبره، به ودفعه عنه، وشدة حاجته إلى ربه، وعدم استغنائه عنه نفساً واحدا، وهذه حاله معه، فكيف يطمع أن يكون الناس معه كما يحب، وان يعاملوه بمحض الإحسان وهو لم يعامل ربه بتلك المعاملة؟ وكيف يطمع أن يطيعه مملوكه وولده وزوجته في كل ما يريد ولا يعصونه لا يخلون بحقوقه وهو مع ربه ليس كذلك؟ وهذا يوجب له أن يستغفر لِمُسيئهم، ويعفو عنه، ويسامحه، ويُغْضي عن الاستقصاء في طلب حقه.

فهذه الآثار ونحوها متى اجتناها العبد من الذنب فهي علامة كونه رحمة في حقه، ومن اجتنى منه أضدادها وأوجبت له خلاف ما ذكرناه فهي - والله - علامة الشقاوة، وأنه من هوانه على الله وسقوطه من عينه خلى بينه وبين معاصيه ليقيم عليه حجة عدله، فيعاقبه باستحقاقه.

وتتداعى السيئات في حق مثل هذا، وتتألف، فيتولد من الذنب الواحد ما شاء الله من المتآلف و المعاطب التي يهوى بها في دركات العذاب، والمصيبة كل المصيبة الذنب يتولد من الذنب، ثم يتولد من الاثنين ثالثٌ ثم تقوى الثلاثة فتوجب رابعا، وهلم جرا.

ومن لم يكن له فقه نفسي في هذا الباب هلك من حيث لا يشعر؛ فالحسنات والسيئات آخذ بعضها برقاب بعض، يتلو بعضها بعضا، ويُثمِرُ بعضها بعض قال بعض السلف: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من عقاب السيئة السيئة بعدها.

وهذا اظهر عند الناس من أن تضرب له الأمثال وتطلب له الشواهد، والله المستعان
 
رد: ألف ليلة وليلة

๑۩۞۩๑ الليلة19 ๑۩۞


ما الشيئ الذى اتفقت جميع الامم على طرده

تطلبت غرضاً يستوي الناس كلهم في استحسانه وفي طلبه فلم أجده إلا واحداً وهو: طرد الهم، فلمّا تدبرته علمت أن الناس كلهم لم يستووا في استحسانه فقط، ولا في طلبه فقط، ولكن رأيتهم على اختلاف أهوائهم و مطالبهم وتباين هممهم وإراداتهم لا يتحركون حركة أصلاً إلا فيما يرجون به طرد الهم، ولا ينطقون بكلمة أصلاً إلا فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم، فمن مخطيء وجه سبيله، ومن مقارب للخطأ، ومن مصيب وهو الأقل من الناس في الأقل من أموره.

فطرد الهم مذهب قد اتفقت الأمم كلها مذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى عالم الابتداء ويعقبه عالم الحساب، على أن لا يعتمدوا بسعيهم شيئاً سواه، وكل غرض غيره ففي الناس من لا يستحسنه؛ إذ في الناس من لا دين له فلا يعمل للآخرة، وفي الناس من أهل الشر من لا يريد الخير ولا الأمن ولا الحق، وفي الناس من يؤثر الخمول بهواه وإرادته على بعد الصيت.

وفي الناس من لا يريد المال ويؤثر عدمه على وجوده ككثير من الأنبياء عليهم السلام ومن تلاهم من الزهاد والفلاسفة.

وفي الناس من يبغض اللذات بطبعه ويستنقص طالبها كمن ذكرنا من المؤثرين فقد المال على اقتنائه.

وفي الناس من يؤثر الجهل على الْعِلْم كأكثر من ترى من العامة.

وهذه هي أغراض الناس التي لا غرض لهم سواها.

وليس في العالم مذ كان إلى أن يتناهى أحد يستحسن الهم ولا يريد طرده عن نفسه.

فلما استقر في نفسي هذا الْعِلْم الرفيع وانكشف لي هذا السر العجيب وأنار الله تعالى لفكري هذا الكنز العظيم بحثت عن سبيل موصلة على الحقيقة إلى طرد الهم الذي هو المطلوب للنفس الذي اتفق جميع أنواع الإِنْسَان -الجاهل منهم والعالم والصالح والطالح-على السعي له فلم أجدها إلا التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة.

وإلا فإنما طلب المال طلابه ليطردوا به هم الفقر عن أنفسهم.

وإنما طلب الصوت من طلبه ليطرد به عن نفسه هم الاستعلاء عليها.

وإنما طلب اللذات من طلبها ليطرد بها عن نفسه هم فوتها.

وإنما طلب الْعِلْم من طلبه ليطرد به عن نفسه هم الجهل.

وإنما هش إلى سماع الأخبار ومحادثة الناس من يطلب ذلك ليطرد بها عن نفسه هم التوحد ومغيب أحوال العالم عنه.

وإنما أكل من أكل، وشرب من شرب، ونكح من نكح، ولبس من لبس، ولعب من لعب، وركب من ركب، ومشى من مشى، وتودع من تودع؛ ليطردوا عن أنفسهم أضداد هذه الأفعال وسائر الهموم.

وفي كل ما ذكرنا لمن تدبره هموم حادثة لا بد لها من عوارض تعرض في خلالها وتعذر ما يتعذر منها وذهاب ما يوجد منها والعجز عنه لبعض الآفات الكائنة.

وأيضاً نتائج سوء تنتج بالحصول على ما حصل عليه من كل ذلك من خوف منافس أو طعن حاسد أو اختلاس راغب أو اقتناء عدو مع الذم والإثم وغير ذلك.

ووجدت للعمل للآخرة سالمًا من كل عيب خالصًا من كل كدر موصلاً إلى طرد الهم على الحقيقة ووجدت العامل للآخرة أن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم بل يسر إذ رجاؤه في عاقبة ما ينال به عون له على ما يطلب وزايد في الغرض الذي إياه يقصد.

ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائق لم يهتم إذ ليس مؤاخذاً بذلك فهو غير مؤثر في ما يطلب.

ورأيته إن قُصد بالأذى سُر، وإن نكبته نكبة سُر، وإن تعب فيما سلك فيه سُر، فهو في سرور متصل أبداً وغيره بخلاف ذلك أبداً.

فاعلم أنه مطلوب واحد وهو: طرد الهم ، وليس إليه إلا طريق واحد وهو: العمل لله تعالى، فما عدا هذا فضلال وسخف.
 
رد: ألف ليلة وليلة

๑۩۞۩๑ الليلة 20 ๑۩۞

القراءة يا أمة إقرأ


قرأ الخطيب البغدادي(ت 463) صحيح البخاري(5مجلدت) في ثلاثة مجالس.

وقرأ عبد الله بن لُبَّاج(ت 436) صحيح مسلم(5مجلدت) في أسبوع.

وقرأ المؤْتَمن السَّاجي(ت 507) المحدِّث الفاصل(مجلد كبير) في مجلس.

وقرأ المضفر(ت 593) صحيح البخاري(5مجلدت) في ثلاثة مجالس.

وقرأ ابن الأبَّار(ت 658) صحيح مسلم(5مجلدت) في ستة أيام والغَيْلانيات في مجلس.

وقرا العز بن عبد السلام(ت 660) نهاية المطلب(3مجلدات) في ثلاثة أيام.

وقرأ المزي(ت 742) المعجم الكبير للطبراني(25مجلد) في ستين مجلساً.

وقرأ الذهبي(ت 748) سيرة ابن هشام(3مجلدات) في ستة أيام.

وقرأ ابن الملقن(ت 804) مجلدين في الأحكام في يومٍ واحد

وقرأ البُلْقيني(ت 805) في يوم مجلد في الفقه.

وقرأ الحافظ زين الدين العِراقي(ت 806) مسلم(5مجلدت) في ستةِ مجالس.

وقرأ ابنُ الخبَّاز(ت 756) المسند(20مجلد) في ثلاثين مجلساً.

وقرأ الفيروزآبادي(ت 817) مسلم(5مجلدت) في أربعة عشر مجلسًا.

وقرأ ابن حَجَر العسقلاني(ت 852) المسند(20مجلد) في ثلاثةٍ وخمسين مجلسًا والبخاري(5مجلدت) في عشرة مجالس ومسلم(5مجلدت) في خمسة مجالس والسنن الكبرى للنسائي(6مجلدت) في عشرة مجالس والسنن لابن ماجه(مجلدان) في أربعة مجالس والمعجم الصغير للطبراني(مجلدان) في مجلس واحد. وألف جزءٍ حديثي، وكتابة (10) مجلدات في مئة يوم.

وقرأ الحافظ الدِّيَمِي(ت 908) البخاري(5مجلدت) في أربعة أيّام.

وقرأ القَسْطَلاَّني(ت 923) البخاري(5مجلدت) في خمسة مجالس.

وقرأ البِقاعي الحنبلي(ت 935) البخاري(5مجلدت) في ستة أيام ومسلم(5مجلدت) في خمسة.

وقرأ جمال الدين القاسمي الدمشقي(ت 1332) صحيح مسلم(5مجلدت) في أربعين يومًا، وسنن ابن ماجه(مجلدان) في واحدٍ وعشرين يومًا، و الموطَّأ(مجلدان) في تسعة عشر يومًا، وتهذيب التهذيب(4مجلدات) مع تصحيح سهو القلم فيه وتَحْشيته في نحو عشرة أيام.

وقرأ أحد الطلبة على الشيخ ابن باز سنن النسائي(4مجلدات) في سبعة وعشرين مجلسًا.

في تكرار الكتاب عدة مرات:

قرأ ابن عطية (ت 518) صحيح البخاري(5مجلدات) سبع مئة مرَّة

وقرأ سليمان بن إبراهيم اليمني(ت 825) صحيح البخاري(5مجلدات) مئة وخمسين مرة.

وقرأ بن الكُلُوتاتي(ت 835) البخاري(5مجلدات) أكثر من أربعين مرَّة

وقرأ أبي بكر المعروف بالتَّاجر(ت 805) صحيح البخاري(5مجلدات) أكثر من مائة مرة.

وقرأ التوزْرَي(ت 713) البخاري(5مجلدات) على ثلاثين شيخاً.

وقرأ الشيرازي(ت 803) صحيح البخاري(5مجلدات) على شيخ أكثر من عشرين مرَّة.

وقرأ البرهان الحلبي(ت 840) البخاريَّ(5مجلدات) أكثر من ستين مرة، ومسلمًا(5مجلدات) نحو العشرين.

وقرأ الفيروزآبادي(ت 817) صحيح البخاري(5مجلدات) أزيدَ من خمسين مرَّة

وقرأ العِمْراني(ت 558) المهذب أكثر من (40) مرة.

وقرأ الراجكوتي(ت 1398) معجم الأُدباء (8) مرات.

وقرأ أبو إسحاق الأبناسي(ت 836) التوضيح (70) مرة، وشرح ابن المُصَنِّف أكثر من (30) مرة.

وقرأ ابن التبَّان المدوَّنة (1000) مرة.

وكان الوليد الفارسي(ت 218) يدرس الكتاب ألف مرة.

وقرأ أبي بكر الأبهري(ت 375) مختصر ابن عبدالحكم خمس مئة مرة، والأسدية خمسًا وسبعين مرة، والموطأ خمسًا وأربعين مرة، ومختصر البرقي سبعين مرة، والمبسوط ثلاثين مرة.

وقرأ السِّجِلْماسِي الجزائري(ت 1057) البخاري سبع عشرة مرَّة بالدرس، قراءة بحثٍ وتدقيق.

في إقراء أو تدريس الكتاب عدة مرات:

درّس العَجَمي الشافعي(ت 642) المهذَّب (25) مرة.

ودرّس عبدالغافر بن محمد الفارسي(ت 448) مسلم أكثر من 60 مرة.

ودرّس ابن الفرَّاء الحرَّاني المقْنِع (100) مرة.

ودرّس السكاكيني الشافعي(ت 838) الحاوي (30) مرة.

ودرَّس النُّزيلي اليماني العُباب في الفقه (800) مرَّة.

ودرَّس الحريري ((البخاري)) أربع مرات بالمدينة، وبمكة أزيد من عشرين مرة.

وكان ابن هلال القرطبي(ت 367) يجلس كل يومٍ لاستماع ((المدوَّنة)) كل شهرين مرة.

ودرَّس العَيْزَرِي اليمني ((التذكرة)) (40) مرة.

ودرَّس المرِّي الفاسي(ت 1209) صحيح البخاري (40) مرة والألفية في النحو نحوًا من ثلاثين مرَّة ومختصر خليل نحو ثلاثين مرة،

ودرَّس أبي إسحاق الجبنياني(ت 369) ((المدوَّنة)) في شهر.

ودرَّس أبي الحسن التِّبْريزي الشافعي(ت 746) ((الحاوي)) للماوردي كُلَّه مرات عديدة في شهر.

ودرَّس ابن رسلان البُلْقيني(ت 805) ((الحاوي)) في أيامٍ يسيرة و((مختصر خليل)) في أربعين يومًا، و((الخلاصة)) في عشرة أيامٍ.

في نسخ الكتب عدة مرات:

كتب عبد الدائم المقدسي(ت 668) بيده ((الخِرَقي)) في ليلة واحدة، وكتب ((تاريخ الشام)) لابن عساكر مرتين، والمغني(14مجلد) للشيخ موفّق الدين مرَّات، وكتب بيده ألْفَي مُجلَّدة، ولازم الكتابة أزيد من خمسين سنة.

وكتب ابن طاهر المقدسي(ت 507) ((الصحيحين)) و((سنن أبي داود)) سبع مرات، و((سنن ابن ماجه)) عشر مرات.

وكتب المؤتمن الساجي(ت 507) ((جامع الترمذي)) ست مرات.

وكان أبي الفرج ابن الجوزي(ت 597) يكتب في اليوم أربع كراريس، ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدًا إلى ستين، وكان يقول: كتبتُ بإصبعيَّ هاتين ألفي مُجلَّدة.

وكتب أبي بكرٍ الأبهري المالكي(ت 375) ((المبسوط)) و((الأحكام))، و((موطأ مالك))، و((موطأ ابن وهب))، ومن كتب الفقه والحديث نحو ثلاثة آلاف جزء.

واختصر ابن منظور صاحب ((لسان العرب)): تاريخ بغداد(17مجلد)، و((ذيله)) لابن النجار، وتاريخ دمشق لابن عساكر(أكثر من 50 مجلد)، و((مفردات ابن البيطار))، و((الأغاني)) –ورتبه على الحروف- و((زهر الآداب)) للحُصْري، و((الحيوان)) للجاحظ، و((اليتيمة)) للثعالبي، و((الذخيرة)) لابن بسَّام، و((نشوار المحاضرة)) للتنوخي، وكتب بخطه شيئًا كثيرًا، ترك منه بعد موته خمس مئة مجلَّد.

وكتب ابن المهندس تهذيب الكمال(35مجلد) للمِزِّي مرتين، وكذلك نسخ تحفة الأشراف(14مجلد) للمِزِّي.

ومن العجائب أن البيهقي قُطعت أصابعه العشر، ولم يبقَ له إلا الكفَّان فحسب، ومع هذا كان يأخذ القلمَ بكفَّيْه ويضع الكاغِدَ على الأرض، ويُمسكه بِرِجْل، ويكتب بكفيه خطًّا حسنًا مقروءًا ، وربما كان يكتب في كل يومٍ عشر ورقات.

وكتب الخواري ((المذهب الكبير)) للجويني أكثر من عشرين مرَّة.

وكتب أبي إسحاق المراوي بيده تسعينَ مجلد وسبع مئة جزء من علوم الحديث.

وكتب شهاب الدين النُّوَيري(ت 733) ((البخاري)) ثماني مرات.

وكتب ابن قاضي شُهبة مئتي مجلد، وبِيْع في تركته نحو سبع مئة مجلد، كاد أن يستوفيها مطالعة.

قال الجاحظ في ((الحيوان)):

سمعتُ الحسن اللؤلؤي يقول: غَبَرَتْ أربعين عامًا ما قِلْتُ ولا بِتُّ ولا اتكأتُ إلا والكتابُ موضوعٌ على صدري.

خليلي كتابي لا يَعاف وصاليا ... وإن قلَّ لي مالٌ وولَّى جماليا

كتابي عَشيقي حين لم يبقَ مَعْشَق ... أُغازله لو كان يدري غزاليا

كتابي جليسي لا أخاف ملاله ... محدّث صدقٍ لا يخاف ملاليا

كتابي بحر لا يغيض عطاؤه ... يُفيض عليَّ المال إن غاض ماليا

كتابي دليلٌ لي على خير غايةٍ ... فمن ثَمَّ إدلالي ومنه دلاليا
 
رد: ألف ليلة وليلة

الليلة 21


الفراق،، دمعة مرة وإشتياق قاتل

الفراق،، جرح عميق تبقى أثاره موجودة

الفراق،، سهم قاتل

الفراق،، ذكرى في القلب تبقى للأبد

الفراق،، قدر مكتوب على البشر

الفراق،، وداع

الفراق،، حزن كلهيب الشمس يبخر الذكريات من القلب ليسمو بها الى عليائها فتجيبه العيون بنثر مائها .. لتطفيء لهيب الذكريات

الفراق ،، نار ليس للهبه حدود لايحسه إلا من اكتوى بناره

الفراق،، لسانه الدموع وحديثه الصمت ونظره يجوب السماء

الفراق ،، هو القاتل الصامت والقاهر المييت والجرح الذي لا يبرأ والداء الحامل لدوائه

الفراق،، كا الحب تعجز الحروف عن وصفه وإن أبينى تفرقا

الفراق ،، كالعين الجاريه التي بعد ما أخضر محيطها نضبت



وبعد الفراق،، لا تنتظر بزوغ القمر لتشكوا له الم البُعاد،،

مااصعب الفراق ولكن لابد ان نجعل الصبر طريقنا لان مسلمون مؤمنون بقضاء الله وقدره

 
رد: ألف ليلة وليلة

همتي لأمتي !




أنا إن عشت لست أعدم خبزاً.......وإذا مت لست أعدم قبراً

همتّي همة الملوك ونفسي.......نفس حر ترى المذلة طفراً


السلام على أهل الهمّة..

فهم صفوة الأمم..

وأهل المجد والكرم..

طالت بهم أرواحهم إلى مراقي الصعود.. مطالع السعود.. ومراتب الخلود..
ومن أراد المعالي هان عليه كل هم.. لأنه لولا المشقّة ساد الناس كلهم..
ونصوص الوحي تناديك.. سارع ولا تلبث بناديك.. وسابق ولا تمكث بواديك..

أمية بن خلف لما جلس مع الخلف أدركه التلف..

ولما سمع بلال بن رباح حي على الفلاح.. أصبح من أهل الصلاح..


أطلب الأعلى دائماً وما عليك..

فإن موسى لما اختصه الله بالكلا

م قال:{ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ }

المجد لايأتي هبة.. لكنه يحصل بالمناهبة..

فلما حمل الهدهد الرسالة، ذكر في سورة النمل بالبسالة..

نجحت النملة بالمثابرة، وطول المصابرة..


تريد المجد ولا تجدّ؟؟

تخطب المعالي وتناوم الليالي؟؟

ترجوا الجنّة وتفرّط في السنّة؟؟


قام رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه..

وربط الحجر على بطنه من الجوع.. وهو العبد الأوّاه..

وأدميت عقباه بالحجارة.. وخاض بنفسه كل غارة..


يدعى أبو بكر من الأبواب الثمانية، لأن قلبه معلق بربه كل ثانية..

صرف للدين أقواله، وأصلح بالهدى أفعاله، وأقام بالحق أحواله، وأنفق في سبيل الله أمواله.. وهاجر وترك عياله..


لبس عمر المرقّع، وتأوّه من ذكر الموت وتوجّع، وأخذ الحيطة لدينه وتوقّع ..

عدل وصدق وتهجّد، وسأل الله أن يستشهد، فرزقه الله الشهادة في المسجد..

عليك الجد إن الأمر جَدّ.......وليس كما ظننت ولا وهمتَ

وبادر فالليالي مسرعات.......وأنت بمقلة الحدثان نمتَ

اخرج من سرداب الأماني، يا أسير الأغاني..

وانفض غبار الكسل واهجر من عذل، فكل من سار على الدرب وصل..

نسيت الآيات وأخّرت الصلوات، وأذهبت عمرك السهرات، وتريد الجنات؟؟

ويلك!! والله ما شبع النمل حتى جد في الطلب..

وما ساد الأسد حتى وثب..

وما أصاب السهم حتى خرج من القوس..

وما قطع السيف حتى صار أحدَّ من الموس..

الحمامة تبيني عشّها..

والحمرة تنقل عشّها..

والعنكبوت تهندس بيتها..

والضب يحفر مغارة..

والجرادة تبني عمارة..

وأنت لك مدة..

ورأسك على المخدة..

في الحديث..« إحرص على ما ينفعك » .. لأن ما ينفعك يرفعك..

« المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف »

بالقوة يبنى القصر المنيف, وينال المجد الشريف..

همة تنطح الثريا وعزم.......نبوي يزعزع الأجبال

صاحب الهمة مايهمه الحرّ.. ولايخيفه القرّ.. ولا يزعجه الضرّ.. ولايقلقله المرّ.. لأنه تدرع بالصبر...

صاحب الهمة يسبق الأمّة إلى القمّة..

{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ.أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ }

لأنهم على الصالحات مدبون في البر مجرّبون..

عمي بعض المحدثين من كثرة الرواية، فما كلّ ولاملّ حتى بلغ النهاية..

مشى أحمد بن حنبل من بغداد إلى صنعاء.. وأنت تفتر في حفظ دعاء..

سافر أحدهم إلى مصر، وغدوه شهر ورواحه شهر.. في طلب حديث واحد.. ليدرك به المجد الخالد..

ولولا المحنة، مادعي أحمد إمام االسنة.. ووصل بالجلد إلى المجد..

ووضع ابن تيمية في الزنزانة.. فبرز بالعلم زمانه..

واعلم أن الماء الراكد فاسد.. لأنه لم يسافر ولم يجاهد..

ولما جرى الماء.. صار مطلب الأحياء..

بقيت على سطح البحر الجيفة.. لأنها خفيفة..

وسافر الدرّ إلى قاع البحر.. فوضع من التكريم على النحر..

فكن رجلاً رجله في الثرى.......وهامة همته في الثريا

ياكثير الرقاد.. أما لنومك نفاد؟؟

سوف تدفع الثمن يامن غلبه الوسن..

تظن الحياة جلسة.. وكبسة.. ولبسة.. وخلسة؟؟

بل الحياة شريعة ودمعة. وركعة. ومحاربة بدعة..

الله أمرتا بالعمل.. لينظر عملنا.. وقال { وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }

فالحياة عقيدة وجهاد.. وصبلا وجلاد.. ونضال وكفاح.. وبر وفلاح..

لامكان في الحياة لأكول كسول..

ولامقعد في حافلة الدنيا للمخذول..

ابدأ في طلب الأجر من الفجر.. بقراءة وذكر.. ودعاء وشكر.. لأنها انطلاق الطير من وكورها..

ولا تنسى: « بارك الله لأمتي في بكورها »

العلم في حركة.. كأنه شركة.. وقلبك خربة كأنه خشبة..

والطير يغرد.. والقمري ينشد.. والماء يتمتم.. والهواء يهمهم..

والأسود تصول.. والبهائم تجول.. وأنت جثة على الفراش؟؟

لافي أمر عبادة.. ولا معاش؟؟

نائم هائم.. طروب لعوب كسول أكول..

ولاتقل الصبا فيه اتساع.......وفكر كم صبي قد دفنتا

تفرّ من الهجير وتتقيه.......فهلا من جهنم قد فررتا

أنت تفتر والملائكة لايفترون.. وتسأم العمل والمقربون لايسأمون..


بم تدخل الجنة؟؟

هل طعنت في ذات الله بالألسنة؟؟

هل أوذيت في نصر السنة؟؟

فانفض عنك غبار الخمول.. ياكسول..

فبلال العزيمة.. أذّن في أذنك فهل تسمع؟؟

وداع الخير دعاك فلماذا لاتسرع؟؟

{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ }

ولابد للهمم الملتهبة أن تنال مطلوبها..

ولابد للعزائم المتوثبة أن تدرك مرغوبها..

سنة لاتبدل.. وقضية لاتحوّل..

سوف تأتيك المعالي إن أتيت.......لاتقل سوف عسى، أين وليت

قل للمتخلفين اقعدوا مع الخالفين.. لأن المنازل العالية والأماني الغالية تحتاج إلى همم موارّة.. وفتكات جبارة.. لينال المجد بجدارة..

وقل للكسول النائم.. والثقيل الهائم..

امسح النوم من عينيك.. واطرد الكرى من جفنيك.. فلن تنال من ماء العزة قطرة.. ولن ترى من نور العلى خطرة.. حتى تثب مع من وثب.. وتفعل مايجب.. وتأتي بالسبب..


ألا فليهنأ أرباب الهمم.. بوصول القمم..

وليخسأ العاكغون على غفلاتهم في الحضيض.. فلن يشفع لهم عند ملوك الفضل نومهم العريض..

وقل لهؤلاء الراقدين:

{ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ }

فهبوا إلى درجات الكمال.. نساءً ورجالاً..

ودرّبوا على الفضيلة أطفالاً..

{ انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً
}​
 
رد: ألف ليلة وليلة

الليلة 23

إلى الذين يغتسلون بماء التبعية
إلى الذين يتقممون زبالات الغرب
إلى الذين بارت عقولهم واقفرت أفكارهم

إليكم هذه

الحُجَّة العارية الشمطاء الملعونة


فرائصٌ مرتعدة, وأوداجٌ منتفخة, وألسنة جُفت من الحديث, وجدالٌ حاد, بين أهل الإيمان وأفراخ الشيطان والأمريكان.
وبعد محاورة وسجال, وكرٍ وفرٍ, وبينما رؤوس الحُججِ تتطاير بين المتخاصمين, ورؤوس الأقلام تشقُّ بصخبٍ الأوراق والصفحات, وإذا بها الحُجَّة الملعونة تظهر تارة وتختفي أخرى في جُحرها, تحاول أن تنفث سمَّها من حيث لا تُرى.
حتى ضُيِّق عليها الخناق, وكادت الروح أن تصل للتراق..

وإذا بها الحُجة الملعونة تُظهر نفسها, وتكشف عن وجهها القريح القبيح, وعن أعينها العوراء, وتقول في ثقةٍ ملء فيها..
وكلام الرب يُتلى, والأحاديث تُسرد وتُملى,,
وهي تقول:

( ماذا , يكون , موقفنا , أمام , الغرب ؟؟ )

فما أن قالت تلك المقولة الشنعاء, والجملة البلهاء, إلاَّ ولسان حال الخصوم يقول:

(آن لأبي حنيفة أن يمُدَّ رجليه !!)

يا لها من حُجة خرقاء..
أكلت عليها البهائم وشربت..
!! فمرضت !!

هكذا تكون العقول إذا استقرت في حضيض التبعية.

تستمسك بأذناب البقر, فلا ترى إلاَّ ما يُخلِّفه البقر, ولا تريد أن تريها إلاَّ ما ترى, وكأني بالبقر يقول: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد..!

فقبحاً لها من حجة ملعونة, كان هذا هو حالها ووصفها..
 
رد: ألف ليلة وليلة

الليلة 24

احذري بنت الضلال وحذري

فضلالها يصليك قعر جهنم

قالت وشيطان الفجور بقلبها

يجري بأوردة لها مجرى الدم

أبدي مفاتنك البديعة واعبثي

بقلوب شبان الزمان اليتم

مازال ريعان الصبا متألقاً

فدعي الجمود وفي الحياة تنعمي

وإذا أردت المجد كوني حرة

وتبرجي ثم افسقي تتقدمي

قولي لها :خلقي رزين زادني

فخراً أراه مدى الحياة تقدمي

أنا أنهر الأخلاق منها أرتوي

نبع الطهارة والفضيلة زمزمي

بتلاوة الذكر المبارك أنتشي

لابالأغاني الماجنات ترنمي

فقرأت عن بنتي شعيب بمدين

فسقى النبي الشاء بعد تفهم

ومشى إلى الظل المبرد داعيا ً

عبد فقير يا إلهي أنعم

إحداهما جاءت إلى موسى وقد

صار المحيا مثل لون العندم

فتخفرت ومشت على درب الحيا

وتكلمت دراً ولم تتلعثم

واختارها موسى شريكة عمره

نعم الحليلة للكليم المكرم

أنا أذكر الخنساء شقت ثوبها

ورثاؤها في المنتدى ملء الفم

ذرفت دموع العين تبكي صخرها

سيالة من جفنها المتورم

وغدا النهار لها سوادا ًمطبقا ً

بوفاة صخرٍعيشها لم ينعم

لما أنار الله يوما قلبها

وغدت إلى الإسلام حقا تنتمي

أوصت بنيها :في الجهاد استبسلوا

واقضوا على جيش العدو المقدم

أولادها في القادسية كلهم

نالوا الشهادة يا لها من مغنم

لما أتاها أنهم قد ودعوا الد

نيا وجسمهم (تسربل بالدم )

قالت :غداًبمقر رحمة ربنا

يحلو اللقاء بهم فيا روح ابسمي

ريحانة الإيمان إني ناصح

توبي إلى الغفار كي لا تندمي

ناجي إله الكون ثم توجهي

بدعاء قلب بالتضرع مفعم

ثم اسجدي لله في غسق الدجى

ولتسكبي دمعاً بكل تألم

فالعمر يمضي والمعاصي تنقضي

لذاتها ويظل طعم العلقم

يا زهرة الإسلام أنت صفاؤه

إن عدت حقاً للكتاب المحكم
 
رد: ألف ليلة وليلة

الليلة 25

أيها العابر في هذا الفضاء السرمدي مهلاً إلتقط أنفاسك قف وتمهل ها هي حروفنا مبتهجة بمقلتيك فدع مقلنا تبتهج بحروفك. نحن نقدر ما تكتب بقلمك وتسعدنا عبرك لاتخجل من كلماتك دعها تصدح بمشاعرك وتعبر عن شخصيتك هيا نحو الإبداع الراقي

حين تتلبد غيوم المشاعر تبحث عن ارض لتهطل بغزارة
فهيا ننتظر اتحافاتك وبوحك وخواطرك

هى تعترف ؟؟؟؟ فماذا قالت ؟؟؟

من قال يوماً
أن البوح بالخطيئة
خطيئة
وأن الصمت القاتل
واجبٌ لا بل
حقيقة
أنا اتيت اليوم
وأحضرت معي دفاتر اعترافاتي الخطيرة
كتبت في سطرها الأوّل
بأني امرأة عنيدة
وبأني أغضب وأفرح
في دقيقة .
كتبت في سطرها الثّاني
بأني حين أغضب أنسى من أكون
وأغرق في بحرٍ من الجنون
فأقف عاجزة ، أخترع أكاذيباُ
أرسم أوهاماً
وتأخذني الظنون
كتبتُ بأن التمرّد فيّ عادة
وبأنني أسعى لأحقق احلامي
بلا هوادة
كتبت بأنني أفتش
عن أوحش طريقٍ للسّعادة
وبأنني أعشق الحزن ،
أعشق الدمع
أعشق الكآبة
لم أؤمن يوماً بأن الرّجل
طريقي إلى السّعادة
وبأني معه أرسم
البداية والنهاية
فأنا وحدي أملك
زمام السلطة والقيادة
كتبتُ بلا خوفٍ
بلا زيفٍ
بأني امرأة غريبة
وبأن اعترافاتي
في زمنٍ كزمني
تقود المراةَ للذبح بسكينة
هذه اعترافاتي
فليظنها من شاء منكم أنّها
تخطت حدود الجريمة

إحدى الروائع الزينبية
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: ألف ليلة وليلة

الليلة 26


أمتي هل لك بين الأمم.............. منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي ..... مطرق..... خجلا من أمسك المنصرم

ويكاد الدمع يهمي عابثا......... ببقايا ..... كبرياء ..... الألم
أين دنياك التي أوحت إلى........ وتري كل يتيم النغم
كم تخطيت على أصدائه......... ملعب العز ومغنى الشمم

وتهاديت كأني ..... ساحب........ مئزري فوق جباه الأنجم
أمتي كم غصة دامية ..........خنقت نجوى علاك في فمي
أي جرح في إبائي راعف.......... فاته الآسي فلم يلتئم


ألاسرائيل ..... تعلو ..... راية .....في حمى المهد وظل الحرم !؟
كيف أغضيت على الذل ولم..... تنفضي عنك غبار التهم ؟
أوما كنت إذا البغي اعتدى....... موجة من لهب أو من دم !؟
كيف أقدمت وأحجمت ولم....... يشتف الثأر ولم تنتقمي ؟


اسمعي نوح الحزانى واطربي.... وانظري دمع اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها ............تتفانى في خسيس المغنم
رب وامعتصماه انطلقت ...........ملء أفواه البنات اليتم
لامست أسماعهم ..... لكنها........ لم تلامس نخوة المعتصم

أمتي كم صنم مجدته................. لم يكن يحمل طهر الصنم
لايلام الذئب في عدوانه........... إن يك الراعي عدو الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما.......... كان في الحكم عبيد الدرهم


أيها الجندي يا كبش الفدا........... يا شعاع الأمل المبتسم
ما عرفت البخل بالروح إذا........... طلبتها غصص المجد الظمي
بورك الجرح الذي تحمله........... شرفا تحت ظلال العلم
 
رد: ألف ليلة وليلة

رحم الله أبى رحمةً واسعه وأسكنه الفردوس الاعلى من الجنه
وأطال فى عمر أمى على الخير والطاعه وبارك فى اخوانى وأخواتى
وجزاكم الله خيرا
 
رد: ألف ليلة وليلة

الليلة 27

الجرح والتعديل (المنضبط) لا (المنفلت)!! يقول شيخنا أبو عبد الله محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله-:
«فإذا اجتهد العالم في طلب



الحق من الكتاب والسنة، واستفرغ وسعه في طلب الحق، وأخطأ في بعض ((مسائل الاعتقاد))؛ فإنه لا يبدع ولا يهجر لأجل خطئه أو
أخطائه!!، وإن كان يقال في قوله: "قولٌ مبتدَع"!. لكن لا يلزم من ذلك أن يكون مبتدعًا. فكما أن القول الكفري لا يلزم منه أن يكون صاحبُه كافرًا، فكذلك لا يلزم أن يكون قائلُ البدعةِ مبتدعًا!!، وكما أن تكفير المعين يحتاج إلى استيفاءِ شروطٍ وانتفاءِ موانعَ؛ فكذلك ((تبديع المعين = يحتاج إلى استيفاء شروط وانتفاء موانع)) والرجل من أئمة العلم قد يجتهد في مسألة -أو أكثر!- فلا يصيب الحق، ويوافق -من حيث لا يقصد- أهلَ البدع؛ فلا يلزم من ذلك أن يُبَدَّعَ، وإن وُصِفَ قولُه بالبدعة!. وعقدة المسألة في ذلك: الفهم الخاطئ بأن التصويب يقتضي إهدارَ الفضلِ، وكأننا مطالبون أن نقبل قولَ المجتهدِ كله!!، فلا ننكر له خطأ !، ولا نرد له رأيًا !، وإن عري عن الدليل!!؛ حتى نثبت أننا نوقره ونحفظ له فضله. ولا تلازم بين رد الخطأ وإهدار الفضل، ولا بين حفظ الفضل والمتابعة على المخالفة، ولكن نصون لأهل العلم مكانتهم دون أن ننزل كلامهم منزلة الوحي المعصوم!!: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}. وإذا رددنا لِمُقَدَّم رأيه؛ فَبِرَأْيِ مُقَدَّمٍ مثله يُسْنِدُه الدليلُ، ولكليهما كامل التقدير»اهـ. عن كتابه: «ضوابط في الرمي بالبدعة» ص (210) ط مكتبة البلاغ

 
رد: ألف ليلة وليلة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد وقع بين يدي جزءٌ بعنوان ( الأسئلة اليمنية في مسائل الإيمان والتكفير المنهجية ) وهي أجوبة للعلامة مقبل بن هادي الوادعي _ رحمه الله _ مجموعةكتبٍ متفرقة للشيخ ، وهي منتقاة من الكتب التالية
1_ إجابة السائل
2_تحفة المجيب
3_ غارة الأشرطة
4_ فضائح ونصائح
وقد بدا لي أن أنقل من هذه الفتاوى ما تمس إليه الحاجة في هذه الأيام
والآن مع نصوص الشيخ
أ_ قال الشيخ مقبل كما في ص10 من الكتاب المذكور :" فليس العيب _ كل العيب _ هو عيب الحكام ، بل المجتمع المسلم يعتبر مفرطاً ، وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون ) .
فالمجتمع ظالم أخلد إلى الدنيا ، والحاكم ظالم أخلد إلى المنصب .
وليس السبيل في هذا هو ما ظنه بعض الناس ، أنها الثورات والانقلابات ، فقد جربت الثورات والانقلابات فكانت سبباً لضعف المسلمين ، فما أكثر ما جربت من زمن قديم "
أقول : وقد أبان الشيخ مقبل ، أن الداعي لتحريم الثورات والانقلابات ليس التجربة فقط ، بل مخالفة ذلك للنصوص وهدي السلف كما سيأتي في نصوصه التالية
إلى أن قال الشيخ :" كأن الدين هو الثورات والانقلابات ، وسفك دماء المسلمين
وينبغي أن يعلموا : أنه ما من شعب إلا وغالب سكانه مسلمون : سوريا ، العراق ، الجزائر ، ليبيا ، عدن ، غالب السكان مسلمون ، وتأتي الدائرة على رءوس هؤلاء الضعفاء
والله سبحانه وتعالى قد أخر فتح مكة من أجل أن بها أناساً من المسلمين فقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍلِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا"
فقد أخر الله سبحانه وتعالى فتح مكة من أجل بعض المسلمين ، فكيف والمجتمعات أكثرها مسلمة ؟!"
أقول : وفتح مكة المراد منه إقامة التوحيد ، لا تشييد الديمقراطية الكافرة
ب_ قال الشيخ كما في ص 19 من الكتاب المذكور :" هؤلاء الثوريون : لا تخلو النفس من شهوة إلى هذا الأمر _ من أجل المناصب _
والعمل يجب أن يكون خالصاً لوجه الله .
ثم بعد ذلك أيضاً : هذه لم تكن عادة السلف ، بل لم تكن موافقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق كلمتكم فاضربوا عنقه كائناً من كان ) الفتن _ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ استعاذ منها )
ج _ وقال الشيخ كما في ص24 من الكتاب المذكور :" أما مسألة التكفير ، فلا يجوز لنا أن نكفر مسلماً إلا أن نرى كفراً بواحاً ، كما في حديث عبادة بن الصامت _ رضي الله عنه _ (بَايَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ ? عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنْ اللَّهِ بُرْهَانٌ) متفق عليه
فالواجب علينا السمع والطاعة ، وأن ندعو الله سبحانه وتعالى لهم بالصلاح ، وننكر كل شر يأتون به "
أقول : وإنكار المنكر على الولاة يكون بالوسائل الشرعية السالمة من المفاسد ، لا التهييج عليهم
إلى أن قال الشيخ :" وغالب ملوك المسلمين وحكامهم ورؤسائهم يعتبرون جهالاً
فالواجب على الدعاة إلى الله أن ينصحوا لهم ، وأن يحذروهم بأس الله "
د_ قال الشيخ في ص29 من الكتاب المذكور :" وإذا كنا تكلمنا على الحكام ، فلا ينبغي أن نترك الكلام على الرعايا _ أيضاً _ لا ينصحون للحكام ، تجدون القبيلي والمواطن مستعداً أن يقيم الثورة والانقلاب لأتفه الأسباب
ما هكذا دين الإسلام ، نحن مأمورون بالصبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول للأنصار :" إنكم ستجدون بعدي أثرةً فاصبروا " ويقول أيضاً كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إنها ستكون أثرة وأمور تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال :" أدوا الحق الذي عليكم وسلوا الله الحق الذي لكم "
أقول : ولم يقل طالبوا بحقكم ، أو هيجوا الشعوب ، أو سبوهم على المنابر والله المستعان
ه_ وقال الشيخ في 32 من الكتاب المذكور :" فلا أنصح بالكلام في الحكام ، ولكن يجب التثبت ، فلا أنصح أحداً بالاصطدام مع حكوماتهم "
وهذا الذي أوصى به الشيخ هو منهج السلف
قال ابن أبي عاصم في السنة 847 - حدثنا هدية بن عبد الوهاب ، ثنا الفضل بن موسى ، حدثنا حسين بن واقد ، عن قيس بن وهب ، عن أنس بن مالك ، قال : نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تسبوا أمراءكم ، ولا تغشوهم ، ولا تبغضوهم ، واتقوا الله واصبروا ؛ فإن الأمر قريب »
أقول : ولم ينفرد حسين بن واقد بل تابعه أبو حمزة وقال ( ولا تعصوهم ) بدل ( ولا تبغضوهم )
وقال الطحاوي في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة :" وَلاَ نَرَى الخُرُوجَ عَلى أَئِمتِنَا وَوُلاَةِ أُمُورِنَا وَإِنْ جَارُوا، وَلاَ نَدْعُو عَلَيْهِم، وَلاَ نَنْزَعُ يَداً مِنْ طَاعَتِهم، وَنَرى طَاعَتَهُم مِنْ طَاعَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ فَريضة، مَا لَمْ يَأْمُروا بِمَعْصِيَةٍ، وَنَدْعُوا لَهُم بِالصَّلاحِ والمعَافَاةِ "
وقال البربهاري في شرح السنة :" 107 - وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله يقول فضيل بن عياض لو كان لي دعوة مستجابة ما جعلتها الا في السلطان قيل له يا أبا علي فسر لنا هذا قال إذا جعلتها في نفسي لم تعدني وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن جاروا وظلموا لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين "
ز_ وقال الشيخ مقبل في ص62 :" فنحن ننكر هذه الأمور ، ولا نشجع على الثورات والانقلابات ، لأنها ما صارت ثورة ولا انقلاب من صالح الإسلام والمسلمين ، لكن يخسر المسلمون رجالهم وأعمارهم وأموالهم ، وتخرب دورهم ، ثم يؤتى بعلماني بدل علماني ، أو يؤتى بشيوعي بدل شيوعي ، يؤتى ببعثي بدل بعثي ، وربما تفضلوا وأتوا بعلماني بدل شيوعي ! ، أما الثورات والانقلابات على الحكام _ الذين هم في الديار الاسلامية _ فهذه ليست سبيل الإصلاح !
وسبيل الإصلاح هو تعليم المسلمين كتاب ربهم وسنة نبيهم "
ح_ وقال الشيخ مقبل في ص79 من الكتاب المذكور :" فوالله ما نحب أن تقوم ثورة في العراق ، لأنها ستسفك دماء المسلمين ، ولا نحب أن تقوم ثورة في ليبيا ، لأن الدائرة ستكون على رءوس المساكين "


هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 
رد: ألف ليلة وليلة

شوق يخط دمى اليه كأن كل دمى اشتهاء
جوع اليه كجوع كل دم الغريق الى الهواء
شوق الجنين اذا اشرئب من الظلام الى الولاده
انى لاعجب كيف يمكن ان يخون الخائنون
ايخون انسان بلاده ان خان معنى ان يكون فكيف يمكن ان يكون
الشمس اجمل فى بلادى من سواها والظلام
حتى الظلام لديه اجمل فهو يحتضن الكنانه
واحسرتاه متى انام
فاحس ان على الوساده من ليلك الصيفى ظلا فيه عطرك يا كنانه
انى لاعجب كيف يمكن ان يخون الخائنون
ايخون انسان بلاده ان خان معنى ان يكون فكيف يمكن ان يكون
 
رد: ألف ليلة وليلة

بسم الله الرحمن الرحيم ............... جزاكم الله كل الخير............. و جعله بميزان حسناتكم ............
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
رد: ألف ليلة وليلة

الليلة 30


سنخوض معاركنا معهم وسنمضي جموع نردعهم
ونعيد الحق المغتصب وبكل القوة ندفعهم

بسلاح الحق البتار سنحرر ارض الأحرار
ونعيد الطهر إلى القدس من بعد الذل وذا العار

وسنمضي ندك معاقلهم بدوي دام يقلقهم
وسنمحوا العار بأيدينا وبكل القوة نردعهم

لن نرضى بجزء محتل لن نترك شبرا للذل
ستمور الأرض وتحرقهم في الأرض براكين تغلي
 
رد: ألف ليلة وليلة

الليلة 31



قال محمد البشير الإبراهيمي:

" أوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نَجَمَ بالشّر ناجمُها، وهجم ـ ليفتك بالخير والعلم ـ هاجمُها، وسَجَم على الوطن بالملح الأُجاج ساجِمُها، إنّ هذه الأحزاب! كالميزاب؛ جمع الماء كَدَراً وفرّقه هَدَراً، فلا الزُّلال جمع، ولا الأرض نفع! ".
قال عبد الحميد بن باديس:

" فإننا اخترنا الخطة الدينية على غيرها عن علم وبصيرة ... ولو أردنا أن ندخُل الميدان السياسي لدخلناه جهراً ... ولقُدنا الأمّة كلها للمطالبة بحقوقها، ولكان أسهل شيءٍ علينا أن نسير بها على ما نرسمه لها، وأن نَبْلغ من نفوسها إلى أقصى غايات التأثير عليها؛ فإن مما نعلمه، ولا يخفى على غيرنا أن القائد الذي يقول للأمّة: (إنّكِ مظلومة في حقوقك، وإنّني أريد إيصالكِ إليها)، يجد منها ما لا يجد من يقول لها: (إنّك ضالة عن أصول دينك، وإنّني أريد هدايتَك)، فذلك تلبِّيه كلها، وهذا يقاومه معظمُها أو شطرُها ...".

قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ: " العلم .. العلم .. أيها الشباب! لا يُلهيكم عنه سمسارُ أحزاب ينفخ في ميزاب! ولا داعية انتخاب في المجامع صخاب! ولا يَلفتنَّكم عنه معلِّلٌ بسراب، ولا حاوٍ بجراب، ولاعاوٍ في خراب يأتمُّ بغراب (ومَن يكن الغراب له دليلا يَمُرَّ به على جِيَف الكلابِ )، ولا يَفتننّكم عنه مُنْزَوٍ في خنقة، ولا مُلْتَوٍ في زَنقة(بالتحريك، هي السكة الضيّقة، كما في » لسان العرب « مادة: زنق، ولا يزال أهل المغرب إلى اليوم يستعملونها كثيرا، لكن بتسكين النون)، ولا جالسٌ في ساباط (" سقيفة تحتها ممرّ نافذ " » المصباح المنير « مادة: سبط.) على بساط، يُحاكي فيكم سنّة الله في الأسباط (سنة الله في الأسباط هي التفرق، قال تعالى:{وقطَّعْناهمُ اثْنَتَيْ عشرْةَ أَسْباطاً أُمَمًا}.


وما أصدق هذه الأوصاف التي ذكرها الشيخ على التحزب! لذا لم يكن هذا السجع كسجع الكهان؛ لأن الكهان يكذبون، وهذا حق مثلما أنكم تنطقون؛
فإنه وإن بدا التحزب واصلا جامعا، فإنه لا يلبث أن يكون ممزقا قاطعا. وإن بدا أنه يحيي في الناس الغيرة على المحارم،
فإن حقيقته أنه يحيي فيهم الغيرة على (محارم الحزب) ويقتل فيهم الغيرة على محارم الله؛ ألا ترى الواحد منهم إذا انتُقِد قطب حزبه كيف يفارق،
وتحيَى فيه معاني البراء؟! وإذا جاءه الطاعن في الصحابة فلا بأس أن يعانق، ويذكر معه معاذير الولاء؟! بل لا يمانع من التقارب مع الطاعن في صفات ربه بخنجر التأويل والتحريف، أو بتسليط سيف التكذيب والتكييف.
وهكذا يجمع الحزبُ ما صفا وكدر من المعتقد، كما يجمع الميزاب من الماء ما صلح وفسد،
كما أن التحزب تغرير بسراب الأماني، وحسبك أنه حرب على العلم؛
 
رد: ألف ليلة وليلة

لا - يا شيخَ الأزهر-؛ فالسلفيَّةُ أَمَنَةُ العَصْر -في كُلِّ مِصْر-..

روَى الإمامُ مُسلمٌ في «صحيحِهِ» (2531) عن أبي مُوسَى الأشعريِّ، قال: صَلَّيْنا المَغْرِبَ مع رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، ثُمَّ قُلْنا: لو جَلَسْنا حتّى نُصَلِّيَ معهُ العِشاء، قال: فجَلَسْنا، فخَرَجَ علينا، فقال:
«ما زِلْتُم ها هُنا؟».
قُلنا: يا رسولَ الله؛ صَلَّيْنا مَعَكَ المغرِبَ، ثُمَّ قُلْنا: نَجلِسُ حتَّى نُصَلِّيَ معكَ العِشاءَ، قال:
«أحسَنْتُم -أو- أصَبْتُم-».
قال: فرَفَعَ رأسَهُ إلى السَّماء -وكان كثيراً ممّا يَرفَعُ رأسَهُ إلى السَّماء-، قال:
«النُّجُوم أَمَنَةٌ للسَّماء؛ فإذا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أتَى السَّماءَ ما تُوعَدُ، وأنا أمَنَةٌ لأصحابِي، فإذا ذَهَبْتُ أتَى أصحابِي ما يُوعَدُون، وأصحابِي أمَنَةٌ لأُمَّتِي، فإذا ذَهَبَ أصحابِي أتَى أُمَّتِي ما يُوْعَدُون».
وقال العلَّامةُ الكلاباذيُّ في «بَحر الفوائد» (ص146) شارِحاً قولَهُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «أصحابِي أمَنَةٌ لأُمَّتِي»-:
«يَعْنِي: مِن الاختلافِ في الدِّين، فظُهورِ البَدَعِ والأهواءِ المُرْدِيَةِ؛ فقد كانَت الأمَّةُ في زَمَن أصحاب النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- على ما فَارَقُوا عليه رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مِن الحنيفيَّةِ السَّمْحَةِ، التي قالَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «وأَيْمُ الله؛ لأَتْرُكَنَّكُم على البيضاءِ؛ لَيْلُها ونَهارُها» [رواهُ أحمد (17142) -وغيرُهُ-].
وكانت الأُمَّةُ على ذلك في حَياةِ أصحاب رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فلمّا ذَهَبَ أصحابُهُ: ظَهَرَت الأهواءُ والبِدَع، واخْتَلَفُوا في الدِّين، وتَفَرَّقُوا في الآراءِ والدِّيانات؛ فكفَّرَ بعضُهُم بَعضاً، وتَبَرَّأَ بعضُهُم مِن بعضٍ، فصارُوا فِرَقاً شَتَّى...».
.. ومَن كان -بَعْدُ- على ما كانُوا عليه: وُفِّقَ -واللـهِ- إلى مِثْلِ ما هُدُوا إليه...
ولا نَعْلَمُ -مُنذُ عُصورٍ وعُصور- جَماعةً أو أفراداً -بالجُملَةِ- مُلتزِمِين مَنهجَ الصحابةِ -رضيَ اللهُ عنهُم- ومَن تَبِعَهُم مِن التَّابِعِين، وأتباعهم -أكثرَ مِن حَمَلَةِ الدَّعوةِ السَّلَفِيَّةِ المُبارَكَةِ؛ القائمة في منهجِها -تأصيلاً وتَفصيلاً- دَعْوَةً، ومِنهاجاً، واعتقاداً، وسُلوكاً- على تحقيقِ الأمنِ، والأمانِ، والإيمانِ:
- الأمن الاجتماعِي والنَّفسي..
- الأمان الوطني والعالمِي..
- الإيمان الشرعيّ والدِّيني.
كُلُّ ذلك -بضوابطِهِ الشرعيَّةِ العظيمةِ- تحقيقاً -علميًّا عمليًّا- لِقولِ ربِّ العالمِين: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون}..
{..لَهُمُ الأَمْنُ ..} «في الدُّنيا والآخرة» -كما قال العلَّامةُ المُناوِيُّ في «التَّيسير بشرح الجامع الصَّغير» (2/385)-.
فالعصمةُ مِن فِتَنِ العَقائدِ والأفكار: لا تكونُ إلّا باتِّباعِ منهج الصَّحابةِ، والتَّابِعِينَ، وأتباعِهِم- الذين هُم سَلَفُ الأُمَّةِ الصَّالِحُون-.
والنَّجاةُ عند الله -تباركَ وتعالى- الغفَّار الجَبَّار: إنَّما تَكُونُ بسُلوكِ منهجِهِم، وامْتِثالِ طريقِهِم -رضيَ اللهُ عنهُم-: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ }.
أي: «إنْ أتَوْا مِن الإيمانِ بمِثلِ ما أتَيْتُم به؛ فهُم على مِلَّةِ إبراهيم، وهُم مُهتدُون.
وإنْ لمْ يَأْتُوا بمِثلِ إيمانِكُم؛ فليسُوا مِن إبراهيم ومِلَّتِهِ في شيءٍ، وإنَّما هُم في شِقاقٍ وعَداوةٍ..» -كما قالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ في «بدائع الفوائد» (4/156)-.
ولكنَّ هذا -كُلَّهُ- لا يَنْفِي -كيفما كان الأمرُ- وُقوعَ خَطَأٍ فرديٍّ، أو زَلَلٍ شخصيٍّ مِن أيِّ أحدٍ مِن أولئكَ الأبرار الأخيار؛ فَضلاً عمَّن اتَّبَعَهُم مِن عُمومِ أفرادِ الأُمَّةِ -مِن الصِّغار، أو الكِبار-.
وذلك على نحوِ ما رَوَى الإمامُ البخاريُّ في «صحيحِهِ» (4339) في قصَّةِ بَعْثِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- خالدَ بنَ الوليد -رضيَ اللهُ عنهُ- إلى بَنِي جَذِيمَةَ؛ لِيَدْعُوَهُم للإسلامِ.
وفيها: قَتْلُهُ -رضيَ اللهُ عنه- لبعضِهِم لـمَّا قالُوا: (صَبَأْنا)، بَدَلاً مِن أنْ يَقُولُوا: (أسْلَمْنا)!
فقال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «اللهمَّ إنِّي أبْرَأُ إليكَ ممَّا صَنَعَ خالِد».
وهكذا مَن بَعْدَهُ -رضيَ اللهُ عنهُ-؛ فقد يتجاوزُ أحدٌ مَقاديرَ الشَّرْعَ! وقَد يُخطِئُ بعضٌ التصوُّرَ والفَهْمَ!! وقد يَزِلُّ نَفَرٌ في التَّنزيل والتَّطبيق!!!
كُلُّ ذلك لا يَجُوزُ -ألْبَتَّةَ- أنْ يكونَ سَبَباً -أو باباً- إلى الطَّعْنِ بهم، أو التَّشكيكِ بمنهجِهِم.
وكذلك مَن بَعْدَهُم -ممَّن سارَ مَسِيرَهُم -سَواءً بسواءٍ-...
وبَعْدُ:
فقد قَرَأْنا ما تَناقَلَتْهُ الصُّحُفُ العالميَّةُ، ووسائلُ الإعلامِ مِن وَصْفِ الدُّكتور أحمد الطَّيِّب -شيخِ الجامع الأزهر- للسلفيِّين بأنَّهُم: (خوارج العَصْر)!!!
وقد جاء ذلك منهُ -غَفَرَ اللهُ له- رَدَّةَ فِعْلٍ على ما (نُسِبَ!) إلى مَجموعةٍ مِن السلفيِّين -في بعضِ المُحافَظات المصريَّةِ -مِن إضرامِ النِّيران في ضَريحِ بعضِ مَشاهير الصُّوفيَّة -هُناك-!
ولو كان إنكارُهُ -هَداهُ اللهُ- مَحصوراً بنَقْدِ الفِعْل، وانتقادِ عَيْنِ مَن قامَ به: لهانَ الأمرُ، وسَهُلَ الخَطْبُ!!
بل هو عينُ العَدْل والصَّواب.
لكنَّهُ عَمَّمَ القولَ، ووسَّعَ الطَّعن!!
وهذا لا يَليقُ بمَن هو في مكانَتِهِ -عَفَا اللهُ عنهُ- أبداً-..
والواجبُ: البَحْثُ في هذا الموضوع مِن جِهَـتَيْن:
- الأُولَى: حُكْمُ بِناءِ الأضرحةِ على القُبورِ!
- والثانية: ضوابط الأمر بالمعروفِ، والنَّهي عن المُنكَرِ.
* وأمّا بالنِّسبةِ للنُّقطةِ الأُولَى؛ فأقولُ:
رَوَى الإمامُ مُسلمٌ في «صحيحِهِ» (969) عن أبي الهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ، قال: قال لي عليُّ بنُ أبي طالِبٍ: أَلَا أبْعَثُكَ على ما بَعَثَنِي عليه رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-؟!
«أنْ لا تَدَع تِمثالاً إلّا طَمَسْتَه، ولا قَبْراً مُشْرِفاً إلّا سَوَّيْتَه».
وكذلك: ما رَواهُ البخاريُّ (435)، ومُسلمٌ (531) -عن عائشةَ، وابن عبَّاس -رضيَ اللهُ عنهُما-، أنَّ رسولَ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، قال:
«لَعْنَةُ الله على اليهود والنَّصارَى؛ اتَّخَذُوا قُبورَ أنبيائِهِم مساجدَ».
تقولُ عائشةُ: يُحَذِّرُ مِثلَ الذي صَنَعُوا.
... في أحاديثَ أُخَرَ مُتعدِّدَةٍ.
ولقد ذَكَرَ شيخُ الأزهر -غَفَرَ اللهُ له- في تصريحِهِ المُشارِ إليه - أنَّهُ: (على فِقْهِ الأئمَّةِ الأربعةِ)!
فأقولُ:
ونِعِمَّا هُو!
ولكنْ؛ أينَ الدّعْوَى مِن الحقيقةِ؟!
والدَّعاوَى ما لَم تُقيمُوا عليها بيِّــناتٍ أبنـاؤُها أَدعِـــياءُ
فقد «اتَّفَقَت المَذاهِبُ الأربعةُ على تحريمِ اتِّخاذ القبور مساجدَ، ومنهم مَن صرَّح بأنَّه كبيرة» -كما قال شيخُنا الإمامُ الألبانيُّ في كِتابِهِ العُجاب «تحذير الساجد مِن اتِّخاذ القبور مساجد» (ص48)-.
مِن ذلك:
قول العلَّامة الفَقيه أحمد بن حَجَر الهَيْتَمِيّ الشافعيّ -المُتَوَفَّى سَنَةَ (974هـ) -رحمهُ اللهُ- في كتابِهِ «الزَّواجر عن اقترافِ الكَبائر» (1/120)؛ فقد عَدَّ مِن الكَبائر: «اتِّخاذ القُبور مَساجِد، وإيقاد السُّرُج عليها، واتِّخاذها أوْثاناً، والطَّواف بها، واستلامها، والصَّلاة إليها».
وذَكَرَ الإمامُ أبو عبد الله القرطبي المالكي -المُتوفَّى سَنَةَ (671هـ) -في «تفسيرِهِ» (10/38):
«قال عُلماؤُنا: يَحْرُمُ على المُسلمِين أنْ يَتَّخِذُوا قُبورَ الأنبياءِ والعُلَماءِ مَساجدَ».
... وهكذا في نُصوصٍ مُتعدِّدةٍ عن عُلماء المذاهب الأربعة -جميعاً-وغيرهم-.
* أمَّا النُّقطة الثَّانِيَةُ؛ فلها ضوابطُها الدَّقيقة، وأُصولُها العلميَّةُ الوَثيقَة.
فلئِن قرَّرْنا ما قَرَّرَهُ أئمَّةُ العِلْمِ -مِن قَبْلُ- مِن تحريمِ البِناءِ على القُبورِ -كالأضرِحَةِ -ونحوِها-؛ فَضْلاً عن اتِّخاذِها مَواضِعَ عِبادةٍ كالصَّلاةِ إليها، أو مُضادَّة ألوهيَّة الله -تعالى-؛ بالنَّذْرِ لها، والاستِغاثةِ بأهلِها؛ لكنَّنَا نَقولُ:
إنَّ إنكارَ هذا يجبُ أنْ يكونَ ضِمْنَ إطارِ الشَّرع الحَكيم، ووَفْقَ أُصولِه -بَدْءاً وانْتِهاءً-.
ولقد قال الإمامُ ابنُ القيِّمِ في «إعلامِ المُوقِّعِين» (3/12) -مُلَخِّصاً هذا المعنَى بعباراتٍ علميَّةٍ قويَّةٍ -مُوجَزَةٍ-:
«إنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- شَرَعَ لِأُمَّتِهِ إيجابَ إنكارِ المُنكَرِ؛ لِيَحْصُلَ بإنكارِهِ مِن المعروفِ ما يُحِبُّهُ اللهُ ورسولُهُ.
فإذا كان إنكارُ المُنكَرِ يَستلزِمُ ما هو أنْكَرُ منهُ، وأبْغَضُ إلى الله ورسولِهِ: فإنَّهُ لا يَسُوغُ إنكارُهُ- وإنْ كان اللهُ يُبغِضُهُ، ويَمْقُتُ أهْلَهُ-..».
ثُمَّ قالَ -رحِمَهُ اللهُ-:
«وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا جَرَى عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ: رَآهَا مِنْ إضَاعَةِ هَذَا الْأَصْلِ، وَعَدَمِ الصَّبْرِ عَلَى مُنْكَرٍ؛ فَطَلَبَ إزَالَتَهُ، فَتَوَلَّدَ مِنْهُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ؛ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرَى بِمَكَّةَ أَكْبَرَ الْمُنْكَرَاتِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهَا.
بَلْ لَـمَّا فَتَحَ اللهُ مَكَّةَ، وَصَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ: عَزَمَ عَلَى تَغْيِيرِ الْبَيْتِ، وَرَدِّهِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ، وَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ - مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ - خَشْيَةُ وُقُوعِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ -مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِ قُرَيْشٍ لِذَلِكَ-؛ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ، وَكَوْنِهِمْ حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ...».
لذلك؛ كان الواجبُ على شيخ الأزهر -هداهُ اللهُ- ضَبْطَ القضيَّةِ وَفْقَ الأُصولِ العلميَّة والشرعيَّة؛ وذلك ببيان الحُكْم الشَّرعيّ مِن طَرَفَيْه -جميعاً-...
لا أنْ يُنْكِر فِعلاً -ما- لمخالفةٍ -ما-، مع سُكوتِهِ عن بيانِ المُنكَرِ الأكبر -أصلاً-، والذي هو الدَّافِعُ الأساسُ إلى هذا الفِعل المُنكَر -تَبَعاً-.
يا فضيلةَ الشَّيخ:
إنَّ الدعوةَ السَّلَفِيّةَ حَرَصَت -مُنذُ عُصورِها النَّيِّرَةِ الأُولَى -على المحافظة على الأمن، والأمان، والإيمان -تأصيلاً، وتَفصيلاً-.
ويجبُ أنْ تَعْلَمَ -يَقيناً- أنَّهُ ما مِن أحدٍ -اليومَ- جَماعاتٍ وأفكاراً- ردَّ على الخوارجِ أفكارَهُم، ونَقَضَ عليهِم مذهبَهُم، وأفسدَ عليهِم صنائعَهُم: أكثرُ مِن الدَّعوةِ السلفيَّةِ، وعُلمائِها، وأبنائِها، ودُعاتِها...
وذلك مِن خلالِ مُؤلَّفاتِهِم، ورُدودِهم، ومُناظراتهم، ومُحاضراتهم، ودُروسهم، واجتماعاتهم... و.. و..
وبخاصَّةٍ في مسألتَيْن كَبيرتَيْنِ؛ تُشَكِّلان هُما -اليومَ- أكبرَ مَصدَر قَلَقٍ وتَنْغِيصٍ للشُّعوب الإسلاميَّة -عامَّة-، وأولياء أُمورِها -خاصَّة-:
- الأولَى: تكفيرُ الحُكَّام المُسلمِين، ووصفُهُم بالرِّدَّةِ عن الدِّين -مِن غيرِ ضوابط، ولا هُدَى -ولا يَقين-.
- الثانية: الخُروج عليهم، والمُناداة بالجِهاد ضدَّهُم، وإيقاع أكثر شُعوب العالَـم الإسلاميِّ في فِتَنٍ لها أوَّلٌ، وقد لا يكونُ لها آخِرٌ!
.. فأينَ جُهودُ الأزهرِ -أو شيوخه- في (بعضِ) هذا الأمر -يا فضيلةَ الشَّيخ-؛ مُقارَنَةً مع جُهودِ الدُّعاةِ السلفيِّين -كُلٌّ حَسْبَ مَوقِعِهِ -عِلماً وعَمَلاً-؟!
فذاك الوصفُ القبيحُ للسَّلَفِيَّةِ -أو دُعاتها- بأنَّهُم (خوارج العَصْر)-: وَصْفٌ جائرٌ يُناقِضُ الشَّرع؛ وتوصيفٌ ظالمٌ يُخالفُ الواقعَ...
ويَزدادُ قُبْحُ هذا الوصفِ -خَلَلاً، وانْحِرافاً-: عند السُّكوت عن المُبْطِلين -حقًّا-؛ مع تنزيل هذا الوَصْفِ على أهلِ الحقِّ -صِدْقاً-.
فالعدلَ.. العدلَ..
والعلمَ.. العلمَ..
و:
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد}..
و:
{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}..

بقلم الشيخ /على الحلبى
_______________
 
رد: ألف ليلة وليلة

الليلة 33


لماذا لا يلجأ أهلُ السُّنَّة في إصلاَحِهم إلى الحلِّ السِّياسيِّ والحلِّ الدَّمويِّ؟

بقلم :
فضيلة الشَّيخ
عبد المالك بن أحمد رمضاني الجزائري
- حفظه الله ورعاه -

بسم الله الرحمن الرحيم



جاءَ الدِّينُ الإسلاَميُّ شاملاً لجَميع حاجاتِ الخَلقِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين﴾[النحل:89]، ومِن هذهِ الحاجاتِ الجانبُ السِّياسيُّ الَّذي به انتِظامُ اجتِماع النَّاس، والجانبُ الجِهاديُّ الَّذي به ضَمانُ عزِّهم وصدُّ عُدوانِ المُعتدي علَيهم، وشرفُ القائم علَيهما بعِلم وعدلٍ أمرٌ مَعلومٌ، هَذه المقدِّمةُ قدَّمتُها لبَيانِ أنَّ السِّياسةَ الشَّرعيَّةَ مِن الدِّين، وأنَّ الجِهادَ المَشروعَ من الدِّين أيضًا، بل هو ذِروةُ سَنامِه كما أَخبرَ بذَلك الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم.
لكن لمَّا تخلَّى كَثيرٌ من المُسلمِين عن كَثيرٍ ممَّا جاءَ بهِ دينُهم أصابَهم من المصائب ما لاَ يخفَى على أحدٍ، فبَينما هي أمَّةٌ واحدةٌ عَزيزةُ الجانب مَنيعةُ الأَسوارِ إذْ تحوَّلَت وَحدتُها إلى فُرقةٍ وقوَّتُها إلى ضَعفٍ إلاَّ ما شاءَ الله، وقد قامَت دَعواتٌ إسلاميَّةٌ لإصلاَح الأوضاع؛ لكن اختلَفوا في ذلكَ بحسَب اختلاَفِهم في تَحقيقِ جُذور البليَّة، وأكثرُها يرَى أنَّ ما أَصابَ المُسلمِين اليومَ من نكَساتٍ عَظيمةٍ سببُه الرَّئيسُ هو الفَسادُ السِّياسيُّ، وقد وصَلَ إلى هَذا الاستِنتاج جَماعاتٌ مُختلفةُ المَناهج، وما سلَكوه في إصلاَح هذا الفساد السِّياسيِّ هو الَّذي بايَنَ بين مَناهجِهم زيادةً على تَبايُن أُصولِهم، وقد برزَ على السَّاحةِ منها بُروزًا ظاهرًا جماعتانِ: الأولى ترَى أنَّ الأمرَ يَحتاجُ إلى دخول المعتركِ السِّياسيِّ لـ «أَسْلمةِ» برامج الدَّولةِ كما يعبِّرون، بَينما ترَى الأُخرى أنَّه لاَ دواءَ لما ذُكر إلاَّ بالقتالِ.
فالأوَّلونَ ظنُّوا أنَّ الأَمرَ يَحتاجُ إلى السِّباقِ إلى السُّلطةِ!
والآخَرونَ مَا يرَونَه إلاَّ في قَطفِ الرُّؤوس المُتسلِّطةِ!
وليسَ الخلاَفُ هنا في الاعتِرافِ بفَسادِ الحالِ، ولاَ هو في ضَرورةِ السَّعي لإِصلاَحِه أو عدَم ذَلك؛ ولَكن الخلاَف في طَريقتِه، وأثرُ الاختلاَفِ في ذلكَ مَعلومٌ؛ لأنَّ الطَّريقةَ الإصلاَحيَّةَ إذَا جُهلَت أو أُغفلَت ظلَّ صاحبُها يُكابدُ التَّغييرَ من غَير بابِه، وكانَ كمَن يَقصدُ هدفًا من غَير طَريقِه، فمتَى يَصِل؟!
وكذلك بالنِّسبة للبَحث في أَصل الانحِراف؛ فإنَّ طَبيعةَ العلاج تَختلف باختلاَف التَّعرُّف على أصل الدَّاء، لذَا، أَحببتُ تَبيينَ أَصل بليَّة المُسلمينَ؛ لأنَّ الاهتِداءَ إلى تَعيينِه يَعني الاهتِداءَ إلى العلاَج؛ فإنَّ التَّوصُّل إلى علاَج كلِّ داءٍ يَنطلِقُ من جُذورِه.
إنَّ النَّاظرَ في سيرةِ المُصلحِين ـ وعلى رَأسهم الأنبياء ـ يَعلمُ يَقينًا مُخالفةَ هاتَين الجَماعتَين لهؤلاَء، سواء بالنَّظر إلى جُذور البليَّة أو بالنَّظرِ إلى الطُّرقِ الإصلاَحيَّة؛ لأنَّ الأَنبياءَ ـ عليهم الصَّلاة والسَّلامُ ـ بُعثوا في أَقوامٍ اجتمَعَ فيهم الشَّرُّ كلُّه بما فيه الشَّرُّ السِّياسيُّ، فلم يَجئ في الكتاب والسُّنَّة دلاَلةٌ قطُّ على أنَّهم اتَّجهوا أوَّلَ ما اتَّجهوا إلى إصلاَح الأَوضاع السِّياسيَّةِ بمُمارستِها أو بمُمارسةِ الأعمالِ الدَّمويَّة.
ومَن نظَرَ في دَعوةِ الأَنبِياءِ بعَين التَّسليم والاقتِداءِ بانَ له هَذا بجلاَءٍ، وأَيقنَه بلاَ كَبيرِ عَناءٍ؛ فإنَّهم دُعُوا للمُشاركةِ في السُّلطةِ فأَبَوا إلاَّ أن يَقولُوا لقَومِهم ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِين﴾[الشعراء:109]، وقد بُعثَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم في وقتٍ عمَّ فيهِ الفَسادُ السِّياسيُّ المَعمورةَ وما كانَ يُركِّز على الإِصلاَح السِّياسيِّ على الرّغم من أنَّ السِّياسةَ من الدِّينِ كما مرَّ، ودُعيَ صلى الله عليه وسلم للمُشاركةِ في المُلكِ من قِبَل كُبراءِ قُريش فأبَى، انظُرْ له «تَفسيرَ ابن كَثير» عندَ أوَّل سورةِ فُصِّلَت، فقَد ذكرَ بعضَ الرِّواياتِ في هَذا المَعنى، وانظُرْ تَخريجَها وتَحسينَ الشَّيخ محمَّد ناصِر الدِّين الألباني لها في تَعليقِه على «فقه السِّيرة» (ص 106)، وفي بَعض طرُقِها أنَّهم قالُوا له صلى الله عليه وسلم: «وإن كنتَ تُريدُ به شرَفًا سوَّدْناكَ علَينا حتَّى لاَ نَقطعَ أَمرًا دُونكَ، وإن كنتَ تُريدُ مُلكًا ملَّكْناكَ علَينا...»، بل مَن قارَنَ دَعوتَه صلى الله عليه وسلم المُلوكَ والرُّؤساءَ بدَعوتِه الشُّعوبَ عرَفَ الفَرقَ:
فقَد كانَ مع الشُّعوبِ يَتحرَّكُ لدَعوتِهم في النَّوادِي والأَسواقِ والبُيوتِ وغيرِها ويتحرَّق لذَلك، ويُنادِيهم قَبائلَ وفُرادَى لاَ يَفترُ حتَّى بلَغَ بهِ الحُزنُ علَيهم مَبلغَه، فقالَ له ربُّه عز وجل: ﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون﴾ [فاطر:8]، بل كادَ يُهلكُ نفسَه مِن أَجلِهم حتَّى قالَ له ربُّه: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف:6].
وأمَّا معَ المُلوكِ والرُّؤساءِ ففي غالِب حالِه صلى الله عليه وسلم أنَّه لاَ يُكلِّف نفسَه الذَّهابَ إلَيهم، بل يَكتَفي بإِرسالِ بعض سُفرائِه إلَيهم بكَلمةٍ قَصيرةٍ ويَمضِي، وهيَ قولُه: «مِن مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله ورَسُولِه إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّوم: سَلاَمٌ على مَن اتَّبَعَ الهُدَى، أمَّا بَعْدُ؛ فإِنِّي أَدْعُوكَ بدِعَايَةِ الإِسْلاَم، أَسْلِمْ تَسْلَم يُؤْتِكَ اللهُ أَجرَكَ مَرَّتَيْن، فإِنْ تَوَلَّيتَ فإنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ، ﴿و يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون﴾ [آل عمران:64]» رواه البخاري (7) ومسلم (1773).
فقارِنْ ـ أيُّها المتَّبِع!ـ بينَ هَذه الدَّعوةِ النَّبويَّةِ الحَكيمةِ وبينَ الخُطَب السِّياسيَّةِ الطَّويلةِ والَّتي أخذَت أَعمارَ أَصحابِها برُمَّتها حتَّى شابَت لِحاهم معَها تُدرِك أيّ الفَريقَين أَحقّ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
بل أَسلَمَ في وَقتِه صلى الله عليه وسلم ملكٌ عَظيمٌ، ألاَ وهوَ النَّجاشي ملِكُ الحبَشةِ، فلم يُفكِّر صلى الله عليه وسلم في الهِجرةِ إلَيه لاستِيطانِ مَملكتِه أو جَعلِها نَواةَ دَولتِه، ولاَ قالَ: مِن مِثل هَذا القَصر تَنطلقُ الدَّعوةُ؛ لعِلمِه صلى الله عليه وسلم أنَّ الشُّعوبَ إن لم تَكُن مُقتنعةً بالإِسلاَم فإنَّه لاَ يَنفعُها كَثيرًا تَحصيلُ سُلطانِه، إذًا فعلى المتأسِّينَ بالأَنبِياءِ أن يُعنَوا بطَريقِهم في الإِصلاَح، وحينئذٍ فَلْيبشرُوا.
إنَّ أثرَ صلاح المُلوكِ في صلاَح الرَّعيَّة غيرُ مَجهولٍ؛ لكن لمَّا كانَ صلاحُ الملوكِ أو فسادُهم تابعًا لصلاَح الشُّعوب أو فَسادِها لاَ العَكس، كانَ هذا التَّباينُ في سيرةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم بين إصلاَح الرَّاعي وإصلاَح الرَّعيَّة، وذاكَ الاهتِمامُ الشَّديد بدَعوةِ الشُّعوب أكثر من الاهتِمام بدَعوةِ مُلوكِهم.
ولاَ شكَّ أنَّ فَسادَ حالِ المُسلمِينَ في بلَدٍ ما سببُه فَسادُ الرَّاعِي والرَّعيَّةِ، وإذَا باتَ مَعلومًا أنَّ الرَّاعيَ قد يتسبَّبُ في إِفسادِ الرَّعيَّة بما يَبثُّه فيهم مِن أَنظمةٍ مُخالفةٍ لشَرع ربِّ العالمِينَ، فَلْيُعلَم أنَّ فَسادَ الرَّاعي متسبَّبٌ عن فَسادِ الرَّعيَّة أوَّلاً؛ لأنَّ اللهَ قال: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون﴾ [الأنعام:129]، فأَخبرَ أنَّ مِن قدَرِه سبحانَه تسليطَ الظَّالم على الظَّالم، ومِن هَذا المعنَى قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء:16]، فأَخبرَ سُبحانَه أنَّه يُسلِّط المَسئولِين المُترَفِين بفِسقِهم على أَهْل القَريةِ المُستحِقَّة للإِهلاَك، ولاَ ريبَ أنَّها ما استَحقَّت الإِهلاَكَ إلاَّ وهيَ ظالِمةٌ؛ كما قالَ تَعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ [الكهف:59].
وبهَذا التَّفسيرِ فَهِم بَعضُ السَّلفِ الآيةَ؛ فقَد روَى أبو نُعيم (6/30) والبيهقي في «شُعب الإيمان» (7389) وأبو عَمرو الدَّاني في «السُّنن الواردة في الفِتن» (299) بسندٍ صَحيحٍ عن كَعب الأَحْبار أنَّه قالَ: «إنَّ لكلِّ زَمانٍ مَلِكًا يَبعثُه اللهُ على قُلوبِ أَهلِه ([1])، فإذَا أَرادَ اللهُ بقَومٍ صلاَحًا بعَثَ فيهم مُصلحًا، وإذَا أَرادَ بقَومٍ هَلكةً بعَثَ فيهم مُترَفًا، ثمَّ قرَأَ: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء:16]»، قالَ المُناوي في «فيض القدير» (1/265): «والتَّقديرُ: بقَومٍ أَهْل سُوءٍ سُوءًا؛ فإنَّه تَعالى إنَّما يُوَلِّي علَيهم مُترَفيهم لعَدَم استِقامتِهم».
وقد صرَّحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأنَّ تسلُّطَ السُّلطانِ على النَّاس بظُلمِه مَبدؤُه تسلُّطُ ذُنوبِهم علَيهم أوَّلاً، فقالَ: « ولَمْ يَنْقُصُوا المِكْيَالَ والمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المُؤنَةِ وجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ» الحديث، أخرجَه ابنُ ماجَه (4019) وصحَّحه الألبانيُّ في تَعليقِه علَيه.
وهكذَا تَفعلُ الذُّنوبُ، ما حلَّت نُذرُها بساحةِ قومٍ إلاَّ ساءَ صَباحُ المُنذَرين، فانكشَفوا عن عدوٍّ أَبادَ خضراءَهم، واجتَنحَ أَرزاقَهم، واستَباحَ حُرماتِهم، وقيَّدَ حرِّيَّاتِهم، وفعلَ بهم من المُنكَرات على قَدْر مَا أَصابُوا من السَّيِّئاتِ، وفاتَهم من المَسرَّاتِ بحسَبِ ما فوَّتوا على أَنفسِهم من الطَّاعاتِ، والرَّبُّ حكَمٌ عَدلٌ، وبه المستعانُ.
ولمَّا كانَ هَذا هو الأَصل، فإنَّ اللهَ عز وجل جعَلَ إِصلاَحَ النَّفْس السَّبيلَ الوَحيدَ لإِصلاَح الرَّاعي والرَّعيَّة، فقالَ: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]، فلذَلكَ كانَ سيِّدُ المُصلحِين صلى الله عليه وسلم لاَ يَزيدُ في افتِتاح خُطبِه على التَّعوُّذ من شرِّ النَّفس، فيَقولُ: «...وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا» رواه أصحابُ السُّنن وصحَّحَه الألبانيُّ فيها، فلِماذَا يُعرِض كَثيرٌ من الدُّعاةِ عن طاعةِ الله في هَذا واتِّباع رَسولِه صلى الله عليه وسلم ؟!
إنَّ الَّذي دَعاني لهَذه الكَتابةِ هو الإِشفاقُ على الجُهودِ المَبذولةِ في الدَّعوةِ الإِسلاَميَّةِ من أن تَضيعَ بلاَ فائدةٍ تُذكَر، لاَ سيما وأنَّ هَذهِ الجُهودَ قد شمَلَت مِساحاتٍ وَاسعةً من مَجالاَت الدَّعوةِ وأَخذَت من أوقاتِ أَصحابِها مَا لو استَرشَدوا فيها بهَدْي الكِتاب والسُّنَّة ونظَروا في سيرةِ الأَنبِياءِ بعَين الاتِّباع لبلَغوا ـ بإِذْن الله ـ الغايةَ في أَقصَر زمنٍ، ولكنَّ الَّذي يَنحرِف عن ذَلكَ من الصِّنفَينِ المُشارِ إلَيهما يُخشَى علَيه ألاَّ يَكونَ له نَصيبٌ من عملِه هَذا سوَى نَظير مَا لمَن قالَ فيهِ ربُّنا عز وجل: ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَة﴾ [الغاشية:3]...
هَذه هيَ حالُ المُغالِين في العمَل السِّياسيِّ والدَّمويِّ، أمَّا في العِلم فلاَ يَكادونَ يَعرِفونَ منه سوَى رَصدِ حرَكاتِ الأُمراءِ والرُّؤساءِ وحِفظِ أَخطائِهم كما يَحفَظونَ أَسماءَ أَبنائِهم!
وأمَّا في الدَّعوةِ فلاَ يَكادونَ يَخرُجونَ عن مَضْغ أَعراض أُولئكَ وتَحفيظِها أَجيالَهم معَ إِهمالِ الجَماهيرِ الَّتي يَغلُبُ علَيها الجَهلُ بدِين الله عز وجل، ولقَد كادَ يمرُّ علَينا عُقودٌ من الزَّمنِ، وليسَ لنَشْئِنا فيها مِن حَديثٍ سوَى هَذا اللَّغوِ الزَّمِن، مع المُبالغةِ في تَعظيم «فِقه الوَاقع»، حتَّى إنَّه ليُلاَزمُه في الحضَر، ويُزامِلُه في السَّفر، فكَم مِن جُهودٍ أُهدرَت مِن هَذا القَبيل، وكَم من أموالٍ بُدِّدَت في هَذه السَّبيل!
والعمَلُ السِّياسيُّ غالبًا ما يَنتهِي بأَصحابِه إلى الدِّماءِ؛ لِما فيه مِن الدَّواهِي الغائلَة، والسُّموم القاتلَة، كما قيلَ: «كَم من دَم، سفَكَه فَم!» يَظلُّ دُعاتُه يُعالِجونَ قُربَ سَرابِه، فيُعاجِلونَ سُكرَ شَرابِه، وتَبقَى الشُّعوبُ مَحرومةً من التَّعليم والتَّربيةِ، على الرّغم من أنَّهم يرَونَها تتخبَّطُ في الشِّركِ والبِدَع؛ لأنَّ الدَّاءَ حسَبَ مُرشدِيهم ليسَ له مَصدرٌ سوَى السُّلطانِ!
وهَا هُم قد قَضوا أَعمارَهم مع الإِصلاَحاتِ السِّياسيَّةِ، فلم يَظفَروا من السُّلطةِ بقُلاَمةِ ظُفرٍ، ولاَ حازُوا مِن الإِصلاَح بطَائفِ نَصرٍ، يتخيَّلونَ التَّدرُّجَ وهم مُستَدرَجونَ، ويتَوهَّمونَ الوُصولَ وهم مُنقطِعونَ! يَكونُ أَحدُهم مُعلِّمًا كأنَّه نبيٌّ في أُمَّته، فتَستفزُّه الأَطماعُ السِّياسيَّةُ إلَيها فيَستجيبُ بدافِع مُزاحمةِ عِلمانيٍّ أو مُنافقٍ، فلاَ تَزالُ به التَّنازلاَتُ واحدةً واحدةً حتَّى يرِقَّ دِينُه وتَذهبُ عنه حلاَوةُ ما كانَ يَجدُ، فيَنزِل مِن وَظيفةِ النَّبيِّ إلى ما دُونَها، ومَن بعُدَ مَطمعُه، قرُبَ مَصرعُه، والأمرُ لله!
وكَثيرًا ما ترَى هَذا الصِّنفَ من الدُّعاةِ يتَملمَلُ من حالِ العامَّة الَّذينَ تحتَ دَعوتِهم، وهم لاَ يَنتبِهونَ إلى مَكمَن الدَّاءِ الَّذي نُدندنُ حَولَه ههنا؛ لأنَّ أَعظمَ ما يَخسرُه الدُّعاةُ المُهتمُّونَ بالسِّياسةِ أنَّهم يَذَرون الشُّعوبَ كما هيَ لاَ تُحسُّ إلاَّ بذُنوب الولاَةِ، فمتَى تُفكِّر في التَّوبةِ والإِصلاَح وهيَ لاَ تَسمعُ إلاَّ كلاَمًا فيمَن يَحكمُها؟! ومَتى عمِيَ المرءُ عن نَفسِه فسَقَ؛ لأنَّ اللهَ قالَ: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾ [الحشر:19].
ولِنفاسةِ هَذا البحثِ فقَد كانَ أَهلُ السُّنَّة يُوصُون به في كتُبِهم الجامعةِ للأُصولِ العقَديَّة، قالَ ابن أبي العزِّ الحنَفي في «شَرْح العَقيدة الطَّحاويَّة» (ص 381ـ الألبانيّ): «وأمَّا وليُّ الأَمر فقَد يَأمرُ بغَير طاعةِ الله، فلاَ يُطاعُ إلاَّ فيما هوَ طاعةٌ لله ورَسولِه، وأمَّا لُزومُ طاعتِهم وإن جَارُوا؛ فلأنَّه يَترتَّب على الخُروج مِن طاعتِهم من المَفاسدِ أَضعافُ ما يَحصلُ من جَورِهم، بل في الصَّبرِ على جَورِهم تَكفيرُ السِّيِّئات ومُضاعفةُ الأُجورِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى ما سلَّطَهم علَينا إلاَّ لفَسادِ أَعمالِنا، والجَزاءُ مِن جِنس العمَل، فعلَيْنا الاجتِهادُ في الاستِغْفار والتَّوبةِ وإِصلاَح العمَل، قالَ تَعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير﴾ [الشورى:30]، وقالَ تَعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران:165]، وقالَ تَعالى: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ [النساء:79]، وقالَ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون﴾ [الأنعام:129].
فإذَا أَرادَ الرَّعيَّةُ أن يَتخلَّصوا من ظُلم الأَمير الظَّالِم فَلْيَتركوا الظُّلمَ، وعن مَالك بن دِينارٍ أنَّه جاءَ في بَعض كتُب الله: «أنا اللهُ مالِكُ المُلك، قُلوبُ المُلوكِ بيَدي، فمَن أَطاعَني جعَلتُهم علَيه رَحمةً، ومَن عَصَاني جعَلتُهم علَيه نِقمةً، فلاَ تَشغَلوا أَنفسَكم بسَبِّ المُلوكِ، لَكن تَوبُوا أُعَطِّفهم علَيكُم».
وهَذا الخبرُ لاَ يَضرُّه أن يَكونَ من الإسرائيليَّاتِ؛ لأنَّه داخلٌ تحتَ قَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ولاَ حَرَجَ» رواه البخاري (3461)، وليسَ فيهِ مَا تَدفعُه شَريعتُنا، فكيفَ وهو مُوافقٌ لِقَواعدِها وأُصولِها كما مرَّ؟! بل جاءَت بَعضُ أَخبارِ الأُمم السَّابقةِ تؤيِّده؛ فعن مَالِك بن دِينَارٍ قالَ: «قَرَأْتُ فِي الزَّبُورِ: إِنِّي أَنْتَقِمُ مِنَ المُنَافِقِ بِالمُنَافِقِ، ثُمَّ أَنْتَقِمُ مِنَ المُنَافِقِينَ جَمِيعًا؛ وَذَلِكَ فِي كِتَابِ الله قَوْلُ الله: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون﴾ [الأنعام:129]» روَاه ابن أبي حاتم في «تفسيره» عندَ هَذه الآيةِ بسندٍ صَحيحٍ.
ولذَلك استَشهدَ به ابن تَيمية في «منهاج السُّنة» (4/546) مع قولِهم: كما تَكونوا يوَلَّى علَيكم، وقالَ: «بل فتنُ كلِّ زَمانٍ بحسَب رِجالِه»، وقالَ أيضًا في «مجموع الفتاوى» (35/20): «وَقَدْ ذَكَرْتُ في غَيْرِ هَذَا المَوْضُوعِ ([2]) أَنَّ مَصِيرَ الأَمْرِ إلَى المُلُوكِ ونُوَّابِهِم مِن الوُلاَةِ والقُضَاةِ والأُمَرَاءِ لَيْسَ لِنَقْصٍ فِيهِمْ فَقَطْ، بَلْ لِنَقْصٍ فِي الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ جَمِيعاً؛ فَإِنَّهُ (كَمَا تَكُونُونَ يُوَلَّى عَلَيْكُمْ)، وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾، وقَد اسْتَفَاضَ وتَقَرَّرَ فِي غَيْرِ هَذَا المَوْضِعِ مَا قَدْ أَمَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَاعَةِ الأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ الله ومُنَاصَحَتِهِمْ والصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِمْ وقَسْمِهِمْ والغَزْوِ مَعَهُمْ والصَّلاةِ خَلْفَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ فِي الحَسَنَاتِ الَّتِي لاَ يَقُومُ بِهَا إلاَّ هُمْ؛ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى، وَمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ تَصْدِيقِهِمْ بِكَذِبِهِمْ وإِعَانَتِهِمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وطَاعَتِهِمْ فِي مَعْصِيَةِ الله وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ والعُدْوَانِ، ومَا أَمَرَ بِهِ أَيْضًا مِن الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ لَهُمْ ولِغَيْرِهِمْ عَلَى الوَجْهِ المَشْرُوعِ، ومَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالاَتِ الله إلَيْهِمْ، بِحَيْثُ لاَ يَتْرُكُ ذَلِكَ جُبْنًا ولاَ بُخْلاً ولاَ خَشْيَةً لَهُمْ ولاَ اشْتِرَاءً لِلثَّمَنِ القَلِيلِ بِآيَاتِ الله، ولاَ يَفْعَلُ أَيْضًا لِلرِّئَاسَةِ عَلَيْهِمْ ولاَ عَلَى العَامَّةِ، ولاَ لِلحَسَدِ ولاَ لِلكِبْرِ ولاَ لِلرِّيَاءِ لَهُمْ ولاَ لِلْعَامَّةِ، ولاَ يُزَالُ المُنْكَرُ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ، بِحَيْثُ يُخْرَجُ عَلَيْهِمْ بِالسِّلاحِ وتُقَامُ الفِتَنُ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن الفَسَادِ الَّذِي يَرْبُو عَلَى فَسَادِ مَا يَكُونُ مِنْ ظُلْمِهِمْ».
ولابن القيِّم كلاَمٌ بَليغٌ في هَذا لم أَرَ أَبلغَ مِنه عندَ أَهل العِلم، قالَ رحمه الله في «مفتاح دار السَّعادة» (1/253):« وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلاَتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلاَتهم ومُلوكِهم، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم، وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم، وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلاَتُهم كذَلكَ، وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها مَنعَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم، وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لاَ يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لاَ يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ، وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم، وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم، ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولاَتُهم كذَلكَ، فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولاَةُ([3])، فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِ العَزيز فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ، بَل ولاَتُنا على قَدْرنا، ووُلاَةُ مَن قَبلَنا على قَدرِهم، وكلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها، ومَن له فِطنةٌ إذَا سافَرَ بفِكرِه في هَذا البابِ رأَى الحِكمةَ الإِلهيَّةَ سائرَةً في القَضاءِ والقَدَر ظَاهرةً وبَاطنةً فيهِ، كما في الخَلقِ والأَمرِ سَواء، فإيَّاكَ أن تظنَّ بظنِّك الفاسدِ أنَّ شَيئًا مِن أَقضيتِه وأَقدارِه عارٍ عن الحِكمةِ البَالغةِ، بل جَميعُ أَقضيَتِه تَعالى وأَقدارِه وَاقعةٌ على أتمِّ وُجوهِ الحِكمةِ والصَّوابِ، ولَكنَّ العُقولَ الضَّعيفةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن إِدراكِها كما أنَّ الأَبصارَ الخَفاشيَّةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن ضَوءِ الشَّمس، وهَذهِ العُقولُ الضِّعافُ إذَا صادَفَها الباطِلُ جالَتْ فيه وصالَتْ ونطقَتْ وقالَتْ، كما أنَّ الخُفَّاش إذَا صادَفَه ظلاَمُ اللَّيل طارَ وسارَ.
خَفافِيشُ أَعْشاهَا النَّهارُ بضَوئِهِ
ولاَزَمَها قِطَعٌ مِنَ اللَّيْل مُظْلِم».
وبهَذا نَأتي على استِخلاَص الجَوابِ الحَاسِم لأَسئلةٍ تتردَّدُ في الأَوساطِ الدَّعَويَّة، كقَولِهم: مَا حُكمُ دُخولِ البَرلَمانات السِّياسيَّة الَّتي لاَ تَحكمُ بما أَنزَلَ اللهُ؟ وقَولِهم: مَا حُكمُ التَّركيز على الإِصلاَح السِّياسيِّ ولو من غَيرِ الدُّخولِ المَذكورِ كما هوَ شَأنُ المُبتلينَ بالتَّشرُّف للمَسئوليَّات ولو بزَعم صَفاءِ النِّيَّة والغَيرةِ على جَناب الدِّينِ؟ وقَولِهم: مَا حُكمُ استِرجاع الحُقوقِ بالضَّغطِ على الدُّوَل عن طَريقِ المُظاهَرات؟ وقَولِهم: هَل عزُّ المُسلمِين مَرهونٌ بالتَّفوُّقِ الحَضاريِّ أو الاقتِصاديِّ؟...
أو قولهم: ما حُكم الانضمام إلى العصاباتِ المسلَّحة لإسقاطِ الدُّوَل ورَفع الضَّيم عن الشُّعوب؟
إنَّ مَن تشبَّعَ بقاعِدةِ بَحثِنا هَذا علِمَ يَقينًا سُقوطَ هَذهِ الأَسئلةِ كلِّها، وأنَّ الجدَلَ فيها قَليلُ الفائدَة، بل عَديمُ العائدَة، وأنَّه لاَ يَسألُ عنها إلاَّ مَن جَهِل طَبيعةَ دَعوةِ الرُّسُل علَيهم الصَّلاةُ والسَّلاَم.
ولأَضربنَّ له مثلَ مُزارِعَيْن أتَيَا أَرضًا لاَ يَنبتُ فيها إلاَّ خَبيثُ الزَّرع، فعمَدَ أَحدُهما إلى ثمَرِه: كلَّما أَينعَ قطَعَه، وعمَدَ الآخرُ إلى الأَرض فاستَصلحَ جُذورَها وتَعاهَدها بالسُّقيَا، فأيُّهم أَحقُّ بالإِصلاَح الزِّراعيِّ؟!
وتأمَّلْ جَوابَه في قَولِه عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون﴾ [إبراهيم:24-26].
وبعدُ، فآمُلُ أن يَفهمَ الشَّبابُ الدَّاعي إلى الله خاصَّةً سببَ إِحجَام أَهل العِلم الرَّاسخِين عن مُشاركتِهم فيمَا هم فيهِ من تَهييجٍ سِياسيٍّ وهوَسٍ سُلطانيٍّ، أو توجُّهٍ دمويٍّ، وأن يَكفُّوا أَلسنتَهم عَنهم؛ فإنَّهم عن عِلمٍ كَفُّوا، وإلى شَرع الله ورَدُوا وعَنه صدَرُوا، وليسَ كما يَظنُّونَ: جُبنٌ وهلَع! وخوفٌ وطمَع! وحينَ يَتعلَّمُ المرءُ تَنقشعُ غُيومُه، وتَحسنُ ظُنونُه، وتَصْدقُ أَحكامُه.
ومَن أَرادَ اللهُ بهِ خَيرًا استَعملَه في طاعةِ الوَقتِ وجنَّبَه مَا لاَ يَعنِيه، وطاعةُ الوَقتِ اليَومَ تَتمثَّل في الجِهادِ العِلميِّ خاصَّةً؛ لأنَّ اليدَ أَقصرُ عن غَيرِه بسبَبِ ضَعفِ المُسلمِينَ، فخَيرُ مَا يُقدِّمُه المَرءُ اليَومَ لنَفسِه ولأمَّتِه هوَ تَعلُّمُ دِين الله وتَعليمُه غَيرَه، فمَن كانَ من أَهل العِلم وطَلبتِه فَلْيُعلِّم مَن بحَوزتِه في حُدودِ ما يُحسِن، ومَن كانَ دونَ ذلكَ فَلْيَجتهِدْ في رِعايةِ أَهلِه بإِيصالِ العِلم إلَيهم، ولْيُجاهِد بمالِه، وذَلك ببِناءِ المَدارس الشَّرعيَّة وطَبع الكتُب الَّتي يَنصحُه بها أَهلُ العِلم، ونَسخ الأَشرطةِ المسموعة وتَوزيعِها على عُموم المُسلمِين، بل وعلى غَيرِهم، وكلٌّ بحسَبِه، ولاَ يَستصغرنَّ هَذا أَحدٌ؛ فإنَّ اللهَ سمَّاه جِهادًا، وأمَرَ فيه بالجِهادِ الكَبيرِ، فقالَ في القُرآنِ الَّذي هوَ أَصلُ كلِّ جِهادٍ عِلميٍّ: ﴿فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان:52]، وهو أَكبرُ الجِهادَين كما نصَّ علَيه ابنُ القيِّم في «مفتاح دار السَّعادة» (1/70)، واللهُ وليُّ التَّوفيقِ.
.................................................. ...
([1]) أي حسَبَ قُلوبِ أَهلِه.
([2]) هَكذا، ولعلَّها: المَوضِع.
([3]) من الشَّوب، وهو الخَلطُ، ويُطلقُ على الخَديعةِ كما في «القاموس».
 
رد: ألف ليلة وليلة

الليلة 34

الحب هو ماء الحياة بل سرها، الحب هو لذة الروح بل روح الوجود، الحب إخلاص وصفاء ونقاء، الحب عهد ورسالة ومبدأ، الحب من أسمى المطالب في الحياة، سعيدٌ من فهمه وناله، شقي من جهله وحُرمه، بالحب تصفو الحياة وتشرق الشمس ويرقص القلب، بالحب تُغفر الزلات وتقال العثرات وترفع الدرجات، ولولا الحب ما التف الغصن على الغصن، ولا عطف الظبي على الظبية، ولا بكى الغمام على جدب الأرض، ولا ضحكت الأرض لزهر الربيع، وحين ينتهي الحب ويضيع تضيق النفوس، ويكون البغض، وتكثر الخلافات والمشاكل، ويوم ينتهي الحب تنتهي الأزهار، وتظلم الأنوار، وتقصر الأعمار، وتُجدب الأرض، وتكثر الأمراض، ويوم ينتهي الحب تطلق النحلة الزهرة، ويهجر العصفور الروض، ويغادر الحمام الغدير.

نعم.. إن الحب من أهم المحركات الرئيسة للحياة الزوجية، إذا فقد فقدت الحياة واللذة الزوجية، وإذا وجد وجدت الحياة ولذتها، ولئن كان الماء سر وجود الكائنات فالحب سر وجود الأرواح وصدق من قال:
إنما الحب صفاء الن فس من حقد وبغض
إنها أفئدة ته وى وتأبى هَتك عرض
وجفون حذرات تلمح الحسن فتغضي


إن أصفى الحب وأعذب العشق وأرقّ الغرام وأحلى الهيام بين الزوجين لا يكون إلا بعد الزواج، فالحب المتبادل بينهما يظهر في اهتمام كل منهما بشؤون الطرف الآخر ومتابعة أحواله والتضحية من أجله، نعم.. يظهر الحب بين الزوجين وتتجلى الرومانسية في حياتهما في ساعات الرضى والغضب وأوقات الصلح والخصام وتربية الأطفال، يظهر الحب بين الزوجين في الملاطفة في أثناء التعامل اليومي والحرص على السلام والتعانق والتقبيل وتبادل المشاعر، وإذا ما تكاثرت وازدحمت الأعباء على كلا الطرفين، فما أجملَ لقاءَ الحبيب بحبيبته والزوج بزوجته عصفورين متحابين متعاونين.

أيها الزوج الكريم:
إذا أردت أن تنعم بعبق الزهور وتغريد الطيور وشذا العطور، وتستمتع بالزهرة الندية واللؤلؤة البهية وتستظل تحت الدوحة الغناء وترتشف من معين البذل والعطاء، فلا شك أن ذلك يكون من حبيبة قلبك ومهجة فؤادك وريحانة ضميرك زوجتك الغالية، فما أجملَ ذلك القلبَ الرقيق، وما أروعَ تلك العاطفةَ الجياشة، وما أسمى ذاك الفؤاد الحنون.

نعم .. إنها الزوجة أجمل ما في الكون، زينة الدنيا وعطر الوجود وسلوان الفؤاد وبهجة الضمير، تُظلِم الأيام في وجه الرجل فتشرق حياته على ابتسامة المرأة، وتعبس الأحداث في دنيا الزوج فيعزف ألحان الرضى على نغمات المرأة، وتقسو الليالي فتذوب قسوتها بزلال من حنان المرأة، لو صرخت الدنيا قائلة للرجل: "أكرهك" فإن المرأة إذا قالت: "أحبك" نسفت ذلك كله، سكنت وجدان النبي صلى الله عليه وسلم وملأ بالسعادة قلبها يوم قال: حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، تشرب المرأة فيدير الكأس ويشرب عليه الصلاة والسلام من موضع فمها، تسافر معه فيسابقها ويمازحها ويضاحكها، يجلس على مائدتها فيأنس لحديثها ويضحك لمزاحها، يهتف بحقوقها وعدم ظلمها، ويلفظ أنفاسه الأخيرة ويودع الحياة وهو يقول: ((استوصوا بالنساء خيرًا))!!

إنها المخلوق العجيب الرقيق الذي يحتاج منك أن تكون لها سماء تظلها وتحتويها، لتكون لك بعد ذلك كالشمس في النهار وكالقمر في الليل، تحتاج منك أن تكون لها الأرض الخصبة لتكون هي المطر المدرار الذي ينبت الشجر ويخرج الورد والرياحين وينتج الثمار الناضجة، إنها تريدك أن تكون لها الينبوع الصافي المتدفق، لتكون هي النهر الرقراق الذي يلتقي ذلك الينبوع ويحتضن كل قطرة منه، إنها تريدك أيها الزوج أن تكون لها مصباحًا يضيء ظلام حياتها، لتكون هي الزيت الذي يوقَد به ذلك المصباح، تحتاج منك فقط شيئًا واحد، أن تُحبَّها ولكن بصدق وإخلاص ووفاء، تحتاج منك أن تحافظ على مشاعرها وتراعي إحساسها، ووقتها أجزم لك أيها الزوج جزمًا قاطعا بل أقسم لك وأحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنها ستكون لك بعد كل هذه المعاملة: زوجة وأمًّا وأختًا وبنتًا وتلميذة وخادمة ورفيقة درب وشريكة حياة، وقتها ستضحي بحياتها من أجلك، بل ستحارب كل الدنيا لئلا يخطفك منها أحد، بل والله لو وضعوا الدنيا بزخارفها المتنوعة في كفة ووضعوك في كفة لرجّحت كفتك ولاختارتك دون كل البشر.

فيا أيها الأزواج:
رويدًا رويدًا، ورفقًا رفقًا بالقوارير..
 
أعلى